الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تداولات مشروعة.. وأخرى تسعى لتدمير الحكومات كابوس العملات الرقمية

خلال الأعوام القليلة الماضية أصبحت وتيرة التغيرات العالمية تتنامى بصورة مفزعة.. حتى أصابت الأسواق المالية التى بدأت تتغير يومًا بعد يوم وفقًا لمجريات الحياة السياسية.. أو لمواكبة التغيرات والتقدم التكنولوجى العالمى.



وخلال السنوات الماضية بدأ شبح ظهور ضربة قوية لاقتصاديات العالم، والذى أدت إلى ازدهار العملات الرقمية والمشفرة، والتى تعتبر بمثابة ضربة قوية للحكومات المركزية التى لاتزال تحاول أن تتعافى من الأزمات المتوالية منذ أكثر من عامين والتى كانت بدايتها أزمة تفشى وباء كورونا.

وعلى مدار أشهر بدأت أسواق العملات الرقمية تزدهر وعملت بعض الحكومات على تبنى فكرة إصدار عملاتها الخاصة، فى محاولة للحد من السوق السوداء للعملات المشفرة والتى فى أغلب الأحوال يتجه لها البعض للتستر على الأعمال المشبوهة منها غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب أو للهروب من العقوبات الدولية.. وهذا الأمر بدأ فى التزايد منذ بداية العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا.. حيث تبنت روسيا الاتجاهات للتعامل بالعملات المشفرة بين المستثمرين للهروب من العقوبات اليورو أمريكية.

وهنا يتم طرح العديد من الأسئلة أهمها.. ما تأثير هذه العملات على الأسواق الدولية.. وكيف سيؤثر دخول العملات الرقمية فى سوق التعاملات على مستقبل الدول العربية بصورة خاصة؟ كذلك هل هناك اتجهات عربية لإصدار عملاتها الخاصة وكيف سيتم التعامل مع هذه التقنية الجديدة؟

 اتجاه عالمى

العملة الرقمية هى نوع من العملات المتاحة فقط على شكل رقمى وليس لها وجود مادى ورقى أو نقد معدنى، ولها خصائص مماثلة للعملات المادية ولكنها تسمح بالتعاملات الفورية ونقل الملكية بلا حدود ويشمل ذلك النقد الإلزامى. وذكرت البنوك المركزية الأوروبية عام 2015 بأن العملة الافتراضية هى عبارة عن تمثيل رقمى لقيمة ليست صادرة عن بنك مركزى أو جهة مالية معتمدة أو مالية رقمية، ومن جانب آخر تعتبر العملة الرقمية هى وصف آخر للنقد نستطيع استخدامها لشراء البضائع والخدمات، وهنالك فرق جوهرى بين العملة الرقمية والعملة الافتراضية المشفرة.

فتعتبر العملة الرقمية مركزية، الأمر الذى يعنى أن كل عملية تداول هى عملية منظمة من خلال نقطة مركزية مثل البنك بينما العملات المشفرة هى عملات غير مركزية أى أن التنظيم يكون داخل شبكة المتعاملين، أما السؤال الذى يطرح نفسه هنا فهو ما الذى يجعل البنوك المركزية تطرح عملات رقمية، الأسباب كثيرة ومنها سهولة التعامل، وسرعة إجراءات التداول، وقلة الرسوم على التحويلات، وعدم استخدام الصراف الآلى، وكما لا يمكن سرقتها بسهولة، كما أنها توفر مرونة فى السياسة النقدية، وسهولة متابعة التحويلات، وزيادة الشمول المالى وتسريع وتيرة التحول الرقمى.

وفى مارس الماضى، أعلنت الولايات المتحدة عن عزمها لإصدار الدولار الرقمى أو «الدولار الإلكترونى»، الذى سيكون العملة الرقمية المركزية للدولار الأمريكى، والذى ستتم إدارته من قبل الحكومة.

وفى مرسوم طلب الرئيس الأمريكى جو بايدن من وزارة الاقتصاد تسليمه خلال ستة أشهر، تقريرًا حول «مستقبل العملة» يفصل منافع وعيوب إمكانية إنشاء عملة رقمية للبنك المركزى الأمريكى. وأيضًا تفاصيل عن عواقب ذلك على النظام المالى وأنظمة الدفع والنمو الاقتصادى وإمكانية وصول الجميع لهذه العملة وأمن البلاد. فى الوقت نفسه، طلب بايدن من البنك المركزى الأميركية مواصلة أبحاثه حول الموضوع ودراسة الخطوات الواجب وضعها لإطلاق محتمل للدولار الرقمى.

إذا نجح هذا المشروع، يمكن أن يحدث ثورة فى النظام المالى العالمى الذى يهيمن الدولار عليه. لكن المشروع ينطوى على عدة مخاطر اقتصادية منها: التشكيك فى النظام المصرفى التقليدى، وحماية خصوصية المستخدمين، والاستخدام لأغراض إجرامية، والمخاطر على أمن الدول.

وقال البيت الأبيض إن أكثر من 100 دولة تدرس إمكان إطلاق عملة رقمية. واحدة من أكثر الدول تقدمًا فى هذا المجال هى الصين، المنافس الأكبر للولايات المتحدة فى الهيمنة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية على العالم.

ولا تعتبر الولايات المتحدة الدولة الأولى التى تبدى استعدادها لإصدار عملاتها الرقمية، فقد صرحت العديد من الدول الغربية عن تبنيها لنفس النهج ودراسة مخاطر وومميزات إصدار هذه العملة، منها الصين، الاتحاد الأوروبى، بريطانيا، اليابان والهند، كما أقرت دول أخرى منها السلفادور والبرازيل وتشيلى بالاعتراف بالعملات المشفرة ومنها «البيتكوين» وغيرها.. كعملة للتعاملات المالية، كما أقرت بريطانيا، يوليو الماضى، عزمها لإطلاق عملاتها «بريتكوين» لتحل محل الأوراق النقدية خاصة فيما يتعلق بالمعاملات عبر الإنترنت.

ومن هنا بدأ ازدهار سوق العملات الرقمية فى التنامى والخطط الجدية من الحكومات الغربية لدخول هذه السوق خلال الأعوام القليلة المقبلة.

 

لبنان.. الهروب من الأزمة

يعيش لبنان أزمة اقتصادية طاحنة بعد أن تراكمت الديون على الحكومات المتعاقبة فى أعقاب الحرب الأهلية (1975 و1990) دون أن تحقق إنجازات بهذا الإسراف فى الإنفاق. حتى قبل الانفجار المدمر فى مرفأ بيروت عام 2020، كان لبنان يمر بأزمة اقتصادية عميقة. ومنذ ذلك الحين، استمرت المدخرات التى تحققت بشق الأنفس فى فقدان قيمتها كل يوم. وأصاب الشلل البنوك التى تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات.

وعجز أصحاب المدخرات عن سحب أموالهم بعد أن حالت الأزمة بينهم وبين حساباتهم بالعملات الصعبة أو قيل لهم إن الأموال التى يمكنهم السحب منها الآن لم تعد تساوى سوى جزء صغير من قيمتها الأصلية. وانهارت العملة اللبنانية مما دفع قطاعا كبيرا من السكان إلى صفوف الفقراء.

ولهذا السبب يضع الكثير من اللبنانيين أملهم فى العالم الرقمى. سواء كانوا ضباط شرطة أو خبازين أو طلابًا - يستثمر الكثيرون فى العملات المشفرة مثل بيتكوين ويبحثون عن الأمان فى نظام لا يفهمه سوى عدد قليل فقط من الناس.

الدول العربية.. الاتجاه الجديد

وفق تقرير لصندوق النقد الدولى صدر مؤخرًا 2022، أوضح أن 67% من البنوك المركزية العربية تدرس بشكل جدى إمكانية إصدار عملات رقمية أو هكذا يؤكد صندوق النقد الدولى، هذا الأمر يأتى وسط سعى عدد من البنوك المركزية الصغرى والكبرى فى العالم منها الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية لإمكانية إصدار العملات الرقمية الخاصة بهم فى غضون أشهر أو سنوات قليلة.

وكشف تقرير صندوق النقد الدولى أن 3 من البنوك المركزية العربية تشارك فى تجارب لإصدار عملاتها الرقمية وتوقع الصندوق أن يصدر مصرفان مركزيان عملات رقمية خلال 3 أعوام قادمة، كما توقع أيضًا أن يتمكن 60 % من المصارف المركزية من إصدار عملة رقمية خلال 6 سنوات، أكثر من ذلك فقد أوضح تقرير النقد الدولى أن أكثر من 69 % من المصارف المركزية العربية قد بدأت فى تحديد نوع العملة المزعم إصدارها، فى حين ينخرط نحو 25 % فى مشروعات ودراسات لإصدار أكثر من عملة رقمية، الأمر الذى يطرح تساؤلا لِمَ تتجه هذه الدول لإصدار هذا النوع من العملات؟

فى البداية يمكن لهذه البنوك إصدار عملات رقمية وليست عملات مشفرة مثل البيتكوين، فالعملات المشفرة تستخدم عادة تقنية «بلوكتشين» التى تخفى هوية مستخدميها، ومن ثم تستخدم فى الكثير من الجرائم الأمر الذى دفع معظم دول الوطن العربى إلى حظر استخدامها.

ويقول الخبراء فى هذا المجال أن العمل الذى يسعى البنوك العربية لتبنى العملات الرقمية بهدف مكافحة غسل الأموال والحد من تمويل الإرهاب.

وفى نوفمبر 2020 اتجهت الإمارات العربية والسعودية إلى الإعلان عن مشروع «عابر» الذى يهدف إلى إصدار عملة رقمية موحدة، وكان البنك المركزى السعودى «ساما» ومصرف الإمارات المركزى قد كشفا عن إجراء تجارب وأبحاث لإطلاق مشروع «عابر» كمبادرة مُبتكرة تعد من أولى التجارب عالميًا على مستوى البنوك المركزية فى هذا المجال.

«الصندوق الأسود»

أصبحت العملات الرقمية تمثل تجارة ضخمة بلغت قيمتها السوقية حتى وقت قريب 2.5 تريليون دولار، ومع توالى الأزمات العالمية، خاصة الأزمة الأوكرانية، ارتفعت القيمة السوقية للعملات المشفرة بنسبة 1.42 % لتصل إلى 2.14 تريليون دولار، بحجم تداول بلغ 120.14 مليار دولار خلال مارس الماضى فقط، وارتفعت عملة البيتكوين نحو 35 % تقريبًا.

ومن المتوقع أن يشهد سوق العملات الرقمية دفعة كبيرة خلال الربع الثانى من العام الحالى، وسط أنباء متكررة عن تدفق صناديق الاستثمار الدولية، بالإضافة إلى نية العديد من الدول لتطوير الهياكل والأطر التشريعية والتقنية وقوانين لضمان شرعية المعاملات فيه.