الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مثال يحتذى للتعاون الثنائى فى المجالات كافة 65 عامًا من العلاقات القوية الراسخة بين مصر والصين

«خلال السنوات الـ65 المنصرمة، صمدت العلاقات «الصينية-المصرية» أمام اختبارات التغيرات المختلفة بفضل الإرشاد الاستراتيجى لقادة البلدين، وظلت تحافظ على التطور المستقر والسليم».. كانت هذه  كلمات سفير «الصين» بالقاهرة «لياو لى تشانج» أثناء الاحتفال - مايو الماضي - بمناسبة الذكرى الـ72 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.



 

تلخّص كلمات السفير الصينى عقودًا من العلاقات الثنائية المتبادلة بين «مصر»، و«الصين». وتعد أحدث صورة تتجسد فيها علاقات الصداقة بين البلدين، دعوة الرئيس الصينى «شى جين-بينج»، الرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى» لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية فى «بكين» التى عقدت أمس الجمعة، وتستمر حتى يوم 20 من الشهر الجارى.

وجاءت الدعوة انطلاقاً من العلاقات المتميزة بين الجانب المصرى والصينى، والتى وصلت إلى مستويات جديدة خلال السنوات الأخيرة، لم تصل إليها من قبل على مدى أكثر من ستة عقود من علاقات الصداقة والدعم المتبادل، كما تعكس الزيارة المصرية إلى «بكين» الأخيرة قوة ومتانة علاقة الصداقة والتقدير المتبادل بين الرئيسين المصرى والصينى.

وبالفعل، تعد العلاقات «المصرية -الصينية» مثالاً للتعاون الثنائى فى جميع المجالات، ولكن لم تكن العلاقات لتصل إلى هذا الحد، خاصة خلال الأعوام القليلة الماضية، لولا وجود إرادة تعاون حقيقية، وتوجيه مستنير من قبل القيادة فى الدولتين.

 دور القيادة فى دعم العلاقات الثنائية

 جدير بالذكر، أن زيارة الرئيس «السيسى» - حالياً - إلى «الصين»، ليست الأولى من نوعها، إذ حرص الرئيسان على الزيارات المتبادلة، من أجل تعزيز أواصر الصداقة، وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

فعقدت القمة الأولى التى جمعت بين الرئيسين، خلال الفترة من 22 إلى 25 ديسمبر من عام 2014، فى أول زيارة للرئيس «السيسى» إلى الأراضى الصينية عقب انتخابه رئيساً للجمهورية. وقد رحب الرئيس «السيسى» - خلال القمة - بمقترح «بكين» بتطوير العلاقات بين البلدين، كما وقع البلدان وثيقة إقامة علاقات شراكة استراتيجية شاملة، تضمنت اتفاقيات تعاون فى مجالات مثل: الطاقة الجديدة والمتجددة، والفضاء، وغيرها.

أما القمة الثانية التى جمعت بين الرئيسين، فقد عقدت فى الأول من سبتمبر عام 2015، فى قاعة الشعب الكبرى بمناسبة احتفال «الصين» بعيد النصر الوطنى بالذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية. وخلال القمة رحب الرئيس الصينى بحضور الرئيس «السيسى» للاحتفال، مشيداً بمشاركة القوات المسلحة المصرية فى العرض العسكرى الذى أقيم بهذه المناسبة.

وفيما يخص القمة الثالثة، فعقدت فى الفترة من 20 إلى 22 من يناير عام 2016، وذلك خلال الزيارة التاريخية للرئيس الصينى «شى جين بينج» إلى «مصر»، فى أول زيارة لرئيس صينى للقاهرة منذ 12 عاماً، تلبية لدعوة وجهها له الرئيس «عبدالفتاح السيسى». وخلال الزيارة حضر الرئيسان الاحتفالات المشتركة بمناسبة الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأعلنا تدشين (عام الثقافة الصينية) فى «مصر»، وفى «الصين» أيضاً؛ كما أجرى الرئيسان محادثات رسمية حول العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعميق التعاون فى مختلف المجالات، وتبادلا الآراء حول القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

وبالنسبة للقمة الرابعة التى جمعت بين الرئيسين، فقد عقدت خلال الفترة من 4 إلى 5 سبتمبر عام 2016، وذلك أثناء زيارة الرئيس «السيسى» إلى «بكين»، من أجل المشاركة فى قمة مجموعة العشرين، التى عقدت بمدينة «هانجتشو» الصينية، بدعوة خاصة من الرئيس الصينى، حيث قال الأخير - حينها - إن «مصر» حققت نتائج إيجابية خلال العامين الماضيين، لاسيما على صعيد تزايد التماسك الوطنى، والتأثير الإقليمى والدولى لمصر، مؤكداً على أن «الصين» ترى آفاقاً واعدة لمصر فى المستقبل، ومن ثم ثمن الرئيس الصينى ما تشهده الشراكة الشاملة بين البلدين من تطور إيجابى على جميع الأصعدة. 

أما القمة الخامسة، فجاءت خلال زيارة الرئيس «السيسى» إلى «الصين» بمطلع شهر سبتمبر الماضى، بناء على دعوة من الرئيس الصينى للمشاركة فى فعاليات الحوار الاستراتيجى حول تنمية الأسواق الناشئة والدول النامية، الذى أقيم على المستوى الرئاسى على هامش قمة الدورة التاسعة لقمة مجموعة «البريكس»، تحت عنوان «شراكة أقوى من أجل مستقبل أكثر إشراقاً».

تؤكد هذه الزيارات المتبادلة بين الرئيس المصرى، ونظيره الصينى على حرصهما الشديد على استمرار وتعزيز سبل التعاون بين البلدين.

 العلاقات السياسية بين «مصر والصين»

العلاقات السياسية تحديداً بين «مصر، والصين» مرت بالعديد من المراحل، طيلة العقود الستة الماضية، وتجسدت بدايتها فى اللقاء الذى جمع بين الرئيس المصرى الراحل «جمال عبدالناصر»، ورئيس مجلس الدولة الصينى الراحل «شو إن لاى» فى أبريل عام 1955، خلال مشاركتهما فى مؤتمر «باندونج» بدولة «إندونيسيا»، واتفاقهما على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية تم تدشينها فى العام التالى مباشرة.

ومنذ حينها، لطالما أيدت «الصين» مواقف واختيارات القيادة والشعب المصري . فعلى سبيل المثال: أيدت قرار الرئيس الراحل «عبدالناصر» بتأميم شركة قناة السويس، وأدانت بشدة (العدوان الثلاثى) على «مصر»، مؤكدة دعمها لنضال الشعب المصرى، من أجل حماية سيادة الدولة والاستقلال الوطنى، حتى فى العصر الحديث عندما قامت ثورتا 2011، و2013 أيدت الحكومة الصينية أن يكون للشعب المصرى حق تحقيق المصير.

وفى المقابل، تعتبر «مصر» نقطة بداية الوجود الرسمى للصين بالقارة السمراء، لكونها أول دولة أفريقية - وكذلك عربية - تُقيم علاقات دبلوماسية مع «الصين»، وتحديداً فى 30 مايو عام 1956، عندما أصدرت الحكومتان المصرية والصينية بياناً مشتركاً بهذا الشأن؛ كما سعت «القاهرة» للتوسط فى الحرب الهندية - الصينية فى عام 1962.

أما حقبة التسعينيات فكانت فترة بالغة الأهمية فى العلاقات «المصرية - الصينية»، حيث تميزت بكثافة التبادلات على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وزادت حركة السفر، والسياحة بين البلدين، وصولاً إلى إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية عام 1999.

على كل، تتسم العلاقات السياسية بين «القاهرة، وبكين» بخصوصية شديدة، خاصة من حيث توافقت رؤاهما بشأن دعم الحلول السلمية والدبلوماسية للأزمات والصراعات فى منطقة «الشرق الأوسط»، ويسعى البلدان -دائماً- إلى تعزيز التعاون الثنائى والدولى.

 العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين

كانت العلاقات الاقتصادية والتجارية أساس التعاون بين «مصر والصين»، إذ شهدت الأعوام السابقة قيام البلدين باتخاذ العديد من خطوات التعاون الاقتصادى والتجارى.

وحسب تقرير نشره موقع (CGTN) الصينى، فقد أكد وجود 63 اتفاقية تنظم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين «مصر والصين».

ولعل أبرز ما شهده البُعد الاقتصادى والتجارى خلال الأعوام القليلة الماضية، هو إبرام الجانبين اتفاقيات، ومذكرات تفاهم، وبروتوكولات التعاون فى إطار مبادرة «الحزام والطريق»، التى شملت مجالات: الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التنمية البشرية، التدريب، الذكاء الاصطناعى والصناعة.

ومن جانبه، ذكر السفير الصينى فى «مصر»، أن بلاده ظلت أكبر شريك تجارى للقاهرة خلال السنوات الثمانية الماضية، إذ تعد الاستثمارات الصينية فى «مصر» أنشط ونموها أسرع؛ لافتاً إلى أنه فى عام 2020، بلغ حجم التبادل التجارى الثنائى بين البلدين 14.53 مليار دولار، بزيادة قدرها 10.1 % كما تجاوزت استثمارات «الصين» فى «مصر» 7.7 مليار دولار خلال نفس العام، وفقًا لإحصاءات وزارة التجارة الصينية، حيث بلغ الاستثمار الصينى المباشر الجديد فى «مصر» خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر من العام المذكور 89.33 مليون دولار، بزيادة %19.3 عن نفس الفترة من العام 2019.

 العلاقات التعليمية «المصرية-الصينية»

تُعد التبادلات الثقافية أحد المحركات الرئيسية للعلاقات الدبلوماسية بين الجانب المصرى والصينى.

حيث تتعاون «القاهرة، وبكين» فى مجال التعليم بصورة ملحوظة، ولعل أبرز ملامح هذا التعاون، هو توقيع بروتوكول تعاون لتدريس اللغة الصينية كلغة أجنبية اختيارية ثانية فى المدارس المصرية؛ وإطلاق مبادرة «ادرس فى مصر»، بالتعاون مع وزارة التعليم الصينية، لجذب الطلاب الوافدين للدراسة فى الجامعات المصرية. وجدير بالذكر، أنه يوجد حوالى 24 ألف طالب صينى يدرسون اللغة العربية بمصر، فى إطار التعاون بين الجامعات المصرية ونظيرتها الصينية، هذا بالإضافة إلى إنشاء 16 جامعة مصرية أقسام للغة الصينية، أو تقوم بتدريسها كجزء من مناهجها. 

وفى المقابل، قامت الحكومة الصينية ببناء مدرستين كجزء من برنامج مساعدات تعليمية لمصر، علاوة على تقديم أكثر من 300 منحة دراسية للمواطنين المصريين لإنهاء برامج الماجستير، والدكتوراه فى عام 2019.

 التعاون الثنائى بالمجال الصحى

رغم سنوات التعاون فى المجال الصحى والطبى بين البلدين، فإن عام 2020 -تحديدًا- مثّل عاماً استثنائياً فى العلاقات «المصرية - الصينية»، بعد تفش وباء فيروس كورونا، إذ خلقت الأزمة مجالاً جديداً للتعاون بين الجانبين، بعد التضامن الكبير والإصرار على مواجهة انتشار المرض.

فكانت «مصر» من أوائل الدول التى سارعت إلى تقديم المساعدات الطبية إلى «الصين» بعد تفشى فيروس كوفيد- 19، حيث قامت وزيرة الصحة المصرية بزيارة «الصين» فى بداية مارس 2020، بتكليف خاص من الرئيس «السيسى»، وقامت -حينها- بتقديم إمدادات لبكين، من أجل مكافحة فيروس كورونا.

وفى المقابل، أبدت «الصين» دعمها لجهود «مصر» فى الوقاية من المرض، والسيطرة عليه.. حيث أرسلت دفعات من المساعدات الطبية إلى «القاهرة» لاحتواء انتشار الفيروس، كما تبرعت الحكومة والشركات الصينية لمصر بأقنعة وملابس واقية وكواشف اختبار وأنظمة فحص الرئة بالذكاء الاصطناعى وأجهزة تنفس.. وغيرها من المعدات الطبية، ناهيك عن عقد خبراء الجانبين تسعة مؤتمرات عبر تقنية الفيديو عبر الإنترنت لتقاسم المعلومات الصينية حول الوباء وكيفية احتوائه. ولا يزال حتى وقتنا هذا، يمثل التعاون الطبى والصحى، أولوية فى علاقات «مصر والصين».

 التعاون الأمنى

مثّل البعد الأمنى والدفاعى جانبًا آخر مهما فى العلاقات بين «القاهرة وبكين»، ولاسيما فيما يخص التعاون فى مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.

ومن بين أمثلة التعاون بين البلدين، تذكر زيارة وزير الدفاع المصرى، الفريق أول «محمد أحمد زكى» إلى «بكين»، من أجل حضور منتدى «زيانجشان الدولى» فى دورته التاسعة، خلال الفترة من 20 إلى 22 أكتوبر 2019، وبحث -سحينها- مع نظيره الصينى الفريق أول «وى فنج»، سبل نقل وتبادل الخبرات العسكرية، وزيادة أوجه التعاون العسكرى المشترك بين البلدين فى مجالات التسليح، والتدريبات المشتركة، وتأهيل وتدريب الكوادر العسكرية.

وسبق هذه الزيارة وصول المدمرة الصاروخية الصينية (شيان) من أسطول المرافقة البحرية الثانى والثلاثين يوم 16 أغسطس 2019 إلى قاعدة الإسكندرية البحرية.

 

فى النهاية، تعد الأمثلة السابقة هى نقطة فى بحر من التعاون المصرى-الصينى، إذ يستمر الجانبان فى الحفاظ على متانة العلاقات، رغم كل ما يمر بهما من تحديات داخلية وإقليمية وعالمية، بتوجيهات ورؤى مستنيرة ورغبة فى التعاون من قبل القيادة السياسية للبلدين.>