الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

البعض يصدقها ويحاول تقليدها والنصابون يستغلونها لاصطياد ضحاياهم خرافات الخيال العلمى من شاشات السينما إلى قنوات الدجل والشعوذة

لم يكن مسلسل «Behind Her Eyes» - الذى أنتجته شبكة نتفليكس أخيراً - العمل الوحيد الذى تقوم فكرته على نظرية «الإسقاط النجمى»، بل إن الكثير من روايات وأفلام الخيال العلمى بنيت على نظريات ترتدى ثوب العلم والعلم منه براء، وهى فى الأساس مجرد خيال لزوم الحبكة الدرامية التى يحتاجها العمل الفنى، إلا أن البعض يذهب به خياله إلى حد تصديق مثل هذه النظريات.



وفى الآونة الأخيرة تجاوز الأمر كون مثل هذه النظريات مجرد خيال علمى، إلى استخدامها فى النصب والدجل والشعوذة عبر قنوات فضائية متخصصة فى استغلال المشاهدين، ولعل أبرز طرق النصب ما يعرف بالعلاج بالطاقة الكونية.

 

الجسد الأثيرى

هل توقعت أن تسافر حول العالم وأنت جالس فى مكانك بل ونائم؟! هذا ما تقوم عليه نظرية الإسقاط النجمى التى تعد تفسيرا افتراضيا لحالة الخروج من الجسد، بافتراضِ أن هناك هيئة نجمية - الجسم الأثيرى - تنفصل عن الجسد الفيزيائى قادرة على السفر خارجه، أو بمعنى آخر: انفصال جزئى للروح عن الجسد بحيث تظل صلة الجسد بالروح موجودة عن طريق الحبل الفضى أو حبل الطاقة، أو هى حالة الوعى أثناء النوم، فالجسد فقط يكون نائما، بينما يكون عقلك فى حالة يقظة تامة.

المثير فى الأمر أن البعض لا يقتنع أن مثل هذه الأمور مجرد خيال علمى وليس أكثر، ومن ثم انتشرت على السوشيال ميديا أسئلة كثيرة عن الخطوات اللازمة لوصول الشخص إلى تلك الحالة.

فى السياق صدرت أخيراً رواية «يونس الروح والجسد» بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى نسخته الـ 53، وتدور أحداثها فى عالم الخيال والتشويق، حول يونس طالب فى عامه الأخير بالجامعة، يحاول البحث عن ذاته وأحلامه فى عالم آخر، من خلال إجرائه لعملية الإسقاط النجمى، وذلك بالتعاون مع أستاذته فى الجامعة، فيسافر بروحه الأثيرية فى رحلة إلى عصور مصرية قديمة مختلفة.

ومن الأفلام التى نقلت ذلك فيلم دكتور سترينج Doctor Strange، وفى أحد المشاهد الدرامية والمفاجئة، يتلقى د. سترينج ضربة من يد الكاهنة الكُبرى على صدره، لنشاهد طيفا ينفصل عن جسده مُنتقلًا إلى عوالم أخرى، ثم يقفل عائداً إلى جسده الذى كان مازال مستلقياً فى المعبد.

ولعل آخر الأعمال المصرية التى جسدت الإسقاط النجمى كان مسلسل «نصيبى وقسمتك» الموسم الرابع، فى حكاية «اعمل نفسك ميت» بطولة محمد عادل ومى سليم، الذى حقق نجاحا ولاقى صدى جيداً على مواقع التواصل الاجتماعى.

التنجيم والتنبؤ 

يعد التنجيم نوعا من أنواع التنبؤ بالمستقبل، يعتمد فيه المنجمون على حركة النجوم التى يزعمون إنها توفر لهم المعلومات حول حركة الحياة على كوكبنا، وأنهم على دراية بما سيحدث لك غداً، عن طريق توقعاتهم الفلكية لما سيحدث لمواليد برجك الفلكى.

وهناك أشخاص يؤمنون بهذا، ويقرأون يوميًا «حظك اليوم» فيتصرفون وفقاً لهذه الكلمات التى لازالت تعشش فى رؤوسهم منذ أن قرأوها، ويمضون يومهم كاملاً لا يتخذون أية قرارات.

وفى عام 1990 جسد الفنان أحمد زكى، شخصية الدجل والشعوذة، فى فيلم «البيضة والحجر»، من خلال شخصية مدرس الفلسفة، الذى يستأجر غرفة فوق السطوح بحى شعبى، ويحترف الدجل والشعوذة مستغلًا ذكاءه وجهل المجتمع، حتى ذاع صيته وأصبح أكثر شهرة وثراءً.

وهناك عمل واحد فقط - إن صح التعبير - استلهم اسمه من برج العذراء، وكانت مادته الدرامية تدور حول البرج، وهو فيلم «برج العذراء» للفنان صلاح ذو الفقار وعادل إمام، إنتاج عام 1970، والذى تدور أحداثه حول (فهمي) الذى يؤمن بالأبراج ويعمل وفقها، ويخاف من الحسد، ويتفاءل ويتشاءم وفقًا لما تقول، كما يحرص كل صباح على قراءة نبوءات الأبراج، حيث إنه من مواليد برج العذراء.. وفى أحد الأيام يقنعه أحد المنجمين أن عمره مرتبط بفتاة من برج العذراء لديها وحمة سوداء فى ركبتها اليمنى، فيبدأ فى البحث عنها فيكتشف أنها (نانا) خطيبة صديقه (عادل) فيحاول الحفاظ على حياتها.

كروت التاروت

فضول الإنسان لمعرفة ما يخبئه له المستقبل يشغل الكثير من تفكيره، ولهذا السبب ظهرت ‏العديد من الوسائل عبر التاريخ يزعم البعض أنها تقرأ المستقبل والطالع أشهرها أوراق ‏التارو أو التاروت، وهى عبارة عن 78 ورقة، تحمل كل صورة رمزية ورقمًا، وتنقسم الأوراق إلى مجموعتين، الأولى تضم 56 ورقة وتسمى السر الأصغر، والثانية تضم 22 ورقة وتسمى السر الأعظم، ولهذه الأوراق ترتيب معين يمكن للملمين بالتاروت أن يجدوا فيها قصة كاملة، وذكر «التاروت» فى كتب وروايات عديدة، من ضمنها: كتاب العلم الزائف لبن جولديكر، ورواية العذراء الحديدية لنبيل نزيه. 

وسبق أن حذر علماء الدين من خطورة مثل هذه الخرافات، حيث علق الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، على قراءة توقعات الأبراج الخاصة بالعام الميلادى الجديد، وما ظهر خلال السنوات الماضية ويسمى بـ«أوراق التاروت» أنه مجرد خرافات، ويدل على عقلية سطحية، وأكد على أن قراءتها حرام؛ لأنك سعيت لتجهيل نفسك، وتخرج من التفكير المستقيم إلى التفكير المعوج.

العلاج بالطاقة الكونية 

وتشهد حالياً بعض قنوات الدجل والشعوذة الفضائية انتشار ما يعرف بالعلاج بالطاقة الكونية حيث تستضيف تلك القنوات من يتحدثون عنه باعتباره «علمًا» ومن تصفهم بأنهم علماء فى هذا المجال، وتعد الطاقة هى قوة الحياة الموجودة داخل خلايا الإنسان، فالإنسان لا يحمل طاقة سلبية فقط، بل يحمل طاقتين إحداهما سلبية، وأخرى إيجابية، والغلبة لمن تنعكس على مشاعره. بحسب ما ذكره محمد عبد الفتاح صادق، مؤلف كتاب «الطاقة الإيجابية مفتاح نجاحك».

ويبحث الناس عن حل سريع ومباشر وغير مكلف لمشاكلهم، ومع كثرة الترويج الإعلامى تتحول فكرة جذب الحلول عن طريق الطاقة للتخلص من المشاكل الحياتية إلى شىء جذاب، فيظن بعض الناس أنهم لا يحتاجون أن يُجهدوا أنفسهم أو يصرفوا مالًا كى يحصلوا على ما يريدون، بينما هم فى الحقيقة يصرفون الكثير من المال على محاضرات من أجل تعلُّم الجذب.

وتقوم فكرة كتاب «السر» The Secret، للأسترالية «روندا بايرن» الذى حقق نجاحا عالميا، وترجم إلى عشرات اللغات من بينها العربية، على فكرة «قانون الجذب» أى قدرة الإنسان على جذب ما يشغل تفكيره، أيما كان: فإن شغل المال تفكيرك، ستجذبه إلى حياتك، وإن شغل الخوف من المرض تفكيرك، فستمرض لا محالة، وهناك أيضاً رواية «الخيميائي» للكاتب البرازيلى «باولو كويلو» التى تؤمن بقدرة الذهن المطلقة على تشكيل الواقع؛ فجميع الأمراض والاضطرابات والأحزان مصدرها التفكير الخاطئ، بينما التأمل المستمر والإيمان بالفكرة قادر على تحقيق الشفاء وجلب الثروة.

الطب البديل

ومع علم آخر يستتر خلف قناع الطب هذه المرة، هدفه الربح فقط، نجد الطب البديل الذى يمارس منذ قديم الأزل فى بلاد كثيرة، ذات اعتقادات وثقافات مختلفة فى كل انحاء العالم، ولا يزال يستخدم حتى يومنا هذا، ولكن بطرق متعددة باختلاف الثقافات، ومن أشهر أساليبه: العلاج بالإبر الصينية، والأعشاب الطبية، والحجامة، والزيوت والبخور إلى آخره، وكثيرا ما يمتهن هذا العلم أشخاص لا علاقة لهم بالطب ولا بأية علم، لا من قريب أو من بعيد، ملأوا الشاشات؛ ففى 2021 أغلقت الأجهزة الأمنية أحد مراكز العلاج الطبيعى، لأحد الأشخاص الذى يصف نفسه بـ«سمكرى البنى آدمين»؛ لإدارته بدون ترخيص.

وبعد تفقد حسابه الرسمى بموقع «إنستجرام»، تبين وقوع 25 فنانا ضحايا له، وظهر عدد من مشاهير الفن، خلال مقاطع فيديو نشرها المتهم، الذى كان يعالج خلالها الأشخاص «بالطقطقة».

فى هذا الصدد يقول الدكتور حامد عبد الله، أستاذ الأمراض التناسلية بكلية الطب بجامعة القاهرة، إن الطب البديل الذى يستخدم العصا لعلاج غضاريف العامود الفقرى والعلاج بالحجامة وعلاج سم النحل، يعتبر خرافات وخزعبلات وجريمة بحكم القانون، والإطلاع على جسد المريض أو التعامل معه بواسطة شخص غير طبيب يعتبر جريمة هتك عرض.

الجانب النفسى 

على الجانب النفسى يؤكد الدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى، أن من أسباب لجوء بعض الناس للدجل والشعوذة، هو البحث عن حل سحرى وليس التفكير فى حل منطقى أو حكيم، يساعده للخروج من كبوته، والوهم عرض وطلب، فالأشخاص الذين يذهبون إلى الدجالين ليسوا مصابين بأى أمراض نفسية، بل يريدون حلولاً سريعة وسحرية، فى المقابل فإن الدجال يتمتع بمواصفات معينة وخاصة، أبرزها القدرة على الإقناع بأنه قادر على حل المشاكل بشكل سحرى.

من جانبه يقول الدكتور إبراهيم مجدى، استشارى الطب النفسى، إن «التنجيم والأبراج» ليس علما، لأنه لا يقوم على التجريب والأبحاث، وللأسف يبنى بعض الأشخاص حياتهم، وقراراتهم على صفات الأبراج، وبعضهم ينهى الزيجات بسبب الأبراج.

تأخر العقل الجمعى

يقول الشيخ أحمد ترك، أحمد علماء الأزهر الشريف، إن علم التنجيم قائم على أن السماء لها تأثير على حياة البشر وهذا غير صحيح بل مجرد توقعات، والعلماء دحضوا كل ذلك؛ فالعلم قائم على التجربة، والتخمين قائم على التنجيم، ولذلك لا بد أن تقدم التجربة على التخمين.

ويضيف، أن التصديق بتلك الأمور يسهم فى تأخرنا، وفى تأخر العقل الجمعى، والشخص الذى يتم إخباره بأنه سيتعرض لعوائق الشهر المقبل يؤثر ذلك على حالته النفسية، وأرى أنه لا يوجد ما يسمى بعلم «الكونيات»، والروحانيات ليس لها علاقة بالتنجيم بل هى الأشياء التى تغذى الروح مثل العبادات، مستنداً إلى الآية الكريمة : «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ».

ويؤكد أن التنجيم والأبراج، حرام شرعا، لأن الله وحده هو المطلع على الغيب، ولا قدرة لإنسان فى علم الغيب، والأبراج والتنجيم ليس علما، ولا يمت للعلم.