الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأزهر: «فوضى التعدد الزوجى» مرفوضة

تعدد الزوجات «قضية تكرر الحديث عنها منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما تم الإعلان عن تعديلات قانون الأحوال الشخصية والذى يطالب بتقنين زواج الرجل بأخرى، وجعلته مشروطًا بموافقة الزوجة الأولى حيث ينص القانون الجديد فى مادته الـ14، على ضرورة استدعاء قاضى محكمة الأسرة للزوجة لمعرفة رأيها فى الموافقة على الزواج من عدمه، وألا يتم الزواج دون إحضار الزوجة القديمة وإبداء رأيها بالرفض أو القبول، وإبلاغ الزوجة الجديدة بالزواج القديم.



ما أن أعلن عن قرب حسم القانون فى البرلمان المصرى حيث أعيد الجدل حول التعدد وظهر من يطالب بجعل التعدد غير مشروط، وأنه من حقوق الرجل، الأمر الذى دفع الأزهر الشريف وتحديدًا جريدته الرسمية «صوت الأزهر» إلى إعادة نشر تصريحات الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر، والتى تؤكد أن «زوجة واحدة تكفى»، وهو العنوان الأكثر شيوعًا عبر مختلف المواقع والسوشيال ميديا.

وفى الحقيقة فإن القول بأن الأصل هو التعدد هو قول خاطئ، ضعّفه كثير من العلماء القدامى والمعاصرين، وقالوا إن آية التعدد فى سورة النساء التى تتُخذ كمسلك للزواج من أخرى لم تنزل لغرض التعدد، وإنما لصيانة حقوق اليتامى.

وتاريخيًا دعا مفتى مصر فى أوائل القرن الماضى محمد عبده (1849-1905) دعا بدوره إلى منع التعدد. وأصدر فتوى يقول فيها «يجوز للحاكم رعاية للمصلحة العامة أن يمنع تعدد الزوجات بشرط أو بدون شرط حسب ما يراه موافقًا لمصلحة الأمة».

ووافق عبده على تعدد الزوجات فى حالات استثنائية، مثل الحروب، حيث يقل عدد الرجال ويكثر عدد النساء والأرامل.

وقدم اقتراحًا للحكومة لوضع نظام يقيد تعدد الزوجات، لكن هذا الاقتراح فشل. وقدم تلامذته مقترحات شبيهة سنة 1928 عند تأسيس لجنة لتعديل بعض مواد مدونة الأحوال الشخصية. لكنها فشلت أيضًا.

​​​​وجاء فى «تفسير المنار» لرشيد رضا: «إذا تأمل المتأمل ما يترتب على التعدد فى هذا الزمان من المفاسد، جزم بأنه لا يمكن لأحد أن يربى فيها أمة فشا فيها تعدد الزوجات، فإن البيت الذى فيه زوجتان لزوج واحد لا تستقيم له حال ولا يقوم فيه نظام بل يتعاون الرجل مع زوجاته على إفساد البيت كأن كل واحد منهم عدو لآخر، ثم يجيء الأولاد بعضهم لبعض عدو، فمفسدة تعدد الزوجات تنتقل من الأفراد إلى البيوت ومن البيت إلى الأمة».

 موقف شيخ الأزهر 

وفيما يتعلق بتصريحات شيخ الأزهر حول تقييد تعدد الزوجات، فلم تكن حديثة، حيث أطلقها الإمام الأكبر فى 2019، مع إعلان عن تعديلات قانون الأحوال الشخصية، ببرنامجه الأسبوعى على الفضائية المصرية حيث تحدث عن فوضى التعدد وتفسير الآية الكريمة المتعلقة بالموضوع، وكيف أنها تقيد هذا التعدد بالعدل بين الزوجات، كما رد على الذين يعتبرون أن تعدد الزوجات هو الأصل.

وأكد أن رخصة التعدد لم تأت فى آية منفصلة أو حكم مطلق دون تقييد، وإنما وردت فى سياق آية قرآنية تدافع عن اليتيمات من الظلم الذى قد يتعرضن له من قبل بعض الأولياء عليهن، وهو ما يجعلنا نستحضر الظلم الذى قد تتعرض له الزوجة الأولى بسبب التعدد، إذا لم يتم الالتزام بالشرط المتعلق به وهو العدل.

وأوضح أن هذا المنظور فى التعامل مع رخصة التعدد ليس بالجديد، فهو موجود فى تراثنا وقرره علماؤنا، لكن أهيل التراب على هذا التراث، وساد فهم آخر أدى إلى هذه المآسى التى نعانى منها، والتى دفعت البعض لاتهام الإسلام بأنه هو الذى فتح باب التعدد، مع أن التعدد كان موجودًا فى المجتمع العربى قبل الإسلام، وجاء الإسلام ليضع حدًا لفوضى التعدد التى كانت سائدة، ويضع سقفًا للتعدد، بعدما كان مطلقًا.

ورد فضيلة الإمام الأكبر على من يتساءلون حول لماذا لم يحرم الإسلام التعدد بشكل مطلق، موضحًا أن هذا المنع كان سيوجد حرجًا لدى البعض، فالتعدد فى بعض الحالات هو حق طبيعى للرجل، فمثلاً إذا كانت الزوجة لا تنجب والزوج يريد أن تكون له ذرية، فمن حقه أن يتزوج بأخرى، فهذه غريزة وليس من حق أحد أن يقول له: «عش هكذا بدون ذرية»، لكن عليه ألا يظلم زوجته الأولى، وأن يحرص على أن تنال نفس الاحترام الذى كانت تلقاه قبل أن يتزوج عليها، كما أن لهذه الزوجة أن تطلب الطلاق للضرر إذا لم تقبل العيش مع زوجة أخرى، ولا يجوز للزوج أن يحبسها.

ولم يكن رأى شيخ الأزهر هو الرأى الوحيد فى قضية رفض فوضى التعدد، حيث أعلنت دار الإفتاء فى فتوى لها أن هناك لغطًا فى مسألة تعدد الزوجات، وأن الأصل عدم التعدد، حيث إن التعدد جاء لعلاج مشكلة اجتماعية؛ ولذلك ينبغى أن يكون التعدد تحت وطأة مبرر قوى معتبر.

كما أن فضيلة الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب أكد فى تصريحات سابقة له أن الأصل فى الزواج عدم التعدد، وقال: «الأصل فى الزواج أن الله خلق للرجل زوجة واحدة، فخلق حواء لآدم، وجعل لأبناء آدم زوجة واحدة، فالأصل فى الزواج الإفراد وليس التعدد، والله خلقنا باكتفاء الرجل بامرأة واحدة، والتعدد فى الزواج يكون فى حالات قليلة جدًا وعند وجوده جعل الله شرط العدل أساسًا فى تعدد الزوجات وإلا وقع الرجل فى معصية الظلم».

ولفت إلى أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم عندما كون أسرة مع خديجة رضي الله عنها لم يعدد عندما كان هناك أبناء، فسنة النبى كانت ذلك.

الدكتور محمد الشحات الجندى الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعضو مجمع البحوث الإسلامية يرى أنه لا مانع من أن تكون هناك ضوابط قانونية تنظيمية لمسألة الزواج بأخرى، وأوضح قائلًا: «يجب أن يكون معلومًا أن تعدد الزوجات الذى أجازته الشريعة الإسلامية إنما هو مبنى على ضرورة، وأن هناك ملاحظة فى هذا الخصوص يدل عليها الواقع المعاصر، وهى أن الزوج عندما يتزوج بالزوجة الثانية ينحاز فى علاقته الزوجية إليها بدرجة أكبر كما أن الاهتمام بالزوجة الأولى لا يكون على ذات المستوى فى المعاملة مثلما كان الحال قبل زواجه الآخر بالإضافة إلى أن الإنفاق على الزوجة الأولى قد يتأثر».

ويؤكد أنه لذلك فإنه يرى أن تكون مسألة التعدد من مسئولية القضاء بحيث يتم الحصول على إذن من القضاء بالموافقة على زواج الرجل بزوجة ثانية، باعتبار أن القضاء قد يجد للزواج الثانى ما يبرره بحكم الأوضاع الجارية على أن يقوم القاضى بفحص وسماع وجهة النظر من جانب الطرفين الزوج والزوجة كى يتسنى له الوقوف على الحقيقة والأسباب التى يستند كل منهما فى ادعائه لطلبه من المحكمة.

ويشير الدكتور الشحات الجندى إلى أن تقييد التعدد لا يترتب عليه بالضرورة حرمان الزوج من التعدد، غاية الأمر أنه يضع ضوابط على قيام هذا التعدد حتى لا يساء استخدامه الذى هو رخصة، أما التقييد العام فهو مرفوض.

ويشدد قائلًا: «إن كل حالة فى الزواج بأخرى لا بد أن تنظر أمام القضاء للتأكد من أن الزوج على حق فى الزواج بأخرى.. لكن أن يوضع فى الوثيقة شرط عام على الجميع بألا يتزوج الرجل بأخرى إلا بإذن زوجته فهذا لا يجوز، وإن كان ينبغى أن يتاح للزوجة اشتراط طلب الطلاق عند الزواج بأخرى فى وثيقة الزواج».

 موقف هيئة كبار العلماء

وقد يرى البعض أن قضية التعدد بحاجة إلى اجتهاد جماعى، والرد على هذا بسيط، حيث إن هيئة كبار العلماء بالأزهر بدأت مناقشة هذه القضية منذ عام 2017 حيث تم تشكيل لجنة فى أواخر أكتوبر من العام 2017، لإعداد مشروع القانون، والتى ضمت فى عضويتها نخبة من أساتذة الجامعات والقضاة والخبراء والمتخصصين، تمهيدًا لعرضه على مجلس النواب.، وضمت اللجنة وقتها كلًا من «الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، والدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، والمستشار محمد الدكرورى، الخبير القانونى نائب رئيس مجلس الدولة سابقًا، والدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور محمد كمال إمام، أستاذ الشريعة بكلية الحقوق- جامعة الإسكندرية، والدكتور عبدالله مبروك النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة، والمستشار محمد عبدالسلام، المستشار التشريعى والقانونى لشيخ الأزهر، والمستشار وليد صديق، ممثلًا عن وزارة العدل، والمستشار أمل عمار، ممثلة عن المجلس القومى للمرأة، بالإضافة إلى «أمانة فنية»، ضمت نخبة من أساتذة القانون والخبراء المتخصصين.. وعقدت اللجنة أكثر من 30 اجتماعًا انتهت خلالها من صياغة مشروع القانون، فى أبريل 2019 حيث أعلنت هيئة كبار العلماء انتهاءها من مراجعة مواد مشروع قانون الأزهر للأحوال الشخصية كان من بينها وضع الضوابط والشروط حول التعدد فى الزواج باعتباره أنه ليس الأصل.