الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عندما تلعب الأزمة الروسية-الأوكرانية دوراً فى الانتخابات الفرنسية الطريق إلى «الإليزيه»

يوم واحد يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الفرنسية، إذ يتوجه الناخبون فى «فرنسا» إلى مراكز الاقتراع ليقرروا ما إذا كانوا سيعطون الرئيس الفرنسى الحالى «إيمانويل ماكرون» فترة رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، أم يقررون إعطاء الفرصة لمرشح آخر، فى ظل فترة مفعمة بالتوتر الحاد، سواء على مستوى التحديات الداخلية، أو التهديدات الخارجية.



 

• تفاصيل الانتخابات

يسعى الناخبون الفرنسيون لانتخاب رئيسهم من بين 12 مرشحاً من بينهم ثمانية رجال، وأربع نساء، ولكن إن لم يفز أى مرشح - مثلما هو متوقع - بأكثر من 50٪ من الأصوات فى الجولة الأولى، التى تجرى فى 10 أبريل الجارى، فإن المرشحيَن الحاصليَن على أكبر عدد من الأصوات سيتقدمان إلى الجولة الثانية، التى ستعقد فى 24 أبريل الجارى، على أن يتولى من يفوز منصبه فى 13 مايو المقبل.  ومن بين المتنافسين الـ12، يوجد 6 مرشحين رئيسيين يزداد التنافس بينهم شراسة يوم تلو الآخر، وهم:

الرئيس الفرنسى الحالى «إيمانويل ماكرون»، الذى أعلن فى 3 مارس الماضى ترشحه لولاية ثانية. يُنظر إلى الرئيس الفرنسى الحالى على أنه رجل وسطى، يجتذب ناخبين من اليمين واليسار، ويمثل حزب (الجمهورية إلى الأمام).. وكان «ماكرون» قد انتخب رئيساً لبلاده فى مايو 2017، حيث شهدت «فرنسا» خلال فترة ولايته أوقاتاً صعبة، وأزمات عدة، كأزمة السترات الصفراء، وجائحة فيروس كورونا، بالإضافة إلى أزمات دولية أخرى أحدثها العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، وارتفاع أسعار النفط والغاز، ومغادرة القوات الفرنسية لمالى.. وغير ذلك.

أما منافسا «ماكرون» الأقوى، فهما المرشحان «مارين لوبان»، و«إريك زمور» وكلاهما من أقصى اليمين، ولكن ينظر إلى الأخير على أنه الأكثر تشدداً. تشارك «لوبان» - زعيمة حزب (التجمع الوطنى) - فى الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة على التوالى، فيما تعد هذه الانتخابات هى التجربة الأولى لـ«زمور» من حزب (الاسترداد)، وكلاهما يشتركان فى رأى واحد تجاه العنصرية ضد المهاجرين.

المنافسة الرابعة، هى المرشحة «فاليرى بيكريس»، التى تعد يمينية، لكنها أكثر اعتدالاً. وقد انسحبت «بيكرس» من حزب (الجمهوريون) فى عام 2019، بعد فشل هذا الحزب فى الانتخابات الأوروبية، ولكنها عادت إلى كنفه فى عام 2021، من أجل المشاركة فى الانتخابات التمهيدية، التى نظمها الحزب لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية.

هذا بالإضافة إلى المرشح «جان لوك ميلنشون» زعيم حزب اليسار (فرنسا الأبية) الذى يخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية للمرة الثالثة، و«يانيك جادوت» من حزب (البيئة والخضر).

 استطلاعات الرأى الفرنسى

أوضحت جريدة «The Connexion» الفرنسية أن الانتخابات قد تشهد مستويات قياسية من الامتناع عن التصويت.

ونقلت الجريدة عن الخبراء قولهم إن هذا الامتناع مرتبط بالرفض العام للسياسة الفرنسية، وتركيز الانتباه على وباء كوفيد-19، والأزمة الروسية-الأوكرانية، مفسرين أن المرشحين فشلوا فى التواصل مع الناخبين، وأظهروا افتقاراً فى الحيوية، بجانب حملاتهم التى اتسمت بالعمى السياسى، حيث لا توجد لديهم رؤية للمستقبل.

ومع ذلك، قد يكون من الصعب قياس محاولة تحديد ما يدور فى أذهان الناخبين فى الفترة التى تسبق الانتخابات، وما هى القضايا الرئيسية التى تدفعهم للقول إنهم سيصوتون لمرشح معين، ولكن أظهرت إجاباتهم من استطلاعات الرأى المتنوعة أن هناك قلقًا عامًا من أن العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، لأنها –من وجهة نظر الفرنسيين- تمثل تهديداً للأمن والاستقرار، مما يمنحها أولوية عالية من حيث التحديات التى تواجهها «فرنسا».

بشكل علم، لخصت جريدة «بوليتيكو» أغلب القضايا التى تشغل الرأى العام الفرنسى قبل الانتخابات، حيث ذكروا أن القضايا التالية، هى الشاغل الأكبر لفرنسا فى الوقت الحالى، وهي: (تكلفة المعيشة، العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، قضايا البيئة، الرعاية الصحية، الهجرة، مستوى الأجور، الجريمة والسلامة، عدم المساواة الاجتماعية، نظام التقاعد، التعليم، الإرهاب، البطالة).

وفى الوقت ذاته، يتوقع كثيرون أن تكون هناك جولة إعادة، تضع «ماكرون» فى مواجهة «لوبان»، فى تكرار لمشهد انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2017، كما تظهر استطلاعات الرأى أن النتيجة المقبلة قد تكون شبيهة بالسابقة على الأرجح.

 دور الأزمة الروسية-الأوكرانية فى الانتخابات الفرنسية

من المثير للدهشة أن تداعيات الأزمة (الروسية-الأوكرانية) –سياسياً- لم تتخطّ حدود الدولتين المتنازعتين فحسب، بل وصل تأثيرها للشأن الداخلى فى الدول المجاورة، ومنها الانتخابات الفرنسية.

حقق «ماكرون» تقدماً واضحاً ومهماً فى استطلاعات الرأى لمدة ستة أشهر على الأقل، وقد نما هذا التقدم منذ العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، فسواء كانت لعبة القدر، أو تحرك مقصود من قبل الرئيس الفرنسى للتدخل فى الأزمة، فقد استطاع جذب تأييد ملحوظ من جديد فى الداخل الفرنسى، رغم الانتقادات التى وجهت إليه بأن تحركاته لم تؤتِ الثمار المرجوة، ومع ذلك نالت التحركات نصيباً من التأييد، حيث أجرى الرئيس الفرنسى مكالمات مع أو التقى نظيره الروسى «بوتين» 16 مرة منذ ديسمبر الماضى، فيما تواصل مع نظيره الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى» 24 مرة.

وقد أظهر أحد استطلاعات الرأى أن 59٪ من الفرنسيين المشاركين بالاستطلاع يعتقدون أن «ماكرون» ارتقى إلى مستوى (التحدى بشأن الأزمة الروسية-الأوكرانية). لذلك، ليس من المستغرب أن تكون الأزمة قد عززت من وضع الرئيس الفرنسى الحالى، خاصة أن الناخبين يسعون إلى شكل من أشكال الاستقرار فى وقت يسوده الخوف.

هذا، بالإضافة إلى أن العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» قد كشفت عن تناقضات خصوم «ماكرون» الرئيسيين، الذين سارعوا -جميعاً- لإنكار أو سحب التعاطف السابق مع الرئيس  الروسى.

فمن جانبهم، سارع مرشحو اليمين المتطرف إلى شرح دعمهم الطويل للرئيس «بوتين»..حيث قامت «لوبان» بسحب أكثر من مليون كتيب تظهر عليها وهى تصافح الرئيس الروسى، فيما ظهر المرشح «زمور» فى مقطع فيديو وصف فيه «بوتين» -ذات مرة- بأنه وطنى روسى، وهو ما أثار تحفظ الناخبين الفرنسيين.

 المتوقع من المرشح المنتخب

بناءً على توجه وموقف كل مرشح -خاصة بعض ممن تم ذكرهم سابقاً- توقع الباحثون فى مركز أبحاث (صندوق مارشال الألمانى للولايات المتحدة)، «جيسين ويبر، جيمس سالمبيان» ما يمكن أن ينفذه هؤلاء المرشحون حال توليهم منصب رئيس «فرنسا».

بدأت التوقعات من عند الرئيس الفرنسى الحالى.. فبناء على فكرة الاستقلال الاستراتيجى الأوروبى، التى تعد هى الخيط الذهبى الذى يربط سياساته ببعضها البعض، فمن المتوقع منه - حال فوزه بولاية ثانية - المزيد من المبادرات الدفاعية الأوروبية، والتركيز على السيادة التكنولوجية للاتحاد الأوروبى، والتعاون مع حزب شمال الأطلسى (ناتو) على تعزيز دفاع «الاتحاد الأوروبى»، وإصلاح (اتفاقية شنجن)، وإعادة التأكيد على دور «فرنسا» فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ باعتبارها قوة التوازن.

أما المرشحة «مارى لوبان»، التى تؤمن فى سياستها الخارجية، بأن تعطى الأولوية للأحادية على التعاون متعدد الأطراف داخل المؤسسات، فمن المتوقع ألا تنشئ تعاونًا هادفًا مع الأوروبيين أو «الولايات المتحدة»، ومن المتوقع -أيضاً- أن تعزز القدرات الفرنسية بدلاً من القدرات الأوروبية فى مجالات مثل: الدفاع والتكنولوجيا، وعرقلة المبادرات عبر الأطلسى الرئيسية بشأن «روسيا»، وإحداث شلل مؤسسى للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية بسبب الفيتو الفرنسى، والدفاع عن حرية الملاحة فى المحيطين الهندى والهادئ، وفى الوقت ذاته الاستثمار المشترك مع «الصين» فى مجالات محددة.

وبالنسبة لـ«جان لوك ميلينشون»، الذى يدعم ترك القيادة المتكاملة لحلف الناتو، لأنه يراه كأداة إمبريالية تستخدمها «الولايات المتحدة» لإخضاع حلفائها، بجانب اقتناعه بدبلوماسية عدم الانحياز، فمن المتوقع أن تكون فترة ولايته ضد التكامل الدفاعى للاتحاد الأوروبى، وضد الناتو، وعدم الاهتمام بالعلاقات عبر الأطلسى والتعاون الأمنى، وعدم التوافق مع استراتيجية «الولايات المتحدة» فى المحيطين الهندى والهادئ.

وفيما يخص «فاليرى بيكريس»، التى تتمتع بميزة المزج بين القانون والنظام والاقتصاد الليبرالى، وتتشابه اقتراحاتها السياسة الخارجية إلى حد كبير مع مقترحات «ماكرون».

أما «زمور»، فمن بين جميع المرشحين، يعتبر الأكثر تشككاً فى «أوروبا»، ناهيك عن تعاطفه مع «بوتين» قبل العملية العسكرية، لذلك فمن المتوقع له أن يصبح موقفه غير واضح تجاه «روسيا».