الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد انتخاب ماكرون هل أنقذت «فرنسا» أوروبا من التفكك؟

جاء فوز إيمانويل ماكرون بكرسى رئاسة الإليزيه للمرة الثانية على التوالى بصدى قوى وأهمية بالغة فى الداخل الأوروبى وحلفائه خاصة الولايات المتحدة، حيث بذلت واشنطن خلال فترة تولى الرئيس جو بايدن الكثير من الجهود لتوحيد صف الاتحاد الأوروبى مع سياستها، خاصة المتبعة مع أعدائها روسيا والصين فى المقام الأول، وعلى الرغم من الأزمات السياسية التى واجهها ماكرون خلال فترة ولايته الأولى، فإن تواجده خلال الأزمات الدولية واشتراكه المستمر فى توحيد صف الجانب الأوروبى كان دافعًا قويًا ليحظى بدعم رئاسى بين حكام القارة العجوز وحلفائها.



 

 فرغم إخفاقات ماكرون فى السياسة الداخلية فى فرنسا فإن تواجد مارى لوبان على سدة حكم الإليزيه كان سيؤدى إلى تفكك قوى للاتحاد الأوروبى بسبب توجهاتها اليمينية المتطرفة الداعمة للخروج من الاتحاد وحلف الناتو بصورة قوية تحت شعار «فرنسا أولًا».

فوز «الغرب»

جاءت النتائج النهائية تؤكد ما ذهبت إليه استطلاعات الرأى بتحقيق ماكرون فوزًا مريحًا على لوبان، حيث تفوق عليها بـ58.2 % من الأصوات مقابل 41.8 % للوبان، فى انتخابات جرت بنكهة انتخابات الرئاسة 2017.

وخاض الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون جولة جديدة من الانتخابات الرئاسية أمام منافسته الوحيدة زعيمة حزب اليمين المتطرف مارين لوبان المقربة من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وهو الأمر الذى أثار قلق أوروبا والغرب، ففوز لوبان يعنى أن يكون لبوتين يد كبرى فى أوروبا، ولذلك كان الغرب يتمنى فوز ماكرون، حتى يتم التخلص من لوبان التى أعلنت بكل صراحة عن عزمها اتباع سياسة مخالفة تماماً للسياسة التى اتبعتها فرنسا على مدى أجيال.

وبحسب صحيفة «اندبندنت» البريطانية، فبنجاح ماكرون فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية سيضمن الغرب بقاء فرنسا فى حلف شمال الأطلسى، حيث أعلنت لوبان فى تصريحات سابقة، عن سحب القوة النووية الوحيدة فى الاتحاد الأوروبى من هيكل القيادة المتكامل للحلف، حتى لا تقع باريس فى صراعات ليست تخصها.

كما أدى نجاح ماكرون، إلى ضمان ألا تستغل فرنسا حقها فى الفيتو، لعرقلة القرارات التى تتخذ بالإجماع فى الاتحاد الأوروبى، فضلاً عن ضمان استمرار السوق الأوروبية الموحدة، حيث سينقذ رئيس الإليزيه العلاقات التجارية الأوروبية من قرار لوبان بتعيين وكلاء للجمارك لفحص البضائع القادمة من الاتحاد الأوروبى بدعوى «مكافحة الاحتيال»، الأمر الذى من شأنه تدمير العلاقات المشتركة داخل الاتحاد الأوروبى.

كما يحمل فوز ماكرون بالانتخابات الرئاسية، علامات ارتياح فى بروكسل وواشنطن، كونه حمل لواء الوسطية الراديكالية فى أوروبا خلال فترة ولايته الأولى، كما سيضمن الغرب وجود تقارب أكبر فى السياسة الخارجية والدفاعية بين دول الاتحاد، وهو المبدأ الذى يعمل ماكرون عليه منذ توليه رئاسة الاتحاد.

وعلى الرغم من فشل محاولاته السابقة مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حول إنهاء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، فإن إعادة اختياره رئيسًا لبلاده مجددًا يعنى أن أوروبا لم تتأثر بتلك الحرب، وستنهى أى شكوك حول الانقسام بين كيانات الاتحاد.

الحلفاء «أولًا»

فى المقابل سيضمن تواجد ماكرون فى القصر الرئاسى من تقوية العلاقات بين دول الاتحاد وحلفائها الغربيين خاصة الولايات المتحدة، حيث ستلعب باريس نفس ذات الدور الذى رسمه لها الغرب كـ«مفاوض» دولى وسطى وهو سياسة ماكرون التى اتبعها خلال الفترة الأخيرة من ولايته الأولى.

وفى الداخل الفرنسى ورغم زيادة نسبة المعارضين لماكرون وسياسته فإن انتخابه لولاية جديدة سيحمل معه العديد من الإصلاحات التى وعد بتنفيذها مثل زيادة الحد الأدنى لسن التقاعد فى العمل، وأيضًا مضاعفة الإصلاحات فى السوق الحرة التى بدأ تنفيذها خلال فترة ولايته الأولى، فضلًا عن تعهداته بإضافة بعض مزايا الرعاية الاجتماعية والصحية، والتى سيجعلها مشروطة بساعات تدريب تصل إلى 20 ساعة، هذا بالإضافة إلى وعود ماكرون بتفعيل قانون التأمين ضد البطالة، الذى يضمن ما يصل إلى ثلثى رواتب العمال لمدة عامين إذا فقدوا وظائفهم، بحسب شبكة «CNN» الأمريكية.

فوز مضطرب

وعلى جانب آخر، ربما يكون ماكرون قد حقق إنجازاً تاريخياً، كونه أول رئيس فرنسى يعاد انتخابه لولاية ثانية منذ عقدين، لكنه شاهد أيضًا على صعود مستمر لليمين المتطرف، ناهيك عن اليسار المتطرف، فى ظل استقطاب حاد يرجح أن يتجسد فى الانتخابات النيابية المرتقبة فى يونيو المقبل، والتى يسعى خصومه لاستغلالها من أجل تجريد حزبه من أغلبيته البرلمانية، وبالتالى فقدان أعضاء الحكومة من حزب ماكرون وفرض أعضاء يمكن من خلالهم تكبيل سياساته.

واعتبرت مارى لوبان المنافسة الشرسة لسياسات ماكرون، أن هذه الانتخابات مجرد «جولة» فى حرب طويلة، معلنة خلال خطابها باعتراف الهزيمة الانتخابية «فى هذه الهزيمة، لا يسعنى إلا أن أشعر بنوع من الأمل».

ووعدت لوبان بـ«مواصلة» مسيرتها السياسية، مضيفة: «نطلق هذا المساء المعركة الانتخابية التشريعية الكبرى بالنسبة إلى القادة الفرنسيين والأوروبيين. إن ذلك هو دليل على وجود تحدّ ضخم تجاههم من الشعب الفرنسى، لا يمكنهم تجاهله، وعلى رغبة مشتركة بشكل واسع فى إحداث تغيير كبير».

أما رئيس حزب «فرنسا الأبية» اليسارى المتطرف جان لوك ميلانشون، الذى حل ثالثاً فى الدورة الأولى، بعدد أصوات وصل إلى 22% من الناخبين، فاعتبر أن «الجولة الثالثة قد بدأت بالفعل»، فى إشارة إلى الانتخابات التشريعية المرتقبة فى 12 و19 يونيو. وحض مواطنيه على «انتخاب رئيس للوزراء» يعبر عن «ثلث البرلمان والذى يمكنه تغيير كل شىء»، ووصف ماكرون بأنه «أسوأ رئيس منتخب للجمهورية الخامسة» فى فرنسا.

أما مرشحة الحزب الاشتراكى آن هيدالجو، دعت إلى «إعادة بناء يسار جديد» ضد اليمين المتطرف، الذى نبهت إلى أنه «لم يكن يوماً أقرب إلى (تسلّم) السلطة» فى فرنسا. أما مرشحة حزب «الجمهوريين» اليمينى فاليرى بيكريس، فأعربت عن قلق بشأن «شروخ» تقسم فرنسا.

انقسامات فرنسا

وعكس خطاب الفوز للرئيس إيمانويل ماكرون  المعروف بوسطيته، مدى إدراكه لتزايد شعبية اليمين المتطرف، الذى حقق نتائج تصاعدية، إذ إن مارين لوبان حصلت على 33.90 % من الأصوات فى مواجهة ماكرون قبل 5 سنوات، قبل أن تتجاوز حاجز 40 % للمرة الأولى .

واعتبرت صحيفة «لوموند» الفرنسية هذا الفوز بمثابة «فشل» لماكرون، مذكرة بقوله عشية فوزه فى عام 2017، بأنه يريد التأكد من أن الفرنسيين «لم يعُد لديهم أيّ سبب للتصويت لمصلحة المتطرفين». فى إشارة لحزب مارين لوبان اليمينى المتطرف.

وتحدثت «لوموند» عن «نصر تاريخى بطعم مرير»، مشيرة إلى أن إعادة انتخاب ماكرون تحققت «ليس بسبب الوعود التى قطعها فى عام 2017، بل نتيجة البحث عن الاستقرار ورفض اليمين المتطرف».

ونبهت الصحيفة إلى أن اليمين المتطرف لم يحقق أبداً نتيجة مشابهة، معتبرة أن على ماكرون أن «يوحد معسكره، من أجل الحصول على أغلبية مستقرة فى الانتخابات التشريعية القادمة، فى ظل أخطار انقسام بين التيارات المختلفة وخطر صعود التيارات السياسية المتطرفة، مشيرة إلى أن الرئيس الوسطى حدد «مشاريع ذات أولوية» سيُطلقها «بدءًا من الصيف»، بما فى ذلك معالجة مسألة القدرة الشرائية للفرنسيين، التى شكلت أحد أبرز ملفات الحملة الانتخابية، وإصلاح رواتب التقاعد، ناهيك عن ارتفاع أسعار الطاقة. >تحدى «البطة العرجاء»

وتبدو النقابات العمالية متحفزة لتنفيذ تحركات شعبية أخرى ضد سياسات ماكرون، ويبدو أن التجهيزات قد بدأت لإشعال احتجاجات أخرى مثل احتجاجات «السترات الصفر» عام 2018 و2019 التى كانت رافضة لقرار ماكرون برفع سن التقاعد، من 62 إلى 65 عامًا.

وحذر فيليب مارتينيز، رئيس نقابة «سى جى تى» المدعومة من الشيوعيين، ماكرون من أنه لن يحظى بـ«شهر عسل»، ملوحاً بتنظيم تظاهرات إن لم يتراجع عن اقتراحه.

أما كريستوفر ديمبيك، وهو خبير اقتصادى فى «ساكسو بنك»، فقال لوكالة «رويترز» إن ماكرون «يجازف بأن يكون بطة عرجاء، تواجه استياءً اجتماعيًا ضخمًا، إذا أراد تنفيذ إصلاحات حساسة، مثل رواتب التقاعد».

واعتبرت وكالة «رويترز» أن الرئيس الفرنسى «يواجه الآن تحديات مختلفة عن تلك التى واجهها فى عام 2017، عندما كان وافدًا سياسيًا واعدًا يتوق إلى تغيير فرنسا»، وأضافت أن «حياة ماكرون ستكون أكثر صعوبة، لأن فرنسا باتت أكثر انقسامًا»، مستشهدة بأن نحو 60 % من الناخبين اختاروا مرشحاً راديكالياً، سواء من اليسار أو اليمين، فى الدورة الأولى من الاقتراع قبل أسبوعين.