الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صافى الاحتياطى التركى من النقد الأجنبى 10 مليارات دولار فقط.. والليرة تخسر نصف قيمتها: الأزمة العالمية تدك اقتصاد تركيا!

فى الحروب الكبيرة تجاوز الخسائر أرض المعركة.. إذ تدهس الدبابات كل الاقتصادات الضعيفة فى طريقها أيضا.. هذا ما حدث بالضبط مع الليرة التركية خلال حرب «موسكو- كييف».. ولم يستطع الاقتصاد المأزوم أصلا مواجهة آثار الأزمة أو حتى استيعاب تبعاتها.. فوقع «اقتصاد الأغا» صريعا فى أرض المعركة.



ربما تبدو مؤشرات سقوط الاقتصاد التركى صادمة؛ لكنها طبيعية وحتمية كنتيجة لما شهدته أنقره خلال الأشهر القليلة الماضية حيث فقدت الليرة 44% من قيمتها خلال عام 2021، واليوم تجاوز ما فقدته نصف قيمتها، كما شهدت أسعار الكهرباء على سبيل المثال زيادة تجاوزت الـ 130%.

 

وخلال يناير الماضى بلغ التضخم التركى %48.7، وهو أعلى مستوى منذ 20 عامًا، فيما تتوقع المؤشرات الاقتصادية زيادته فوق %50 خلال العام الجارى.

المفارقة أن الرئيس أردوغان خرج يوم 20 ديسمبر الماضى ليعلن حماية الحسابات المودعة بالليرة فى حسابات جديدة لتشجيع المواطنين على تحويل أموالهم إلى الليرة التركية، وتعويضهم عن أى خسارة تحدث فى الليرة؛ لكن نتيجة ذلك كانت عكسية تماما، إذ جاءت معظم التحويلات من حسابات بالليرة بدلاً من حسابات بالعملة الأجنبية. وفى المقابل يأتى سعر الفائدة الحقيقى فى تركيا البالغ - %35 ما يعنى استحالة وجود تدفقات نقدية إلى تركيا مطلقا فى ظل ما يشهده العالم من اضطراب اقتصادى كبير.

كل هذه المؤشرات تؤكد أن الاقتصاد التركى دخل دائرة مفرغة من استمرار زيادة معدل التضخم، ما يدفع بدوره المواطنين إلى الإقبال على النقد الأجنبى.

يعنى ذلك ببساطة شديدة أنه حتى الحلول المؤقتة مثل اتفاقيات تبادل العملات مع الإمارات والصين وكوريا الجنوبية لا تكفى لإنقاذ الليرة من سقوطها المستمر والسريع. خصوصا أن صافى احتياطى تركيا من النقد الأجنبى لا يتجاوز الـ10 مليارات دولار.

 

ولأن الاقتصاد هو ركيزة السياسة وقوتها ووقودها، فإن السياسة التركية الآن باتت فى حافة خطر وشيك فى ظل التحديات المتلاحقة للأزمة الأوكرانية، إذ ترتبط أنقرة تجارياً ومالياً وعسكرياً مع كلا الطرفين الروسى والأوكرانى،فضلا عن مشاركتها فى مشاريع الطاقة الكبرى مع روسيا، ما يعنى أن الليرة التركية رغم كل ما تعانيه لم تصل إلى الهاوية بعد ولا يزال منحدر سقوطها أعمق من ذلك جاذبة معها كل القطاعات الاقتصادية ومصالح أنقرة الاستراتيجية فى المنطقة.

حتى طموحات الأغا فى استعادة أمجاد خلافته المزعومة كوريث للدولة العثمانية فى شبه جزيرة القرم مثلا، دهست جميعا تحت نفس الدبابات الروسية.. إذ حاولت أنقرة منذ اجتياح روسيا لجزيرة القرم عام 2014 رفع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع كييف، ما ساهم فى ضخ مزيد من الشراكات وتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة بين البلدين، فضلاً عن توقيع اتفاقيات تعاون عسكرى فى يناير الماضى شملت مشاريع تصنيع مشتركة لإصدار طائرات الدرونز القتالية التركية.. لكن كل طموحات الأغا كانت أشبه بثلوج لم تتحمل نيران الحرب.

وتعد تقلبات أسعار الطاقة أحد أهم التداعيات الاقتصادية على تركيا، خصوصا أنها تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعى المستورد من روسيا، لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية، وتشغيل قطاعاتها الصناعية، فضلاً عن توفيرها الطاقة للسكان المحليين لتدعيم استخدامات التدفئة والطبخ وغيرها.

كما أن استيراد تركيا للحبوب والقمح من روسيا وأوكرانيا، يعنى تضاعف الانعكاسات السلبية للأزمة بشكل مباشر على أسعار الغذاء فى تركيا من زيادة الأسعار ونقص فى عمليات الإمداد. 

أيضا لا يمكننا تجاهل التداعيات الكبيرة على قطاع السياحة التركى،خصوصا أن ربع السياح القادمين إلى تركيا من روسيا وأوكرانيا.. نجد أيضا أن أحد أهم الأمور الشائكة بالنسبة لتركيا يتمثل فى عبور البواخر والغواصات العسكرية من خلال مضيقى البوسفور والدردنيل، والذى تملك أنقرة حق التحكم بالعبور خلالهما وفق اتفاقية مونترو 1936.

لكن تركيا الآن تحت ضغط وتحذير روسى من استخدام المضيق لصالح الناتو من جانب، فيما تقدمت أوكرانيا بطلب إغلاق المضيقين أمام السفن الحربية الروسية من جهة أخرى.

كما تابعنا.. يبدو أن كل المصائب اجتمعت على الاقتصاد التركى.. لتنعكس بشكل مركز على جميع قطاعات الدولة الاقتصادية والسياسية.. فضلا عن العواقب الصعبة على قيمة الليرة التركية ما يؤدى بدوره لخلل فى سد احتياجات الطاقة وأسعار الغذاء، فضلاً عما تفرضه من تحديات أمام السياسة الخارجية التركية فيما يتعلق بعلاقتها الوطيدة مع روسيا.

الآن المواطن التركى هو الوحيد الذى يدفع ثمن سياسات «الأغا الطائش» من جيبه!