الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

23 عامًا على الرحيل أحد النصوص المقدسة فى بلاط صاحبة الجلالة: زينب والعرش.. أول «بورتريه» لمطبخ الصحافة والسلطة

«هنا أسرع مكان تتغير فيه الطبائع»..  أثناء قراءة رواية «زينب والعرش» تبرز هذه الجملة أمامك من بين السطور وكأنها إحدى علامات الطريق الصحفى وإحدى خزائن الحكمة التى عليك أن تضعها فى مرمى بصرك طوال الوقت.. رغم بساطتها؛ فإنها تكشف وتلخص الكثير مما يدور فى كواليس بلاط صاحبة الجلالة وحكايات أبنائه.. قالها «عبدالهادى النجار»  بطل الرواية  ورئيس تحرير جريدة «العصر الجديد» خلال حديثه للشاب الخجول حديث التخرج والانضمام للجريدة «يوسف منصور».



هكذا قرر أحد  أسطوات  الصحافة  «فتحى غانم» أن يكتب سنين عمره ويرسم بكلماته ما عايشه وشاهده بعمق وموهبة فى روايته التى كتبها فى السبعينيات وأحدثت الكثير من الجدل والنجاح وقتها.. إذ كانت الرواية الأولى التى تتحدث عما يدور وراء الستار فى الصحافة المصرية وصراع أفيالها من كبار الأسماء.. ولا تزال حتى اليوم أحد «نصوص الصحافة المقدسة»؛ إذ لا تكتمل صفتك الصحفية إلا بقراءتها.

يمكننا اعتبار الرواية «بورتريه» طويلا عن مطبخ الصحافة.. يقدم غانم نفسه فى شخصية يوسف منصور، الذى يصفه «عبدالهادى النجار» فى حواره مع الصحفى الانتهازى «حسن زيدان»: «يوسف شخصية صعب اللى زيك يفهمها، وصل متأخر بعد البراءة ما هجرت الأرض. ولما وصل تاه ودخل غابة الشياطين».

الشيطان الأكبر

كان «عبدالهادى النجار» هو شخصية الرواية الرئيسية وملتقى جميع أبطالها وأحد الصانعين الكبار لأحداثها، يصفه «غانم» بأنه الشيطان الأكبر فى غابة الشياطين وأكبر صحفى فى مصر.. وهو الوصف الذى تسبب فى الكثير من الجدل وقتها إذ ربط البعض بينه وبين الأستاذ هيكل، فيما ذهب آخرون إلى أنه «مصطفى أمين».. وبين نفى غانم لكل هذه التأويلات وتجاهل هيكل للرد، فإن مصطفى أمين قرر حسم الجدل وقال: «أنا عبدالهادى النجار».

الشخصية التى يرسمها غانم بحرفية الصحفى المتواجد فى الكواليس ومهارة الأديب الفز؛ يسير فى سباق محموم إلى السلطة سواء كانت سياسية أو رأس مال، وترى أن الحقيقة الوحيدة فى هذا العالم هى مصلحتك الشخصية، ومن أجلها بإمكانك أن تفعل أى شيء. 

على عكس القراءة الحرفية للنص؛ فإن غانم لا يقدم نصًا هجائًيا أو يستهدف الانتقام من أحد، هو فقط يقدم تشريحًا دقيقًا لكائن بشرى وإنسان قادته الأقدار إلى الصحافة؛ باعتبارها اختبارًا كبيرًا لمبادئك خصوصًا أنك كصحفى تكون طوال الوقت فى مفترق طرق بين السلطة بجميع أنواعها وبين ما تؤمن به وبين طموحك الإنسانى.. يرصد غانم التحول الإنسانى وسط رحايا الحياة.

مين اللى ما يحبش «زينب»

يظهر ذلك  بوضوح فى علاقة  «عبدالهادى النجار» بـ«يوسف منصور»، حيث يحب فيه براءته التى ضاعت، وبالمثل علاقته بزينب التى ترده إلى أوهامه التى ظن أنه تخلص منها للأبد. 

أحب زينب كما لم يحب أحدًا فى حياته، يخلع طموحه عن كتفيه عندما يقف تحت بيتها فى الليل كالمجذوب. لأنه يشعر معها بما تبقى لديه من إنسانية؛ تلك الحالة التى قدمتها سطور الرواية بكل رهافة إحساس: «تذكر أنى كنت صاحب قلب أحب وأنى تشبثت لحظة بسور بيت من أحب، أتمنى لو توقف العالم وجمدت اللحظة، ونجوت من الماضى والحاضر، نجوت من ميلادى ومماتى لأخلد ما فى من إنسان».

هواة البحث خلف المجاز ذهبوا إلى أن زينب فى رواية «غانم» تجسيد لمصر كضحية فى غابة المنتهزين؛ تبحث عن مخلص أو حامٍ لها، لكن الكثيرين يرونها مجرد «فرصة» أو وسيلة للكسب والصعود على سلالم السلطة.

شخصية زينب كانت تحمل تكثيفًا وظلالًا تجعلها صالحة للتعبير عن كل مآسى امرأة فى أى مجتمع وفى كل الطبقات، ربما تراها كامرأة ساقطة ومنحلة، هى الفتنة والحبكة التى تحرك أحداث الرواية وتدور كل الشخصيات والعلاقات فى فلكها، لملء ما تسببت طموحاتهم إلى السلطة من فجوات عميقة فى أرواحهم، لكنها أيضًا حالها كحال الدنيا كانت كسراب فى الصحراء يغريك ولا يروى الظمأ؛ هكذا تجسدت كتعبير عن الحياة بكل تناقضاتها أو كصخرة تتكسر عليها القشرة الخارجية لكل شخصيات الرواية أو أب اعتراف فى الكنيسة تظهر كل الذنوب أمامه طلبًا للصفح.

هى ابنة تناقض ذلك المجتمع وحيرته، تحمل إصرارًا وعنادًا مع شعور بالضعف وقلة الحيلة.. ولا تعرف على وجه التحديد ما الذى يجب أن تفعله، وبينما كانت تبحث شخصيات الرواية على حقيقتها فى زينب، كانت هى نفسها تخوض رحلة بحث عن نفسها فى مجتمع مزيف ومخادع.

نتيجة النجاح الكبير للرواية رصدت شركة إنتاج خليجية 300 ألف جنيه لإنتاج مسلسل عنها فى العام 1979، وهى ميزانية كبيرة وقتها، أتاحت الاستعانة بكبار النجوم النجوم لأداء الشخصيات: سهير رمزى ومحمود مرسى وكمال الشناوى وحسن يوسف وصلاح قابيل، وإخراج يحيى العلمى.

فتحى غانم وصلاح حافظ .. الأسطوات يكتبان مسلسلًا

اشترك فى كتابة المسلسل عمالقة روزاليوسف فتحى غانم وصلاح حافظ، ما كان له أثر كبير وحرفية التعديل على النص الروائى وجعله مناسبًا لـلعرض التليفزيونى، الذى تم عرضه عام 1980 فى 31 حلقة، وتجاوز نجاحه ما حققته الرواية. وهو أحد أهم كلاسيكيات الدراما العربية إلى الآن.

وكما أن الصحافة هى مرآة المجتمع بكل تفاصيله؛ فإن مسلسل «زينب والعرش» بمثابة بانوراما لحركة وتطور المجتمع المصرى خلال فترة مهمة فى تاريخه شهدت الكثير من التحولات من نهاية الحكم الملكى مرورًا بقيام ثورة يوليو وحتى هزيمة يونيو.

بحرفية صائغ أو صانع «الأويمة»؛ يكون غانم المشهد الكبير عبر تركيب تفاصيل صغيرة جوار بعضها؛ تفاصيل جمعها فى مخبأ ما بروحه خلال رحلته الطويلة كصحفى، يجمع الواحدة تلو الأخرى، إلى أن قرر الأديب بداخله الإفصاح عنها دفعة واحدة فى «زينب والعرش» التى تدور فى كواليس الصحافة وتعبر فى الوقت نفسه عن كل صراع نفس بشرية مع نفسها ومع الواقع.