الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تداولات مشروعة.. وأخرى تسعى لتدمير الحكومات كيف غيرت الأزمة الأوكرانية السياسة الخارجية لدول الغرب؟

تعتبر العملية العسكرية الروسية فى الأراضى الأوكرانية أشبه بالزلزال الذى أصاب العالم, خاصة دول الغرب، فقد أدت هذه الأزمة إلى حدوث تغييرات كبيرة فى المشهد السياسى العالمى والتى اعتبرها  العديد من الخبراء وقادة الدول كأنها الحرب العالمية الثالثة التى ستعمل على إعادة تشكيل النظام العالمى القائم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى بداية العملية العسكرية فى فبراير الماضى.



وأخذت الأزمة الأوكرانية ضرب العالم شرقًا وغربًا وجاء أثرها فى إعادة النظر مرة أخرى فى ملفات السياسة الخارجية لجميع الدول خاصة أوروبا وحلفاءها فى الغرب.. حيث جاءت خطوة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لتضع نهجًا جديدًا للأجندات الخارجية للدول واتباع نهج سياسى جديد وإعادة الحسابات الاستراتيجية لدول الغرب وحلفائها، وربما تكون هذه الخطوة علامة لميلاد النظام العالمى الجديد، وإعادة ترتيب الحلفاء والخصوم على حد سواء.. فالعملية العسكرية الروسية استطاعت أن تكشف العديد من الحقائق ومن غير المعروف إلى أى مدى يمكن أن تؤثر على العالم الغربى حتى وقتنا الراهن.

 الولايات المتحدة.. إعادة ترتيب الأوراق

فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فقد أدت العملية العسكرية الروسية إلى زيادة روابط واشنطن بدول القارة العجوز بشكل أكثر قوة من أى وقت مضى منذ الحرب الباردة، وتعميق الروابط الأمريكية مع حلفاء واشنطن فى آسيا، بينما أدى إلى إعادة تقييم للخصوم مثل الصين وإيران وفنزويلا.

ووفق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» أوضحت أن العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا أعادت تنشيط ما وصفته الصحيفة بدور «واشنطن القيادى فى العالم الديمقراطى» بعد أشهر من انسحاب أمريكا الفوضوى من أفغانستان والذى أنهى 20 عامًا من الصراع بصورة درامية مدمرة.

وقال بنجامين رودس، نائب مستشار الأمن القومى السابق فى البيت الأبيض فى عهد أوباما: إن الحرب فى أوكرانيا أدت إلى أكبر عملية لإعادة التفكير فى السياسة الخارجية الأمريكية منذ هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وأشعلت بالولايات المتحدة مهمة تغيير حساباتها الاستراتيجية، وأصبح الأمر يبدو كما لو أننا فى عصر جديد، فحرب ما بعد 11 سبتمبر على الإرهاب أصبحت خلفنا، والآن نحن لسنا متأكدين بشأن ما هو قادم.

 ووصفت نيويورك تايمز العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا بأنها تشبه المنشور الزجاجى الذى سيتم من خلال طرح جميع قرارات السياسة الخارجية الأمريكية تقريبًا فى المستقبل القريب.

وفى حين يحذر بعض الخبراء من أن التركيز المتجدد على أوروبا سيؤدى حتمًا إلى تحويل الانتباه عن آسيا، فإن العديد من كبار مسئولى البيت الأبيض يقولون إن واشنطن يمكنها الاستفادة من الطريقة التى أقنعت بها بعض الحكومات الآسيوية بأنها بحاجة إلى العمل عن كثب معهم، من أجل بناء «جبهة أيديولوجية عالمية للدفاع عن الديمقراطية». وقال كيرت كامبل، كبير مسئولى السياسة الآسيوية بالبيت الأبيض فى عهد أوباما، إن ما نشهده الآن هو مستوى غير مسبوق من الاهتمام والتركيز الآسيوى.

وتقول نيويورك تايمز إن نهج أمريكا صوب العالم كان يمر بالفعل بتغيير كبير بعد انتهاء حربيها فى العراق وأفغانستان، وبعد أن أصبحت النقاشات حول داعش ليست بالضرورة القصوى، كما أن الشعب الأمريكى أصبح يرحب بتخفيض البصمة العسكرية الأمريكية خارج البلاد، وهى الخطوة التى بدأها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، والذى عمل على تخفيض الشراكة الأمريكية لحلف الناتو، حتى إنه طرح فكرة الانسحاب من الحلف نفسه بسبب عدم جدواه لـ«أمريكا».

من ناحية أخرى، ترى الصحيفة أن التدخل الروسى فى أوكرانيا سيعمل بالتأكيد على تأكيد مساعى بايدن من أجل التكاتف لفرض الديمقراطية فى مواجهة ما يسمى بـ«الأنظمة الاستبدادية»، إلا أن هناك بعض الدول السلطوية فى الناتو التى تلعب أدوارًا رئيسية فى الحلف مثل بولندا والمجر.

ومن بين التغييرات التى تحدثت عنها الصحيفة، أن العملية العسكرية الروسية ساهمت فى خلق حوافز جديدة قوية للولايات المتحدة لإيجاد سبل لإبعاد الصين عن بوتين، الذى ربما يعتمد على الإمداد الدبلوماسى والاقتصادى من بكين فى ظل العقوبات الغربية، لكن البعض داخل إدارة بايدن ينظر إلى الصين كقضية خاسرة ويفضلون التعامل مع الصين وروسيا على أنهما شريكان ملتزمان.

 أوروبا.. نهج جديد للتكاتف

العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا واحدة من أكبر التغييرات فى النظام العالمى الجيوسياسى منذ أكثر من 20 عامًا وتحديدًا منذ أحداث 11 سبتمبر، وخلال هذه الأعوام كان الاتجاه العالمى خاصة الغربى نحو محاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة فقط، وتكثفت القوات الغربية فى محاربة القاعدة وداعش وغيرهما، ولم يكن ينظر لروسيا، رغم الاختلافات القوية مع السياسة الأوروبية، بنفس التهديد الذى كان عليه من قبل، حتى إن الرئيس باراك أوباما سخر فى عام 2012 من منافسه فى انتخابات الرئاسة فى هذا العام ميت رومنى من أنه بعيد عن الواقع لأنه وصف روسيا بالعدو السياسى الأول للولايات المتحدة، لكن بوتين فى هذا الوقت أظهر حرصه على قلب نظام ما بعد الحرب الباردة.

ومع بداية الأزمة الأوكرانية ظهر شكل جديد من التعاون بين دول الاتحاد الـ27، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، قال فيه إنه «كان من الصعب تخيل الاتحاد الأوروبى - قبل شهر - كقوة عظمى قادرة على تغيير النظام العالمى، وتعزيز القيم الديمقراطية الليبرالية فى مختلف أنحاء العالم».

وفيما ركز الاتحاد الأوروبى إلى حد كبير على النمو الاقتصادى، فقد قاومت الكتلة الدعوات، خاصة من الولايات المتحدة، لزيادة إنفاقها العسكرى لتصبح أكثر اكتفاء ذاتيا فى الدفاع عن أوروبا، بحسب الصحيفة.

لكن هذا تغير جاء بعد التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا حيث «دفع الدول الأوروبية لأن تكون أكثر شراسة»، بحسب الصحيفة التى قالت إن العقوبات الغربية التى دعمتها دول الاتحاد «ساعدت على شل اقتصاد روسيا»، فيما تحرك العديد من تلك الدول لزيادة الإنفاق العسكرى.

وتحركت ألمانيا فى غضون أيام من العملية العسكرية الروسية لإنفاق المزيد لإعادة بناء جيشها، فيما تعهدت بلدان أخرى بالتزامات مماثلة، بما فى ذلك الدنمارك والسويد والنمسا.

وقال خبراء إن من المرجح أن يتبع ذلك المزيد من أعضاء الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى.. ويقول تقرير «نيويرك تايمز» إن «أوروبا أصبحت أكثر شراسة امام الدب الروسى» لكن، ومع هذا، تواجه أوروبا تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بتأمين الطاقة، التى تعتمد على روسيا بشكل كبير فى تأمينها.

 الاستقلال من السيطرة الروسية

تقول صحيفة وول ستريت جورنال إنه بشكل عام، يحصل الاتحاد الأوروبى على حوالى 40 ٪ من وارداته من الغاز الطبيعى من روسيا.

واعتمدت ألمانيا، أكبر مستورد فى التكتل، على روسيا للحصول على أكثر من ثلثى غازها الطبيعى فى 2020. وتلقت إيطاليا، ثانى أكبر مشتر للغاز الروسى فى التكتل، ما يقرب من نصف وارداتها من روسيا.

ولهذا السبب، تقول وال ستريت جورنال إن استجابة الكتلة للدعوات لفرض عقوبات على الغاز الروسى كانت محدودة، لكن وفى مؤشر على تصاعد الجهود نحو الاستقلال، أوقفت ألمانيا على خط أنابيب نورد ستريم 2، الذى كان من المتوقع أن يضاعف وارداتها من الغاز الطبيعى الروسى.

ومع تزايد إلحاح الحاجة إلى الحد من الاعتماد على الطاقة الروسية، تبحث الدول الأوروبية عن سبل لتعزيز استخدام المصادر البديلة.

وأحد هذه السبل هو الغاز الطبيعى المسال الذى شكل حوالى ربع واردات الاتحاد الأوروبى من الغاز فى عام 2020، وبينما تهيمن روسيا على الغاز المورد عبر خطوط الأنابيب، توفر دول أخرى حصصًا أكبر من الغاز الطبيعى المسال.

كما وافقت ألمانيا مؤخرًا على خطط لبناء محطتين جديدتين للغاز الطبيعى المسال، لكنها قد تستغرق أكثر من ثلاث سنوات لإكمالها، فيما تعمل العديد من محطات الغاز الطبيعى المسال الحالية فى الاتحاد الأوروبى بحدودها القصوى.

وتعتبر أستراليا وقطر والولايات المتحدة أكبر مصدرى الغاز الطبيعى المسال فى العالم، لكن الكثير من إمداداتها تذهب الآن إلى المستوردين الآسيويين، مثل الصين واليابان. وسيتعين على أوروبا أن تتنافس مع هذه البلدان لتأمين إمدادات موثوقة.

ومنذ بداية الأزمة الأوكرانية، حققت أوروبا بعض النجاح على المدى القريب فى تحويل شحنات الغاز الطبيعى المسال الأمريكية إلى موانئها، لكن من المرجح أن تحتاج دول الاتحاد الأوروبى إلى توقيع عقود طويلة الأجل للغاز لقفل الطلب ومساعدة الموردين على تأمين التمويل لبناء المزيد من محطات تسييل الغاز.

وفى حال تمكنت أوروبا من تجاوز هذا التحدى، فإنها ستخطو بشكل أكبر نحو تعزيز قوتها العالمية ودورها كمدافع عن الديمقراطيات فى العالم.