الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بين زعيم الأرثوذكسية وحامى الكاثوليكية أوكرانيا.. ضحية «حرب الطوائف»

على مدار أيام والعملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا مازالت مستمرة، ولكن مع توالى الأحداث بين الجانبين الروسى والغربى وخاصة الأمريكى ظهرت تبعات جديدة لهذه المعركة لتى تحولت إلى «معركة دينية» بين الطائفتين الأرثوزكسية، والكاثوليكية.



فالرئيس الروسى فلاديمير بوتين لم تخلُ خطاباته المتعددة للشعب الروسى خلال العملية العسكرية من التأكيد على أنه يعمل على المحافظة على الإرث الدينى والتقليدى لبلاد الشرق، واتخذت كلماته المواعظ الدينية التى يبرهن خلالها أنه «زعيم الطائفة الأرثوزكسية»، أما على الجانب الآخر فظهر الرئيس الأمريكى جو بايدن خلال خطاب الاتحاد الذى ألقاه أمام الكونجرس وظهر على جبينه غبار بعد مشاركته فى المراسم الدينية المعروفة بقداس «أربعاء الرماد» لدى الطائفة الكاثوليكية وزاد الأمر خطابه الرسمى الذى تحول إلى الموعظة الكنسية، مثقلا بأيديولوجيا الحرب البادرة، والصراع بين الخير والشر، والحرية والاستبداد.

وبالتالى أصبحت الخطابات السياسية بين الرئيسين تتجه نحو مسار جديد يعكس الحروب الدينية فى أوروبا خلال العصور الوسطى، فهل تحولت أوكرانيا إلى ساحة حرب طائفية بين كلا الجبهتين؟، أم أن زعماء العالم اتخذوا سبيل الدين والطائفية لتبرير كافة أفعالهم وأصبحت كييف ساحة معركة بين زعيم الأرثوزكسية وحامى الكاثوليكية؟

 الزعيم المتدين

لا يتردد جو بايدن الكاثوليكى المتدين فى الاستعانة بإيمانه منذ بداية حملته الانتخابية قبل توليه رئاسة البيت الأبيض، ويظهر بايدن وهو ثانى رئيس كاثوليكى فى تاريخ الولايات المتحدة بعد جون إف كينيدى، إيمانه وهو يضع مسبحة فى معصمه كانت لنجله بو، يوم وفاته بسرطان فى الدماغ فى 2015.

وبايدن الذى تلقى تعليمه فى مدرسة كاثوليكية، يحضر بانتظام قداس الأحد فى كنيسة صغيرة فى ويلمينجتون بولاية ديلاوير.

وخلال الحملة الرئاسية كان يتحدث دائما عن العقيدة والإيمان واعدا بخوض «معركة من أجل روح أمريكا» بعد السنوات التى أمضاها دونالد ترامب فى البيت الأبيض.

أما منذ بداية العملية العسكرية الروسية، فظهر الرئيس الأمريكى أمام الكونجرس بخطاب حمل العديد من المواعظ الدينية، وحمل جبينه غبار قداس «أربعاء الرماد» بعد مشاركته فى هذا الطقس الكاثوليكى، ووجه كلماته إلى العالم المسيحى مثقلًا بعبارات بأيديولوجيا الحرب البادرة، والصراع بين الخير والشر، والحرية والاستبداد، لكأن هبّة الغرب مع أوكرانيا، إنما تحركها دوافع التوق الفوّار لحفظ حريتها وحقوق إنسانها وديمقراطيتها.

 زعيم الشرق الأوروبى

منذ توليه رئاسة روسيا عام 2000، ويتجه الرئيس فلاديمير بوتين فى خطاباته إلى التأكيد على تمسكه بالتقاليد، وعلى أن روسيا، بلد القيم الأصيلة والتى ستواجه «الوثنية الغربية» بكل طاقتها.

وفى ضوء ذلك، يبدو أن حربا أيديولوجية باردة خفية تدور بين روسيا والغرب منذ أعوام. ولكن هذه الحرب قد قويت تحديدًا خلال العامين الماضيين.

وقد لاحظ المراقبون أن إحدى الحجج، التى ساقها بوتين مطلع عام 2014 للدفاع عن عودة القرم إلى «الوطن الأم»، كانت دينية، حين قال الرئيس الروسى: «إن القرم – هو المكان، الذى تعمَّد فيه الأمير القديس فلاديمير قبل أن يعمِّد الروس كلهم بعد ذلك».

كما اتجهت خطابات بوتين أيضًا إلى توجيه الانتقادات إلى القساوسة الغربيين، بمن فيهم البابا يوحنا بولس الثانى بابا الفاتيكان السابق، والذى اتهمه فيها بأنه يتجه إلى ثقافات الغرب «المنافيه للأخلاق والاستعاضة عن القيم المسيحية بقيم هوليود».

وعلى مدار السنوات العشر الأخيرة، ظهرت مشاهد متعددة لكبار القساوسة الأرثوذكس الروس وهم يُباركون الأسلحة الحربية والطائرات المقاتلة، الجديدة منها أو المنطلقة للقتال فى جبهات مختلفة فى العالم، ما أثار هذا المشهد تحديدا العديد من الأسئلة والإشكالات، على رأسها إمكانية تكرُّر مشاهد العصور الوسطى التى تقاتلت فيها الحضارات والأمم على أساس من الدين والعقيدة، أو شُكِّلت فيها العلاقات الدولية والحضارية على الأساس ذاته.  السياسة الدينية

وعلى مدار أكثر من عشرين عامًا ومع بداية حكم بوتين، تعددت الأمثلة على تداخل الدينى الأرثوذكسى والجيوسياسى فى الاستراتيجية الروسية وليس أدل على ذلك من تدخُّلات موسكو المباشرة فى آسيا الوسطى والبلقان والقرم وأوكرانيا، فضلا عن الاستراتيجية الروسية فى دول الشرق التى يندرج ضمن أهدافها ترسيخ النفوذ الروسى بين مسيحيى المشرق الأرثوذكس، فضلا عن الإحاطة بتركيا من الجنوب باعتبارها تاريخيا أحد عنصرَيْ التهديد الإستراتيجى لروسيا.

ولقد تأكَّد حضور الرؤية الدينية أو «الروحانية» فى السياسة الروسية، وهو الوصف الذى استخدمه الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرجى لافروف فى أكثر من مناسبة فى السنوات العشرين الأخيرة، ففى خطابه السنوى أمام مجلس الاتحاد فى ديسمبر 2013، انتقد الرئيس بوتين النزوع نحو ما وصفه بتدمير القيم التقليدية باسم حرية الفكر والرأى، رغم أن غالبية الناس ترفض هذه الاتجاهات، وذكر أن هناك تأييدا لتوجُّه روسيا لحماية القيم التقليدية التى تُعَدُّ الأساس الروحى والأخلاقى للحضارات، وفى خطابه قال: «نحن نُقدِّر الأسرة التقليدية والحياة البشرية الحقيقية بما فى ذلك الحياة الدينية لشخص ما وليس فقط وجوده المادى، ونُقدِّر أيضا القيم الروحية الإنسانية والتنوع فى العالم».

ومع توالى الأحداث فى الشرق الأوروبى من ضم جزيرة القرم ثم العملية العسكرية فى أوكرانيا تزداد فكرة «روما الثالثة» التى يؤمن بها الاستراتيجيون والقادة العسكريون الروس فيما بعد حقبة بوريس يلتسن، وفى ظل الرئيس بوتين، والتى تعد أصلا من أصول تقييم العالم المحيط بهم على أُسس دينية أرثوذكسية، ولا شك أن هذه الرؤية الاستراتيجية فى العلاقات الدولية سيكون لها تاثيراتها القوية، فحتى إذا ذهب بوتين فإن مستقبل روسيا يبدو أنه ملىء بمبدأ الإيمان العميق بما آمن به وعمل من أجله القيصر- الرئيس، وما آمن به قياصرة عديدون من قبل.