الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جمع التبرعات وهروب من العقوبات دور العملة المشفرة فى الأزمة الروسية-الأوكرانية

«نقلق من استخدام العملات المشفرة  مثل (بيتكوين)  للالتفاف على العقوبات المفروضة على «روسيا» بسبب العملية العسكرية فى «أوكرانيا»، وإن أكثر ما يقلقنا هو كمية الروبلات الكبيرة، التى يتم تحويلها إلى أصول مشفرة منذ أن تعرضت «موسكو» للعقوبات الدولية»..كانت هذه كلمات رئيسة البنك المركزى الأوروبى «كريستين لاجارد» خلال منتدى مصرفى عبر الإنترنت أجرى منتصف الأسبوع الماضى.



 

عادةً ما يلعب التمويل دورًا رئيسيًا فى الحروب، لكن الصراع بين «روسيا»، و«أوكرانيا»، هو أول صراع كبير يتم فيها تورط العملات المشفرة. فمنذ بدء العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» فى 24 فبراير الماضى، فرضت «الولايات المتحدة» وشركاؤها سلسلة غير مسبوقة من العقوبات على «موسكو».

وقد أثارت هذه الجهود، التى تسعى لتقييد الاقتصاد الروسى، أسئلة حول ما إذا كان يمكن استخدام العملات المشفرة من قبل الجهات الفاعلة الروسية لتجاوز العقوبات، فى وقت تأتى فيه الأزمة (الروسية-الأوكرانية) مع دراسة صانعى السياسات حول العالم -على نطاق أوسع- تحديد كيفية تنظيم الأصول الرقمية.

ويرى المحللون الاقتصاديون أن بروز العملة المشفرة قد يؤثر فى هذا الصراع على التصورات العالمية للتكنولوجيا. فعلى سبيل المثال: أوضح الرئيس التنفيذى لبورصة (KuCoin) للعملات المشفرة «جونى لى»، أنه عندما يصاب الناس بالذعر، فإنهم يبيعون كل الأصول التى يمتلكونها، من أجل الحصول على نقود للبقاء على قيد الحياة فى الأوقات الصعبة؛ وبالنسبة لعملة (بيتكوين)، والعملات المشفرة الأخرى، هذا هو الوقت المناسب لتظهر للعالم كيف صارت هى أفضل من الأصول الأخرى، وأن لها قيمة حتى فى هذا الوقت الصعب؛ موضحًا أن الناس - فى السابق - كانوا يجدون صعوبة فى نقل أصولهم من بلد إلى آخر، أما فى حالة العملات المشفرة، يمكن أن يكون هذا أسهل فى أسوأ السيناريوهات؛ مؤكدًا أنها قد تكون هذه فرصة لتعميم التشفير.

وبالفعل، ظهر دور العملات المشفرة فى الأزمة (الروسية-الأوكرانية).. فبالنسبة لأوكرانيا، كانت العملات المشفرة أداة قوية للحكومة هناك، حيث تمكنت من تلقى التبرعات من خلالها عبر الناس فى جميع أنحاء العالم الذين يدعمونها؛ أما «روسيا»، فقد زاد التركيز على العملات المشفرة كأداة لتجاوز العقوبات التى أصدرتها «الولايات المتحدة»، والدول الغربية الأخرى.. وهو ما سيتم التطرق إليه تفصيلًا فيما بعد، وذلك أثناء الإجابة على أهم الأسئلة التى تشغل الرأى العام – حاليًا - حول قضية (دور العملة المشفرة فى الأزمة الروسية-الأوكرانية)، والتى أجاب عنها الباحثان بـ«مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» الأمريكى، «ايدان أراساسينجهام، وجيرارد ديبيبو» بصورة مبسطة.

تداخل الأزمة

أوضح الباحثان أنه منذ ظهور العملات المشفرة، جادل المؤيدون، بأن الأصول الرقمية اللامركزية ستكون قوة فى التمويل العالمى. وفى سياق العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، يجادل مؤيدو العملات المشفرة بأن التشفير يساعد فى نظام «موسكو» المقوض من خلال توفير بديل للروبل الروسى، مما يسهل هروب رءوس الأموال من «روسيا»؛ كما يجادل المؤيدون –أيضًا- بأن العملة المشفرة توفر للروس والأوكرانيين العاديين مخزنًا ذا قيمة، ووسيلة للتبادل، يمكن أن تقلل من التكاليف الإنسانية للعقوبات والنزاع.

كما سلطت الأزمة الضوء على العملات المشفرة كوسيلة مهمة للتبرعات للحكومة الأوكرانية التى تكمل المساعدات الغربية.. حيث تدفق ما يقرب من 100 مليون دولار من العملات الرقمية إلى «أوكرانيا» فى الأسابيع الأخيرة، وفقًا لنائب وزير التحول الرقمى الأوكرانى «أليكس بورنياكو».

وفى الوقت ذاته، يرى بعض المتشككين أن الطبيعة اللامركزية، وغير المنظمة للعملات المشفرة، هى وسيلة للمعاملات غير المشروعة، وربما يستخدمها الأفراد والكيانات الروسية كوسيلة لتجاوز العقوبات المفروضة عليها، بعدما تم الضغط على «روسيا»، حينما استبعدت مؤسساتها المصرفية والمالية من نظام (سويفت) الدولى بين البنوك، وأعلن كل من «الاتحاد الأوروبى»، و«الولايات المتحدة» عن حظر أصول البنك المركزى الروسى، وهو ما أدى لانخفاض سعر الروبل بصورة غير مسبوقة.

وعليه، لجأ الروس إلى عملة (بيتكوين)، والعملة المشفرة الأخرى التى تكتسب زخما فى «روسيا» وهى هى (تيثر)، التى تعد عملة مستقرة، أى أنها صادرة عن شركة خاصة، تضمن حيازة أصول. وعلقت الباحثة «كلارا ميدالى» أنهم تمكنوا من ملاحظة أن متوسط المعاملات فى (تيثر) قد زادت، مما يظهر اهتمامًا مشتركًا بين المستثمرين المؤسسين وصغار المشترين.

الهروب من العقوبات

أكد الباحثان أنه من الناحية النظرية، يمكن الاستفادة من العملات المشفرة لأغراض غير قانونية، مثل التهرب من العقوبات، ولكن من الناحية العملية، فإن (الحواجز التكنولوجية، وهياكل السوق) ستجعل من الصعب على الجهات الفاعلة الروسية الخاضعة للعقوبات التهرب من العقوبات على نطاق واسع باستخدام العملات المشفرة، إذ يمكن للحكومات الغربية أن تطلب من المنصات تقييد وصول مستخدمين محددين، مثلما فعلت «أوكرانيا» -مؤخرا- فيما يتعلق بالحسابات الروسية، ومثلما تفكر السلطات الأمريكية فى فرضها.

جدير بالذكر، أنه يتم وصف (الحواجز التكنولوجية) على وصول محدود إلى أجهزة وبرامج وذات صلة ومناسبة.. بصورة أوضح تعتمد العملات المشفرة على تقنية (Blockchain) أو (تقنية سلسلة الكتل)، والدفاتر العامة الرقمية التى تتسم بالشفافية والدائمة، ونظرًا لأن جميع المعاملات يتم تسجيلها على (تقنية سلسلة الكتل)، فإن العملات المشفرة هى المكافئ الرقمى للفواتير فى مجال النقد المادى.. أى إذا كان من الممكن ربط المحفظة بكيان أو شخص، فيمكن تحديد الفاعل، وتستخدم وكالات إنفاذ القانون –بالفعل- مثل هذه الأساليب.

على كل، تضاعف حجم تداول العملات المشفرة، وتحديدًا (بيتكوين)، و(تيثر) فى «روسيا» أكثر من الضعف منذ 24 فبراير الماضى، وهو ما أثار تساؤل عدد كبير من المحللين الذين شككوا فى نوايا «موسكو»، إن كانت تخطط للعملية العسكرية منذ فترة. 

استخدام العملة المشفرة

منذ بدء العملية العسكرية الروسية، استخدمت الحكومة الأوكرانية العملات المشفرة لتسهيل التبرعات والمشتريات العسكرية وغيرها. كما كانت «كييف» فى وضع جيد نسبيًا للاستفادة من شبكات التشفير حيث كانت من بين الدول التى تنظم العملة المشفرة.  فعلى سبيل المثال سبتمبر 2021، قامت «أوكرانيا» رسميًا بإضفاء الشرعية على العملة المشفرة.

وفى 26 فبراير الماضى، بدأت الحكومة الأوكرانية فى طلب تبرعات العملات المشفرة علنًا عبر الإنترنت؛ وبعد قبول عملتى (بيتكوين)، و(تيثر) فقط فى البداية، وسعت الحكومة الأوكرانية قدرتها على قبول أكثر من 70 شكلًا من أشكال التشفير؛ ناهيك عن أنها قطعت خطوة إلى الأمام يوم الأربعاء الأسبق عندما شرعت قانونًا لصناعة العملات الرقمية فى البلاد، وذلك بعد الكم الكبير من التبرعات بالعملات المشفرة.

كما تم –بالفعل- استخدام حوالى 15 مليون دولار من احتياطيات التشفير لشراء معدات عسكرية غير فتاكة، مثل: السترات الواقية من الرصاص، ونظارات الرؤية الليلية، والإمدادات الطبية فى ساحة المعركة، مع استعداد %40 من الموردين للتعامل مباشرة فى العملات المشفرة اعتبارًا من 5 مارس الجارى.  

فى النهاية، يبدو أن العملات المشفرة باتت أحد الأسلحة البارزة فى الأزمة (الروسية-الأوكرانية)، فبينما تستخدمها «موسكو» لتخفيف وطأة العقوبات، فإن «كييف» تعتمد عليها فى تمويل الاحتياجات الضرورية.