الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كنوز آمال العمدة.. بابا شارو: الراديو هو أهم القنوات الإعلامية!

نطلق كلمة الرواد على الكثير من الشخصيات، لكن حينما نطلقها على محمد محمود شعبان أو (بابا شارو)، فإنها تنطبق بأقصى معانيها على هذا الشخص الذى كان بالفعل ريادة إذاعية صنعت أجيالاً من الإذاعيين الكبار وأثرت فى عقل الكبار والصغار، وقد كانت قدرته فى غرس القيم فى نفوس الأطفال خير معين للآباء والأبناء على تربية جيل عربى يشهد أفراده بأنهم تربوا على صوت بابا شارو العذب الذى خاطب فيهم الطفل الواعى، فنجح فى أن يصنع منهم الإنسان الواعى.. وهذا حوارى معه الذى أهديه لمجلة روزاليوسف..



 

 آمال: هل نستطيع أن نقول – مجازاً – أن رجل الإعلام هو طبيب يعالج جروح المجتمع...

- بابا شارو: يمكن أن يكون هناك وجه تشابه على أساس أن الطبيب دخل المعركة الأبدية ضد الألم، أما الإذاعى فقد دخل معركة الأمل ومعركته أن يعمل على تنشيط الآمال.

آمال: من هذا المنطلق.. كيف كان شعورك حينما كُرمت فى يوم الطبيب المصري؟

- بابا شارو: هذا التقدير كان بمثابة لمسة وفاء أثرت فى نفسى تأثيرًا كبيرًًا، والغريب أنه منذ أن أخبرتنى نقابة الأطباء بقرار تكريمى فى يوم الطبيب وأنا رجعت إلى شخصية بابا شارو، فعدت ثلاثين عامًا إلى الماضى وعشت أيام بابا شارو بشبابها ونشاطها واستجمعت ذكرياتها، ويمكن القول إن هذا التكريم كان بَعثاً لى.

آمال: وحينما عدت ثلاثين عامًا إلى الوراء وعشت أيام بابا شارو وإنتاجه الوفير الموجود فى مكتبة الإذاعة وتربى عليه وجدان أطفال مصر فى خلال ربع قرن، لدرجة أنه قيل إن بابا شارو هو الرجل الذى عندما يتحدث فى الراديو تخلو الشوارع من أطفال مصر... فما أكثر الأعمال قربًا من قلبك؟

- بابا شارو: لى إنتاج وفير فى مكتبة الإذاعة، وإنتاج الأطفال ليس أكبرها، فهناك مجموعة أوبريتات كثيرة ضاعت تسجيلات عدد كبير منها لسوء الحظ، وقد يختلف الناس فى الحكم على هذا الإنتاج، لكن الجهد والصدق والمعاناة التى كانت وراء هذا محل تقدير من الجميع.

آمال: لو أن بعضًا من إنتاجك قد ضاع.. فإنه لا يمكن أن يمسح من وجدان أطفال مصر الذين استمعوا لك...

- بابا شارو: قد يكون هذا دلالة على أن الاتصال كان كاملاً، وتبادل الأخذ والعطاء كان مستمرًًا، والتداخل كان متواصلاً بينى وبين أطفال مصر، وربما كانت هناك أسباب أو ظروف وضعت قدمى على الطريق السليم المؤدى إلى الاتصال الكامل، وهذا هو ما تسبب فى صنع اتصال غير مقطوع بينى وبين الجماهير.

آمال: هل يحدث هذا لدرجة أن تكون أعمالك محفورة وباقية داخل الوجدان وفى خزانة الذاكرة رغم ضياع الكثير من تسجيلاتها؟

- بابا شارو: الوجدان لا يمكن مسح ما يدخل خزائنه أبدًا.

آمال: هل صحيح أن الشوارع كانت تخلو من الأطفال وقت إذاعة برامجك؟

- بابا شارو: طبعًا أنا لم أكن أتواجد فى الشوارع وقتها، لكن من حولى كانوا يخبروننى بذلك.

آمال: هناك نظريات جديدة للمجتمع، أولها أن سلطان البيئة على الأطفال ربما كان أعمق وأكبر من المكونات الوراثية لهم.. فماذا تقول فى ذلك؟

- بابا شارو: أعتقد أن العكس هو الصحيح، وأن المكونات الوراثية شيء متأصل، فالبيئة تعطى بعض الشكل، لكنى لا أظن أنها تغير الموضوع بشكل كبير.

آمال: لو حاولنا أن نعالج بعض المساوئ التى تصدر عن الأطفال والمآخذ التى تأخذها عليهم، فيجب أن نؤصل عندهم التاريخ...

- بابا شارو: هذا صحيح، ومما يعزز أن البيئة ليست هى العامل الأقوى، أن مشاكل الأطفال وخواطرهم والأسئلة التى تثير حيرتهم هى نفسها لا تتغير فى جميع المجتمعات وفى كل البلاد على اختلاف مستوياتها وتاريخها وبيئتها وأجوائها وعاداتها، نفس ووجدان الطفل واحد فى كل بلاد العالم.

لم تعد هناك طفولة بالمعنى المتعارف عليه قديمًا

آمال: هل كنت تضع فى اعتبارك وأنت تخاطب الأطفال أنك تخاطب عمرًًا معينًا أم أن كل الأعمال كانت تذوب حول راديو يذيع برنامجاً للأطفال يقدمه بابا شارو؟

- بابا شارو: أنت تثيرين قضية مهمة جداً. فرجال الرتبية منذ زمن بعيد، قسموا الطفولة إلى مراحل، فهناك الطفل فى حضن أمه، والطفل الذى لا يزال يلتصق بالبيت، ثم الطفل الذى يلتحق بالمدرسة والذى يتعرف على الحياة العامة، وهكذا تتعدد مراحل الطفولة حتى يصل الطفل إلى مرحلة المراهقة.. أما اليوم فأنا أعتقد أن هذه المقاييس والمعايير لم تعد سليمة، بمعنى أن الطفل الآن فى عصر التليفزيون يتابع أحداث العالم ويعرفها، ويرى أشياء لم تكن تتاح له فى الماضى قبل أن يبلغ سن العشرين أو الثلاثين، أما الآن فالطفل يتفاعل مع أشياء لم تكن أبداً من أحداث الطفولة حينما وضع علماء التربية تقسيمات السن كما ذكرتها.

آمال: إذاً فقد حدثت طفرة فى المعرفة...

- بابا شارو: حدثت طفرة فى المعرفة وفى وسائل التلقى، ولا ننسى أن وسائل الاتصال أثرت تأثيرًا كبيرًا وجعلت الأمى الذى لا يقرأ ولا يكتب يقل حماسه لتعلم القراءة والكتابة، لأن إحساسه بالحاجة للقراءة والكتابة ضعف نظراً لأنه يسمع ويرى كل شيء دون أن يحتاج للقراءة، وهذه النظرة قد تكون ضد وسائل الإعلام لكنها تعبر عن الواقع.

آمال: وهذه الطفرة المعرفية التى أصابت طفل اليوم، هل قللت من حجم عذاباته وجعلته طفلاً سوياً أكثر من طفل الأمس؟

- بابا شارو: كلمة سوى تعطى فكرة على الخلق والقيم ومثلها من الصفات، لكننا نتحدث عن المعلومات التى تمنحها له وسائل الإعلام، والتى تزيد من حصيلته وقدراته الفكرية، لكن بالنسبة للأخلاقيات فهى موضوع آخر، وكما قلت فإن البيئة لا تؤثر فى الأشياء الأصيلة فى الطفل أو فى الإنسان عموماً، ونفس الشيء فإن الأشياء الأصيلة المتأصلة فى الخلق والعادات والتقاليد موضوع آخر يتأثر بتأثرات أخرى غير المعرفة.

آمال: وإذا كان هناك إنسان فى عمر متقدم تصدر عنه تصرفات صبيانية لا تواكب عمره.. فهل يمكن القول إن طفولته تلازمه أو أنها قابعة بداخله؟

- بابا شارو: أعتقد أنها تظل قابعة فى الإنسان مهما تقدم به العمر.

آمال: هذا لو وصل إلى عمر بابا شارو؟

- بابا شارو: وأكبر من ذلك أيضاً.. بابا شارو ليس أعجز العجائز وكل شخص يمكن أن يجرب ذلك فى نفسه، فكل إنسان سيجد بداخله طفلاً صغيرًا.

آمال: لكن هل هو تصرف صحى أن يترك العنان لهذه الطفولة القابعة بداخله أم الأفضل أن يقلم أظافرها؟

- بابا شارو: هو لا يستطيع أن يترك لها العنان لأنه أصبح إنساناً ناضجاً ومسئولاً وأصبح يؤدى واجبه ويكسب عيشه، لكن رغم ذلك فإن ما فى ضميره ووجدانه لا يتغير كثيراً بمرور الزمن.

آمال: سنأخذك مثلاً.. ما الذى يصدر عنك وتشعر أنه صادر من الطفل الذى لا يزال كامناً بداخلك؟

- بابا شارو: هذا شيء يمكن أن يجربه كل إنسان فى نفسه فى حالتين، هما حالة الفرح الشديد وحالة الحزن الشديد، فيكون هو والطفل سواء وذلك فى أى عمر، فيمكن أن يقفز فرحًا أو يبكى حزنًا وذلك حسب طاقاته ومكانته خاصة لو كان وحيداً، ولذلك فأنا حينما كنت أتعامل مع الأطفال لم أكن أعاملهم على أنهم أطفال صغار بل على أنهم بشر ناضجون متكاملو الوجدان والعواطف، لكن إدراكهم لا يزال ينمو.

 كنت تلميذاً للطفل الذى أتحدث معه

 آمال: وهل هذا هو سر التواصل الذى امتد بينك وبين الأطفال؟

- بابا شارو: السر الحقيقى أننى كنت تلميذاً للطفل الذى أتحدث إليه، وكان يساعدنى فى هذا الأمهات اللائى لم يكنّ يدعينّ المعرفة، فكنّ يكتبنّ لى بكل براءة وبساطة تصرفات أطفالهن سواء فى مجال الشكوى أو العرض، فكان هذا يعطينى رؤى ومؤشرات عميقة تحتاج للتأمل، وأيضاً كانت خطابات الأطفال أنفسهم وأسئلتهم واعتراضاتهم أو رغباتهم كلها كنت أعيشها وأفحصها وأتأمل فيها، وهكذا كان الأطفال هم الذين يقودوننى وطالما صححوا لى أخطاء وصححوا لى المسار بكلامهم الذى كتبوه بخطهم وبكلام الأمهات البريئات.

آمال: أى أن مادتك كانت مستمدة من الأطفال.. فكنت تأخذ منهم وتعطيهم…

- بابا شارو: هذا صحيح.

 آمال: هناك نظرية تقول إن الفن «أنا» والحضارة «نحن» فما موقفك من هذه النظرية؟

- بابا شارو: هذا الكلام يفسر الواقع لأن الحضارة تتكون وتنشأ من تضافر جهود الجميع، فأنا وأنت وبقية المواطنين نصنع الحضارة معاً، أما الفن «أنا» لأن الفن يقف وراءه الذاتى فلذلك قد نختلف معاً إزاء عمل فنى واحد لكننا لا نختلف فى هدف قومى أو حضارى، وهذا هو تفسيرى لهذه النظرية وأعتقد أنه تفسير سليم إلى حد كبير.

آمال: الأنا الموجودة فى الفن أهى التى تدعو إلى التنافس الصحى وبالتالى إلى تحقق الإبداع؟

- بابا شارو: ماذا تقصدين بالتنافس الصحي؟

الفنان الصادق لا توجد عنده الأنا

 آمال: أى عندما يكون إحساس كل فنان ببعض «الأنا» الموجودة بداخله أعلى من أى شيء هل هذا يقود كل فنان للإبداع؟

- بابا شارو: لا أعتقد بوجود هذه الأنا عند الفنان الصادق فالفنان الذى تستغرقه رسالته لا توجد عنده «الأنا» لأنه يعمل بغية التعبير عن شيء يوصله للجماهير، أما الأنا فهى تظهر فى إنتاج الفنان حينما يعكس نفسه وتجربته وآماله الذاتية ولا يعكسها بالشكل الأنانى كما توحى كلمة «أنا» بل يعكسها كلها لخدمة فكرة أو خدمة تعبير أو لخدمة المجتمع.

 آمال: أنت رجل إعلامى بالمعنى الشمولى.. بمعنى أن يتساوى عندك الموقع فى أى من وسائل الإعلام المختلفة، لهذا فأريد أن أسألك عن رأيك فى النظرية التى تقول إن الصورة تصادر حلاوة الخيال فى الراديو..

- بابا شارو: هذا كلام صحيح إلى حد بعيد، وهذا يظهر بشكل واضح فى الدراما التليفزيونية والإذاعية، فحينما تسمعين العمل الدرامى فى الراديو، فإنك تتخيلين ما شئت من الرؤى التى يثيرها الكلام، وأساس الكتابة الناجحة للراديو أنها تثير صوراً وحركة، فإذا نجح الكاتب فى إثارة هذا، ونجح المخرج فى أداء مهمة الفنان وهى أنه يعطى أول الخيط ويعطى المجال للمستمع أو المشاهد أن يستكمل هذا الإبداع، وهذا مجاله فى الراديو أوسع جداً من التليفزيون، فإذا سمع المستمع صوت عصافير فى البستان فله أن يتخيل ما يشاء من الأشجار والألوان والثمار والزهور، أما إذا قدمه المخرج فى التليفزيون فيقيد المشاهد بالديكور والألوان والاكسسوار وغيرها من الأشياء التى يفرضها على المشاهد.

 آمال: وبالتالى فهو يصادر الخيال…

- بابا شارو: يصادره بالفعل.. ولو أن المتفرج الذكى يستطيع أن ينطلق مما يراه إلى خيال أبعد، ومن الواجب على المخرج الذكى ألا يفرض على المشاهد كل الحدود فرضًا كاملًا، بل يعطى له بدايات للتفكير والتخيل ويُمَكَّنه أكثر من الصورة ويجعله يشاركه فى الإبداع، لكن مجال هذا فى الراديو لا حدود له.