الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد نتائج الانتخابات البرلمانية.. ماذا ينتظر بلاد الأرز؟

واقع جديد أفرزته نتائج الانتخابات البرلمانية فى لبنان، والتى أجريت فى 15 مايو الجارى، حيث جرت هذه الانتخابات رغم ما تعانيه البلاد من ظروف معيشية واقتصادية وسياسية فى منتهى الصعوبة، فإن النتائج قد تبشر بواقع جديد ربما يكون بداية لمستقبل مرتقب لبلاد الأرز.



 

وقد خالفت النتائج كل التوقعات والإحصاءات التى وضعت توقعات مسبقة طيلة الأشهر الماضية وحتى اللحظات الأخيرة من فرز الأصوات فى كل قلم اقتراع ودائرة. ومع صدور النتائج الأولية ظهر أن صورة المجلس البرلمانى الجديد ليست أبدًا كسابقيها، لاسيما مع انتزاع قوى ومرشحين جدد مقاعد عدة من حصص الأحزاب والمرشحين التقليديين، وعلى امتداد مناطق ودوائر كانت تعتبر قلاعًا محصنة لأحزاب السلطة الحاكمة.. وهو الأمر الذى عكس مدى قوة الشعب اللبنانى ورغبته الملحة فى التغيير بعد ما واجهه من معاناة على مدار أعوام من الوجوه السياسية الثابتة والتى أدت لما آل عليه الوضع الحالى فى البلاد.

مفاجأة التصويت

وكانت كبرى المفاجآت التى أفرزتها هذه الانتخابات هى فوز «قوى التغيير»، المنبثقة عن «ثورة 17 تشرين» (أكتوبر)، على الرغم من أن التقديرات والتوقعات التى استبعدت حصولهم على أصوات بهذه النسب، نتيجة خوض مرشحيهم عبر لوائح متعددة ومختلفة، أما «حزب الله» وحليفه «حركة أمل» فكان لهما الضربة القاضية فعلى الرغم من أنهم حافظوا على نسبة تمثيله لمقاعد الطائفة الشيعية فى لبنان البالغ عددها 27، إلا أنهم تلقوا ضربة قوية فى خسارتهم للأكثرية النيابية التى كانوا يتمتعون بها وحلفاؤهم (71 نائبًا) مقارنة بما أفرزته الانتخابات الماضية عام 2018.

كما جاء تقدم كبير لحزب «القوات اللبنانية»، مقابل تراجع لـ «التيار الوطنى الحر» (الحليف المسيحى لحزب الله) وهو الأمر الذى يعتبر من أحد المفاجآت البارزة فى الاقتراع، ووفق التوقعات السابقة فإن هذا التراجع كان أمرًا حتميًا، نظرًا للغضب الشعبى الكبير من التيار وما نتج عن فترة إمساكه بالسلطة اللبنانية ورئاسة الجمهورية، أو ما يسمى لبنانيًا بـ «العهد».

وقد سجلت نسبة الاقتراع العامة تراجعًا عن انتخابات 2018 من 49.7 % إلى 41.1 % بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية، كما أعلنت الداخلية اللبنانية نتائج 78 مقعدًا من أصل 128، وذلك بعد إعلان نتائج 9 دوائر انتخابية بشكل رسمى ومصادق عليه، من أصل 15 دائرة فى كل المناطق اللبنانية.

وجوه جديدة

أفرزت نتائج الانتخابات وجوه سياسية جديدة لم يسبق لها العمل فى المناصب السياسية، فى بلد يقوم نظامه السياسى على المحاصصة الطائفية، حيث حصل «قوى التغيير» على 13 مقعدًا، ومن شأن هؤلاء أن يشكلوا مع نواب آخرين مستقلين عن الأحزاب التقليدية كتلة موحدة فى البرلمان.

كما كشفت النتائج سقوط شخصيات سياسية بارزة، على رأسها رئيس «الحزب الديمقراطى اللبنانى» بزعامة طلال أرسلان المدعوم من «حزب الله»، ونائب رئيس البرلمان إيلى فرزلى، فى حين تمكّن رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع من انتزاع الأكثرية النيابية من غريمه رئيس «التيار الوطنى الحر»، بينما استطاع مرشحون عن المجموعات المدنية المستقلة حصد مقاعد برلمانية فى دوائر حزبية، كانت تُعتَبر غير قابلة للانتزاع.

مرحلة المواجهة

وفق الكاتب والمحلل السياسى اللبنانى مكرم رباح، أوضح أن هناك أهمية كبرى لما أفرزته نتائج التصويت خاصة ضد «حزب الله» وحليفه «حركة أمل» خاصة فى دوائر نفوذهما (الجنوب اللبنانى تحديدًا) مؤكدًا أنه وعلى الرغم من كل الحشد الطائفى والتحريض جاءت نسبة الاقتراع منخفضة فى الدوائر المحسوبة على الحزب، وهذا الأمر انعكس سلبًا عليه، على الرغم من أنه فى الانتخابات الماضية كان يستفيد من نسب الاقتراع المتدنية لتمرير كتلته، فإنه هذه المرة لم يتمكن من ذلك».

ووفق قراءة للمشهد السياسى الذى أفرزته نتائج التصويت، نستطيع أن نرى خروج بعض الشخصيات والأحزاب من الأغلبية فى البرلمان مما يبعده عن مبدأ التسويات والتفاهم، الذى كان متبعًا فى المجلس الماضى، فالمجلس كما بدأ يتضح فى شكله، من الواضح أنه «مجلس مواجهة»، يشبه نوعًا ما مجلس نواب لعام 2005.

وقد بدأت ملامح هذه المواجهة تتضح من خلال تصريحات الفائزين، لاسيما لناحية أول استحقاق أمام المجلس النيابى الجديد وهو انتخاب رئيس جديد له، حيث عبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» فى أول موقف سياسى له بعد صدور النتائج عن أنه لن يصوت لنبيه برى لرئاسة مجلس النواب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى لوائح التغيير، ومعها عدد كبير من الفائزين المعارضين لحزب الله والثنائى الشيعى. 

وسيكون أمام البرلمان الجديد بالتشاور مع رئيس الجمهورية، مهمة تسمية شخصية لرئاسة الحكومة ومن ثم منح حكومته الثقة، وهو ما يتوقع أن يحمل تأجيلًا وتعطيلًا فى سياق تخبط بعض الأحزاب الحالية ووجود شخصيات جديدة فى المشهد السياسى، ما قد يعنى تأخيرًا فى تشكيل الحكومة الجديدة التى يفترض أن تبدأ مسارًا إصلاحيًا يتوافق مع شروط البنك الدولى لمساعدة لبنان فى الخروج من أزمته الاقتصادية الحادة.

كذلك مهمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، المفترض أن تكون فى أكتوبر المقبل، خلفًا للرئيس الحالى ميشال عون، وهو ملف من المتوقع أن يثير انقسامًا حادًا فى البلاد، لا يستبعد معه أن يحل فراغ فى رئاسة الدولة اللبنانية، على غرار ما جرى قبل العام 2016، حين عطل حزب الله وحلفائه انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.

جدل «الحريرى»

وفيما تحسم النتائج معارك المتنافسين، مشهد واحد لم يجد رأيًا حاسمًا فى تقييمه، وهو موقف «تيار المستقبل» الذى يرأسه سعد الحريرى، الذى أعلن عن مقاطعته للانتخابات وتعليق العمل السياسى فى لبنان، رغم ما يمثله الحزب من رمز للأغلبية السنية فى البرلمان.

فى المقابل يرى خبراء أن موقف الحريرى وحزبه يتعبر نوعًا من «الأنانية» لما أدى إلى مقاطعة نسبة كبيرة من الطائفة السنية للانتخابات النيابية، خاصة فى مناطق طرابلس وصيدا وعكار، وما تمثله هذه المناطق من ثقل سياسى قوى داخل البرلمان اللبناني. ومع إعلان النتائج الأولية للتصويت غرد الحريرى، عبر حسابه عبر «تويتر»، كاتبًا «انتهت الانتخابات ولبنان أمام منعطف جديد. الانتصار الحقيقى لدخول دم جديد إلى الحياة السياسية»، موضحًا أن قرار انسحابه «كان صائبًا، هز هياكل الخلل السياسى وهو لا يعنى التخلى عن مسئولياتنا» وتابع «سنبقى حيث نحن نحمل حلم رفيق الحريرى ونفتح قلوبنا وبيوتنا للناس».

وفى هذا السياق يشدد منسّق عام الإعلام فى التيار عبد السلام موسى، على أن الحريرى وتيار المستقبل لم يدع إلى مقاطعة الانتخابات، مشددًا على أنه: «لو دعينا إلى المقاطعة لكانت نسب التصويت أدنى من ذلك بكثير، فقد تركنا للناخبين حرية القرار والاختيار، جزء قرر المقاطعة وآخر المشاركة، وجزء قرر الاستقالة من التيار والترشح للانتخاب أو الانضواء فى ماكينات انتخابية».

وشرح موسى أن: «دعوة المقاطعة أتت من جمهور المستقبل وكرّسها من خلال النسب المتدنية التى شهدتها كل الدوائر حيث ثقله، من عكار إلى طرابلس إلى بيروت والبقاع وصيدا، ما يدل على المزاج الشعبى وبالتحديد عند قاعدة التيار التى اعتبرت أنه بغياب الرئيس سعد ليس هناك من يمثلها وبالتالى لن تصوت».

وعلى الرغم من انقلاب المشهد السياسى فى لبنان والذى أفرز العديد من الوجوه الجديدة داخل البرلمان، يبقى السؤال الأهم هو كيفية تعامل هؤلاء الناخبين مع باقى الاستحقاقات القادمة، وما يمكن أن يقدموه للشعب الذى ما زال يتجرع كأس المعاناة منذ أعوام ومازال صامدًا؟ فعل هذا التغيير هو بداية طريق النجاة للبنان الشقيقة.