الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تداعيات العملية العسكرية الروسية على العلاقات الصينية-الأوكرانية حياد علنى أم تأييد ضمنى؟!

بعد أكثر من أسبوع على بدء العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، وصف الرئيس الصينى «شى جين-بينج» الأحداث بأنها (مقلقة للغاية)؛ داعياً إلى أقصى درجات ضبط النفس. وجاء هذا، بعد يوم واحد من تصريحات وزير الخارجية الصينى «وانج يى»، خلال مؤتمر صحفى، تناول فيه العلاقات الخارجية الصينية على هامش الدورة الخامسة للمجلس الوطنى الـ13 لنواب الشعب الصينى يوم الاثنين الماضى.



 

ورغم أن تصريحات «وانج يي» نالت اهتمامًا دوليًا واسعًا، إذ كان العالم ينتظر رؤية موقف «الصين» الرسمى من الأزمة الروسية-الأوكرانية، فإن العديد من المحللين وكتاب الرأى السياسيين لم يخرجوا بنتيجة مختلفة -عما اعتقدوه خلال الأيام القليلة الماضية- من كلمات الرئيس، ووزير الخارجية الصينى، الأخير الذى أكد أن علاقات بلاده مع «روسيا» هى الأكثر أهمية، مشبهًا صلابتها بـ(الصخر)؛ موضحاً - فى الوقت ذاته- أن «بكين» ستزود «كييف» بمساعدات عاجلة؛ مشدداً على أهمية تأمين ما يلزم للنازحين فى «أوكرانيا»، وتأمين حماية المدنيين، وتفادى مزيد من الكوارث الإنسانية فى البلاد.

وعليه، حصر المحللون وكتاب الرأى موقف «الصين» بين الحياد العلنى، أو التأييد الضمنى لروسيا. وربما يكون هذا التفسير جاء نتيجة لاهتمام وتركيز الإعلام الدولى بالعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، وتداعياتها بجميع المجالات، والاهتمام بموقف «الصين» تحديداً مع كل من «روسيا»، و(الغرب)، وبالأخص «الولايات المتحدة»، فى الوقت الذى، لم يشار –بالقدر الكافى - إلى العلاقات «الصينية-الأوكرانية»، وتحديداً الاقتصادية؛ وهو ما قد يفسر إلى حد ما إحدى زوايا تصرفات «الصين».

 موقف «الصين»

مع بدء العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، تجنبت «بكين» أى لغة تنتقد «موسكو»، فقد تأرجحت بين الإيحاء بأن لدى «روسيا» مخاوف أمنية تُبرر أفعالها، وبين اتهام «الولايات المتحدة»، و(الغرب) مباشرة بالتحريض على الحرب.

ومع ذلك، ففى 26 فبراير الماضى، نشر وزير الخارجية الصينى موقف بلاده من الأزمة الأوكرانية، حيث غطى خمس نقاط، وهى، أن: «الصين» تؤكد على ضرورة احترام وحماية سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها، وفقًا لميثاق «الأمم المتحدة»، وتؤمن «بكين» بضرورة احترام الشواغل الأمنية المشروعة لجميع الدول. وهنا، أثار توسع (الناتو) مطالب أمنية مشروعة فى «روسيا»، والحكومة الصينية لا تريد أن ترى الوضع الحالى فى «أوكرانيا»، لذلك من الضرورى على جميع الأطراف ممارسة ضبط النفس، وتدعم «الصين» إيجاد حل دبلوماسى وتسوية سلمية للأزمة الأوكرانية.

كما تقف الدولة الصينية ضد الاحتجاج بالفصل السابع من ميثاق «الأمم المتحدة»، الذى يصرح باستخدام القوة والعقوبات فى قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكنها تعتقد أن مجلس الأمن الدولى يجب أن يلعب دوراً بناء فى حل قضية «أوكرانيا».

المصالح الاقتصادية للصين فى «أوكرانيا»

إذا تم النظر لحجم التبادلات التجارية والعلاقات الإقتصادية بين «الصين» و«أوكرانيا»، ربما قد يفسر السر وراء عدم الانحياز الكلى ضدها.

فعلى مدى ثلاثة عقود من استقلال «أوكرانيا»، شكلت الموارد الطبيعية للبلاد، والصناعة الدفاعية، والموقع حصة متزايدة من المصالح الاستراتيجية للصين.

وبحلول عام 2019، حلت «الصين» محل «روسيا» كأكبر شريك تجارى لأوكرانيا، وأصبحت أكبر مستورد للشعير الأوكرانى، وخام الحديد، بينما تفوقت «أوكرانيا» على «الولايات المتحدة» كأكبر مورد للذرة للصين.

وتعد «كييف» –أيضاً- موردًا رئيسيًا للأسلحة لبكين، فى المرتبة الثانية بعد «موسكو»؛ فيما تعد «الصين» أكبر مشتر للأسلحة الأوكرانية.. فأول حاملة طائرات صينية «لياونينج»، هى حاملة طائرات سوفيتية، تم تجديدها، وشراؤها من «أوكرانيا».

فى الوقت نفسه، كانت احتياطيات النفط والغاز الغنية فى «أوكرانيا» مصدراً رئيسياً لإيرادات شركات الطاقة الصينية.

كل هذا بالإضافة إلى النقطة الأهم، وهو الدور الذى تلعبه (مبادرة الحزام والطريق) الصينية، الذى انضمت إليها «أوكرانيا» عام 2017، فى سعيها إلى الاستفادة من علاقتها مع «الصين» لتسريع تحديث النقل، وخاصة بالنسبة للسكك الحديدية والطرق؛ بجانب سعى صناع السياسة الأوكرانيين –أيضاً- إلى وضع بلادهم كبوابة لدخول «الصين» إلى «أوروبا»، والدليل أنه فى أول محادثة هاتفية بين الرئيس الصينى «شى جين بينج» فى عام 2021، والرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى»، وصف الأخير «بكين»، بأنها «الشريك التجارى والاقتصادى الأول لأوكرانيا»، قائلاً إنه يأمل أن تصبح «أوكرانيا» جسراً إلى «أوروبا» للأعمال التجارية الصينية.

وبالفعل، وقع البلدان على عقود إنشاءات متعلقة بمبادرة الحزام والطريق، تبلغ قيمتها ما يقرب من 3 مليارات دولار فى قطاعات مثل النقل والطاقة، وفى يونيو 2021 وقعت «بكين» و«كييف» اتفاقاً واسعاً للبنية التحتية، بعد أيام من انسحاب «أوكرانيا» من بيان مشترك وقعته أكثر من أربعين دولة، دعا إلى تحقيق مستقل فى انتهاكات حقوق الإنسان فى منطقة «شينج-يانج» الصينية.

 

تحليل الموقف

أوضح رئيس مجلس الأمناء فى الأعمال والاقتصاد الصينى بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «سكوت كينيدى»، أن العلاقات التجارية بين «الصين، وروسيا»، و«الصين، وأوكرانيا» ليست هينة أو ضئيلة، حيث بلغت قيمتها فى عام 2021، 147 مليار دولار، و19 مليار دولار على التوالى، موضحاً أنه من المؤكد أن جزءاً من هذه التجارة سيتأثر بكل من الصراع نفسه، وكذلك العقوبات اللاحقة، مما سيؤدى إلى تكبد الشركات الصينية فى هذه القطاعات خسارة.

لهذا، رأى «سكوت» أن «الصين» غيرت خطابها -خلال الأسابيع القليلة الماضية- من احتضان «بوتين»، وصداقة بلا حدود معه، والدفاع عن تبرير «روسيا» لعمليتها العسكرية، إلى الدعوة إلى احترام وحماية سيادة وسلامة أراضى جميع البلدان. وفى الوقت ذاته، لم تقوّض «بكين» العقوبات بشكل صريح حتى الآن، وقالت إنها تريد لعب دور بنّاء لتهدئة الصراع.

ما ترغب «بكين» القيام به لحماية مصالحها فى «كييف»

باحثة الاقتصاد السياسى الدولى «زونجيان زوى لو» رجحت أن يقتصر رد «الصين» على العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» على إجلاء ما يقرب من ستة آلاف مواطن صينى فى الأراضى الأوكرانية، وتعليق المشاريع الجارية، وفى نهاية المطاف تجعل الشركات الصينية تمتص خسائر الأصول.

أما فيما يتعلق بالأزمة الأوسع بين «روسيا»، و«أوكرانيا»، فأكدت «زونجيان» أن «بكين» سعت إلى الحفاظ على حيادها بين شريكين تجاريين مهمين، فى حين أنه من غير المرجح أن تدين الحكومة الصينية العملية العسكرية الروسية، وهو ما قد يدفع إلى تسهيل مفاوضات وقف إطلاق النار.