الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تأييد فى العلن وانقسام فى الداخل الفرنسى المتوقع فى ولاية «ماكرون» الثانية

مثلما كان متوقعًا، فاز الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية يوم الأحد الماضى، لتعطيه «فرنسا» خمس سنوات أخرى، متفوقًا على منافسة اليمين المتطرف «مارين لوبان» فى معركة انتخابية كان لها تداعيات كبيرة على الوضع الداخلى الفرنسى، وحلف (الناتو)، و«الاتحاد الأوروبى»، وغير ذلك.



 

وفى الوقت الذى رأى العالم فوز «ماكرون» بالرئاسة الفرنسية، رأى الخبراء والمحللون السياسيون، وكتاب الرأى المشهد الداخلى الفرنسى بصورة أخرى مختلفة، متوقعين تحركاته فى ولايته الثانية على المستوى الداخلى، والإقليمى، والدولى.

فقد أوضح كبير باحثى (معهد المجلس الأطلسى)، وسفير «فرنسا» سابقًا فى «الولايات المتحدة»، «جيرارد ارود» أن معظم العواصم تنفست الصعداء بالفوز الواضح لإيمانويل ماكرون فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، إذ تبدو الأرقام، التى تتراوح بين %58.5 لماكرون، و%41.5 لمنافسته «لوبان»، مثيرة للإعجاب، ولا جدال فيها.

ومع ذلك، رأى أن الوضع السياسى الفرنسى الداخلى - فى الحقيقة - أكثر غموضًا مما تشير إليه هذه الأرقام فى القراءة الأولية، وذلك لأن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، حصل «ماكرون» على نسبة تأييد بلغت %28 فقط، مما يعتبر مؤشرًا أكثر واقعية على حقيقة الدعم الشعبى للرئيس الفرنسى، مؤكدًا أنه فى الجولة الثانية من الانتخابات، استفاد «ماكرون» من حشد - يسميه الفرنسيون (القنادس) - وهم أولئك الذين يريدون بناء سد ضد اليمين المتطرف، ويرفضون دعمه.

وتلخيصًا للانتخابات المعقدة من وجهة نظر الباحث، فقد أكد أن غالبية الـ42 % الذين اختاروا «مارين لوبان» لم يكونوا يمينيين متطرفين، ولكنهم عبروا عن غضبهم واستيائهم من النظام السياسى والاجتماعى الذى يعتبرونه ملتويًا من وجهة نظرهم. فيما يعد الـ58 % الذين صوتوا لماكرون أقل دعمًا له، ولكنهم أكثر معارضة لمرشحة لا تزال غير مقبولة، بسبب افتقارها إلى أى خبرة تنفيذية، بجانب عدم ميل الناخبين إلى والدها اليمينى المتطرف.

بعبارة أخرى، لا يملك «ماكرون» التفويض الذى حظى به عبر الأرقام فى الانتخابات وفقًا لـ«ارود»، إذ أوضح أنه عادة ما يعطى الناخبون الفرنسيون الأغلبية للرئيس الذى انتخبوه، ولكن الأمر قد يكون مختلفًا هذه المرة بالنسبة للانتخابات الفرنسية؛ قائلًا: إن «المشهد السياسى الفرنسى، هو ميدان خراب، فقد انهارت أحزاب (يسار الوسط)، و(يمين الوسط) التقليدية خلال هذه الانتخابات؛ ولم ينجح -أيضًا- حزب (الجمهورية إلى الأمام!) الوسطى الذى ينتمى إليه «ماكرون»، والذى كان يحتل الأغلبية فى مجلس النواب المنتهية ولايته، فى ترسيخ جذوره فى البلاد، لذلك يحاول اليسار واليمين الاتحاد لمنع الرئيس الفرنسى من الحصول على الأغلبية». وأضاف أن هذا يعنى أن عدم اليقين السياسى الفرنسى لم ينته بعد، رغم تجنب السيناريو الأسوأ، ومع ذلك سيبقى أن يرى الجميع ما إذا كان الرئيس الفرنسى قادرًا على الحكم بنفسه، أم سيتعين عليه إنشاء ائتلاف مع حزب آخر على اليسار أو اليمين.

من جانبها، قالت الباحثة فى مركز أوروبا، التابع للمجلس الأطلسى، «مارى جوردان»، والتى عملت سابقًا فى المديرية العامة للعلاقات الدولية والاستراتيجية بوزارة الدفاع الفرنسية، إن فى ساحة «دو مارس»، حيث اجتمع أنصار «إيمانويل ماكرون» للاحتفال بفوزه، كان هناك العديد من الأعلام الفرنسية، بجانب أعلام «الاتحاد الأوروبى»، إذ أوضح الرئيس المعاد انتخابه خلال حملته أن المشروع الأوروبى على المحك.

وأكدت أنه مع عودة النزاع إلى القارة الأوروبية -المتمثل فى العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»- بجانب تزايد عدم اليقين فى نتيجة الانتخابات هذه المرة، دفعا القادة الأوروبيين للتعبير عن قلقهم، فى مقال للرأى غير مسبوق، نشره القادة الألمان، والإسبان، والبرتغاليون فى صحيفة «لوموند» الفرنسية يوم الجمعة الأسبق، قالوا فيه، إن: «الخيار الذى يواجهه الفرنسيون أمر حاسم بالنسبة لفرنسا ولنا جميعًا فى أوروبا». ثم شرحوا كيف يتشابك مسار «فرنسا» مع بلدانهم، حيث إن جميعهم أعضاء فى «الاتحاد الأوروبى»، وحلف (شمال الأطلسى).

ثم أضافت «جوردان» أنه نظرًا لأن «فرنسا» عضو دائم فى مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، وعضو مؤسس فى (حلف شمال الأطلسي)، و«الاتحاد الأوروبى»، فلا أحد من شركائها غير مبال بنتيجة الانتخابات، فى الوقت الذى لا تزال الأزمة فى «أوكرانيا» مستعرة، ولا تزال «فرنسا» تتولى رئاسة مجلس «الاتحاد الأوروبى» لمدة شهرين آخرين. 

وعليه، يواجه الرئيس الفرنسى المعاد انتخابه تحديًا لإيجاد التوازن بين (الأجندة الدولية الأوروبية المتطلبة، والمخاوف المحلية التى عبر عنها المواطنون الفرنسيون) من وجهة نظر الباحثة، خاصة أن 31% من الناخبين قرروا عدم التصويت، وهو رقم قياسى منذ عام 1969.

أما  مديرة مركز إفريقيا، ونائبة وزير خارجية «فرنسا السابقة للشئون الخارجية وحقوق الإنسان، «راما ياد»، فقالت إن «ماكرون» فاز بولاية ثانية. لكن، من الجدير تذكر بعض النقاط فى غاية الأهمية، وهي:

احتساب من امتنعوا عن التصويت، حيث لم يصوت %62 من الناخبين الفرنسيين لصالحه؛ وقد أعيد انتخابه بنسبة %38 من الناخبين المسجلين مقابل %43.6 قبل خمس سنوات، ويمثل هذا أدنى مستوى من التأييد لرئيس فائز منذ «جورج بومبيدو» عام 1969؛ كما تجاوز القوميون %40 لأول مرة، وأحرزوا تقدمًا، مما يشير إلى فشل الرئيس الذى كان ينوى الحد من نفوذ اليمين المتطرف فى البلاد.

وتابعت «ياد» أنه مرة أخرى، أنقذت (الجبهة الجمهورية) – وهو تحالف معارض لليمين المتطرف – «ماكرون»، ليصبح شأنه شأن جميع الرؤساء الفرنسيين المنتخبين ضد القوميين، ومع ذلك فإن هذه الجبهة أصبحت هشة بشكل متزايد، وانخفض عدد مؤيدى مرشح اليسار المتطرف «جان لوك ميلينشون» فى الجولة الأولى، الذين ذهبوا للتصويت لماكرون بنسبة 10 نقاط مئوية عن عام 2017، بنسبة بلغت %42، بينما ارتفعت حصة «لوبان» بنفس المقدار إلى %17، فيما امتنع الباقون، أو تركوا أوراق اقتراعهم فارغة.

ومن ثم أعربت «ياد» عن رأيها، بأن انتخابات «فرنسا» عام 2022، تترك بلدًا مقسمًا انتخابيًا، أكثر مما كانت عليه فى عام 2017، لأن هذه المرة ليس الانقسام إلى جزأين بل إلى ثلاثة أجزاء، وكذلك اجتماعيًا مع رئيس مدعوم من قبل المتقاعدين، وكبار المسئولين التنفيذيين والمحافظين، الذين لا يريدون تغيير أى شىء، والأهم أن البلاد محبطة وغاضبة؛ مؤكدة أنه يمكن لماكرون التعامل مع هذا الأمر تمامًا مثلما حدث فى المرة السابقة، ويقول فقط النصر هو المهم؛ أو يمكنه أن يرتقى إلى المستوى الذى يتطلبه التاريخ، لأنه لا يمكن لفرنسا أن تخسر خمس سنوات إضافية الآن، أكثر من أى وقت مضى.

وبالنسبة لكبير باحثى مركز أوروبا، ومراسل بروكسل» لموقع (فرانس 24)، «ديف كيتنج»، فقد ركز على استقبال «بروكسل» لنبأ إعادة انتخاب «ماكرون» بتنهيدة عميقة من الارتياح؛ مشيرًا إلى إرسال رئيسة المفوضية «أورسولا فون دير لاين» مذكرة تهنئة على الفور للرئيس الفرنسى، مضيفًا أنه على الرغم من ذلك، لا يزال هناك قلق كبير من قبل «الاتحاد الأوروبى» بشأن ثانى أكبر دولة «فرنسا»، بأن تقع تحت يد اليمين المتطرف.

وأوضح «كيتنج» أن الناس فى «بروكسل» يتطلعون –الآن- إلى الانتخابات التشريعية فى غضون أسابيع قليلة، متوقعًا احتمالية تشكيل (حكومة تعايش منقسمة)، حيث لا يتمتع الرئيس الفرنسى بأغلبية فى البرلمان، وتأييد رئيس الوزراء الفرنسى المقبل خاصة بعد أن يأتى من حزب مختلف.

ومع ذلك، حتى إذا لم يتمكن «ماكرون» من الحصول على أغلبية فى البرلمان، فمن المحتمل أن تتكون الأغلبية التى يتم تشكيلها من حزب (يسار الوسط، ويمين الوسط)، وفقًا لتوقعات «كيتنج. وبالتالى، من غير المرجح أن تكون فى معارضة شديدة لسياسات «ماكرون» فى «الاتحاد الأوروبى».

أما الصحافى بجريدة «الجارديان»، و«ذا إيكونوميست»، «كيت جيليت» فقد سلط الضوء فى توقعاته على تحركات الرئيس الفرنسى خلال ولايته الجديدة، إذ توقع أن يتوجه «ماكرون» إلى «برلين» كأول زيارة رسمية له، تماشيًا مع التقليد الذى يقضى بأن يقوم الرئيس المنتخب حديثًا برحلته الأولى إلى الخارج إلى «ألمانيا» المجاورة للاحتفال بصداقة البلدين؛ مضيفًا أنه -فى مرحلة ما- قد يسافر أيضًا- إلى «كييف» للقاء الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى»، وهى رحلة قال عنها «ماكرون»، إنه لن يقوم بها إلا بشرط أن يكون لها تأثير مفيد.

وفيما يخص الانتخابات البرلمانية على مستوى البلاد، المقرر إجراؤها على جولتين يومى 12 و 19 يونيو المقبل، فسوف تحدد من سيسيطر على الأغلبية من 577 مقعدًا فى الجمعية الوطنية وفقًا لـ«جيليت». 

فى النهاية، اتفق عدد من المحللين السياسيين أن الطريق صعب أمام «ماكرون» فى فترة ولايته الثانية، حيث جاء النصر الكبير مع تحديات كبيرة. وذلك، لأنه يواجه –الآن- تحديات تحسين الاقتصاد الكلى لبلاده، ومواجهة الضغط التضخمى المتزايد، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التى وعد بها، مثل: رفع سن التقاعد، وخفض الضرائب، وتخفيف قواعد سوق العمل. كما يواجه مهمة الحفاظ على تماسك «الاتحاد الأوروبى»، خاصة أنه –فى الوقت الحالى- يقع العبء على «فرنسا» للتأكد من بقائهم متحدين فى أعقاب العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، والتى لعب فيها الرئيس الفرنسى –بالفعل- دورًا دبلوماسيًا.