الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

44 عاما على رحيل «فارس الكلمة» يوسف السباعى

تحمل أيام شهر فبراير.. وتحديدا اليوم الـ18 منه..ذكرى واحدة من الحوادث التى تعكس كل معانى البطولة فى الدفاع عن الأفكار التنويرية والثبات على الموقف فى مواجهة الوجه القبيح للإرهاب والتطرف والجهل.. ففى مثل هذا اليوم تم اغتيال الكاتب والأديب الكبير يوسف السباعى.



 

هناك.. فى أحد فنادق قبرص منذ 44 عاما..وبينما كان السباعى يستعد للتحرك محتميا من برد «فبراير» بمعطف ثقيل.. إلى قاعة مؤتمر التضامن الأفروآسيوى السادس.. كان الراحل يتولى منصب وزير الثقافة آنذاك، منذ عام 1973، وبحكم منصبه سافر إلى دولة قبرص، لحضور مؤتمر آسيوى أفريقى، وصل يوسف السباعى إلى العاصمة القبرصية نيقوسيا على رأس الوفد المصرى المشارك، فبينما كان ينزل من غرفته بالفندق، صباح يوم السبت 18 فبراير 1978، متجهًا إلى قاعة المؤتمرات بالمكان ذاته، وقف يطلع على بعض الصحف الصادرة صباح ذلك اليوم، حيث فوجئ رواد الفندق، بقيام شخصين بإطلاق النار على السباعى، أصيب بعدد 3 طلقات منها، فارق الحياة على أثرها..وذلك ثمنا لموقفه من توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل التى استردت مصر بها كامل أراضيها.

المتهمون بقتل «السباعى» اختلفت الأنباء حول جنسيتهم، البعض قال إنهما فلسطينيان، وآخرون قالوا إن شخصًا منهم فلسطينى والآخر عراقى، واحتجز القاتلان بعد اغتياله نحو ثلاثين من أعضاء الوفود المشاركين فى مؤتمر التضامن كرهائن فى كافتيريا الفندق مهددين باستخدام القنابل اليدوية فى قتل الرهائن، ما لم تستجب السلطات القبرصية لطلبهما بنقلهما جوًا إلى خارج البلاد، واستجابت السلطات القبرصية لطلب القاتلين وتقرر إقلاعهما على طائرة قبرصية من طراز (DC8) للسفر خارج قبرص من مطار لارنكا.

الحادث سبب وقوع قطيعة دبلوماسية بين مصر وقبرص، خاصة بعدما قام الرئيس السادات، بإرسال قوات خاصة من الصاعقة المصرية على متن طائرة خاصة، للقبض على منفذى الحادث ولكن كانت السلطات القبرصية قد سمحت لها بالخروج خارج حدودها.، وفى يوم 19 فبراير 1978، وارى جثمان يوسف السباعى الثرى، إلى مرقده الأخير، فى جنازةً شعبية مهيبة.

 انتهت قضية اغتيال يوسف السباعى ليظل لغز الواقعة فى طى الكتمان حتى وقتنا هذا، وتقيد جريمة جديدة «ضد مجهول»، ولكن سيرة الأديب الكبير ظلت باقية بأعماله ومساهماته الأدبية وخلال شغله لعدد من المناصب.

 ولد يوسف السباعى فى يوم 17 يونيو عام 1917م فى منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة وكان أكبر إخوته وكان والده محمد السباعى كاتبا ومترجما ومتعمقا فى الآداب العربية شعرها ونثرها ومتعمقا فى الفلسفات الأوروبية الحديثة يساعده إتقانه اللغة الإنجليزية وكان محبا لأولاده يوسف ومحمود وأحمد وشديد التعلق بهم، وبعد أن حصل الابن يوسف على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية التحق بمدرسة شبرا الثانوية وكان الأب يرسل ابنه الصبى الصغير يوسف حينذاك بأصول المقالات إلى المطابع ليتم جمعها أو صفها ثم يذهب الصبى يوسف ليعود بها ليتم تصحيحها وبعد ذلك يذهب بها إلى المطبعة لتصدر للناس ؛ وفى هذه المرحلة السنية حفظ يوسف أشعار عمر الخيام التى ترجمها والده من الإنجليزية وفى أخريات حياة الأب بدأ فى كتابة قصة الفيلسوف ولكن الموت لم يمهله فتوفى وترك القصة لم تكتمل وأكمل القصة الابن يوسف السباعى وطبعت عام 1957  بتقديم للدكتور طه حسين.

 بدأ يوسف السباعى حياته الأدبية فى مدرسة شبرا الثانوية حيث كان يجيد الرسم فبدأ يعد لمجلة مدرسية يكتبها ويرسمها وبعد أن أعجبت إدارة المدرسة بها تحولت إلى مجلة للمدرسة وأصبحت تصدر باسم مجلة مدرسة شبرا الثانوية ونشر فيها أول قصة يكتبها بعنوان فوق الأنواء عام 1934 وهو فى سن 17 عاما من عمره ؛ وقد أعاد نشرها فيما بعد ضمن مجموعته القصصية أطياف فى عام 1946 بينما كانت قصته الثانية بعنوان «تبت يدا أبى لهب وتب» والتى نشرها له الكاتب الصحفى أحمد الصاوى محمد فى المجلة التى كان يصدرها بإسم مجلتى فى عام 1935 إلى جانب أسماء الدكتور طه حسين وغيره من الأسماء الكبيرة.

كانت للسباعى أيضا نشاطات رياضية حيث كان رئيس فريق الهوكى فى مدرسته ومن الطريف أن يوسف السباعى لم يلتحق فى المرحلة الثانوية بالقسم الأدبى وإنما التحق بالقسم العلمى وكان أقرب المدرسين إليه الأستاذ شعث مدرس اللغة العربية والأستاذ فؤاد عبد العزيز مدرس الرسم والذى كان يتعاون معه فى إخراج المجلة المدرسية وبعد أن حصل يوسف السباعى على الشهادة الثانوية كان عمره 18 عاما وكاد أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة لكنه عدل مساره.

التحق السباعى بالكلية الحربية فى شهر نوفمبر عام 1935 وترقى إلى درجة الجاويش وهو فى السنة الثالثة وبعد تخرجه فى الكلية الحربية عام 1937 تم تعيينه فى سلاح الصوارى وأصبح قائدا لفرقة من فرق الفروسية كما قام بداية من عام 1940 بالتدريس لطلبة سلاح الفرسان فى الكلية الحربية ثم أصبح مدرسا للتاريخ العسكرى عام 1943، وفى عام 1952 عمل مديراً للمتحف الحربى.

تدرج فى المناصب حتى وصل لرتبة عميد، وبعد  تقاعده  من الخدمة العسكرية تقلد عددًا من المناصب منها: سكرتير عام المحكمة العليا للفنون والسكرتير العام لمؤتمر الوحدة الأفروأسيوية وذلك فى عام 1959، ثم عمل كرئيس تحرير مجلة «أخر ساعة» فى عام 1965، وعضوا فى نادى القصة، ورئيساً لتحرير مجلة «الرسالة الجديدة»، وفى عام 1966 انتخب سكرتيراً عاماً لمؤتمر شعوب أسيا وأفريقيا اللاتينية، وعين عضواً متفرغاً بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وزير، ورئيساً لمجلس إدارة دار الهلال فى عام 1971، ثم اختير للعمل كوزير للثقافة فى مارس 1973، وأصبح عضواً فى مجلس إدارة مؤسسة الأهرام عام 1976، وفى عام 1977 تم انتخابه نقيبًا للصحفيين.

وقد وصلت  حصيلة إنتاج «السباعى» الأدبى إلى 22 مجموعة قصصية، و16 رواية، وأربع مسرحيات، وثمانى مجموعات من المقالات فى النقد والاجتماع، وكتاب فى «أدب الرحلات» بخلاف مقالاته التى كتبها فى الصحف والمجلات. لـ «السباعى» رصيد كبير من الجوائز، من بينها جائزة الدولة التقديرية فى الآداب ورفض استلام الجائزة لأنه كان وزيرًا للثقافة فى ذلك الحين، ووسام الاستحقاق الإيطالى من طبقة فارس، كما حصل على جائزة لينين للسلام عام 1970، ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى من جمهورية مصر العربية 1976، فاز بجائزة وزارة الثقافة والإرشاد القومى عن أحسن قصة لفيلمى «رد قلبى» و«جميلة الجزائرية»، وأحسن حوار لفيلم «رد قلبى»، وأحسن سيناريو لفيلم «الليلة الأخيرة». عرضت له السينما المصرية أكثر من قصة أشهرها فيلم «رد قلبى» و«الليلة الأخيرة» و«أرض النفاق» و«بين الأطلال» و«إنى راحلة»، وله مسرحية نشرت باسم «أم رتيبة».

ولا يسعنا أن نختم مقالنا عن فارس الكلمة سوى بواحدة من أروع عباراته..فهو القائل «أننا لا نملك حياتنا.. وأن فقدها بلا مقابل.. يعد ذنباً فى حق الوطن !»