الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاختيار عبر مشاعر الخوف أو الغضب أسبوع الحسم فى انتخابات الرئاسة الفرنسية

مثلما كان متوقعًا، تأهل الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»، ومنافسته مرشحة اليمين المتطرف «مارين لوبان» لخوض جولة إعادة فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية فى 24 أبريل الجارى، وذلك بعد حصولهما على أعلى الأصوات فى الجولة الأولى، التى أجريت يوم الأحد الماضى. فقد حصل «ماكرون» على 27.6 % من أصوات الناخبين الفرنسيين، فيما حصلت «لوبان» على 24.4 % من الأصوات، وفقًا لنتائج وزارة الداخلية الفرنسية، بعد فرز 97 % من الأصوات.



وبشكل مفاجئ، جاء المرشح اليسارى «جان لوك ميلينشون» -الذى كان يأمل فى دخول جولة الإعادة- فى المركز الثالث بنسبة 22% من الأصوات فى الجولة الأولى؛ فيما حصل المرشح اليمينى المتطرف «إريك زيمور»، الذى كان - فى وقت ما - أعلى من «لوبان»، وكان من المرجح أن يكون المرشح الأكثر احتمالًا لمواجهة «ماكرون» فى جولة الإعادة، على 7.1 % من الأصوات فقط؛ بينما حققت المرشحة المحافظة «فاليرى بيكريس»، التى قيل لها ذات مرة، إنها المرأة التى يمكنها إقالة «ماكرون»، نسبة ضئيلة بلغت 4.8 % من الأصوات.

ومباشرة بعد ظهور نتائج الأولية للانتخابات الرئاسية الفرنسية، أعلن مرشحى (اليمين وسط، والشيوعيون، والاشتراكيون، والخضر) دعمهم لـ«ماكرون»، فى مواجهة «لوبان».. حيث قالت المحافظة «فاليرى بيكريس»، والاشتراكيين «آن إيدالجو، ويانيك جادو» من حزب الخضر، و»فابيان روسيل» من الحزب الشيوعى، إنهم سيدعمون «ماكرون» للتصدى لليمين المتطرف. 

فقالت «إيدالجو»، إنه: «حتى لا تقع «فرنسا» فى كراهية الجميع ضد الجميع، أدعوكم رسميًا للتصويت فى 24 أبريل ضد مرشحة اليمين المتطرف «مارين لوبان» «؛ بينما حذرت «بيكريس» من عواقب وخيمة إذا لم يفز «ماكرون» فى جولة الإعادة.

وفى المقابل، لم تنل «لوبان» سوى على دعم المرشح اليمينى المتطرف «إيريك زمور» الذى حاز على نحو 7% من الأصوات فى الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، إلى جانب المرشح المحسوب على اليمين المتطرف «نيكولا ديبون إينيان».

أما مرشح حزب (فرنسا الأبية) «جان لوك ميلنشنون»، الذى حاز على نحو 21% من الأصوات بالجولة الأولى، فقد شدد على ضرورة حجب الأصوات عن «لوبان»، لكنه لم يدع أيضًا للتصويت لصالح «ماكرون». فى الوقت الذى يخطط جزءًا كبيرًا من ناخبى «ميلينشون» للبقاء فى منازلهم يوم الانتخابات المقبلة، مما قد يمثل مشكلة بالنسبة لماكرون.

على كل، ستعتمد نتيجة الجولة الثانية على قدرة كل مرشح على كسب الناخبين الذين لم يدعموه فى الجولة الأولى. ومن هنا، بدأت معركة تنافسية جديدة بين «ماكرون، ولوبان» على كسب 21 % من أصوات مؤيدى «ميلنشنون». 

ويعتقد المحللين السياسيين أن مهنة «ماكرون» فى إقناع ناخبى اليسار خلال الأيام القليلة المقبلة ستكون مهمة فى صعبة، وذلك بعد أن اتبع الرئيس الفرنسى طوال السنوات الخمس الماضية من ولايته سياسات كلفته الكثير من الانتقادات العنيفة من معسكر اليسار؛ ولإدراكها ذلك، بدأت «لوبان» فى الترويج لنفسها بوصفها (رئيسة لكل الفرنسيين)، بعيدًا عن اتباع نهج التطرف اليمينى. كما ركزت فى برنامجها أكثر على القدرة الشرائية، حيث تزامنت هذه الاستراتيجية مع ارتفاع أسعار المحروقات، والمواد الغذائية، على غرار الأزمة الروسية الأوكرانية، وقدمت بخصوصها وعودًا انتخابية تساعد الفرنسيين على مواجهة صعاب الحياة مع هذا الوضع الجديد من التضخم.

وفى الوقت الذى يتراهن المتنافسين على الكتلة الناخبة لحزب (فرنسا الأبية) فى حسم السباق. لا يزال هناك احتياطى آخر مهم من الأصوات، وهو نسبة 26 % من الممتنعين عن التصويت فى الجولة الأولى، والذين سيتعين عليهم أن يقرروا إما الذهاب إلى صناديق الاقتراع فى الدورة الثانية أو التمسك بموقفهم.

وعليه، شدد «ماكرون» على أن ن «فرنسا»، و«أوروبا» تواجهان لحظة حاسمة؛ مضيفًا أن بإمكان الفرنسيين التعويل عليه فيه هذا الأمر؛ وقال: «أمد يدى لكل من يريد العمل من أجل فرنسا». ومن جانبها، قالت «لوبان» إنها يمكنها حماية الضعفاء وتوحيد أمة سئمت نخبتها؛ مضيفة لأنصارها الذين راحوا يهتفون لها بكلمة واحدة، وهى: «سنفوز»!!

دفعت تلك الأحداث المحللون السياسيون ليتوقعوا حدوث سيناريو مشابهًا للجولة الثانية كتلك التى حدثت فى جولة انتخابات 2017 الثانية، أى ينتهى الأمر بين الطرفين بفارق فى الأصوات بسيط جدًا، على الرغم من أن الفجوة بينهما فى الجولة الأولى لعام 2022 أوسع قليلًا مما كانت عليه فى 2017، حيث تقدم «ماكرون» 4.2 نقطة مئوية على «لوبان» هذه المرة، ارتفاعًا من 2.7 نقطة مئوية فى 2017.

أما الجولة الثانية من انتخابات 2017، التى تغلب فيها «ماكرون» على «لوبان» بنسبة 66 % إلى 34 %، فإن استطلاعات الرأى التى أصدرت خلال الأيام القليلة الماضية، أشارت إلى أن جولة الإعادة فى 24 أبريل الجارى سيكون فرق نسب الفوز صغير للغاية؛ فمن المتوقع أن يفوز «ماكرون» بنسبة 52 إلى 54 % من الأصوات، بينما ستحصل «لوبان» على 46 إلى 48 % من الأصوات.

على صعيد آخر، رأى محللين سياسيين آخرين أن مشهد انتخابات الرئاسة الفرنسية الحالى يشوبه بعض الاختلاف عن السابق، مما يجعل مواجهة الطرفين تبدو مختلفة للغاية هذه المرة، لعدة أسباب، ومنها: أن اليمين داخل «فرنسا» صار أقوى من ذى قبل، وسط زيادة التأييد لـ«لوبان» فى الفترة التى سبقت الجولة الأولى من التصويت، وهو ما دفع عدد من المرشحين المهزومين للتحذير من «يمين متطرف ... على أبواب السلطة». وذلك، بعد أن قامت «لوبان» بحملة حاذقة حول غلاء المعيشة، القضية ذات الأولوية بالنسبة للناخبين الفرنسيين. كما دعت إلى الوحدة وراء قضيتها بعد أن حصلت على مكان فى جولة الإعادة. 

ولكن، بالنسبة لمنافسيها، فإن رسالة «لوبان» المطمئنة وصورتها المخففة – من وجهة نظرهم- تخفى برنامجًا لا يزال مرتكزًا على اليمين المتطرف، ومنها: (مناهضة الهجرة، والتمييز ضد الأجانب بما فى ذلك مواطنى الاتحاد الأوروبى، وحظر الحجاب فى الأماكن العامة، والاستعداد لتحدى الاتحاد الأوروبى على المبادئ الأساسية).

ومن جانبها، خلصت مؤسسة «جان جوريس» الفرنسية إلى أن حزب «لوبان» لا يزال راديكاليًا مثلما كان من قبل، مبنيًا على جوهر أيديولوجى استبدادى، قائم على شجب انعدام الأمن والهجرة التى لا تزال عناصر أساسية لموقفها.

أما السبب الثانى وراء اختلاف المنافسة هذه المرة، هو عدم حصول «ماكرون» على شعبية واسعة بين الجمهور الفرنسى.. ففى عام 2017، فاز الرئيس الفرنسى بنسبة 24 ٪ فقط من الأصوات فى الجولة الأولى من الانتخابات، وخلال فترة ولايته، شجبه كثير من اليساريين، ووصفوه بأنه «صديق المصرفيين»، أو «مرشح الأغنياء». وفى الوقت ذاته اعتبره اليمين، بسبب دوره السابق فى حكومة الرئيس الفرنسى «فرانسوا اولاند» أنه اشتراكى، وقد تم التشهير به باعتباره عدوًا للقيم المحافظة التقليدية!!

ورغم نجاح «ماكرون» خلال فترة ولايته بمعالجة حكومته للاقتصاد الذى دمره فيروس كورونا، بجانب انخفاض البطالة فى عهده لأدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد، وتحديد سقف أسعار الطاقة، إلا إن ارتفاع الأسعار استمر فى ضرب أولئك الذين انتفضوا وسط ثورة «السترات الصفراء» فى 2018-2019، مما تسبب فى اتهامه بأنه منعزل ومنفصل عن اهتمامات الناس العاديين.

وبالنسبة للسبب الثالث، فهى تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على الداخل الفرنسى، وعلاقة المرشحين بالرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»..فقبل أيام قليلة من الجولة الأولى من التصويت، تحدى «ماكرون» منافسته «لوبان» بشأن صلاتها بروسيا، وتساهلها تجاه الرئيس الروسى، فى إشارة لحزب «لوبان» الذى كان الوحيد فى «فرنسا»، الذى أيد ضم «روسيا» لشبه جزيرة القرم، ودعا إلى رفع العقوبات المفروضة على «موسكو»، رغم إدانته العملية العسكرية الروسية.

وفى الوقت ذاته، شهدت العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» فى أواخر فبراير الماضى تصاعدًا فى دعم «ماكرون» فى الداخل الفرنسى، حيث ردت «أوروبا» برعب على عدوان «موسكو»، وأجرى الرئيس الفرنسى مكالمات متكررة مع نظيره الروسى فى محاولة لاحتواء الأمر.

على كل، اتفق الباحثون والمحللون السياسيون أن انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2017، كانت تدور حول الأمل فى إصلاح «فرنسا»، والبقاء على ديمقراطية ليبرالية..أما انتخابات عام 2022 فهى منافسة شديدة بين عاطفتين يأثرون أغلب الناخبين، وهما الغضب ضد «ماكرون»، الذى يُنظر إليه على أنه تكنوقراطى بعيد المنال عن الشعب، والخوف من «لوبان»، الذى لا يزال ينظر إليها على أنها مرشحة يمينية متطرفة خطيرة. مما يشير إلى أن معظم الناخبين الفرنسيين سيصوتون فى كلتا الحالتين ضد مرشح وليس لصالحه.