الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مع رفع البنك المركزى أسعار الفائدة برنامج الإصلاح الاقتصادى ساهم فى توفير حزم تحفيز استثنائية

لم يكن قرار البنك المركزى برفع سعر الفائدة غير متوقع؛ بل بالعكس كل التوقعات كانت تتجه نحو رفع أسعار الفائدة خاصة بعد قيام مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى برفع معدلات الفائدة بربع نقطة مئوية، لتصبح 0.5 % لتكون هى المرة الأولى للزيادة منذ عام 2018. فالحرب الروسية الأوكرانية انعكست تداعياتها على الاقتصاد العالمى وألقت بظلالها على الاقتصاد المصرى، فزادت حدة الضغوط التضخمية العالمية وارتفعت الأسعار العالمية للسلع الأساسية.



 

ومع اتخاذ الاحتياطى الفيدرالى قرارًا برفع أسعار الفائدة، انعكس ذلك على أوضاع الأسواق المالية فى الاقتصادات المختلفة؛ فجاء قرار رفع أسعار الفائدة فى خمس دول خليجية فى اليوم التالى لقرار الفيدرالى الأمريكى ثم تبعها البنك المركزى المصرى حيث قرر خلال اجتماع استثنائى للجنة السياسة النقدية رفع سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة وواحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى وسعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس.

نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى

على مدار الفترة الماضية نجح برنامج الإصلاح الاقتصادى فى تحقيق العديد من المكتسبات وعلى رأسها رفع كفاءة مؤشرات الاقتصاد الكلى لمصر؛ وهو ما مهد الطريق لمواجهة أى تحديات واضطرابات اقتصادية قد تطرأ نتيجة لعوامل خارجية بالأساس. فكان لمكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادى بالغ الأثر لا فى حماية الاقتصاد من التقلبات المفرطة والأزمات، بل ساعدت الإصلاحات الهيكلية التى تبناها كل من البنك المركزى والحكومة فى تقديم إجراءات اقتصادية وحزم تحفيز استثنائية على مدار العامين الماضيين بهدف توفير الدعم للمواطنين وتخفيف العبء عليهم خلال أزمة فيروس كورونا، ومع زيادة الضغوط التضخمية العالمية فى الظهور، ارتفعت المخاطر المتعلقة بالاقتصاد العالمى نتيجة الصراع الروسى الاوكرانى مما تسبب فى ارتفاع اسعار السلع الأساسية، واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن؛ مما أدى إلى ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط على الميزان الخارجى».

حيث أكدت أسماء رفعت الباحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية إن قرارات تغير أسعار الفائدة ترتبط بشكل مباشر بحالة سوق النقود فى الدولة، وهى السوق المتعلقة بحجم العرض والطلب على العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وكذلك ترتبط بتغيرات أسعار الفائدة باتجاهات المستوى العام للأسعار. 

وأضافت قائلة: انعكست تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصرى من خلال عدة قنوات ألقت بظلالها على سوق النقود ومعدلات التضخم مما انعكس على ارتفاع فاتورة الواردات المصرية، بما يعنى زيادة الطلب على العملة الأجنبية 

 

زيادة كبيرة فى استيراد السلع

وبدأت تشرح لنا أسماء رفعت الوضع قائلة إن هناك زيادة كبيرة فى استيراد السلع ومنها الغلال كمحصول القمح، والزيوت والمعادن ومواد الطاقة. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم وتعتمد بشكل رئيس على أسواق روسيا وأوكرانيا لتوفيره؛ إذ توفّر روسيا وحدها حوالى 50 % من واردات مصر من القمح فى 2021،  وتتحمل ميزانية الدولة بنحو 50 مليار جنيه سنويًا كدعم لهذه السلعة فحسب.

ارتفاع أسعار المعادن والطاقة ينعكس على كافة السلع

 ومن جهة أخرى، ينعكس ارتفاع أسعار المعادن والطاقة على كافة السلع نتيجة دخول كلا السلعتين كمدخلات إنتاج لكافة المنتجات، الأمر الذى ينعكس على ارتفاع فاتورة الواردات المصرية، وارتفاع تكاليف إنتاج السلع المحلية ومن ثم أسعار السلع النهائية. وهناك قناة أخرى تتمثل فى تراجع أعداد السائحين الوافدين من دولتى روسيا وأوكرانيا اللتين كانتا تمثلان حصة كبيرة من السياحة الوافدة لمصر. وتعد إيرادات السياحة مصدًرا رئيسًا للعملة الأجنبية المتدفقة داخل الدولة.

تاثر رفع أسعار الفائدة

وترى أسماء رفعت الباحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية إن الاقتصاد المصرى تأثر بلا شك بقرار الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، وقرارات البنوك المركزية الأخرى فى السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر، والتى اتخذت قراًرا برفع أسعار الفائدة، الأمر الذى أسهم فى جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، والتى يطلق عليها الأموال الساخنة، إلى تلك الدول وتدفقها خارج الدولة بحثًا عن الربح الأكبر . وقد انعكست تلك التداعيات على أوضاع سوق النقود بالاقتصاد المصري؛ فمن جهة انخفضت تدفقات النقد الأجنبى للداخل، ومن جهة أخرى ارتفعت تدفقات النقد الأجنبى خارج الدولة لتؤدى إلى ضغوط متزايدة على قيمة العملة المحلية وتنذر بمزيد من الارتفاع فى المستوى العام للأسعار. وبالفعل فقد انعكست أوضاع سوق النقود على معدلات التضخم فى الاقتصاد المصرى، فبلغ معدل التضخم العام 8.8 ٪ فى فبراير 2022،  بالمقارنة بمعدل ٤.٤ ٪ فى فبراير 2021 . فى حين يقدر معدل التضخم المستهدف من قبل البنك المركزى المصرى 7 -/+٪ 2 ٪. عدم توازن سوق النقود أدى إلى زيادة الضغط على العملة المحلية وظهور سوق سوداء.

ومع استمرار عدم توازن سوق النقود يؤدى ذلك إلى زيادة الضغط على العملة المحلية وظهور سوق سوداء لصرف العملات بأسعار مرتفعة. ولتجنب تلك الانعكاسات السلبية جاء قرار البنك المركزى المصرى برفع سعر الفائدة.

وقالت أسماء: مع ارتفاع أعباء التبعات الاقتصادية للأحداث العالمية، اتخذت الدولة عددًا من القرارات لضمان توفير السلع الأساسية للمواطنين وتحقيق استقرار الأسواق؛ فجاء قرار وضع تسعيرة محددة لرغيف الخبز لمدة 3 أشهر، وتم توفير المنتجات الأساسية بأسعار مدعمة من خلال إطلاق المرحلة الثانية والعشرين من مبادرة “كلنا واحد” والتى تقوم على التنسيق مع السلاسل التجارية وإقامة شوادر وسيارات متنقلة لطرح السلع بأسعار مدعمة تصل إلى %60، فضلًا عن توفير مليون كرتونة من السلع الغذائية من خلال مبادرة حياة كريمة. وتم تخصيص نحو 170 مليار جنيه فى ميزانية السنة المالية الحالية كاحتياطات لمواجهة تداعيات الأزمات الطارئة، وبلغ دعم السلع التموينية فى مصر نحو 89.5 مليار جنيه للسنة المالية الحالية 2021 - 2022  منها 36.5 مليار جنيه كدعم للخبز، و53 مليار جنيه كدعم للسلع التموينية، يستفيد منه نحو 72 مليون شخص من دعم الخبز، و64 مليونًا من دعم السلع التموينية. وكذلك تم العمل على تخفيض فاتورة الواردات فى ظل زيادة الأسعار العالمية للحفاظ على رصيد الاحتياطى الأجنبى من جهة وتوفير السلع الأساسية من جهة أخرى؛ فسعت الدولة إلى الحصول على أكبر كمية من القمح من الفلاحين، فرفعت نسبة شراء القمح المحلى بنحو 53 % بإجمالى5.5 مليون طن من الفلاحين مقابل 3.6 مليون طن اشترتها العام الماضى، ورفعت سعر توريد “إردب” القمح المحلى 14 % إلى 820 جنيهاً فى 2022. 

إعلان بنكى مصر والبنك الأهلى طرح شهادات ادخار بفائدة 18 %

وأضافت أسماء رفعت الباحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية: قد تبع القرار الصادر من البنك المركزى بشأن رفع أسعار الفائدة إعلان البنوك الحكومية، بنك مصر والبنك الأهلى، طرح شهادات ادخار بفائدة 18 %، الأمر الذى يوفر قناة استثمارية بعائد مرتفع للحفاظ على القيمة الحقيقية لمدخرات الأفراد من جهة، ويؤدى إلى جذب السيولة وتحفيز الادخار لتجنب ارتفاع معدلات التضخم من جهة أخرى، فضلًا عن جذب رؤوس الأموال الأجنبية والتى تسعى وراء أسعار الفائدة المرتفعة فيرتفع الطلب على العملة المحلية وترتفع قيمتها مرة أخرى. وعلى الرغم من جهود الدولة للحفاظ على استقرار المستوى العام للأسعار، فإنه من المتوقع أن تشهد الأسعار ارتفاعًا نسبيًا خلال الفترة المقبلة. ولتجنب استمرار ارتفاع الأسعار ينبغى تجنب التوجه إلى زيادة الطلب -دون الحاجة- على العملات الأجنبية، وكذلك تجنب شراء كميات كبيرة من السلع مع عدم الحاجة إليها، إذ يؤدى ذلك إلى تأثيرات سلبية مضاعفة على استقرار سوق السلع وسوق العملات. 

 وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى أهمية برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تبنته الدولة المصرية وكان من شأنه تقوية وصلابة وضع الاقتصاد المصرى وتعزيز قدرته على تحمل الصدمات الخارجية، فجاء قرار تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016 ليرسخ أهمية مرونة سعر الصرف فى امتصاص الصدمات الخارجية ويخفف من حدة تقلبات سعر الصرف. ومن جهة أخرى، فقد أسهم برنامج الإصلاح الاقتصادى فى توفير حزم تحفيز استثنائية لكافة الفئات والقطاعات الأكثر تضرًرا من التبعات الاقتصادية للأحداث العالمية لتوفير الدعم اللازم وتخفيف العبء على المواطنين.

رفع سعر الفائدة يحد من هجرة محافظ المستثمرين الأجانب إلى الدولار الأمريكى

بينما يرى د. هانى ابو الفتوح الخبير الاقتصادى أن رفع سعر الفائدة يعمل على الحد من هجرة محافظ المستثمرين الأجانب إلى الدولار الأمريكى وعملات الملاذ الآمن والأصول الأقل خطورة، خصوصا فى ظل ارتفاع معدل التضخم وبالتالى انخفاض معدل العائد الحقيقى على الجنيه مقارنة بعملات الأسواق الناشئة .

ويرى أن البنك المركزى على المدى المتوسط يسعى الى امتصاص السيولة من الأسواق لخفض التضخم وربما يرفع أسعار الفائدة عدة مرات خلال العام الجارى حتى يحقق هذا الهدف.

وأضاف قائلا أن رفع الفائدة له عدة تأثيرات لأنه يضر بتكاليف الدين الداخلى ويرهق الموازنة ويضعف فرص النمو الذى شهد قفزة كبيرة رغم تحديات جائحة كورونا. كذلك يسبب رفع تكلفة الاقتراض لقطاعات الأعمال والقطاع العائلى ومن ثم يؤثر على معدلات التشغيل و ويرفع تكلفة الإنتاج متزامنا مع ضعف القوى الشرائية ما يعمق مزيد من التباطء فى الأسواق .

وقال إن إصدار الشهادات من بنكى مصر والاهلى بفائدة %18 يعوض الأفراد انخفاض العائد الحقيقى لاستثماراتهم بسبب التضخم . ويتوقع أن تتجه أغلب السيولة فى السوق للتحرك الى البنوك المصدرة للشهادات ذات العائد المميز.

وعلى عكس التوقعات فإن قرار البنك المركزى برفع أسعار الفائدة لم يؤثر على التداولات فى البورصة المصرية بدعم من استمرار عمليات الشراء القوية من قبل شرائح مختلفة من المتعاملين بقيادة المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار المصرى، وهو ما ظهر منذ بداية الجلسة اليوم من ارتفاعات ملحوظة للمؤشرات ومكاسب حققتها الأسهم.