الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الوعظ الـنسائى.. تجربة رائدة للمرأة المصرية

«الوعظ النسائى» مصطلح شهدته مصر عقب الاهتمام باقتحام المرأة مجال الدعوة، ومن خلال استراتيجية مصرية كانت مجرد فكرة ثم تحولت إلى التطبيق فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أعلن ضرورة الاهتمام بالمرأة على جميع الأصعدة.



 

وكانت بداية الوعظ النسائى فى مصر من وزارة الأوقاف، حيث بدأ التفكير فى إفساح المجال للمرأة للقيام بدورها الدعوى فى عهد وزير الأوقاف الأسبق محمد حمدى زقزوق، حيث بدأت الاستعانة بالمرأة عام 2000 بتعيين 48 مرشدة، ولم يكن يظهر مسمى الواعظات بشكل رسمى، ولم تكن هناك رقابة رسمية حول ظهور بعض الداعيات من خارج وزارة الأوقاف، مما فتح معه الباب لدخول عناصر نسائية غير مؤهلة فى بعض الأحيان لممارسة الدعوة فى الأوساط النسائية، وما إن تولى الوزير الحالى، الدكتور محمد مختار جمعة، مهام وزارة الأوقاف حتى بدأ التفكير فى بلورة مسألة الوعظ النسائى، والاستعانة بالواعظات فى مساجد الأوقاف.

وبالفعل تم الإعلان عن أن يتم البدء فى تعيين عدد كبير من الواعظات فى الأوقاف بعد اجتياز اختبارات محددة، ومع توافر الشروط المؤهلة للعمل فى الدعوة، وفتح الباب للمتطوعات عام 2017، بعدة شروط أبرزها أن تكون من خريجات جامعة الأزهر أو معاهد القراءات أو المراكز الثقافية المعتمدة من وزارة الأوقاف، وأن تجتاز الاختبارات التى تجريها الوزارة لهذا الشأن.

وكان القرار بوزارة الأوقاف أن يتم استهداف تعيين ألفى واعظة على مراحل، بحيث يتم نشر فكرة الوعظ النسائى، وكان الهدف من إدخال فكرة الوعظ النسائى حيز التنفيذ العملى هو أن تكون هناك داعيات مؤهلات للعمل الدعوى قادرات على تثقيف السيدات، وعدم تركهن فريسة للسيدات المنتميات للتيارات المتطرفة واللائى يقمن ببث سمومهن وأفكارهن المضللة والمتطرفة.

واستحدثت وزارة الأوقاف زيًا مخصصًا للواعظات، يعبر عن منهج الوسطية الذى تتبناه الوزارة، وتلتزم به الواعظات، مع إضافة شعار يحمل اسم «واعظات الأوقاف»؛ ليكون مميزًا لهن، ولتغلق الباب أمام أدعياء الدعوة من غير المتخصصات وغير المؤهلات وغير المسموح لهن بالدعوة.

واستطاعت الواعظات المنتسبات لوزارة الأوقاف والبالغ عددهن وفق آخر إعلان من الأوقاف 304 واعظات، من القيام بدور مهم فى نشر التوعية النسائية فى التربية وحماية النشء من الأفكار المتشددة والمنحرفة بالإضافة إلى المشاركة فى العديد من الفعاليات داخليًا وخارجيًا، بالإضافة إلى المؤتمرات الدولية التى تعقدها وزارة الأوقاف. 

وكان من بين أنشطة الواعظات داخليًا إلى جانب الدروس بالمساجد القيام بقوافل دعوية توعوية فى جنوب سيناء، حيث زارت قافلة للواعظات فى العام الماضى وادى سبيتة ووادى مندر بمدينة شرم الشيخ، وطابا وسانت كاترين بجنوب سيناء، وقد التقت قافلة الواعظات بعدد من السيدات والأطفال فى عدة محاضرات دعوية تثقيفية،كما شاركن فى دورات مشتركة مع الراهبات، وكذلك فى عدد من الحملات والمبادرات بالمجلس القومى للمرأة من بينها «مراكب النجاة» التى أطلقتها وزارة الهجرة بالتعاون مع المجلس القومى للمرأة بمحافظة المنيا.

وخارجيًا شاركت واعظات مصر فى دورات مشتركة مع واعظات السودان، بالإضافة إلى المساهمة فى مرافقة بعثات الحج لتوعية الحجاج من النساء.

ووفقًا لتقارير المتابعة بالأوقاف حققت الواعظات فى وزارة الأوقاف نجاحًا فى مختلف المجالات كواعظة وكاتبة ومشاركة فى البرامج الإعلامية المتعددة مرئية ومسموعة، ومشاركتهن فى التثقيف الدينى فى موسم الحج، وسفرهن داعيات خارج مصر على قدم المساواة مع أئمة الأوقاف، ومشاركتهن فى المؤتمرات الدولية التى تعقدها الوزارة، وفى مجال البحث العلمى، وفى العمل الوطنى المشترك مع الراهبات والمكرسات والمربيات بالكنائس المصرية من خلال التعاون بين الأوقاف والكنائس المصرية والمجلس القومى للمرأة.

 مقارئ وفتوى نسائية 

كما شهد نشاط الوعظ النسائى انطلاقة كبيرة، حيث أعلنت وزارة الأوقاف المصرية مؤخرًا عن اعتماد بعض الواعظات كمقرئات للقرآن الكريم من خلال إطلاق أول عشر مقارئ قرآنية للسيدات يتبعها العديد من هذه المقارئ، وكذلك اختيار عدد منهن كمفتيات للنساء فى قضايا المرأة وشئونها من خلال انطلاق أول أربعة مجالس للإفتاء فى قضايا المرأة وشئونها على يد أربعة من أفضل الواعظات المؤهلات لذلك من خلال العديد من الدورات المتخصصة فى هذا الشأن، وهن الواعظة نيفين مختار بمسجد السيدة نفيسة، والواعظة يمنى أبو النصر بمسجد الإمام الحسين، والواعظة وفاء عبدالسلام بمسجد الرحمن، والواعظة جيهان ياسين بمسجد الاستقامة بميدان الجيزة يوم السبت من كل أسبوع بين المغرب والعشاء.

وزير الأوقاف د محمد مختار جمعة من جهته اعتبر أن الواعظات هن إحدى أدوات القوة الناعمة للدولة المصرية، حيث حققت تجربة وزارة الأوقاف بالاستفادة من الواعظات المعينات والمتطوعات انطلاقة كبيرة، وكان لهن دور شديد التميز ميدانيًا وفى المحافل العامة، وكانت لهن مشاركة متميزة بالمؤتمر الدولى الأخير للأوقاف عن «عقد المواطنة وأثره فى تحقيق السلام المجتمعى والعالمى» بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، حيث عقدت لهن جلسة مستقلة حازت على ثناء الجميع لما شهدوه من تميز لواعظات الأوقاف المصرية من خلال مشاركاتهن، كما كان لهن دور متميز بالمشاركة فى عدد من القوافل التى نظمت داخل مصر وخارجها.

وعن رؤيته حول أداء الواعظات بالأوقاف قال الدكتور أحمد حسين عميد كلية الدعوة إن تجربة الواعظات فى الدعوة غير مسبوقة، فالمرأة نصف المجتمع وولدت النصف الآخر فهى المجتمع كله، ومشاركتها فى العمل الدعوى خطوة مهمة، مشيرًا إلى أن الدعوة إلى الله شرف ورفعة لكل من ينتسب إليها قال تعالى: «وَمَن أَحسَنُ قَولا مِّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَلِحا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ المُسلِمِينَ»، والدعوة تحتاج إلى جانب من كبير من العلم والدراية، قال تعالى: « قُل هَذِهِ سَبِيلِى أَدعُواْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ».

 الأزهر وإدارة للواعظات

الأزهر الشريف من جهته لم يتجاهل أهمية مشاركة المرأة فى العمل الدعوى، واتخذ فى 2015 خطوة جديدة من نوعها وهى فتح الباب أمام السيدات للعمل فى مجال الدعوة والإفتاء، حيث تم الإعلان عن تعيين 500 واعظة بالأزهر، وقام بعقد دورات تدريبية لهن عقب تعيين الواعظات.

وفى عام 2019 قرر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، تكليف الدكتورة إلهام محمد فتحى شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة، بمنصب الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات وتدريب الداعيات وتنمية مهارات الدعوة لدى السيدات الأزهريات، لتكون أول أزهرية تتولى منصبًا رسميًا كأول امرأة تتولى منصب الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية.

د. إلهام شاهين الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية أكدت أنها ستسعى لتقدم شيئًا فى خدمة الإسلام والمسلمين، بتدريب خريجات الأزهر والطالبات وتأهيلهن على الجانب الدعوى ليكن نماذج مشرفة، وبذلك بالتنسيق مع أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة لتحقيق العمل على توعية فعًالة بالسيَّاقات المختلفة المُحيطة بالمهام الدعوية، لأجل تنمية رُوح الإبداع عند هذه الفئة التدريبية المستهدفة فى تجديد الخطاب الدينى، وبناء عقول قادرة على التعامل مع فقه الواقع واستيعاب إشكاليّاته، وتقديم حلول شرعية لمشاكل الأفراد والمجتمعات.

أضافت: «أن الأزهر لا يمانع فى مشاركة المرأة فى جميع هيئاته بما فى ذلك مجمع البحوث الإسلامية، إلا أنه لم تقم العالمات بالتقديم حتى الآن حيث تتطلب العضوية شروطًا لا بد من توافرها، وهو ما نأمل أن يتحقق». 

علماء الأزهر اعتبروا أن تفعيل دور المرأة وتعيين عالمة فى منصب مهم ومسئول لأول مرة داخل مجمع البحوث الإسلامية يؤصل بصورة عملية إنصاف الأزهر للمرأة وعدم رفضه كما يدعى البعض تعيينها فى منصب رسمى كى تؤدى دورها المطلوب.

واعتبر د.جميل إبراهيم تعيلب الأستاذ بجامعة الأزهر أن وجود إدارة لشئون الواعظات بمجمع البحوث الإسلامية قرار صائب، لوجود موضوعات تخص المرأة، والمرأة الأقدر على تناولها، بالإضافة إلى أنه لا بد من تواجد المرأة وأخذ مكانتها الطبيعية فى مؤسسات الأزهر المختلفة.

أما الشيخ عبدالحميد الأطرش الأمين العام المساعد السابق بمجمع البحوث الإسلامية يرى أن وجود المرأة فى عمل الوعظ بالأزهر له أهمية كبيرة، لنشر الوعى الدينى بين النساء، لاسيما وأن النساء سيجدن الفرصة فى الإجابة على جميع الأسئلة التى يردن الإجابة عليها ويتحرجن من السؤال للعملاء.

ولإنجاح إدارة الوعظ للنساء فى الأزهر يؤكد الشيخ الأطرش أن الواعظات اللائى تم تعيينهن يجب أن يتفقهن فى أمور دينهن، ولا ينظرن إلى هذا العمل على أنه وظيفة وإنما رسالة، وعلى الواعظة أن تتشبه بأم المؤمنين عائشة بأن تعظ النساء على علم.