الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الستار الحديدى الجديد» و«المعجزة» أبرزها: 5 سيناريوهات للأزمة (الروسية-الأوكرانية)

أحداث متتالية سريعة الوتيرة تحدث على  المسرح الدولى، منذ اللحظات الأولى للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا».. وحتى الآن، لا يزال الجميع متخبطًا فى مشهد ضبابى غير واضح المعالم، فيما عدا الاتفاق العالمى، بأن العملية الروسية أثارت أسوأ أزمة أمنية فى «أوروبا» منذ عقود.



 

ورغم تركيز معظم التحليلات على الوضع المباشر الحالى، إلا أنه من المهم -بنفس القدر- التنبؤ بالمسارات والنتائج المحتملة المتعددة للأزمة (الروسية-الأوكرانية).

اتفق الباحثون والمحللون السياسيون على أن الطبيعة المتغيرة للأزمة تجعل من الصعب قياس ما سيحدث بعد ذلك فى «أوكرانيا»، حيث لا يمكن التنبؤ بخطوات «روسيا»، و(الغرب) التالية. ومع ذلك، اقترح البعض عدداً من السيناريوهات المتوقعة، قياساً على الوضع الحالى، ومنها: 

 السيناريو الأول

فى السيناريو الأول، توقع كبار باحثى «مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن»، الباحثون «بارى بافيل، بيتر إنجلك، وجيفرى سيمينو»، أن تتمكن «روسيا» من الإطاحة بالحكومة الأوكرانية، وتنصب نظاما أوكرانيا مواليا لها، وذلك بعد أسابيع من القتال العنيف فى «كييف» والمدن الأوكرانية الكبرى الأخرى. ولكن، فى الوقت ذاته، ترفض القوات المسلحة الأوكرانية والسكان الاستسلام؛ ومن ثم يشن السكان الأوكرانيون تمرداً واسع النطاق، ومسلحاً، ومنسقاً ضد الروس. 

ورغم تضاؤل القوات الأوكرانية بمرور الوقت، إلا أن انتصار «موسكو» سيكون باهظ الثمن؛ أى يتكرر النمط الذى شوهد فى أماكن أخرى من العالم، حيث يتسبب التمرد الأوكرانى فى خسائر بشرية ومالية كبيرة ومستمرة لروسيا، التى تضطر إلى تكريس قدر أكبر بكثير من مواردها على مدى فترة زمنية أطول بكثير مما كانت تتوقعه، وتتفاقم الأزمة بسبب الدعم الخارجى للمتمردين، بعد أن تقدم دول (الناتو) مساعدة دفاعية سرية وقوية للغاية للمقاومة الأوكرانية. وعليه، يستنزف الصراع خزائن «موسكو»، مما يجبرها -فى نهاية المطاف- على الانسحاب بعد الكثير من العنف والموت.

 السيناريو الثانى

سمى هذا السيناريو بـ(الستار الحديدى الجديد) من قبل الباحثين الثلاثة، فى إشارة إلى مصطلح (الستار الحديدى)، الذى كان أول من استخدمه، رئيس وزراء «بريطانيا» الراحل «ونستون تشرشل» فى الأربعينيات من القرن العشرين، وتحديداً فى 5 مارس 1946. وكانت العبارة تشير إلى سياسة العزلة التى انتهجها «الاتحاد السوفيتى» سابقاً بعد الحرب العالمية الثانية، إذ أقام حواجز تجارية ورقابة صارمة، عزلت البلاد ودول أوروبا الشرقية.

على كل، أكد الباحثون أن فى هذا السيناريو، تنهار «أوكرانيا» فى النهاية تحت وطأة العملية العسكرية الروسية. ورغم المعارضة الشديدة، تتمكن القوات الروسية من السيطرة على البلاد من خلال استخدام الأسلحة والتكتيكات الثقيلة بشكل متزايد؛ ومن ثم يتم إخماد المقاومة ضد الحكومة الأوكرانية الجديدة الموالية بقوة عنيفة. وبعدها، يسدل (الستار الحديدى الجديد) فى منطقة «أوروبا الشرقية»، ويمتد على طول حدود «دول البلطيق» فى الشمال، وعبر حدود «بولندا، وسلوفاكيا، والمجر، ورومانيا» فى الجنوب.

فيما يتحد حلف (الناتو) أكثر فى مواجهة «موسكو». ولكن سيكون الحلف مجبرا على قبول أن خياراته محدودة للغاية.. وفى أعقاب الأزمة، تنضم «السويد، وفنلندا» إلى (الحلف) لتعزيز أمنهما ضد مخططات «موسكو». ومثل الوضع مع (الستار الحديدى الأول)، فإن الانقسام الجديد فى قلب «أوروبا» سيجلب معه قائمة مألوفة من المخاطر والشكوك، إذ ستتأهب قوات (الناتو) والقوات الروسية أمام بعضهما البعض عبر حدود عسكرية فجأة، مما يثير مرة أخرى احتمالات نشوب صراع مباشر عن طريق الصدفة أو التصميم؛ ومن ثم يعود الخصوم أنفسهم لمواجهة طويلة ووعرة، بدون نتيجة واضحة ولا ضمان لحل سلمى.

 السيناريو الثالث

يعد هذا السيناريو هو الأكثر خطورة لمستقبل «أوروبا»، والنظام العالمى، هو الذى تمهد فيه العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» المسرح لنزاع عسكرى مباشر بين (الناتو)، و«روسيا». وهناك مسارات متعددة للوصول لمثل هذه النتيجة، بما فى ذلك:

1 - يمكن لحلف (الناتو) أن يقرر تصعيد مشاركته فى «أوكرانيا»، على سبيل المثال: بمحاولة تنفيذ منطقة حظر طيران، أو أى شكل آخر من أشكال التدخل المباشر. ولكن، فى الوقت الحالى، رفضت «الولايات المتحدة» وحلفاؤها فى (الناتو) تطبيق منطقة حظر طيران. ومع ذلك، يمكن لهذه الحسابات أن تتغير إذا استمرت «روسيا» فى تصعيد قصفها للمدنيين. وستضطر «روسيا» للاختيار حينها بين التراجع، أو الاشتباك المباشر مع قوات الحلف، وإذا اختارت «موسكو» الخيار الأخير، فإن خطر تصعيد النزاع المسلح بين (الناتو)، و«روسيا» سيزداد بشكل كبير.

2 - يمكن لروسيا أن تضرب عن غير قصد أراضى أحد أعضاء (الناتو) على سبيل المثال، من خلال الاستهداف غير الدقيق، أو التحديد الخاطئ للصديق والعدو، مما يؤدى إلى اتخاذ إجراءات مضادة من قبل الحلف (وقد شوهدا بالفعل خلال الأيام الماضية أن القوات الروسية هاجمت أهدافاً قريبة من الحدود البولندية). ومع بدء تضاؤل مخزون الجيش الروسى من الذخائر الموجهة بدقة، يزداد خطر وقوع مثل هذا الحادث، الذى يؤدى إلى تصعيد غير مقصود مع (الناتو). وسيشهد هذا السيناريو بدايات صراع مباشر، ربما (جو-جو)، أو (جو-أرض) فى المناطق الحدودية لأوكرانيا. أو يمكن أن يؤدى هذا إلى بدء جولة من الضربات، والضربات المضادة التى تؤدى إلى أعمال عدائية مفتوحة.

3-   هناك احتمالية مخيفة تتعلق باحتمال أن يكون لدى «بوتين» مخططات أوسع بكثير خارج «أوكرانيا»، إذا أحرزت القوات الروسية تقدماً سريعاً فى «أوكرانيا»، وحققت سيطرة فعالة على البلاد، فقد يوجه الرئيس الروسى انتباهه إلى الدول التى يطمع فيها، كجزء من رغبته فى إعادة تشكيل مجال نفوذ يتوافق على نطاق واسع مع أراضى «الاتحاد السوفيتى» السابق. وستكون دول البلطيق (وكلها أعضاء فى الحلف) المرشحين الواضحين لاختبار مخططاته، وعزم الناتو نفسه. قد يكون لدى «بوتين» اعتقاد بأن (الناتو) سوف يتراجع إذا تم الضغط عليه. لكن، ما يحصل هو إصرار (الناتو) على أنه سيقاتل أى توغل عسكرى روسى على دولة عضو، ومن هنا تبدأ المواجهة.

 السيناريو الرابع

أطلق الباحثون الثلاثة على هذا السيناريو اسم (المعجزة)..حيث رسموا فيه شكل الانسحاب الصريح للقوات المسلحة الروسية من «أوكرانيا»، الذى سيكون أفضل نتيجة ممكنة للأخيرة فى وضعها العصيب.

ولاحظ المحللون أنه فى هذا السيناريو المحتمل، الذى وصفوه بـ(الوردى)، لكيفية إنهاء الصراع فى «أوكرانيا»، حيث يمكن لكييف أن ترى قدراتها الدفاعية الخاصة مدعومة من قبل (الناتو)، مما يسمح لمقاومتها العسكرية والمدنية بالتغلب على الصعاب، وسحق تقدم «موسكو» إلى أراضيها.

وفى هذا السيناريو الذى وصف –أيضاً- بالافتراضى، سيمُنع «بوتين» من الإطاحة بحكومة «كييف»، وإقامة نظام موال له.

• السيناريو الخامس

وهو الذى ذكر تحت عنوان (دولة أوكرانية متعثرة) بمذكرة رئيس مجلس إدارة (مجموعة أوراسيا الاستشارية للمخاطر السياسية) «كليف كوبشان»، إذ توقع أن تحصل «روسيا» على سيطرة غير مكتملة على شرق «أوكرانيا»، حتى نهر «دنيبرو»، ثم الاستيلاء على العاصمة «كييف» بعد حصار طويل الأمد، وإنشاء حكومة موالية مدعومة من «روسيا». وأضاف أنه من المرجح أن تقوم (دولة أوكرانية متعثرة)، تتم قيادتها من مدينة «لفيف» فى غرب «أوكرانيا»، وبالقرب من الحدود مع «بولندا»، ومن المرجح –أيضاً- أن تتلقى الحكومة الأوكرانية تلك دعماً غربياً قوياً. ولكن، سيتدفق لاجئون يتراوح عددهم بين 5 إلى 10 ملايين شخص من الأراضى الأوكرانية إلى منطقة «أوروبا الغربية».

وفى مثل هذا السيناريو، توقع «كوبشان» أن (الناتو) سيقدم مساعدة عسكرية كبيرة للدولة الأوكرانية الغربية، وهذا من شأنه أن يؤدى إلى مخاطر وقوع اشتباكات جوية بين طائرات روسية، وحلف شمال الأطلسى.

تعكس هذه السيناريوهات الخمس، ونتائجها المنطقية، كيف يمكن أن ينتهى الأمر بدولة «روسيا»، ومدى قوة الدول الغربية، وحجم تأثير اللاعبين الدوليين الآخرين.. على كل، إن ما سيحدث بعد هذه الأزمة، هو علامة استفهام كبيرة بقدر الأزمة نفسها.