الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.. الاقتصاد العالمى مرتبك موجة تضخم جديدة تضرب الأسواق

المشهد الاقتصادى العالمى وصل إلى ذروة التعقيد، والحلول التقليدية أصبحت شبه بائسة مع تزايد حدة التوترات بين روسيا وأوكرانيا بتدخل الولايات المتحدة وحلفائها والتى تسببت فى تفاقم التداعيات السلبية لهذا الصراع بالتزامن مع التضخم العالمى الذى ضرب جميع الاقتصادات سواء فى الدول المتقدمة أو النامية، والذى نتج عن تداعيات جائحة كورونا التى ما زالت دول العالم تعانى منها، فضلاً عن الارتفاع الكبير فى الأسعار والذى انعكس بدوره على الاقتصاد المصرى على الرغم من برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى قامت به الدولة منذ 2014 والذى ربما خفف من حدة هذه الأزمة الطاحنة التى أصبح يعانى منها أغلب شعوب دول العالم.



 

الدكتور محمد معيط وزير المالية، أكد أن الدولة المصرية تبذل أقصى ما فى وسعها؛ لامتصاص أكبر قدر ممكن من الصدمات الاقتصادية العالمية، فى أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية التى ضاعفت، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولى، الضغوط التضخمية الناشئة عن اضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، والارتفاع الحاد فى تكاليف الشحن، والأسعار العالمية للسلع والخدمات، لافتًا إلى أننا لدينا احتياطى استراتيجى من القمح يكفينا 8 أشهر، بعد توريد الإنتاج المحلى، فى أبريل المقبل، وأننا حريصون على استدامة «المخزون الاحتياطى» للقمح من الأسواق الدولية البديلة؛ بما يضمن تأمين احتياجاتنا، فى ظل هذا الوضع الاستثنائى للاقتصاد العالمى.

الاقتصاد المصرى بات أكثر قدرة على التعامل المرن مع الصدمات الداخلية والخارجية

وأكد د.معيط فى حوار مفتوح مع عدد من رموز الصحافة والإعلام ضمن سلسلة الحوارات المجتمعية حول مستهدفات مشروع الموازنة الجديدة: إننا ملتزمون بتقديم مشروع الموازنة الجديدة لمجلس النواب فى الموعد الدستورى المقرر خلال هذا الشهر، بمراعاة الارتفاع الحاد فى الأسعار العالمية للطاقة والسلع الأولية؛ فمصر جزء من العالم، تتأثر بما يشهده من اضطرابات، ولكن الاقتصاد المصرى بات أكثر قدرة على التعامل المرن مع الصدمات الداخلية والخارجية، وكما نجحنا فى احتواء تداعيات جائحة «كورونا»، وأزمة الأسواق الناشئة، نستطيع معًا تجاوز هذه الظروف الصعبة.

 إتش إس بى سى يتوقع مزيدًا من الضغوط بعد ارتفاع الأسعار 

قال بنك إتش إس بى سى، فى تقرير حديث له، إن التصعيد السياسى بين روسيا وأوكرانيا، وارتفاع أسعار السلع قد يعنى مزيدًا من الضغوط الصعودية لمشهد التضخم المرتفع بالفعل، خاصة مع ارتفاع نصيب الطاقة والغذاء من سلة أسعار المستهلكين فى الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة.

وأوضح أن %10 زيادة فى سعر النفط قد تعنى ارتفاع التضخم فى مصر %0.36 على أساس سنوى، وسيجعل عجز الحساب الجارى يتسع بنحو %0.12 عن الـ%4 المتوقعة للعام الحالى، فيما سيتوسع عجز الموازنة بنحو %0.12 عن التقديرات السابقة.

وفى تقرير آخر أصدره قبل بدء الحرب بأيام، توقع «إتش إس بى سى» نمو الاقتصاد المصرى %5.3 خلال 2022، ونحو %5.1 فى 2023، وأن يصل نصيب الفرد من الناتج إلى 4433 دولارًا مقابل 4057 توقعاته لعام 2022، و3586 دولارًا تقديراته لعام 2021.

وتوقع بنك «إتش إس بى سى» أن تنمو الاستثمارات خلال العام الحالى %13.1 قبل أن تتباطأ إلى %8 خلال العام المقبل.

 عقوبة إبعاد روسيا عن نظام «سويفت» على الشركاء التجاريين سوف تؤثر على مصر

الدكتور هانى أبوالفتوح، الخبير الاقتصادى، يرى أنه من المؤسف أن تتأثر جميع دول العالم بتبعات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مؤكدًا أن الاقتصاد المصرى سيتأثر دون محالة برغم وجود عوامل إيجابية تخفف من حدة الأزمة.

وقال إنه فى ضوء التأثير المتوقع بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، سوف تتأثر الأسواق فى العديد من دول العالم بسبب عدم قدرة روسيا على تصدير العديد من المعادن والمواد الخام المستخدمة فى عدد من الصناعات، وهو ما سوف يؤدى إلى ارتفاع أسعار هذه المواد ويتأثر بها أسعار المنتجات التى يتم استيرادها من الخارج.

مضيفًا أن مصر تعد أكبر مستورد للقمح فى العالم، بينما روسيا هى أكبر مورد للقمح إلى مصر يليها أوكرانيا. وبسبب الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، توقفت إمدادات القمح عالميًا وارتفاع أسعاره بنسبة لا تقل عن %40. ورغم أن مصر لديها مخزون استراتيجى من القمح يصل إلى 4.5 أشهر، فإذا طالت مدة النزاع العسكرى بين روسيا وأوكرانيا سوف تضطر الحكومة إلى استيراد القمح بأسعار عالية، ما يحمل الموازنة أعباء كبيرة فى بند الدعم.

واستطرد قائلًا: فى مجال التبادل التجارى مع الجانب الروسى، تحتل روسيا مكانة متقدمة كشريك تجارى مع مصر. وسوف تؤثر عقوبة إبعاد روسيا عن نظام «سويفت» على الشركاء التجاريين، حيث لا يمكن السماح بتحويل الأموال من وإلى روسيا باستخدام شبكة «سويفت»، وهذا من شأنه إعاقة المعاملات المالية الدولية مع روسيا.

أما فى مجال السياحة، سوف تتأثر بشدة السياحة الوافدة لمصر من روسيا وأوكرانيا حيث تقدر السياحة الروسية والأوكرانية ما بين 60 و%65 من حجم السياحة الوافدة إلى مصر. وبالتالى سوف تتأثر موارد النقد الأجنبى المتولدة من السياحة.

ومن التداعيات غير المباشرة التى سوف تؤثر على الاقتصاد المصرى الارتفاع الكبير فى أسعار النفط بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث إن مصر دولة مستوردة للزيت الخام والمشتقات البترولية. ونتيجة لذلك من المتوقع أن ترفع لجنة تسعير سلع الوقود إلى زيادة الأسعار، ما يؤدى إلى رفع معدل التضخم. غير أن هناك زيادة بأسعار الغاز الطبيعى، ومصر من المصدرين للغاز الطبيعى المسال، وسوف تستغل هذه الفترة لتنمية صادرات الغاز والتقليل من التأثير السلبى لزيادة أسعار النفط.

ومن ناحية أخرى، مع احتمالية عرقلة ممر الشمال الروسى وتوقف العمل بموانئ البحر الأسود، من المتوقع أن تزداد الميزة التنافسية لقناة السويس باعتبارها الممر الملاحى الأكثر أمنًا والأقل مسافة بين جميع طرق الملاحة الدولية. وهو ما يرفع إيرادات قناة السويس.

بينما توقعت ماهيناز الباز، الخبيرة الاقتصادية استمرار الزيادة فى الأسعار خلال الفترة القادمة، مؤكدة أن الحكومات فى كل دول العالم مهما بلغ تقدم اقتصاداتها  تواجه تحديات كبيرة، ومواطنوهم يعانون من ضغوط مع اختلاف قدرات الدول  على التعافى ومواجهة الأزمة الروسية الأوكرانية.

2022 عام التضخم

وقالت إن 2020، كان عام الإغلاق الاقتصادى والركود بينما 2021 كان عام التعجل فى استئناف الأعمال وعقد الآمال على مؤقتية التضخم، معتبرة أن 2022، عام التضخم، وتباطؤ التعافى، وازدهار صناعة النفط والغاز الطبيعى مع ارتفاع حرارة الأجواء بحلول فصل الصيف، وبزوغ نجم الملاذات الآمنة وعلى رأسها الذهب وارتفاع شهية المستثمرين تجاهه، وتقلبات أسواق المال العنيفة مع كل تصريح أو فعل سياسى روسى، أوروبى، أمريكى، وتفاقم أزمة سلاسل الإمداد، وارتفاع تهديدات الأمن الغذائى فى الدول النامية ومن ثم زيادة عدد الفقراء وتغير تركيبتهم النوعية.

واعتبرت أن العقوبات الغربية على روسيا هزيلة فى مواجهة اقتصاد قفزت احتياطياته من الذهب لأول مرة فى 2021، لتفوق احتياطيات الدولار. «يعنى كانوا عاملين حسابهم جيدًا لهذه الأزمة».     وحاليًا احتياطيات الذهب حوالى 581 مليار دولار. ده غير إن روسيا خفضت حصة صادراتها التى تعتمد على الدولار إلى %50 مقارنة بحوالى %80 فى 2013. يعنى اقتصاد قوى غير مرتبط بالدولار بشكل كبير، متحصن فى الملاذ الآمن، والأهم من كل ده إنه اقتصاد منتج وقادر على خلق قيمة مضافة مرتفعة.

وطالبت الجميع بترشيد حقيقى من النفقات والاستهلاك غير الضرورى، فالتضخم وارتفاع الأسعار قادم وعلينا تقنين السلوك غير الرشيد. 

بينما يرى د.كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد السياسى أن مصر سوف تتأثر بالحرب الروسية الأوكرانية من وجهتين، الأولى علاقتنا بهذه الدول والجزء الآخر علاقتنا بباقى دول العالم، إن مصر تعتمد على توفير أكثر من %60 من احتياجات القمح عبر الاستيراد، خاصة من روسيا وأوكرانيا.

والأيام الماضية شهدت ارتفاعًا غير مسبوق فى أسعار الدقيق ليصعد فوق 8510 جنيهات للطن، بزيادة أكثر من 2500 جنيه فى الطن منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.

وهذا ما تسبب فى ارتفاع أسعار المنتجات العادية من الدقيق إلى 9550 جنيهًا للطن، بزيادة تتجاوز 3500 جنيه فى الطن.

وقال إن تكلفة دعم العيش فى الموازنة يبلغ حوالى 52 مليار جنيه، ومتوقع من الارتفاع العالمى فى الأسعار أن تتكبد الموازنة حوالى 10 مليارات جنيه حتى تستطيع أن تلبى احتياجات المواطنين مع ارتفاع أسعار القمح، كما أننا نستورد نصف احتياجاتنا تقريبًا من القمح، وفى نفس الوقت نستورد %90 من احتياجاتنا من الزيوت والبذور التى تدخل فى إنتاج الزيوت كفول الصويا وعباد الشمس، وتعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة لنا القمح والحبوب الزيتية التى تدخل فى صناعة الزيوت التى من المتوقع أن تشهد موجة جديدة من الارتفاع فى الأسعار. 

هذا فضلًا عن أسعار الطاقة والنفط والتى شهدت قفزات كبيرة فى الأسعار، فلأول مرة منذ 14 عامًا يصل برميل البترول إلى 139 دولارًا، ومن المتوقع أن ترتفع منتجات الطاقة، ونشهد أيضًا موجة تضخمية انعكست تأثيراتها علينا، وأخيرًا السياحة التى تأثرت كثيرًا، فلدينا 2 مليون سائح أوكرانى يأتون إلى مصر عائداتهم تقترب من 2 مليار دولار سنويًا، وبالتالى ستتضرر السياحة الأوكرانية الوافدة إلى مصر.

وأخيرًا فرض العقوبات على روسيا سيلقى بظلاله علينا أيضًا، فمن المتوقع أن نشهد موجة من ارتفاع أسعار النفط والبترول والمنتجات الغذائية.

الحرب الروسية على أوكرانيا أربكت اقتصاديات العالم

أما د.خالد الشافعى رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، فيرى أن الحرب الروسية على أوكرانيا أربكت اقتصاديات العالم، وكان لها انعكاسات أثرت للأسف على الاقتصاد المصرى، فنحن لا ننمو بمنعزل عن العالم، فروسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للغلال والحبوب وأيضًا الزيوت، وبالتالى نحن أمام أزمة حقيقية، فنحن نستورد أكثر من %97 من احتياجاتنا من الزيوت، كما نستورد أكثر من 5،3 مليون طن قمح، ومن ثم سوف نشهد ارتفاعات متنامية فى كل القطاعات مما يحدث ارتباكًا فى كل المخططات العالمية.

وقال إن المخاطر المحتملة التى من الممكن رؤيتها خلال الفترة المقبلة هو ارتفاع أسعار الطاقة والسلع عالميًا، والتضخم المتفاقم الناتج عن إعادة تسعير بعض السلع المدعومة فى السوق المحلية.

وأوضح أن العالم يتحسس ما الذى سوف تُسفر عنه الحرب الروسية الأوكرانية، هل سوف تنتهى عند أوكرانيا؟ أم ستمتد الحرب إلى دول الجوار؟ أم ستكون الشرارة لحرب عالمية ثالثة؟ مؤكدًا أننا لا نعلم أين يتجه الاقتصاد العالمى، متوقعًا دخولنا على أزمة طاقة وتباطؤ معدلات النمو وارتفاع أسعار ومعدلات تضخم مرتفعة، وبالتالى تنعكس على اقتصاديات الدول.