الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الفنانة التشكيلية الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية لـ«روزاليوسف»: رانيا أبو العزم: فخورة بالجائزة العريقة ومسئولية كبيرة أتمنى أكون قدها

«ليس لدَىّ توقيت محدد للرسم. أمسك الفرشاة سواء حزينة أو سعيدة، أحيانًا أبدأ فى رسم لوحة ثم أتركها والعودة لاستكمالها أو تعديلها. لكن الرسم فِعل يُسعدنى فى كل الأوقات ومتنفّس قوى ينتشلنى من ضغوط الحياة والمسئوليات».. هكذا تصف لنا الفنانة التشكيلية الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية «رانيا أبو العزم» عن شغفها بالفن. 



الدكتورة رانيا محمود أبو العزم، الأستاذ بكلية فنون جميلة جامعة حلوان، فازت بجائزة الدولة التشجيعية لهذا العام فى مجال «التصوير»، والعمل الفائز هو لوحة تتكون من جزئين مساحة كل منهما (متر× متر) بألوان الزيت والأكريليك من «معرض محمود أبوالعزم وأسرته الفنية». 

نشأت «أبو العزم» فى أسرة فنية ألهبت خيالها ووجدانها بالفنون منذ الصغر، جعلها تلتحق بكلية الفنون الجميلة ثم تصبح أستاذًا بقسم التصوير، وشاركت «أبو العزم» فى العديد من المَعارض الخاصة والجماعية المحلية والدولية، وكان من أبرزها معرض «تحت السلم، باركود، خط ولون، خارج الإطار، مختارات، أبيض- أسود، أچندة، شذى المسك، سمبوزيوم الأقصر.. وغيرها». 

«روزاليوسف» تحاور الفنانة التشكيلية رانيا أبوالعزم عن ردود فعلها بالجائزة ورصد تجربتها الفنية والتحديات التى واجهتها، وأهمية نشر ثقافة تذوق الفن التشكيلى وعدم حصره فى المتخصصين. 

 فى البداية.. مبروك دكتورة رانيا.. صفى لنا كيف تلقيت نبأ فوزك بجائزة الدولة التشجيعية وما تمثله لك فى مشوارك الفنى؟

- الحمد لله.. سعيدة جدًا بالجائزة وممتنة لفضل الله الكبير علىّ.. فخورة أن يتجاور اسمى مع أسماء فنانين كبار حصلوا على هذه الجائزة العريقة التى تمنحها الدولة للمبدعين منذ 1958، لذا هى مسئولية كبيرة أتمنى أكون « قدّها». 

الجائزة جعلتنى أشعر بالامتنان الشديد لكل المَراحل والسنوات الماضية من الدراسة والبحث والفن، وأشعر بالامتنان لأبى وأمى وشقيقتى وزوجى الذى كان خير سَنَد، ولأطفالى الذين طالما ألهمونى فى تجربتى الفنية.. فى الحقيقة أنا ممتنة لكل أستاذ أعطانى بكرَم من علمه بالكلية وكذلك كل الفنانين الذين تعرفت عليهم فى رحلتَى الماچستير والدكتوراه، كان لهم عظيم الأثر علىّ فنيًا وإنسانيًا، وأثرَت تجربتهم فى مشوارى ولا تزال كلماتهم ونصائحهم محفورة داخل رأسى إلى اليوم.

 لو عُدنا للبدايات.. هل وراثتك للچينات الفنية من الأب الفنان التشكيلى محمود أبوالعزم لعبت دورًا فى شغفك بهذا العالم؟

- بكل تأكيد هذا العالم هو ما تفتّحت عليه عيناى كطفلة صغيرة؛ حيث الحديث عن الألوان، اللوحات، الرسم، السَّفَر للبعثات الفنية، الكتب الفنية جزء أصيل من لغتنا فى المنزل؛ خصوصًا مع امتهان الوالدَيْن للفن؛ حيث الأم مصممة جرافيك والأب فنان تشكيلى، يصطحبك معه لافتتاحات المَعارض الفنية، والاستماع للنقاشات حول الأساليب والمدارس الفنية المختلفة، فمن دون ما تشعر تتشرَّب الفن وتهضمه وتأخذك ندّاهته فيما بعد لتصبح جزءًا من هذا العالم عندما تكبر.

رُغْمَ الالتحاق بكلية الفنون الجميلة فلم يكن الخيار الأول فى مرحلة الدراسة لرغبتى فى دراسة شىء آخر طالما لدىّ معرفة بالرسم منذ الصغر، ولكن تشجيع أبى على الدراسة الأكاديمية كان مُهمًا للغاية، فالموهبة تُصقلها الدراسة، وهو ما تعلمته فيما بَعد على أيدى أساتذة كبار على رأسهم الدكتور حامد صقر، الدكتورة حنان الشيخ، أسماء النواوى، أمانى على فهمى، والدكتور مصطفى الفقى، ممدوح عمار ومحسن حمزة، أتذكرهم جميعًا وأدين لهم/ هن بالفضل المعرفى والأكاديمى ولمَا لهم من تأثير كبير على حياتى المهنية والشخصية. 

وماذا عن رد فعل الفنان محمود أبو العزم بحصولك على الجائزة؟

- كانت سعادته غامرة مطلقة، «كان مبسوطا أكثر منّى»، سعادتى بالجائزة شابَها الحذر والشعور بالمسئولية؛ حيث التفكير فى القادم وإعادة الحسابات وترتيب الأولويات.

حدّثينا أكثر عن كواليس إنتاجك للوحة الفائزة؟

- دائمًا فى شغلى على لوحات بيكونوا مجموعة أعمال تعبر عن شغفى بفكرة معينة خلال فترة ما، وتجربة العمل الفائز كانت من مجموعة لوحات اسمها «الجدار» كانت تعتمد فى تيمتها على مفردات كالجدار وعلامة التحذير على هيئة مثلث الإشارات الأحمر.. 

الجدار فى اللوحة الفائزة استلهمته من باب استهلمته أثناء سيرى فى حى الزمالك، لفت نظرى غرابة الباب وهيئته وشعرت أنه يشبه «الجدار» الذى يمثل تيمة أعمال المجموعة، وهنا أتذكر حديث أستاذى المرحوم حامد صقر، الذى علمنا أن الأشياء عبارة عن شخصيات لها طبع فيها الطيب والشرير.. إلخ، وهنا جاءت فكرة الجدار فى اللوحة، التى قرأتها على هذا الباب الذى لمحته عينى بالصدفة، فالجدار هنا شاهد على الناس الذين عاشوا حوله، شاهد على ذكريات حلوة ومُرّة، وقصص حب وكراهية، وأشعر أن الباب أو الجدار لو تحدّث سيقول الكثير.. وهذا كان منظورى أو فلسفتى فى اللوحة.

 من أين تستلهم الفنانة رانيا أبو العزم أفكار لوحاتها، ومتى ترسمين لوحاتك؟

- ليس لدىّ توقيت محدد للرسم.. أمسك الفرشاة سواء حزينة أو سعيدة، أحيانًا أبدأ فى رسم لوحة ثم أتركها والعودة لاستكمالها أو تعديلها، لكن الرسم فِعل يُسعدنى فى كل الأوقات ومتنفس قوى ينتشلنى من ضغوط الحياة والمسئوليات العائلية والمهنية، «الوقت اللى مش برسم فيه بحس إنى عاطلة وإن فيه جزء منّى مش مبسوط، الإنتاج فى حد ذاته يُشعِرنى بالحماس والإنجاز».

 وماذا عن الأفكار؟

- «مِن كل شىء حولى».. نصحونا أساتذتنا فى الكلية بالفُرجة الكثيرة؛ لأنها تشكل مع الوقت مخزونًا بصريًا محفوظا فى العقل الباطن للفنان يخرج بشكل لا إرادى على لوحاته فيما بَعد، وهذا ما يُشكل الفنان، فهو أشبه بمرايا تسير تعكس كل ما يشاهده ويمر به من تجارب إنسانية ومَشاعر مختلفة. 

لذا كل مَعرض أو مجموعة لوحات 

أنتجها تعبّر عن شغفى وتجربتى فى مَرحلة ما من حياتى، وكذلك الخامات التى أستخدمها، فمثلاً معرض «باركود» تُسيطر الألوان الغامقة على مجموعة اللوحات، وأستخدم فيها أقلام «اليوكن» بَعدما كان اعتمادى فى لوحات سابقة على التصوير الزيتى والإكريليك، وعندما سافرتُ الهند عدتُ بألوان زاهية اختزنتها من هذا البلد فلجأت للبرتقالى مثلاً، أثناء مشاركتى بسمبوزيوم الأقصر‎ الدولى الثالث عشر؛ حيث الطبيعة الخلابة وهذا البَراح اللا نهائى من السماء الصافية والنيل الأزق، لاحظت فيما بعد سيطرة اللون الأزرق أثناء رسم لوحتى «الطريق»، أغلبنا تَعَرّضَ للحَجْر الصحى مع «كورونا»، فولدت هذه الفترة لدىّ كفنانة استخدام الكلور ومزجه مع الأحبار كخامة أستخدمها فى لوحات حجمها صغير.. هكذا تسير الأمور ويستلهم الفنان عناصر لوحته بدءًا من الفكرة، اللون، المساحات، الخامات.. إلخ. فاللوحة هى انعكاس لتجربة وإحساس الفنان أثناء عمله عليها.

وبمَن تأثرتِ من الفنانين المحليين والعالميين؟

- بصراحة أتأثر كتجربة أو كخبرات للفنان أكثر من كونه «شغل محدد»، ولكن بلا شك كل فنان شاهدتُ أعماله استفدت بشىء ما من تجربته وأسلوبه الفنى على مستوى اللون أو التكنيك وغيره، لا يحضرنى توظيف أسماء معينة هنا ولكن تدهشنى تجربة أحد أبرز فنانى التشكيل المصريين وهما منير كنعان ورضا عبدالسلام؛ حيث يتميزان بغزارة الإنتاج والعمل تحت أى ظروف. 

 شاركتِ فى العديد من المَعارض المحلية والدولية، الفردية/ الجماعية.. فى رأيك ما هى القيمة المُضافة للفنان من هذه المشاركات؟

- التواجد والمشاركة فى المَعارض أمرٌ شديد الأهمية للفنان، يجب أن يكون معروفًا فى الوسط الفنى، ويتعرف زملاؤه الفنانون على أعماله، وكذلك يظل الفنان فى تواصُل دائم مع فنانين آخرين من خلال المَعارض والسَّفَر لملتقيات فنية؛ حيث يتعرف على أسلوبهم ويكتسب خبرات جديدة. كذلك المَعارض فرصة للفنان مقابلة الجمهور والاستماع لتعليقاتهم وتفاعلهم مع لوحاته، لن تتخيلى سعادتى الغامرة أثناء إقامة معرضى «باركود» بدار الأوبرا المصرية، الذى تزامَن مع توقيت إقامة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وكان فرصة لحضور فئات وأعمار مختلفة من الجمهور، ولمست بنفسى ردود فعلهم على اللوحات، وأنها تجربة ثرية لأى فنان.

 أيهما يُثير حماسك كفنانة؛ وقوف فنان تشكيلى أمام لوحاتك يُناقشك فى أسلوبك الفنى أمْ متفرج عادى يسألك عن مضمونها؟

- الاثنان بصراحة. أتطلع كفنانة لمناقشة متخصصة حول ما يُسهم فى تطوير أسلوبى الفنى تُثمر تجربتى مثلاً، ولكن شغوفة أيضًا لرؤية تلك اللمعة فى عيون طفل أو متفرج عادى حضر معرضًا للفن التشكيلى لأول مَرّة فى حياته، ويسأل عن معنى اللوحة، فهى تمنحنى متعة أخرى. 

 يدفعنى حديثك لسؤال: كيف لبلد عرف الفنون التشكيلية منذ الآف السنين على جدران المعابد.. لا يزال يُنظر له بأنه فن نخبوى وحضور المَعارض قاصر على المتخصصين؟

- للأسف لا تزال ثقافة الفن التشكيلى غائبة عند قطاع كبير، ويقتصر بالفعل على فئة قليلة من المتخصصين والمتذوقين، فالجمهور العام يميل للعناصر والقصص الواضحة وليست التجريدية إلى حد كبير. ورأيى أن استهداف النشء فى المدارس هو بداية الخيط لبناء ثقافة تُقدر وتتذوق الفن التشكيلى، وهنا دور الدولة فى عودة حصص الرسم بمدارسنا الحكومية، وأن تذهب الرحلات المدرسية للمتاحف والمَعارض التشكيلية وتُمنح الفرصة للأطفال للرسم بحرية وتقليد اللوحات التى يشاهدونها فى المَعارض، هذا ما رصدته أثناء سفرى إلى «لندن»؛ حيث تجلس الأمهات فى أحد زوايا المَعارض أو المتاحف ويتركن الأطفال يرسمون ويقلدون اللوحات. نُلاحظ الاهتمام الكبير فى المدارس الدولية بتدريس الفنون والرسم للأطفال ولكن نأمل فى تعميم التجربة على المدارس الحكومية التى تستهدف قطاعًا كبيرًا من النشء. 

أعود لحديثك عن حضور فئات عمرية مختلفة لمعرضك «باركود» 2018.. إذن الجمهور متعطش للفن التشكيلى؟

- جدًا، حتى لو دفعهم الحضور للمَعرض هو تصادف وجودهم لحضور مهرجان سينمائى آخر بدار الأوبرا، ولمست هذا الشغف من الجمهور العام مع تجربة ممتازة وهى خروج الفن من القاعات والتى نظمها كل من الفنانين الدكتور أشرف رضا والدكتور سامح إسماعيل توفيق، بنزولهما بطلبة فنون جميلة إلى محطات مترو مصر الجديدة خلال الأشهر الماضية، وكان الطلاب يرسمون بورتريهات لركاب المترو من المارّة، وشهدت التجربة تفاعلاً كبيرًا وسعادة من الجمهور المصرى.

أتمنى أن يتواجَد الفن التشكيلى فى الشوارع، فهو يخلق عينًا متذوقة للجَمال والفن، أتذكر تجربة المَعرض المفتوح الذى كان يُنظم فى محطة مترو دار الأوبرا قبل سنوات، كنت ألمح بعينى مدى تفاعُل المارة مع اللوحات المُعَلقة على جنبات جدران المترو بإعجاب شديد. ربما علينا أن نخرج بالفن من الأتيليهات حتى نخلق مع المواطن العادى جسرًا من التواصل. 

ما هو تقييمك للحركة التشكيلية المصرية الآن؟

- سعيدة جدًا بالحراك الحالى الذى تشهده الحركة التشكيلية؛ خصوصًا مع تنظيم عدد من الجاليريهات مَعارض دولية للفنانين المصريين بالخارج فى دبى، فرنسا وغيرهما من الدول الأوروبية والعربية، وهى مكانة تستحقها تجارب فنية تشيكلية مصرية عديدة بأن تُشاهد بالخارج. لدينا فنانون موهوبون وكبار لا يقلون عالمية عن أسماء فنانين بالخارج.

 كيف تنظرين لمكانة المرأة فى الفن التشكيلى الآن بعد عقود من التغييب لها؟ وهل واجهتك تحديات لكونك فنانة امرأة؟

ـ المرأة تحظى بمكانة مميزة وتحقق نجاحات كبيرة، ولدينا أسماء معروفة لفنانات كبار؛ بل فى أصعب أنواع فن التشكيل كالنحت، نجد المرأة تنافس بقوة وبكفاءة وعلى قدم المساواة مع الرجل الفنان.

التحديات واحدة للفنان التشكيلى سواء رجلاً أو مرأة كما 

أشرت سابقًا بأن الفنان مسئول عن كل شىء يخص أعماله والتسويق لنفسه، ولكن بلا شك هناك تحديات مضاعفة تواجهنى لكونى امرأة وفنانة، وهى الالتزامات الشخصية العائلية بجانب عملى كفنانة، أنا فنانة وأم مسئولة عن رعاية الأطفال والذهاب بهم للتمرينات الرياضية وسط الزحام اللا متناهى فى العاصمة، والمذاكرة لهم أثناء المدارس، وهى مسئوليات وأعباء إضافية للفنانة لكونها امرأة، فأنا لا أستطيع البقاء وقتًا طويلاً أو أيامًا بالأتيليه لإنجاز مجموعة من اللوحات عكس الرجل الفنان مثلاً لديه هذه الإمكانية.. ولكن رُغْمَ كل هذه المسئوليات الإضافية لكوننا نساء فإننا ننجح كفنانات ونستطيع استغلال هذا الوقت المحدود لممارسة الفن والاستمتاع به.

 أخيرًا.. هل تُجهزين لمَعرض جديد؟

- هناك بالفعل مجموعة لوحات أعكف عليها، مُستَلهَمة من مشاعرنا وتجربتنا أثناء فترة الحَجْر الصحى لكورونا، ولكن لا أعلم متى ستعرض وأين، ولكن سعيدة ومستمتعة بالعمل عليها.