الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دراسة أمريكية ترصد كيفية وصول «الرصاص» للأيادى الخاطئة: 10 دول تبيع الأسلحة للعملاء «الأكثر خطورة»

«معظم النار من مستصغر الشرر»..هكذا اعتاد الناس أن يقولوا للتحذير من الاستهانة بما يبدو اليوم صغيراً؛ ولكنه فى الغد قد يكون مهلكاً لما يحوى من مقومات النمو والخطورة. وتعد هذه الجملة ملخص دراسة أمريكية نشرت منذ أيام، بعنوان «مؤشر مخاطر مبيعات الأسلحة لعام 2021»، للباحثين «جوردان كوهين، وتريفور ثرال» فى قسم الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد «كاتو» الأمريكى.



للوهلة الأولى قد يقفز فى الأذهان صورة الطائرات المقاتلة، والدبابات المختلفة، والصواريخ المتنوعة، وكل أشكال الأسلحة الثقيلة. ولكن، على العكس، يركز التقرير- هذه المرة- على المخاطر المرتبطة ببيع ونقل الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، خاصة الأمريكية، باعتبار «واشنطن» أكبر مصدر للأسحلة فى العالم.

حيث رأى الباحثَان أنه رغم تشكيل الأسلحة التقليدية الرئيسية، مثل: الطائرات المقاتلة، وأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات، معظم مبيعات الأسلحة الأمريكية من منظور مالى، إلا أن الخطورة الحقيقية تكمن فى الأسلحة الصغيرة والخفيفة، لأنها قد تنتهى فى الأيدى الخطأ، ويمكنها تضخيم العنف والصراع فى البلدان التى تشتريها.

وأضافا أنه رغم ميل الأخبار للتركيز على الأسلحة النووية، أو الصواريخ، أو غيرها من الأنظمة عالية التقنية، فإن الأسلحة الصغيرة والخفيفة تستخدم بشكل متكرر فى غالبية النزاعات حول العالم، وبالتالى تتسبب فى وقوع معظم الضحايا.

واستدل الباحثان- خلال عرض الدراسة- بثلاث دراسات حالات، لإظهار الروابط بين عوامل الخطر، ومبيعات الأسلحة الصغيرة، والنتائج السلبية لهذه المبيعات، من خلال رصدها فى حالات «المكسيك»، و«إثيوبيا»، و«الفلبين».

 تفسير ظاهرة انتشار الأسلحة الصغيرة

استهل الباحثان تفاصيل دارستهما، بأن «الولايات المتحدة» لا تزال المصدر المهيمن للأسلحة فى العالم..حيث بلغت حصتها فى سوق السلاح العالمية فى عام 2020 نسبة 41 ٪؛ مضيفين أنه منذ عام 2009، وافقت «واشنطن» على أكثر من 1 تريليون دولار من مبيعات الأسلحة، وسلمت ما يقرب من 736 مليار دولار من الأسلحة إلى 167 دولة، خلال إدارات الرؤساء الأمريكيين «باراك أوباما، ودونالد ترامب، وجو بايدن».

ومن ثم، فسرا السر وراء ارتفاع وانتشار الأسلحة الصغيرة حول العالم خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث أكدا أنه تحت إشراف الرئيس الأمريكى السابق «ترامب» نمت محفظة العملاء فى «الولايات المتحدة» بشكل كبير فى المتوسط مقارنة بالإدارتين السابقتين له، بعد أن اتخذ «ترامب» خطوات تنذر بتزايد مخاطر مبيعات الأسلحة فى المستقبل، ومنها: عدم توقيع الرئيس الأمريكى السابق على معاهدة تجارة الأسلحة -والتى لم يتم التصديق عليها بعد-، مما يشير إلى عدم اهتمام «الولايات المتحدة» بالعمل مع «الأمم المتحدة» للتصدى لمخاطر الأسلحة الصغيرة.

كما خففت إدارة «ترامب»- فى عام 2018- قواعد تصدير الأسلحة، ونقلت العديد من العناصر غير العسكرية من الفئات (الأولى إلى الثالثة) فى قائمة (الذخائر) بالولايات المتحدة، إلى قائمة (مراقبة التجارة)؛ مما يسمح ببيعها عبر عملية البيع التجارى المباشر مع القليل من الإشراف الحكومى الأمريكى؛ مما أدى إلى تسهيل قواعد التصدير، ونقل هذه العناصر إلى قائمة (المراقبة التجارية)، التى يكون فيها إشراف أقل فى مخاطر الأمان لبيع العناصر فى هذه الفئات.

يذكر أن العناصر فى الفئات من (الأولى إلى الثالثة)، تشمل الأسلحة النارية شبه الآلية، وذخيرة الأسلحة الصغيرة، والبنادق، والقنابل اليدوية، والقذائف غير المميتة، وأجهزة الرؤية البصرية، ومعدات إنتاج الأسلحة النارية. 

وبالنظر -على وجه التحديد- إلى مبيعات الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، فقد قدر الباحثان أنها استأثرت بحوالى 228 مليار دولار (أى 17.5 %) من 1.3 تريليون دولار فى تراخيص مبيعات الأسلحة الأمريكية منذ عام 2009. 

ووفقًا للأمم المتحدة، فإن ما يقرب من نصف جميع الوفيات الناجمة عن العنف بين عامى 2010 و2015، تتعلق بالأسلحة الصغيرة؛ فيما أوضح موقع «Security Assistance Monitor»، أن «الولايات المتحدة» توسطت فى مبيعات الأسلحة من خلال عملية المبيعات العسكرية الخارجية، التى بلغت قيمتها أكثر من 143 مليار دولار فى عام 2020، بزيادة 59 % عن عام 2019.

وعليه، علق الباحثان أن تصدير الأسلحة الصغيرة والخفيفة صار أكثر إثارة للقلق مؤخراً، لأن المزيد من هذه الأسلحة يتم بيعها- الآن- عبر قناة المبيعات التجارية المباشرة، وليس من خلال عملية المبيعات العسكرية الخارجية، التى تتطلب المراجعة والموافقة، من قبل وزارتى الدفاع والخارجية الأمريكيتين. 

باختصار، يعنى تحويل مبيعات الأسلحة إلى فئة المبيعات التجارية المباشرة، أنه سيكون هناك انخفاض فى الإشراف الحكومى الأمريكى، ومراقبة الاستخدام النهائى.

ومن ثم أضاف الباحثان أن إدارة «بايدن» اختارت العمل من حيث توقفت إدارة سلفه، إذ أبدت القليل من الاهتمام باتباع نهج أكثر حذراً تجاه مبيعات الأسلحة..فحتى الآن، واصلت الإدارة الأمريكية الحالية سياسات سابقتها، التى تزيد من مخاطر مبيعات الأسلحة بشكل عام ومن الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة على وجه الخصوص. 

مخاطر مبيعات الأسلحة الصغيرة

قام الباحثان الأمريكيان ببناء مؤشر مخاطر مبيعات الأسلحة، من خلال تحديد أربعة مسارات سببية مختلفة، قد تؤدى مبيعات الأسلحة من خلالها إلى نتائج سلبية؛ وتتضمن: (مستوى الفساد فى الدولة؛ واستقرارها؛ ومعاملتها لشعبها؛ ومستوى الصراع الداخلى والخارجى).

فبالنسبة لعدم الاستقرار، فقد يؤدى لسرقة الأسلحة، أو إساءة استخدامها من قبل بعض الحكومات، أو الجماعات الأخرى؛ أما الصراع، فهو بطبيعته أكثر خطورة عندما يتعلق الأمر بعوامل مثل التشتت، ورد الفعل العكسى، والاشتباك، وانتهاكات حقوق الإنسان؛ وفيما يخص الفساد، فهو يزيد من احتمالية سرقة الأسلحة، أو بيعها لعملاء غير مقصودين؛ وبالنسبة لحقوق الإنسان المحلية، فتشكل خطراً لاستخدام الأسلحة ضد المواطنين.

وأوضح الباحثان أنه رغم صغر حجم الأسلحة فإن أعدادها كبيرة جداً، حيث يقدر مسح الأسلحة الصغيرة، أن هناك ما يقرب من مليار سلاح نارى متداول، و683 مليون مسدس غير مسجل فى العالم اليوم. مضيفين أن «الولايات المتحدة» تبيع الأسلحة الصغيرة والخفيفة إلى أى دولة ترغب فى شرائها تقريبًا، حيث اشترت 167 دولة مختلفة الأسلحة الصغيرة الخفيفة من الشركات الأمريكية منذ عام 2009.

ونتيجة لذلك، فإن الآثار السلبية المحتملة لبيع الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة كبيرة وبعيدة المدى. على سبيل المثال: يمكن أن يؤدى بيع الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة إلى تمكين العصابات الإجرامية، والميليشيات، والمنظمات الإرهابية، لأنها جذابة بشكل خاص للجماعات التى تستخدم العنف، مما يساهم فى زيادة العنف، وتآكل القانون والنظام، والاضطراب الاقتصادي؛ كما يؤدى الفساد، وهشاشة الدولة، والإرهاب إلى زيادة احتمالات وقوع الأسلحة فى الأيدى الخطأ، وإساءة استخدامها.

ومع ذلك، نادراً ما تُوقف «الولايات المتحدة» مبيعات الأسلحة إلى البلدان التى تسجل درجات عالية فى هذه العوامل..حيث أكد الباحثان أن 29 دولة تقع فى ضمن فئة (الحذر) من مؤشر الدول الهشة للدول الأكثر هشاشة. ومع ذلك، باعت «واشنطن» لها أسلحة بقيمة 15 مليار دولار، بما فى ذلك الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، منذ عام 2009؛ ومن بين 33 دولة منخرطة فى صراع عسكرى نشط، باعت «الولايات المتحدة» أسلحة بقيمة 16 مليار دولار إلى 28 دولة منها فى العقد الماضي؛ وبالمثل، على مدى السنوات العشر الماضية، باعت «الولايات المتحدة» 88 مليار دولار من الأسلحة إلى 45 دولة يكون فيها تأثير الإرهاب أكبر، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمى.

 

دراسة الحالات

عرض الباحثان «ثرال، وكوهين» ثلاث دراسات حالات تلخص الإحصائيات السابقة، حيث كانت الدراسة الأولى تدور حول «الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة ومعدل القتل فى المكسيك»، إذ أوضحا أن درجة مؤشر المخاطر لعام 2020 فى «المكسيك» بلغ (49) درجة، وهى أعلى بكثير من متوسط الدرجة العالمية البالغة (40) درجة؛ موضحين أن هذا يرجع لوجود ثلاثة عوامل رئيسية للمخاطر فى الأراضى المكسيكية، وهى (الفساد، والانتهاكات المحلية لحقوق الإنسان، وعدم الاستقرار)، مما يجعل عمليات نقل الأسلحة الصغيرة والخفيفة تمثل تحدياً للبلاد.

وأوضحا أن انتشار المنظمات الإجرامية داخل الأراضى المكسيكية، إلى جانب الاستجابة غير الفعالة لقطاع الأمن، أديا إلى مستويات مزعزعة للاستقرار، مضيفين أن تداول الأسلحة الصغيرة من مصادر أمريكية بشكل مباشر ساهم فى هذه الديناميكية، مؤكدين أن «الولايات المتحدة» سمحت بمبيعات أسلحة تزيد عن 18 مليار دولار إلى «المكسيك» منذ عام 2009.

أما الدراسة الثانية، فكانت حول «الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وعنف الدولة فى الفلبين»، حيث أكد الباحثَين أن «الفلبين» أظهرت عدة عوامل تشير إلى تعرضها -بشكل خاص- لنتائج سلبية من مبيعات الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، مع درجة مؤشر مخاطر مبيعات الأسلحة (72) درجة.

وتشمل المخاطر الرئيسية (انتهاكات حقوق الإنسان، والنزاع الداخلى الناجم عن استمرار وجود المنظمات الإجرامية والإرهابية، والفساد فى قطاعى الأمن والعدالة). وأشار الباحثين إلى أنه رغم وجود هذه المخاطر، إلا أن «الفلبين» تعد عميلاً مهماً للأسلحة الأمريكية.

وأضافا أن العنف فى «الفلبين» يعد من أعلى المستويات فى العالم. كما أدى التدفق المستمر للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة إلى تضخيم العنف؛ مؤكدين أن الحكومة الأمريكية لا تُظهر أى مؤشر على تغيير مسارها.

وفيما يخص الدراسة الثالثة، فكانت حول «الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وعنف الدولة فى إثيوبيا»، إذ ركز الباحثَان على تعرض «إثيوبيا» للعديد من مخاطر نقل الأسلحة، نتيجة لـ(عدم الاستقرار السياسى،وانتهاكات حقوق الإنسان، والصراع)، التى انعكست فى مؤشر المخاطر الخاص بها البالغ (76) درجة؛ مضيفين أن هذه النتيجة تشير لتعرض «أديس أبابا» -بشكل خاص- لنتائج سلبية من عمليات نقل الأسلحة الصغيرة والخفيفة.

فقد أدى عدم الاستقرار السياسى إلى زيادة تأثير الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة على العنف الطائفى،مما زاد من الهشاشة السياسية فى «إثيوبيا» على مدى العقد الماضى،فى الوقت الذى كثفت عمليات نقل الأسلحة الصغيرة والخفيفة من حجم العنف، وأعاقت جهود حل النزاعات، مع ازدياد القمع المتصاعد بسبب الاحتجاجات داخل الأراضى الإثيوبية على مدى السنوات الخمس الماضية..حيث قدر أحدث مسح للأسلحة الصغيرة، أجرى فى عام 2018، أن هناك ما يقرب من مليون قطعة سلاح صغيرة متداولة فى «إثيوبيا».

أكبر 10 مصدرين للأسلحة

جدير بالذكر، أن الدراسة تطرقت إلى نقطة مثيرة للاهتمام، وهى أن «الولايات المتحدة» ليست الوحيدة المنخرطة فى تجارة الأسلحة الدولية، إذ رصدت الدراسة أكبر 10 مصدرين للأسلحة من خلال عرض بيانات مبيعات الأسلحة من «معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام»، وعرض مؤشرها لحساب درجة المخاطر للدولة المتلقية لعام 2020. 

فأوضحا أن «الصين» تبيع إلى قاعدة العملاء الأكثر خطورة بمتوسط درجة المخاطرة لعميلها (75) درجة؛ تليها «إيطاليا» بدرجة (66)؛ ثم «روسيا» بدرجة (60)؛ بعدها «هولندا» بدرجة (49)؛ فيما تقع «الولايات المتحدة» فى وسط الإحصائية بدرجة (47)، على الرغم من أنها تبيع الكثير من الأسلحة لعملاء محفوفين بالمخاطر؛ تليها «المملكة المتحدة»، بدرجة (45)؛ ثم «ألمانيا» بدرجة (37)، وأخيراً «أسبانيا» بدرجة (13). 

وبعد رصد أهم نقاط هذه الدراسة المثيرة للجدل، يبدو أنها تشير إلى ثلاث نقاط هامة، وهي: عندما تكون الأسلحة متوفرة بكثرة، ورخيصة، وسهلة الحصول عليها، يصبح من الأسهل على الناس استخدام البنادق لارتكاب جرائم وأعمال عنف أخرى؛ وعندما تعانى دولة من الفساد، أو الصراع الداخلى، أو الإرهاب، فإن الاحتمالات خطورة مبيعات الأسلحة قد تؤدى إلى تفاقم العنف؛ والأهم، وهو أن الأسلحة الصغيرة والخفيفة لها خطورتها الخاصة، إذ تؤدى لأعمال عنف وقتل كبيرة وواسعة النطاق.

ولكن، تبقى -فى النهاية- عدة تساؤلات حول هذه الدراسة المثيرة للجدل، بداية من مصدر نشر الدراسة، مروراً بتوقيت عرضها المتزامن مع العديد من القضايا التى برزت على المسرح الدولى خلال الآونة الأخيرة، وصولاً للسؤال الأهم، هل تغير الدراسة من الواقع شيئا؟!