الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية يوم المرأة العالمى: النساء.. بين الاضطهاد والتحرر! "15"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



فى 8 مارس من كل عام، يتم الاحتفال باليوم العالمى للمرأة، من خلال احترام دور المرأة فى المجتمع، وتقدير إنجازاتها على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

سابقًا، فى 1856م، خرجت آلافُ النساء للاحتجاج فى شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللا إنسانية التى يعملن فيها، وتكرر ذلك فى 8 مارس 1908م،

 عندما تظاهرت الآلاف من عاملات النسيج فى شوارع نيويورك، مطالبات بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الانتخاب، وبعدها تم اعتبار ذلك التاريخ يومًا عالميًا للمرأة.

واليوم تقع بعض النساء ضحايا لحوادث متكررة من قتل واغتصاب ومتاجرة؛ وذلك لتبقى المرأة لا دور لها سوى أنها ملكية خاصة وأداة للإنجاب والمتعة!.

هل اعتقت المرأة من عبودية كان الرجل يفرضها عليها إبان الحروب والغزوات؟ أمْ هل تحررت المرأة فى عصرنا من القيود التى يسلسلها بها الرجل؟، فالمرأة لم تعتق ولم تتحرر من العبودية التى فرضها عليها الفكر والممارسة الذكورية، فهى تتعرض للتحرش والاغتصاب والسبى والقتل، ونظرة المجتمع لها على أنها أدنى، ومطالبها بالمساوة ينظر إليها على أنها مَطالب غريبة.

ونتيجة هذه الممارسات تبقى رهينة تصورات ذكورية تتركز فى شخصيتها، ولذلك يجب رفض القوانين التى تقلل من شأن المرأة، ودعم المبادرات بوقف العنف الموجَّه للمرأة، من القتل بسبب الشرف، إلى الختان، إلى التحرش، والمطالبة بوضع قوانين تعاقب مَن يقوم بأعمال العنف ضد المرأة. 

 الضحية والقمع:

الاعتراف بوجود اضطهاد للنساء بشكل خاص هو واقع، وأن السيطرة الذكورية اعتمدت على المفاهيم الثقافية والاجتماعية حتى شكلت منظومة شديدة التماسك، والغريب أن النظام الأبوى يعتمد بشكل كبير على مساهمة النساء فى استمراريته. 

فالبعضُ من النساء يبذلن كل ما فى وسعهن لأجل تكريس السيطرة الذكورية، ويدعمن اضطهاد الرجال لهن وللأخريات، ولذلك يجب فهْم طبيعة النظام الأبوى، ومعرفة الأساليب التى استخدمها الرجال بهدف السيطرة على النساء تاريخيًا وإلى الآن، من أجل فهم طبيعة دور النساء ومشاركتهن فى دعم واستمرار هذا النظام. 

 النظام الأبوى:

هو دورٌ اجتماعىٌ قائمٌ على سُلطة الرجل، تتم ممارسته على كل أعضاء العائلة، فهو رب الأسرة، بصفته مسئولًا عن توفير احتياجات أسرته وحمايتهم، ويمتلك فى المقابل سُلطة القرار، والنظام الأبوى يتجاوز منظومة العائلة إلى منظومة مجتمعية عامة.

النظامُ الأبوى يبدأ بالسيطرة على النساء والأطفال فى الأسرة، وتوسيع تلك السيطرة على النساء فى المجتمع، تصاحب هذه السيطرة غالبًا بعض العنف البدنى أو المعنوى، كما تعتمد على خطاب يعطيها صفة الشرعية من خلال بعض التفاسير غير الصحيحة لآيات القرآن الكريم، وعدم الفهم الصحيح لسُنة النبى عليه الصلاة والسلام، مما يجعل التمييز ضد المرأة مقبولًا، وغير قابل للتغيير. 

تاريخيًا؛ مَرَّ النظامُ الأبوى بمرحلتين؛ الأولى جعلت من الدين والمعتقدات مبررًا للتمييز الجنسى، والثانية ارتكزت إلى العلم والفروق بين الجنسين لتبرر التفاوت الاجتماعى بينهما.

 سيطرة الرجل:

أحكم الرجل سيطرته على المرأة من خلال الحَمْل والرضاعة، فالولادات المتكررة ورعاية الأطفال تضع المرأة فى مركز ضعف واحتياج للحماية يجعلها خارج منظومة السُّلطة.

كما أن العمل المنزلى الذى تقوم به المرأة، فقدَ قيمته لأنه غير منتج اقتصاديًا، عكس عمل الرجل، فأصبحت النساء مسئولات عن الرعاية والعناية بالأطفال وبالرجال المنتجين، وفى المقابل تم منح المرأة بعض الامتيازات، منها النفوذ داخل المنزل، والسُّلطة على الأطفال.

 دور النساء:

عادةً تقضى الأمهات وقتًا طويلًا فى تعليم البنات كيف يصبحن نساءً، حسب تقاليد المجتمع، وتتولى الأمهات مهمة مراقبة سلوك الفتيات وأخلاقهن، ويلجأن إلى الرجال فى حالة حدوث ما يخل بالشرف. 

وتدعم الأمهات السيطرة الذكورية من خلال تربية الأولاد، ومن ذلك منح سُلطات للذكور على الإناث دون اعتبار للسِّن أو المكانة الاجتماعية، فيمكن للأخ الأصغر التحكم فى حياة ومصير أخواته البنات وإن كن أكبر منه سنًا وأفضل مكانة.

 خضوع النساء:

يعتمد النظامُ الأبوى على خضوع النساء، ويستمد استمراريته من اتفاقهن معه، تلك الموافقة موجودة فى اللا وعى، وتسيطر على سلوكهن نتيجة عدم وجود حلول بديلة للتخلص من سيطرة الرجال.

النظامُ الأبوى يعتمد على حرمان المرأة من حرية الاختيار، لذلك لا تملك بعض النساء الوعى اللازم لإدراك وضعهن، حتى إن بعضهن يدافعن عن الوضع القائم.

ويحدث خضوع المرأة بسبب الخوف الذى يجعلها تقف فى صف الأقوى لحماية نفسها من احتمالات العنف، والحماية من الإقصاء لو رفضت التعايش، هذا التعايش يحمل قدرًا من الراحة النفسية لها. 

وقد يحدث الخضوع نتيجة الثقافة التى تجعل المرأة تعتاد على التمييز من خلال التلقين والتقاليد، إلا أن بعض النساء لا يفترضن أنهن أقل قيمة من الرجال، ويسعين لإثبات أنوثتهن من خلال ما قرره النظام الأبوى.

أمّا التمييزُ الذى تمارسه المرأةُ على غيرها من النساء فقد يكون نتيجة رفضها رؤية الواقع بسبب عجزها عن تغييره، وفى هذه الحالة يركزن على الامتيازات والمكتسبات اللائى حصلن عليها. 

بعض النساء يشعرن بالإحباط بسبب الضغوط التى تعرضن لها، ويرفضن أن تكون حياة الآخريات أكثر سهولة منهن، أو أن يحصلن على ما حرمن منه، كنوع من تحقيق العدالة فى الظلم. 

 مساواة الذكر والأنثى:

يتساويان باعتبارهما بشرًا ينتميان لأب واحد وأم واحدة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، النساء 1، ويشمل هذا كل البشر بكل ألوانهم وثقافاتهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، الحجرات 13.

ويتساويان فى المسئولية والجزاء: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)، آل عمران 195، (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرا)، النساء 124، ولذلك كانت المرأة شريكًا فى إقامة الدولة الإسلامية فى عهد النبى، بدأت بالهجرة، ثم بالبيعة ثم بالمشاركة الفعالة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

وفى القرآن الكريم جعل الله تعالى المَثل الأعلى للمؤمنين اثنتين من النساء هما السيدة مريم وزوجة فرعون، كما جعل المَثل الأسفل للكافرين امرأتين أيضًا هما زوجة النبى نوح وزوجة النبى لوط: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِنْدَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)، التحريم 10: 12.

وفى القرآن الكريم جاءت قصة ملكة سبأ فى سورة النمل، وجاءت قصة فرعون، وبالمقارنة بينهما كاثنين من الحكام، كلاهما تعامل مع نبى من الأنبياء بطريقة مختلفة، وفازت الحاكم المرأة ملكة سبأ ونجت بعرشها وقومها، وخسر الحاكم الرجل فرعون وأضاع عرشه وقومه، وهى إشارة إلى أن امرأة حكمت فكانت راشدة، فى وقت يضل فيه الكثير من الحكام الرجال.

 المرأة والمجتمع:

ومشاركة المرأة السياسية أكدها القرآن الكريم على المستويين التشريعى والتطبيقى، وفى سورة الممتحنة تأتى مساواة المرأة بالرجل فى المشاركة السياسية وحقوق المواطنة كالرجل، إذ عليها أن تبايع الحاكم، جاء ذلك فى بيعة النساء للنبى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ)، الممتحنة 12، والبيعة هى عقد أو ميثاق بين المسلمين والنبى، يتضمن تعهد كل فرد بطاعة القائد وهو النبى، والبيعة تشمل الرجال والنساء معًا.

ولأنه أمرٌ لم يكن معروفًا من قبل؛ فإن الآية نزلت توضح طريقة بيعة النساء للنبى، فالمؤمنات إذا أتين مهاجرات ليصبحن مواطنات فى الدولة الجديدة فعليهن أن يبايعن النبى على بنود محددة، وعليه أن يستغفر لهن الله على ما سبق من ذنوبهن؛ لأنهن قد دخلن فى مرحلة جديدة من حياتهن، وهذا ما ينطبق على الرجال أيضًا.

وعلى المستوى العملى، كانت المرأة تجادل النبى، وتدعو الله تعالى أن ينزل وحيًا يحل مشكلتها: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، المجادلة 1.

الفرق كبير بين الإسلام والثقافة السائدة، التى تنظر للمرأة بدونية، وتجعل فى المعاملة تمييزًا للرجل عليها، وتمنعها من تولى المناصب العليا والقضاء، وتجعلها مخلوقًا أعوج يستحيل إصلاحه، وتجعلها دائمة نقصان العقل والدين، وفى الحضارة الغربية لم يتم إعطاء المرأة حقوقها السياسية إلا مؤخرًا، ولكن الإسلام سبق الجميع من خلال تكريمه للمرأة.