الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

5 قضايا على طاولة التحديات مواجهات حياة أو موت لـ«الناتو»

«ما نشهده، هو موت دماغى لحلف الناتو»..لم ينس أحد تلك الكلمات التى قالها الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» فى عام 2019 عن (حلف شمال الأطلسى)، والتى أثارت -حينها - ضجة واسعة إعلاميًا، واستهجانًا غربيًا، إذ كشفت - بشكل صريح - عن صدع حاول أعضاء الحلف إخفاءه خلال الفترة الأخيرة.



 

رغم محاولات رأب الصدع التى باءت بالفشل تارة، والنجاحات الطفيفة تارة أخرى، فإن العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، أدت –وبدون تردد أو تفكير- لتكاتف أعضاء (الحلف) لدرجة جعلت الرئيس الفرنسى يرجع عن تصريحه السابق بآخر جديد، ليصحح أن العملية الروسية كانت بمثابة (صدمة كهربائية) أعادت (حلف شمال الأطلسى) إلى الحياة باستراتيجية واضحة.

وفى الوقت الذى اتفق أعضاء (الناتو) على عزمهم منع التصعيد فى «أوكرانيا»، ومواصلة دعم «كييف» عسكريًا، دون الانخراط فى مواجهة مباشرة مع «روسيا»، إلا أن التحدى الروسى ليس الوحيد الذى يواجه (الحلف) فى القرن الحادى والعشرين، إذ سيكون التماسك السياسى لحلف (الناتو)، والاستعداد العسكرى، ومهارات إدارة التصعيد من بين قضايا أخرى ضرورية للتعامل مع مجموعة متنوعة من التحديات، تُبقى الأسئلة المطروحة دون إجابة.

ومن بين أهم الأسئلة المطروحة أمام حلف (الناتو): ما يجب فعله مع «روسيا» فى المستقبل القريب؛ وردع وهزيمة الإرهاب العابر للحدود؛ إلى جانب علاقة التحالف مع «الصين» الصاعدة؛ وقدرة الدول الأعضاء على الحفاظ على أنظمة ديمقراطية مستقرة فى وقت تشتد فيه نبرة القومية الداخلية لبعض البلدان الأوروبية؛ ناهيك عن كيفية تكيف الاستراتيجية العسكرية للتحالف مع عالم جديد من التكنولوجيا للحرب الإدراكية والفضاء والقدرات الإلكترونية.

حاول كبير باحثى «مركز التقدم الأمريكى» ومساعد وزير الدفاع الأسبق «لورانس جيه. كورب»، إلى جانب أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية بنسلفانيا «ستيفن جيه. سيمبالا» عرض تفاصيل هذه التحديات التى يجب أن يواجهها (الحلف) خلال الفترة المقبلة.

 تعامل (الناتو) مع «موسكو» فى المستقبل القريب

قال الباحثان إنه إذا تمت تسوية عملية «روسيا» ضد «أوكرانيا» فى نهاية المطاف عن طريق المفاوضات الدبلوماسية، بعد صراع عسكرى طويل الأمد، فإن نظام ما بعد الأزمة فى «روسيا» – بوجود الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» أو بدونه - سيكون أمامه عدة خيارات، ومنها:

أولًا، الحفاظ على الموقف -غير المنظم- تجاه النظام الدولى القائم على القواعد الحالية فى «أوروبا» ومناطق أخرى.

ثانيًا، يمكن أن يتم تبنى سياسة أكثر توجهًا للوضع الراهن، من خلال تسوية مؤقتة مع وجود حلف (ناتو) موسع، وجنى مكاسب صغيرة يتم الحصول عليها من العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، إلى جانب التخلى -على الأقل على المدى القصير- عن طموح تغيير النظام فى دول أوروبية أخرى.

ثالثًا، قد تتحرك الأمور نحو انفراج مع (حلف شمال الأطلسى)، وتصب فى صالح سياسة أكثر توسعية من المشاركة الدبلوماسية، والعسكرية، والثقافية مع قوى (الناتو) الرائدة.

وأوضح الباحثان أن رحيل الرئيس الروسى من منصبه، قد يدفع الأمور نحو الخيارين الأخيرين، لكنهما شددا –فى الوقت ذاته- على أن هذا يعتمد على السلطة الروسية المقبلة، وشخصية خليفة «بوتين».

 مواجهة الإرهاب

شدد الباحثان على ضرورة تسليط الضوء على الإرهاب الدولى الذى لم يهدأ أو يختف، خلال مراجعة أجندة الأمن الجماعى الخاصة بحلف (الناتو). مشيرين إلى استراتيجية الأمن القومى للرئيس الأمريكى «جو بايدن» - التى أقرت بأن «الولايات المتحدة» تواجه مشكلة المنافسين النظراء الناشئين، والتهديد المتجدد بحرب مع القوى العظمى - لم تضع الإرهاب الدولى العابر للقارات فى نفس الخانة، وهو ما حذر منه الباحثان.

وقد اتخذا من أحداث «أفغانستان» الأخيرة مثالًا لهذا التحدى، حيث قالا إن دعم (الناتو) للعمليات العسكرية الأمريكية فى الأراضى الأفغانية كان مكونًا أساسيًا فى ردود «واشنطن» القتالية، وغير القتالية للتحديات التى تشكلها حركة «طالبان» الإرهابية، والجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية فى ذلك البلد.

وأضافا أنه فى أعقاب الانسحاب العسكرى الأمريكى من «أفغانستان» فى أغسطس 2021، ستجد حركتى «طالبان» و«داعش» الإرهابيتين، وجماعات أخرى معادية للغرب ملاذات جديدة ودعمًا خارجيًا؛ مؤكدين أنه يمكن لهذه الجماعات الإرهابية وغيرها استخدام الحرب الحديثة لحث الأفراد فى جميع أنحاء العالم على التطرف، وتوجيههم ضد أهداف «الولايات المتحدة» أو حلفائها؛ محذرين من الاستهانة باحتمال وقوع هجوم إرهابى باستخدام أسلحة الدمار الشامل، باعتباره تطلعًا مستمرًا بين الراديكاليين.

 تحدى «الصين» الصاعدة

أشار الباحثان إلى التحدى الواضح للقوة العسكرية والاقتصادية المتنامية للصين أمام النظام الأوروبى، مما يخلق العديد من المعضلات الأمنية للولايات المتحدة وحلفائها.

واعتبرا أنه بالإضافة إلى التهديد المباشر الذى تتعرض له «تايوان»، تخلق «الصين» -أيضًا- مخاطر عسكرية وسياسية لكل من دول: «اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، والفلبين، وفيتنام، ودول أخرى فى آسيا».

ولم يتوقف التحدى الصينى أمام (الناتو) عند هذه النقطة فحسب، بل يعد أهم ما يؤرق (الحلف)، هو ترسانة «الصين» النووية بعيدة المدى الآخذة فى النمو، حيث توقع الباحثان أنه بحلول نهاية هذا العقد ستكون «بكين» نشرت ثلاثية من قاذفات نووية استراتيجية على صواريخ باليستية أرضية، وصواريخ باليستية تطلق من الغواصات، وقاذفات بعيدة المدى، إلى جانب ما سيتضمنه برنامج الفضاء الصينى المتطور على نشر أقمار صناعية قادرة على حجب الأقمار الصناعية الأخرى، أو تدميرها، فى وقت تنجح فيه الهجمات الإلكترونية الصينية ضد «الولايات المتحدة»، ودول أخرى.

كما نوها –أيضًا- إلى دعم «الصين» المستمر لجارتها الشمالية «روسيا»، حيث تستمر العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» فى تعكير صفو «أوروبا».

لذلك، نصح الباحثان بضرورة إعادة التفكير فى علاقة (الحلف) مع «الصين» الصاعدة خلال الفترة المقبلة.

 النزعة القومية فى مواجهة  التحالف الجماعى

سلط الباحثان الضوء على زاوية مختلفة من التحديات التى تقف أمام (حلف شمال الأطلسى)، وهى هشاشة السياسات الديمقراطية فى النسيج المعقد من الأيديولوجيات، وتداعيات تقنيات الاتصالات الحديثة فى القرن الحادى والعشرين.

فأشارا إلى صعوبة اعتبار «أوروبا» كمجموعة من الدول الديمقراطية القائمة على حكومات توافقية بعد الآن، إذ ستواجه الدول الأوروبية تحدى نمو الأحزاب القومية، ذات الأجندات المناهضة للديمقراطية، فى ظل انتشار ظاهرة تغيير الثقافات السياسية الغربية التى تفضل التطرف والقبلية؛ إلى جانب العواقب السلبية للعولمة، بما فى ذلك: اضطراب سلاسل التوريد، وانتشار الأوبئة، وانهيار الأسواق، ونمو طبقة النخبة، والإكراه السياسى، والضغط العسكرى من الأنظمة الاستبدادية ضد الأنظمة الديمقراطية داخل «أوروبا».

 عصر الفضاء الإلكترونى

إذا كان القرن العشرون، هو عصر أسلحة الدمار الشامل فى العصر الصناعى، فإن القرن الحادى والعشرين سيوفر مجموعة متنوعة من أشكال الصراع غير التقليدية؛ وهو ما دفع الباحثين إلى التأكيد على ضرورة إعادة تكييف (الناتو) لاستراتيجياته وسياساته مع التقنيات الناشئة للردع، أو القتال الحربى فى مجالات الفضاء والإنترنت، والمواجهة بين الإنسان والآلة، وحرب الطائرات بدون طيار، والتطورات غير المتوقعة فى الهندسة الحيوية، وتكنولوجيا النانو، والعلوم المعرفية.

واستدل الباحثان بمثال الصمود الأوكرانى فى مواجهة الجانب الروسى فى العملية العسكرية الحالية؛ موضحين أن قدرة «أوكرانيا» على إبطاء تقدم القوات الروسية بمثابة أولوية تعلم على الاستخدام المتفوق للذكاء، والمراقبة، والاستطلاع لدعم العمليات.

وأشارا إلى أن الحروب المستقبلية ستكون بسرعة الضوء، وهو ما يجب أن يدفع القادة للاستثمار فى الأنظمة الذكية التى ستسهم فى كشف الفوضى بمعركة عدم اليقين.

  هل أعضاء (حلف شمال  الأطلسى) متحدون؟

تجاوز أو تناسى الباحثان معضلة تواجه (حلف شمال الأطلسى) منذ فترة، وهى وحدة أعضاء (الناتو) !! 

أوضح أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة ييل «بروس أكرمان» فى مقال نشر بمجلة «بوليتيكو» منذ أيام، أنه رغم اتفاق أعضاء (الحلف) على التماسك أمام «روسيا» فى الأزمة الأخيرة، إلا أنه صار من الواضح أن بعض دول (الناتو) تعمل على تدمير الحرية بدلًا من تقويتها؛ مشيرًا إلى دولة «تركيا»، التى وصفها (بالاستبدادية). 

اعتبر «أكرمان» أن أسوأ ما حدث من قبل الجانب التركى خلال الفترة الماضية، هو إرسال الجيش التركى إلى الأراضى السورية فى مواجهة قوات (الناتو)، أى محاربة التحالف ذاته الذى تعهد هو وأسلافه بدعمه. 

لذلك، نصح الإدارة الأمريكية، ومجلس الشيوخ (كونجرس)، بضرورة رفض التوقيع على معاهدة تستمر فى الاعتراف بتركيا كعضو فى (الناتو)، نظرًا لأنها ليست حليفًا موثوقًا به، من وجهة نظره.

كما ألقى -أيضًا- الضوء على «المجر»، التى وصفها بأنها (حالة أصعب). وذلك، بعد أن أدان الرئيس المجرى «فيكتور أوربان» - خلال الأيام الأولى للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» - نظيره الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكي» بصفته عدوًا للأمة المجرية؛ وقام بحملة تعارض أى عقوبات من جانب «الاتحاد الأوروبى» ضد «روسيا».  

فى النهاية، يعرف قادة (حلف شمال الأطلسى) منذ فترة أنهم فى حاجة لإعادة بعض استراتيجياتهم القديمة لتواكب العصر الحديث، خاصة بعد اكتشافهم أنهم بصدد مواجهة تحديات مقبلة غير عادية، فى وقت تصعد فيه دول، بينما تتراجع أخرى على المسرح الدولى الذى يشهد –حاليًا- اضطرابًا واسعًا.