الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

#تريندـالأسبوع.. عرفات.. ومخاطبة الروح

«طول ما عرفات حى، خلدون يموت، ولو مات، خلدون يعيش».. جملة حوارية من مسلسل (جزيرة غمام)، تلخص صراعًا أزليًا منذ بدء الخليقة بين الشيطان والإنسان النقىّ، من ينبض قلبه بالحب وتمتلئ روحه بالله، صراع بنى عليه الكاتب «عبدالرحيم كمال» حكايته الشعبية التى كتبها من نسج الخيال، وكأنها تروى قصة وقعت أحداثها منذ مائة عام، والغريب أنها ليست بخيال، لكن واقع وحقيقة يعيشها كل الأجيال حتى الآن، صراع الشيطان الذى يجسده «طارق لطفى» فى شخصية «خلدون»مع «عرفات» الذى يجسده «أحمد أمين» رمز المعرفة والخير ونقاء النفس البشرية التى خلقنا الله عليها قبل أن تلوث بذنوب ومعاصٍ يوسوس بها الشيطان، فأى منهم يفوز وأى منهم يبقى ويقوَى ويستمر، فبقاء وقوة أحدهما يعنى ضعف وموت الآخر، وهنا تأتى لحظة الاختيار أو بمعنى أصح الاختيارات التى نقوم بها شبه يومى فى حياتنا، وكل اختيار منها يشكل جزءًا من روحك وقلبك وعليك الاختيار وما أصعبه، بين إبقاء روحك نقية صافية رُغم كونك فى تلك الحالة كالذى يمسك الجَمر بيديه، وبين تسليم قلبك وعقلك لوساوس الشيطان من أجل متعة ما أو لذة زائلة.



حالة روحانية كتب سطورها الكاتب «عبدالرحيم كمال» من قلبه لقلب كل مُشاهد، يخاطب بها روحه وقلبه متمثلاً فى شخص «عرفات» بملابسه الرثة وفقره وخجله مع روحه المُناجية لربّه فى كل لحظة وقلبه الملىء بالرحمة والحب والإخلاص لخلق محبوبه.. «عرفات» هو رمز الطبيعة البشرية النقية التى لم يلوثها أحد أو شىء، فحُبه لله هو منهجه فى الحياة، ذلك الحب الذى يدعو أن يملأ كل من خُلق بحب الآخر وينعم ويرضى وتلك أرقى درجات الإيمان التى تحتاج جهادًا نفسيًا وتسليمًا تامًا، وبتلك الروح المُحبة الراضية تفوز على كل من يحاول هدمك وتلويثك وتنعم بالراحة والزهد والكمال الداخلى، وكما جاء فى حوار لـ«عرفات» بأحد المَشاهد «العين هتشوف على قدّها لكن القلب يشوف على قد الحب»، ويشوف هنا أى يمتلك البصيرة والرؤية والشفافية، وذلك السّر الذى يلهث لمعرفته «خلدون» الشيطان حتى يسرق منه سرّه فيعود «عرفات» شخصًا عاديًا مثل كل البشر مُلوثًا خطّاءً لا بصيرة له. حبكة كُتبت بإبداع، وصراع يلمس كل عصر وكل شخص، ولذلك جاء الحوار قويًا روحانيًا يخاطب قلبك وليس عقلك ويتغلغل فى أعماق روحك ويؤثر بك، وكل ذلك بشكل غير مباشر بعيدًا عن الخطب الرنّانّة التى تحمل فى طياتها تهديدًا أو تحذيرًا أو إثارة رعب، ناهيك عن الأداء التمثيلى لضلعى الصراع: «أحمد أمين» فى شخصية «عرفات» تشبّع بالشخصية وصدق كل حرف فى الحوار فتأثر به بكل مَشاعره، وبالتالى صدقته كمُشاهد ووصل لقلبك وروحك، مع تعبيرات وجه رقيقة صافية وطريقة السير البطيئة الخجولة المتواضعة، وانحناءة ظهره التى تنم عن بُعده التام عن الكِبَر، الصفة الأشهَر التى تميز الشيطان، فترى «طارق لطفى» فى شخصية «خلدون» خطوته سريعة ورأسه مرفوع وعيناه يملؤهما المُكر والخداع، وطريقة وسوسته لكل شخص فى أذنه كأنه يسلسله ويلجّمه، مع نبرة صوته القاسية العالية، أداء تمثيلى قوى صادق لا أتخيل أى ممثل آخر يجسد مكانه تلك الشخصية، وذلك ما يسمى بالنجاح المكتمل، وهنا تقرأ معه أيضًا ماهية غمام الجزيرة أى غمام الأفكار الذى يحاول السيطرة على العقول.