الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الملكة الحمراء» مؤسسة أكثر المنظمات إرهابًا فى السبعينيات «فوساكو شيغينوبو»... مناضلة يابانية دفعت حياتها ثمنا لمواقفها

أثبتت المناضلة اليابانية فوساكو شيغينوبو التى دفعت حياتها ثمنًا لمواقفها، أنّ المرأة قادرة على لعب دور مفصلى فى حياة الشعوب، حيث كافحت وناضلت ضد الأنظمة الإمبريالية فى العالم، من دون أن تضع الجغرافيا حاجزًا بينها وبين تحقيق هذه الغاية.



وبعد قرابة أكثر من 20 عامًا على سجنها، أطلقت السلطات اليابانية سراح مؤسسة إحدى أكثر المنظمات إرهابًا فى سبعينيات القرن الماضى، بعد أن أمضت عقوبتها لاتهامها بحصار السفارة الفرنسية فى هولندا.

وقد وأوقفت فوساكو شيغينوبو، التى أسست مؤسسة الجيش الأحمر اليابانى، وهى جماعة يسارية راديكالية نفذت هجمات مسلحة فى جميع أنحاء العالم، لدعم القضية الفلسطينية، عام 2000 بعد عودتها سرًا إلى اليابان بجواز سفر مزور ودخولها فندقًا متنكرة فى زى رجل.

وغادرت شيغينوبو البالغة من العمر 76 عامًا السجن فى طوكيو مع ابنتها، بينما استقبلها العديد من المؤيدين بلافتات كُتب عليها «نحن نحب فوساكو».

وقالت شيغينوبو بعد إطلاق سراحها: «أعتذر عن الإزعاج الذى تسبب فيه اعتقالى لكثيرين.. مضى نِصف قرن، لكننا تسببنا فى إلحاق الضرر بالأبرياء، الذين كانوا غرباء عنا، من خلال منح الأولوية لمعركتنا، مثل أخذ الرهائن».

 نشأتها

لوالد يمينى متطرف، ولدت شيغينوبو فى اليابان عام 1945، وذلك فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، لتُعرف بميولها اليسارية ومناهضتها لكل أشكال الإمبريالية، التى تجلت من خلال مشاركاتها فى الحركات الطلابية الاحتجاجية فى الجامعة.

كانت ابنة ضابط شارك فى الحرب العالمية الثانية، إلا أنه عمل بقالًا بعد هزيمة اليابان، وبدأت رحلتها مع الشرق الأوسط صدفة عندما مرت وهى فى العشرين من عمرها، باعتصام فى إحدى جامعات طوكيو، للاحتجاج على حرب فيتنام وخطط الحكومة اليابانية، للسماح للجيش الأمريكى بالبقاء فى البلاد.

وخلال السنوات الخمس التى تلت ذلك الاعتصام، دخلت شيغينوبو فى الحركة اليسارية، لتقرر مغادرة اليابان فى الخامسة والعشرين من عمرها، واتخذت اتجاه الفرع الدولى لمجموعة ثورية يابانية زالت بعد بضع سنوات، ثم أسست الجيش الأحمر اليابانى فى لبنان عام 1971.

ومع نهوض الحركات اليسارية فى اليابان بدأت تظهر مجموعات مسلحة يابانية يسارية، قررت مواجهة السلاح بالسلاح، لذا أسس قائد الحركة الطلابية، تكايا شيامى، فصيل الجيش الأحمر اليابانى الذى تأثر بالثورة اللينينية والأفكار الماركسية، وكانت شيغينوبو عضوًا أساسيًا فيه.

أولى نشاطاته كانت مناهضة الحرب الأمريكية على فيتنام، والاعتراض على سياسة اليابان الرأسمالية واليمينية، حيث كان اتفاق اليابان مع الولايات المتحدة ودعمها للحرب على فيتنام الشرارة الأولى للتظاهرات المناهضة عام 1960 لكن الشرطة استطاعت قمعها، فوجد الناشطون أنّ الثورة من داخل اليابان ستكون مستحيلة لذا تطلعوا إلى تأسيس قواعد خارج اليابان.

ولربما كان هذا السبب الذى دفع فوساكو شيغينوبو إلى مغادرة اليابان والسفر نحو بيروت، خاصةً أنّ شيامى أشاد بشجاعتها وقدرتها على جمع المعلومات من خلال نشاطها وسفرها حول العالم.

وبينما استقبلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فى تلك الفترة شيغينوبو، التى كانت تُلقب بـ«الملكة الحمراء»، بالترحاب الشديد، كشفت صحيفة الجادريان، أنه يُعتقد أنها كانت العقل المدبر للهجوم بالرشاشات والقنابل اليدوية عام 1972 على مطار اللد فى تل أبيب، الذى خلف 26 قتيلًا و80 جريحًا. 

مجموعتها التى كانت «مرعبة» ذات يوم، تهدف إلى ثورة اشتراكية عالمية، ونفذت عمليات خطف رهائن، إضافة إلى هجوم مميت على مطار إسرائيلى.

وحُكم على العاملة السابقة فى شركة صلصة الصويا بالسجن عقدين خلف القضبان بعد ست سنوات، لدورها فى حصار عام 1974 للسفارة الفرنسية فى لاهاى.

وأنهت فرنسا المواجهة بإطلاق سراح مقاتل من الجيش الأحمر طار مع الخاطفين فى طائرة متجهة إلى سوريا.

دعم فلسطين

كان النضال ضد الاحتلال الإسرائيلى وجهًا من أوجه النضال ضد الإمبريالية العالمية، فوصلت شيغينوبو العاصمة اللبنانية بيروت عام 1971، وتطوعت فى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لتحمل اسمًا مستعارًا فى بيروت، وهو «مريم»، حيث استطاعت أنّ تثبت نواياها فى دعم النضال الفلسطينى للقيادة فى الجبهة، بالرغم من صعوبات التواصل التى تجسدت فى اختلاف اللغات، وعدم إتقانها للعربية.

والتقت مع الناطق باسم «الجبهة الشعبية»، والكاتب غسان كنفانى، وعملت معه فى دائرة الإعلام المركزى، وانضمت إلى صفوف «الجبهة»، لتشارك فى صناعة أفلام ومواد إعلامية خاصة بالجبهة، كما ترجمت العديد من المواقف والوثائق السياسية للجبهة إلى اللغة اليابانية.

بعد عام فى بيروت انشقت شيغينوبو عن الجيش الأحمر فى اليابان، بسبب تغير فى ممارساته وابتعاده عن الأفكار الثورية، وقررت أن تدعم الفلسطينيين لتطبيق شعارات الثورة ومبادئها من خلال النضال ضد الاحتلال الإسرائيلى انطلاقًا من لبنان.

 30 عامًا فى الشرق الأوسط 

عاشت شيغينوبو هاربة فى الشرق الأوسط 30 عامًا تقريبًا، لكن ألقى القبض عليها بأوساكا فى نوفمبر 2000، بعد عودتها سرًا إلى اليابان بجواز سفر مزور ودخولها فندقًا متنكرة فى زى رجل.

وقالت شيغينوبو فى كتاب أهدته لابنتها الوحيدة المولودة عام 1973 فى لبنان من علاقة مع أحد ناشطى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين «فى البداية، لم أكن مؤيدة للعرب أو معادية لإسرائيل.. لكن (فى ذلك الوقت) كان للقضية الفلسطينية صدى فينا، نحن الشباب الذين عارضوا حرب فيتنام والذين كانوا متعطشين للعدالة الاجتماعية».

وتعيش ابنتها ماى شيغينوبو فى اليابان منذ 2001. وقد جاءت فورًا للدفاع عن والدتها ودعمتها طوال فترة احتجازها، من دون أن تقر بتورطها فى عملية احتجاز الرهائن فى لاهاى، أعربت فوساكو شيغينوبو عن أسفها فى السجن بسبب الكفاح المسلح لتحقيق مُثلها الثورية. 

وقالت فى رسالة إلى صحيفة «جابان تايمز» فى 2017 «آمالنا لم تتحقق وكانت النهاية قبيحة».وأضافت: «أعتقد أن اليابانيين الآن أصبحوا أقل اكتراثًا بالقضايا السياسية وأعتقد أن أفعالى وأفعال آخرين ساهمت فى ذلك».

عملية «مطار اللد»

ارتبط اسم شيغينوبو بعملية مطار اللد التى حدثت مجرياتها عام 1972، حيث تم اتهامها بالتخطيط للعملية التى قام بها 3 فدائيين يابانيين، وصلوا مطار اللد على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية، وما إن نزلوا أرض المطار حتى اندلع اشتباك بينهم وبين قوات الاحتلال الذين قتل وجرح العشرات منهم، مع سقوط 2 من منفذى العملية وإلقاء القبض على الثالث.

ووجهت عملية مطار اللد التى نفذت ضمن فرع العمليات الخارجية للجبهة الشعبية ضربة أمنية كبيرة للاحتلال، بسبب الخرق الأمنى الذى حصل، وكيفية وصول الأسلحة إلى داخل المطار، فقد تمكن منفذو العملية من إخفاء أسلحة رشاشة وقنابل فى حقائبهم، وبعد استلامها داخل المطار، فتحوا نيرانهم صوب المسافرين الإسرائيليين.

وجدت فوساكو نفسها الناطق الرسمى باسم مجموعة اليابانيين بعد أن فقدت أقرب أصدقائها خلال عملية اللد، وأصبحت اليابانية الوحيدة ضمن مجموعة الثوار المتبقية فى لبنان، هدفًا للإسرائيليين لذا اضطرت إلى التخفى.

وقد تزوجت شيغينوبو خلال فترة وجودها فى لبنان من قيادى عسكرى فى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأنجبت ابنة أسمتها «ماى» تيمنًا بشهر مايو الذى جرت فيه عملية مطار اللد.

وفى مقابلات صحافية قالت «ماى» إنها كانت مضطرة دائمًا لإخفاء هويتها عن الجميع، بسبب طبيعة عمل والديها، ونشاطهما ضد الاحتلال الإسرائيلى، خاصةً بعد أنّ أصبح اليابانيون أهدافًا مباشرةً للاحتلال بسبب عملية اللد التى أسفرت عن مقتل العشرات من قواته.

 حل الجيش الأحمر اليابانى

وفى أبريل 2001، أعلنت حل الجيش الأحمر من السجن، وعام 2008 أصيبت بسرطان القولون والأمعاء، وخضعت لعمليات عدة. وقالت شيغينوبو، إنها ستركز أولًا على علاجها، مؤكدة أنها لن تكون قادرة على المساهمة فى المجتمع بالنظر إلى حالتها الضعيفة؛ لكنها قالت للصحفيين: «أريد أن أستمر بالتفكير فى الماضى، وأن أعيش أكثر وأكثر بفضول».