الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تحذير أزهرى من تمويل الإرهاب بـ«العملات المشفرة»

العملات المشفرة مصطلح جديد ارتبط بظهور عملات إلكترونية عام 2009م، عندما نشر حساب مجهول على شبكة الإنترنت يُدعى «ساتوشى ناكاموتو» ورقة بحثية بعنوان «البيتكوين: نظام نقدى إلكترونى من شخص لآخر». وفى وقت لاحق، بدأ فى طرح «البيتكوين» بوصفها عملة إلكترونية بديلة عن النقود الورقية. وتلك العملات لا تخضع لأى رقابة حتى الآن ولا يستطيع أحد التحكم بشكل منفرد فى تعدين العملات، والحكومات لا تشارك فيها عبر البنوك الحكومية.



وتواصل العملات الرقمية المشفرة اكتساب شعبية متواصلة كأداة للتعاملات الشرائية فى مجالات مختلفة؛ بدءًا من شركة تسلا التى أعلنت عن سياراتها مقابل العملات المشفرة، كما يعتمد شراء الرموز غير القابلة للاستبدال NFT باستخدام عملة مشفرة أيضًا، وهناك توسع فى استخدام هذه العملات بشكل أكبر فى المستقبل؛ حيث تشكل حاليًا ما قيمته 1.6 تريليون دولار.

ومن سمات هذه العملة المشفرة أنها تصلح للتعامل المباشر بين الأفراد دون الكشف عن هوية المستخدمين، ودون الحاجة إلى وسيط بنكى أو نقدى. ومع مرور الوقت، والتطورات التكنولوچية المتسارعة، ظهرت عُملات أخرى مثل «الإيثريوم» و«المونيرو»، الأمر الذى أتاح للتنظيمات الإرهابية بدائل عديدة للتمويل بصورة خفية بعيدة عن الرقابة الأمنية.

وفى هذا الإطار أفتى أحد عناصر تنظيم داعش، فى وثيقة «البيتكوين وصدقات الجهاد»، بجواز هذه العملة الرقمية، وشدد على ضرورة استعمالها لتمويل الأنشطة الإرهابية للتغلب على الأنظمة المالية العالمية، والتى وصفها بالكافرة؛ حيث يواجه المتبرع المتعاطف مع التنظيم صعوبات فى التحويل لشخص قد يكون موضوعًا على لائحة الإرهابيين والمطلوبين.

وحول خطورة عودة التمويل للتنظيمات الإرهابية من خلال العملات المشفرة أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على خطورة التعامل بهذه العملات؛ لاستخدام البعض لها فى دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية. مشيرًا إلى أن من جملة المخاطر المترتبة على تداول هذا النوع من العملات هو خَلق سوق اقتصادية عالمية موازية للاقتصاد الرسمى المعترف به دوليًّا، بما يهدد الاستقرار الاقتصادى للدول.

 كما حذر المرصد من انتشار مثل هذا النوع من العملات المشفرة وخطورته من حيث صعوبة تعقبه والسيطرة عليه بما يهدد أمن المجتمعات واستقرارها. ولذلك دعا المرصد إلى ضرورة التكاتف الدولى لوضع آليات أمنية صارمة لوقف هذه العملات، مما يساهم فى تجفيف منابع تمويل الإرهاب بكل صوره والقضاء على أشكاله كافة. 

 وحدة رصد اللغة الإسبانية:  أغنى تنظيم إرهابى 

مرصد الأزهر أفاد بأن تنظيم داعش يعد أغنى تنظيم إرهابى فى العالم؛ حيث أشار إلى أن «مركز الأمن والتعاون الدولى» بجامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأمريكية أعلن أن الأموال التى صادرها التنظيم فى المناطق الخاضعة لسيطرته، إضافة إلى مبيعاته للموارد الطبيعية والأموال التى حصل عليها من فرض الضرائب والأنشطة الإجرامية من خطف وتهريب للمخدرات، ونهب للآثار العراقية أو السورية والمتاجرة بها، كل ذلك جعل منه أغنى تنظيم إرهابى فى العالم حينها، إذ قدرت قيمة أصوله - خلال فترة ذروة قوته وسيطرته - فى عام 2014م بما يتجاوز المليارَى دولار. 

وقال تقرير لوحدة الرصد الإسبانى بمرصد الأزهر إن التمويل يمثل عصب القوة لأى تنظيم إرهابى؛ حيث يعد عاملًا مُهمًّا فى توفير الأسلحة والمعدات واستقطاب العناصر المجندة لخدمة أهداف التنظيمات وتمويل هجماته الإرهابية، وتمثلت انتهاكات تنظيم داعش الإرهابى منذ إعلان دولته المزعومة فى عام 2014م فى تنفيذه العديد من عمليات الخطف والاغتصاب، والتعذيب والاسترقاق، والابتزاز والقتل لجنى الأموال من هذه الممارسات، إضافة إلى استيلائه على نسبة كبيرة من الحقول النفطية فى سوريا والعراق؛ حيث كشف مسئولون فى الاستخبارات الأمريكية أن تنظيم داعش الإرهابى سيطر على قرابة 60 % من آبار النفط فى سوريا ونسبة تصل إلى 5 % من الآبار العراقية فى أثناء مدة سيطرته.

أضاف أنه مع سقوط المعاقل الرئيسية لتنظيم داعش الإرهابى فى سوريا والعراق فى عام 2017م، إلا وبدأ فى البحث عن مصادر تمويل أخرى كى تصبح بديلة عن تلك المصادر التى كان يعتمد عليها وقت سطوته ونفوذه؛ حيث انخرط التنظيم فى سوق العملات المشفرة للتغلب على الأنظمة المالية العالمية الأمنية التى تتعقب مصادر التمويل. وفى هذا السياق، أوضحت دراسة قام بها «المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب» فى نهاية عام 2021م إن العالم الرقمى وأدواته المتطورة والآمنة قد عززا قدرة تنظيم داعش الإرهابى على ترويج أفكاره المتطرفة، وحذَّرت من استخدام التنظيم لعملة «البيتكوين» وهذا العالم الرقمى لتجنيد الشباب وتمويل عملياته. 

وللحديث بصورة متعمقة حول مدى استفادة التنظيمات الإرهابية من هذه العملات المشفرة، ذكر السياسى والصحفى الأرچنتينى «چوستافو سييرا» فى دراسة له نشرتها جريدة «إنفوباى» الأرچنتينية، فى يونيو 2021م، أن العملات المشفرة خلقت دائرة تمويل جديدة للتنظيمات الإرهابية فى الشرق؛ حيث تعمل هناك دوائر مصرفية لتنظيمَى «داعش» و«القاعدة»، وهناك العشرات من المكاتب المتخصصة فى تبادل «البيتكوين» وغيرها من العملات الافتراضية. مؤكدًا أن هذه التنظيمات الإرهابية تستخدم تلك العملات منذ نحو (6) سنوات، كما أنها تجرى معاملات أكثر تعقيدًا يصعب اكتشافها؛ لأنها تسمح لهم بادخار الأموال وتحويلها دون سُلطة أو رقابة يمكنها تتبع هذه العمليات أو إغلاق الحسابات وتجميد الأموال.

 كما أفاد «سييرا» أن الإنتربول أشار إلى أن تعاملات التنظيمات الإرهابية بالعملات الافتراضية فى عام 2020م تجاوزت المليار دولار، وأشار إلى أن وزارة العدل الأمريكية كشفت فى أغسطس 2020م عن إحدى وكالات تحويل الأموال الافتراضية الدولية تسمى «BitcoinTransfer»، وأنها تمثل جزءًا من مخطط عالمى لتمويل الإرهاب. على الجانب الآخر بدا جليًّا السعى الدؤوب لتنظيم داعش الإرهابى فى البحث عن مصادر جديدة للتمويل وفقًا لفتواه التى أجاز فيها التعامل بالعملات الرقمية وأبرزها «البيتكوين»؛ لتسيير تمويل عملياته الإرهابية وتسهيل تنفيذها.

 فتاوَى بحرمة التعامل

بينما كشف «المؤشر العالمى للفتوى» (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية فى أواخر 2018م أن 85 % من فتاوَى داعش تحث على إنفاق الأموال لخدمة التنظيم. فهذا هو نهج التنظيم الدائم، إذ إنه يستخدم حُكم «الجواز» فى أكثر من 70 % من فتاواه عندما يتعلق الأمر بالتمويل والعملات الرقمية والاستيلاء على الأموال وتدمير المنشآت والمؤسّسات تحت مسمى «الجهاد» وإعلاء كلمة الدين والدفاع عنه، وفق توصيفهم وأهوائهم. 

كما أفتت العديد من الدول الإسلامية والعربية، مثل: جمهورية مصرالعربية والمملكة العربية السعودية، وغيرهما، بحرمة استخدام تلك العملات الرقمية المشفرة والمتاجرة بها؛ لما يترتب على تداولها من فساد؛ حيث أفتت دار الإفتاء المصرية بعدم شرعية تداول عملة «البيتكوين» والتعامل من خلالها بالبيع والشراء والإجارة وغيرها؛ لعدم توافر المعايير الشرعية المعتبرة فى العملات؛ لما تشتمل عليه من الضرر الناشئ عن الغرر والجهالة والغش فى مصرفها ومعيارها وقيمتها، فضلًا عن المخاطر العالية المترتبة على ممارستها على الأفراد والدول. 

كما أوضحت أن تمويل التنظيمات الإرهابية ودعمها حرام شرعًا، ومثل هذه الحملات تقوم ضد الإسلام والدين والإنسانية، وأنها حملات بغى وإفساد فى الأرض ينطبق على قائمها وممولها حد الحرابة. مؤكدًة أن «شريعتنا تأمر بحفظ حياة الإنسان وصيانة كرامته وعدم الاعتداء عليه بأى صورة من الصور».