الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ليست مجرد عملية عسكرية تريليون دورلار خسائر الاقتصاد العالمى فى الأزمة الأوكرانية

كان لأزمة أوكرانيا وقع خاص على الاقتصاد العالمى، فشرارة الأزمة بدأت فى الوقت الذى بدأ فيه الاقتصاد العالمى التقاط أنفاسه بعد انتصاره على وباء كورونا وتداعياته التى ضربت الاقتصاد العالمى شرقًا وغربًا.. ثم جاءت العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا لتكون صفعة قوية أخرى تصدم العالم أجمع، حيث توقفت فرص انتعاش النمو الاقتصادى، واهتزت الأسواق المالية إيذانًا بتداعيات أزمة أوكرانيا على الاقتصاديات الدولية.



 

ومع لجوء الدول الغربية لفرض مزيد من العقوبات على الحكومة الروسية، فى محاولة لردع الرئيس فلاديمير بوتين، عن خطواته فى الداخل الأوكرانى، إلا أن هذه الخطوة أدت إلى إحداث هزة قوية للاقتصاد العالمى، حيث تأثرت سلاسل التوريدات التجارية، كما صاحب العقوبات ارتفاع حاد فى أسعار الطاقة والمعادن والحبوب، وهو ما أشعل موجة تضخم جديدة أثارت قلق المؤسسات المالية العالمية وأربكت البنوك المركزية التى بدأت سلسلة طويلة من عمليات رفع الفائدة، رغم مخاوف هذه البنوك من استمرار الأزمة لفترة أطول قد تدفع بالاقتصاد العالمى إلى فخ الركود من جديد.

 ارتباك الاقتصاد العالمي

وفقًا للتقييمات الأولية، سيتكبد الاقتصاد العالمى خسائر تُقدر بنحو تريليون دولار، فى شكل انكماش الناتج المحلى الإجمالى العالمى بحوالى 1 % بنهاية عام 2022، مع زيادة التضخم العالمى بنحو 3 نقاط مئوية خلال هذا العام، وذلك فى وقت يعانى فيه الاقتصاد العالمى من اختناق سلاسل الإمداد والتوريد، وتزايد حدة أزمة الطاقة، وارتفاع أسعار الغذاء، فضلاً عن أزمة الديون العالمية المتفاقمة.

وقد أربكت الأزمة الأوكرانية الاقتصاد بشكل غير مسبوق، وأضعفت من ثقة المستثمرين والمستهلكين فى النشاط الاقتصادى العالمى، وسط ارتفاع تكاليف أسعار السلع الأساسية ومنها الطاقة والغذاء، وارتفاع تكاليف المعيشة للعديد من الأسر حول العالم.

وفى ظل تطورات الأزمة الراهنة، خفضت الصين، أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد العالمى، لمعدل نموها المستهدف فى عام 2022 إلى 5.5 % مقارنة بــ8.1 % فى عام 2021؛ هذا إلى جانب التراجع المُحتمل للاقتصادات الأوروبية، وانخفاض الناتج الإجمالى العالمى مع استمرار تراجعه خلال عام 2023.

وفى ضوء استمرار العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، سترتفع احتمالات حدة التقلبات فى أسعار النفط، لتتراوح بين 100 و200 دولار للبرميل، كذلك الأمر بالنسبة للغاز، حيث شهدت أوروبا ارتفاعًا كبيرًا فى الأسعار مع تنامى المخاوف وعدم اليقين بشأن مستقبل إمدادات الغاز الروسية عبر خطوط الأنابيب إلى الأسواق الأوروبية، خاصة مع تعليق ألمانيا المصادقة على تشغيل خط «نورد ستريم 2».

وفى حال استمرار الأزمة، قد تشهد أسعار الغاز موجة جديدة من الارتفاعات، خاصة مع زيادة إقبال المستهلكين الأوروبيين على شراء المزيد من شحنات الغاز الطبيعى المُسال من السوق الفورية، لضمان تأمين مخزونات كافية.

كما تأثرت أسعار المحاصيل الرزراعية وخاصة القمح، الذى شهد ارتفاعًا حادًا بنسبة بلغت 40 % لتصل إلى 396 دولارًا للطن، وهو أعلى مستوى لها منذ 14 عامًا، فيما ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 21 % نتيجة لتعطل حركة الصادرات الزراعية من أوكرانيا.

ويتوقع المعهد الوطنى للبحوث الاقتصادية والاجتماعية فى بريطانيا NIESR أن الأزمة الأوكرانية ستضيف تداعياتها أعباءً أخرى، خاصة مع تزايد أعداد اللاجئين الأوكرانيين للدول الأوروبية المجاورة، والتوقعات بزيادة حجم الإنفاق العسكرى لدول أوروبا.

كذلك ستعمل على تسريع وتيرة استخدام العملات الرقمية جنبًا إلى جنب مع التصاعد المُحتمل للهجمات الإلكترونية فى العالم، والتغير المُحتمل للنظام التجارى العالمى فى ضوء التطورات الأخيرة.

 محاولات التصدى للأزمة

فى محاولة من الحكومات الدولية للتصدى للأزمة الاقتصادية وتداعياتها، بدأت عدد من الدول فى تحريك أسعار الفائدة الفترة الأخيرة، فى محاولة للسيطرة على التضخم المتصاعد، وقد رفع الاحتياطى الفيدرالى (البنك المركزى الأمريكي) أسعار الفائدة لأول مرة منذ عام 2018، بنسبة 0.25 % كما كان متوقعًا، خلال الاجتماع الذى عقدته اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التابعة للبنك، وذلك بعد الحفاظ على سعر الفائدة القياسى ثابتًا بالقرب من الصفر منذ بداية جائحة كوفيد 19.

وفى خطوة لاحقة، رفعت البنوك المركزية فى 4 دول خليجية أسعار الفائدة الأساسية بها بنسبة 0.25 %، وهى السعودية والإمارات والكويت والبحرين، نظرا لارتباطها بالدولار الأمريكى، كما اتجهت دول أخرى لرفع أسعار الفائدة البنكية فى محاولة لامتصاص الصدمات التضخمية فى البلاد.

ووفق خبراء الاقتصاد فإنه من المتوقع أن تشهد الفائدة البنكية 6 ارتفاعات أخرى خلال العام 2022 لترتفع مستويات الفائدة من مستويات قرب الصفر إلى ما يناهز 1.9 % بنهاية العام وفقا لأحدث التنبؤات. بل وهناك ثلاثة ارتفاعات أخرى مرتقبة خلال العام 2023.

ووفق خبراء، فإن الاقتصاد العالمى سوف يشهد تحولات كبيرة ممثلة فى ارتفاع معدلات التضخم مع احتمال تضاؤل أو انكماش معدلات النمو الاقتصادى الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى مرحلة من الركود التضخمى. ومن التحولات الأخرى المهمة أيضاً على صعيد الاقتصاد العالمى نتيجة للأزمة الأوكرانية تتمثل فى زيادة الإنفاقات سواء للمساعدات الإنسانية والعسكرية أو لتعزيز القدرات الدفاعية أو حتى لتحمل تبعات ومساعدة اللاجئين. وحسبما يبدو فإن أوروبا سوف تضطر لتحمل الجزء الأكبر من هذه الإنفاقات التى تقدر وفقًا لبعض الخبراء بما يقرب من 200 مليار دولار. وغنى عن الذكر بأن مثل هذه التكاليف من شأنها زيادة مديونية الدول المعنية فى أوروبا والتى هى مرتفعة أصلاً.

وفى النهاية يبدو أن هذه التحولات المهمة سواء السياسية منها أو الاقتصادية لا شك فى أنها سوف تخلق واقعًا عالميًا جديدًا أو إذا لم نكن نبالغ فإننا قد نكون بصدد نظام عالمى جديد.