السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

23 عامًا على الرحيل.. فتحى غانم صاحب «الجبل» الذى لم يفقد ظله

23 عامًا على رحيل الجورنالجى الأديب، الذى لم يفقد «ظله» وبريقه ولا تزال كتاباته تتمتع بالعصرية  وعُنفوان السرد والتعبير عن القضايا المختلفة حتى الآن.. هو مُرود «الأفيال» وصاحب «الجبل» و«الرجل المناسب» فى «تلك الأيام» ..هو الهادئ صاحب المعارك الأشهَر فى تاريخ الأدب والصحافة..



إنه فتحى غانم.

نشأة فتحى غانم وطبيعته الشخصية كان لها التأثير الأكبر فى مشواره العملى والإبداعى.. فهو من مواليد يوم 24 مارس من عام 1924، بالقاهرة لأسرة بسيطة، وتخرج فى كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا) عام 1944، وعمل بالصحافة فى مؤسَّسة روزاليوسف، ثم انتقل إلى جريدة الجمهورية، ثم عاد مرة أخرى إلى روزاليوسف حتى وفاته يوم 24 فبراير عام 1999 عن خمسة وسبعين عامًا.

 تأثير الأم وفاطمة اليوسف

اجتماعيًا وأسريًا.. كان غانم، ابن وحيد وأربع شقيقات، الأب رحل مبكرًا، وترك أرملته، ومعها الولد الوحيد فى مواجهة الطوفان، لكن الولد كان مقاتلًا صلبًا للغاية، لا يقبل التهاون، وقد استلهم الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس ملامح من حياة فتحى غانم من خلال روايته «لا تطفئ الشمس»، كما أعلنت ذلك زوجته نفسها.

وفاة والد «فتحى» مبكرًا جعل والدته هى صاحبة السطوة فى تشكيل وعيه وشخصيته، ولكن كانت هناك سيدة أخرى استكملت تحديد ملامحه العملية والصحفية والأدبية وهى السيدة فاطمة اليوسف صاحبة مؤسَّسة روزاليوسف الصحفية، فقد تم تعيين غانم فى وزارة التعليم بعد تخرجه فى كلية الحقوق، ومعه الكاتب أحمد بهاء الدين، وكتب غانم وقتها رواية «الجبل»، التى حققت نجاحًا مدويًا فور صدورها، ليقرر بَعدها صاحب «الرجل الذى فقد ظله» أن يتجه إلى بلاط صاحبة الجلالة، وهناك استقبلته فاطمة اليوسف لينطلق فى عالم الصحافة بأسلوبه الرشيق فى الكتابة والتعبير.

 الشغف بالأدب

ورُغْمَ نجاحه فى العمل الصحفى؛ فإنه كان شغوفًا بالأدب ويتمتع بموهبة أدبية مميزة للغاية تجعل قراءَه يتناولون رواياته بنهم شديد، وكانت بداية رحلته فى عالم الأدب من خلال كتابة العديد من القصص القصيرة، كما كان يكتب المقالات الفنية بجانب عمله الصحفى والتى كانت تنشر فى العديد من المجلات والصحف.. حتى إن الكثير من النقاد وضعوه فى المرتبة الثانية بعد الأديب العالمى نجيب محفوظ من حيث حرفية السرد الروائى.

بجولة سريعة فى طيات صفحات رويات وكتابات فتحى غانم نكتشف حجم التنوع وسلاسة الأسلوب دون تطويل.. ولعل من أبرز تلك الرويات.. فهو صاحب السرديات الواقعية التى عكست التحولات المتسارعة للمجتمع المصرى خلال النصف الثانى من القرن العشرين، وقدمت قراءة للشخصية المصرية بجميع تطلعاتها.

 «الرجل الذى فقد ظله»

«الرجل الذى فقد ظله».. تُعَد الرواية الأشهَر لـ« فتحى غانم» هى أيقونة خاصة فى عالم الأدب المصرى والعربى، إذ اعتمد الروائى فى روايته على تقنية رواية متعددة الأصوات، وقد تحولت إلى فيلم يحمل نفس الاسم (الرجل الذى فقد ظله) عام 1968 من بطولة كمال الشناوى ويوسف شعبان.

وهى رواية من 4 أجزاء كل جزء يرويه إحدى شخصيات الرواية وهم مبروكة الخادمة وسامية الفنانة الشابة وناجى رئيس التحرير ويوسف الصحفى الشاب.. تدور أحداث الرواية قبل ثورة يوليو يصعد يوسف السيوفى فى عالم الصحافة على أكتاف أستاذه محمد ناجى، فهو شخصية انتهازيه باعت نفسها من أجل تحقيق طموحها الفردى وتخلت عن كل القيم والتقاليد الإنسانية بهدف الارتباط بطبقة أعلى ممثلة فى سعاد الارستقراطية، يعكسه تمامًا صديقه شوقى الثورى الذى ينتمى لنفس الطبقة لكنه لا يتبرأ منها ويناضل من أجل بناء عالم جديد تحصل فيه طبقته المتوسطة بل الوطن كله على عدالة اجتماعية.

 صاحب رواية «الجبل»

أمّا رواية «الجبل»؛ فتدور أحداث هذه الرواية حول مقاومة شرسة من قبل سكان الجبل للنزول وسكن القرية النموذجية، فبالنسبة لهم، المساكن الجديدة ستقطع «رزقهم» وستزيد من صعوبات حياتهم، وهذه الرؤية ربما لم يفهمها المعمارى ولم يستطع أن يفهمها المسئولون، لكن الكاتب حاول أن ينقلها على لسان البسطاء الذين يرون فى المسكن شيئًا آخر غير الذى يراه المصمم أو المسئول، ببساطه، لقد كانوا مُصِرِّين على العيش كما يريدون هم، لا كما يُراد لهم، وهو الأمر الذى تُعانى منه كل مشاريع إسكان الفقراء، فى جميع أنحاء العالم.

 سلاسة رواية «الأفيال»

الأفيال.. رواية مصرية ألفها الكاتب المصرى فتحى غانم، وقع اختيارها كواحدة من ضمن أفضل مائة رواية عربية، الرواية تقدم تجربة كاتب سيناريو تليفزيونى، ترصد الرواية بداية ظهور الحركات الإرهابية القائمة على رفض المجتمع. تتمحور هذه الرواية حول أحد الأشخاص «يوسف» وعن علاقته بنفسه أولًا وعلاقته بمن حوله فى محور حياته ثانيًا؛ حيث إنه دمر حياته وحياة من حوله نتيجة اضطرابات نفسية وعُقد كثيرة ووصل لطريق اللا عودة فى إصلاح أى شىء من ماضيه، تبدأ الرواية برحلة للبطل مع صديقه إلى أحد الأماكن، ثم تحدث له أزمة قلبية فى حمَّام الفندق لتبدأ رحلة مجهولة إلى المجهول، لتطوف به هذه الرحلة إلى ماضيه عابرة بأكثر من جيل مروا فى حياته.

 «زينب والعرش»

رواية «زينب والعرش»..هى أيضًا رواية مَلحمية عن الصحافة والثورة والرقيب العسكرى والنفس البشرية والإنسان، تعرف حكايات وتفاصيل عن زينب ويوسف وعبدالهادى وخديجة وحسن ودياب ومدحت وعم صالح، فلا تعرف هل تتعاطف معهم أمْ تكرههم، هنا البطل هو الإنسان بضعفه وقوته بصلاحه وخطئه البطل الإنسان؛ حيث الرمادى هو سيد الموقف ليس الأبيض والأسود.

حرص غانم أيضًا على تقديم المجموعات القصصية ومنها مجموعة «الرجل المناسب» التى ألقت الضوء على حقبة الستينيات من القرن العشرين؛ حيث يوجد خط عام يربط قصص المجموعة معا يمكن أن نشير إليه وهو الهاجس أو الطموح الذى يطادر الأبطال على مختلف التوجهات الاجتماعية التى عاشوا فيها، لذلك نجد معظمهم من طبقات اجتماعية عليا لكنها بالارتقاء إلى المستوى الأعلى يربطهم أيضًا هاجس الخوف من الموت، فهم فى قلق دائم منه.

 استمرارية وعصرية أعمال غانم

والدليل على استمرارية وعصرية أعمال فتحى غانم ..هو تحول بعضها خلال الفترات القليلة الماضية إلى أعمال درامية وسينمائية، ومنها رواية «تلك الأيام» تروى أزمة كاتب ومؤرخ وأستاذ جامعى مرموق يشعر أنه فقد شجاعته وقدرته على قول الحق ويشعر بالخزى فى عيون زوجته الشابة زينب التى كانت طالبة لديه، ويعكس هذا القلق «الوجودى» الذى يعانى منه الدكتور سالم عبيد حالة كثير من المثقفين فى تلك الفترة التى أعقبت فشل مشروع الوحدة وصعود الديكتاتورية وإرهاصات الهزيمة القادمة، وهناك أيضًا رواية «بنت من شبرا» وهى عن قصة فتاة عاشت فى الثلاثينيات من القرن العشرين بأوهام أنها إيطالية وليست مصرية، وأنها ابنة المَجد الذى سيحققه موسولينى ديكتاتور روما عندما تغزو جيوشه مصر، كانت بنت شبرا ابنة حلاق السراى الملكية لا ترضى بأقل من عرش ملك

 معارك مع الكتاب والأدباء

ورُغم الطبيعة الهادئة- كما وصفها الكثير من النقاد- لفتحى غانم؛ فإنه خاض العديد من المعارك الصحفية والأدبية، فبحسب قراءة للكتاب سردتها الكاتبة «لنا عبدالرحمن» أن غانم تحدث عن تلك المعارك قائلًا أنه هاجم عام 1952، فى «روزاليوسف» وفى باب «أدب» بفرادة كلا من أحمد الصاوى محمد، وعبدالرحمن الخميسى، وهاجمه الخميسى فى «المصرى» قائلًا إنه «ابن ذوات»! ويكتب قصصًا فاشلة. 

عام 1954، كتب غانم سلسلة مقالات فى «آخر ساعة» بعنوان «طه حسين عقبة ضخمة فى طريق القصة القصيرة»، وقد أدخلته هذه المقالات فى معمعة مع فريق كبير من الكُتّاب، وفى عام 1955، هاجم أسلوب محمود أمين العالم فى النقد، ورد محمود فى «روزاليوسف» بمقال عنوانه «فتحى غانم والنقد الأسود»، وكان ذلك فى باب للنقد فى «آخر ساعة» عنوانه «أدب وقلة أدب».