الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«سمير صبرى» أكثر نجاحا فى موته: «طلعت حرب» فى «خريبكة».. الفيلم المناسب فى المهرجان المناسب!

فى مسابقة ضمت ثلاثة عشر فيلمًا روائيًا طويلاً من اثنتى عشرة دولة إفريقية فاز الفيلم المصرى (حدث فى 2 طلعت حرب) للمخرج «مجدى أحمد على» بجائزة أفضل مخرج، وتنويه خاص للممثل الراحل «سمير صبرى»، وذلك فى الدورة الثانية والعشرين من مهرجان «خريبكة الدولى للسينما الإفريقية» التى عقدت خلال الفترة من 28 مايو إلى 6 يونيو 2022.



فوز (حدث فى 2 طلعت حرب) يُعتبر مفاجأة كبيرة بعد ما تعرّض له الفيلم من استبعاد فى سوق التوزيع، مما اضطر صُنّاعه إلى بيعه مباشرة للعرض مباشرة على إحدى المنصات دون أن يمر بدور العرض السينمائى، ومن رفض فى المهرجانات المصرية والدولية على مدار عامَين، باستثناء مهرجان «الأقصر» الأخير؛ حيث حظى بجائزة واحدة لأفضل ممثل لـ«سمير صبرى»، الذى كان على فراش مرضه الأخير وقتها، وهى الجائزة نفسها التى رأت لجنة تحكيم مهرجان «خريبكة» أن تمنحها أيضًا لاسم الراحل تقديرًا لتاريخه الفنى.

ومن العجيب أن يحظى «سمير صبرى» ميتًا بجائزتين دوليتين فى التمثيل عن دور شرفى قصير، وهو الذى قضى حياته الطويلة مجاهدًا ومطاردًا لأحلام النجومية والبطولات والتقدير من قبَل أهل السينما، دون أن يصل سوى إلى القليل جدًا من هذه الأحلام. وهو نوع من «تصاريف الأقدار» الواقعية يشبه تصاريف الأقدار فى الأفلام الميلودرامية التى كانت تستهوى الفنان الراحل.

تصاريف القدر هى أيضًا التى قادت  (حدث فى 2 طلعت حرب) إلى «الأقصر»، المخصص للسينما الإفريقية، ومنه إلى مهرجان «خريبكة» الذى كان يبحث وقتها عن فيلم مصرى حديث يضمه لمسابقة دورته الجديدة التى تعقد بعد توقف سنوات، بسبب الكورونا ووفاة مؤسّس المهرجان ومديره «نور الدين صايل».

التوقعات بشأن (..2 طلعت حرب) قبل انعقاد مهرجان «خريبكة» لم تكن كبيرة، فالسينما الإفريقية تقدم عشرات الأفلام الجيدة سنويًا، وكثير من هذه الأفلام يشارك فى المهرجانات الدولية الكبرى، وبالفعل ضمت دورة المهرجان أفلامًا عُرضت فى مسابقة «كان» وغيره، وفوق ذلك يبدو (2 طلعت حرب) فقيرًا إنتاجيًا، محليًا، بينما كثير من أفلام المهرجان تناقش قضايا إفريقية أو عامّة تهم جمهورًا أكبر، وإذا لم يكن ذلك يكفى، يمكن أن تضيف إليه أن اللغة الرسمية للمهرجان هى الفرنسية، ثم العربية المغربية، بينما (2 طلعت حرب) ناطق بالعامية المصرية وعليه ترجمة إنجليزية!

مع ذلك، فمنذ اللحظة الأولى التى بدأ فيها عرض الفيلم فى قاعة المركز الثقافى بخريبكة (التى تشبه قاعات قصور الثقافة التابعة للدولة فى مصر من حيث قدم مبانيها وآلات تشغيل العروض وشاشتها)، كان واضحًا أن تجربة عرض الفيلم هنا ستكون مختلفة.

مبدئيًا كانت القاعة ممتلئة، ومعظم المشاهدين من الجمهور المحلى للمدينة بجانب السينمائيين والنقاد من ضيوف المهرجان، ومن خلال الالتقاء والحديث مع هذا الجمهور يمكنك أن تدرك أنه مختلف كثيرًا عن «جمهور السينما» الذى نعرفه. لا أقصد أنه أفضل أو أسوأ، ولكنه مختلف. جمهور جاد يحب أن ينظر إلى السينما باعتبارها رسالة وفنًا رفيعًا لا ترفيهًا أو تسلية.

وعلى مدار زمن الفيلم الذى يقترب من ساعتين بدا أن هذا الجمهور معجب ومتفاعل مع الفيلم، تقريبًا لم يغادر القاعة أحد، وعقب انتهاء العرض ضجت القاعة بالتصفيق، واندفع الكثيرون لتحية الحاضرين من فريق عمل الفيلم: المخرج «مجدى أحمد على» واثنين من أبطاله هما «شريف حلمى وسهر الصايغ».

فى اليوم التالى تأكدت هذه الانطباعات فى الندوة التى عُقدت مع صُناع الفيلم؛ حيث كانت معظم التعليقات إيجابية ومعجبة بالفيلم، ومستعدة أن تتجاوز عن نقاط ضعفه، ويبدو أن ذلك ينطبق أيضًا على لجنة التحكيم التى ضمت المخرجين المغربيين «سعد شرايبى» و«حمادى كيروم» واثنين من صُناع السينما من رواندا والسنغال، بجانب المخرج المصرى «خالد الحجر».

ولكن هل يستحق (حدث فى 2 طلعت حرب) هذا الفوز؟.. هكذا سألنى سينمائى صديق عقب إعلان الجوائز فى الوقت الذى كنت أتوجه بالسؤال نفسه لنفسى.

مبدئيًا لا يوجد فوز فى المطلق، والمسألة تتوقف على المقارنة بالأفلام المنافسة، وشخصيًا شاهدتُ عددًا من الأفلام الرائعة فى المهرجان، ولكنّ جزءًا من جاذبيتها  هو أنها مختلفة بالنسبة لى. أفلام تركز على اللغة البصرية والفضاء والصمت والسرد غير التقليدى، لكن ربما على حساب عناصر مثل الوضوح والتشويق والتسلية. وهذا النوع من السينما منتشر فى إفريقيا وبلاد المغرب العربى أكثر من السينما ذات الجاذبية الجماهيرية.

ربما يبدو (حدث فى 2 طلعت حرب) عاديًا فى بيئة مصرية أو عربية مشرقية غالبًا ما تعتمد على الممثلين أكثر من بقية عناصر السينما، وحيث يطغى الحوار حد الثرثرة، وتعبر الدراما ذات الطابع «المسلسلاتى» عن نفسها بأكثر الطرُق مباشرة ومبالغة، لكن من ناحية ثانية يحتوى (... طلعت حرب) على أشياء تفتقدها الكثير من الأفلام المعروضة فى «خريبكة» مثل الحميمية ووجهة النظر الواضحة وما يطلق عليه «النزعة التعليمية»، أى ميل العمل الفنى إلى تلقين المُشاهد ووعظه. وبالمناسبة هذه العوامل تعتمد عليها معظم أفلام السينما الهوليوودية والبوليوودية والسينمات الجماهيرية بشكل عام. والجمهور فى المغرب العربى يفتقد، أكثر من أى جمهور عربى آخر، لمُشاهدة أفلام ذات موضوعات بسيطة وأفكار واضحة، والدليل على ذلك نجاح فيلم اسمه (الإخوان) يعرض فى المغرب الآن، وتحقيقه لإيرادات هائلة، وهو فيلم يتناول ظاهرة «الإخوان المسلمين» التى تؤرق العرب فى معالجة كوميدية ساخرة.

مع ذلك لا يمكن اعتبار (حدث فى 2 طلعت حرب) فيلمًا جماهيريًا ؛ فهو يسعى لقول أشياء جادة ويحمل  طموحًا فنيًا كبيرًا بعرض تاريخ مصر عبر أربع حقب تمتد من ثورة يوليو 1952 حتى ما بعد ثورة يناير 2011، من خلال تاريخ شقة يتبدل سكانها فى عمارة بشارع طلعت حرب. ورُغْمَ المَشاكل الفنية والتقنية التى يمكن أن تكون قد أعاقت صناع الفيلم عن صنعه بالطريقة التى كانوا يحلمون بها؛ فإن جديتهم وطموحهم وجدا عيونًا وقلوبًا مُحبة فى «خريبكة». 

ما حدث مع (2 طلعت حرب) برهان جديد على أنه لا يوجد وصفة واحدة جاهزة للعمل الفنى الجماهيرى أو للحصول على جوائز المهرجانات. وأن العبرة بتواجُد الفيلم المناسب فى المهرجان المناسب، وتوجه الفيلم المناسب لجمهوره المناسب.