الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أهدى كتابه الأخير إلى شعب مصر: ياسر رزق.. رحيـــــل الجورنالجى

كل رحيل هو خصم من ثراء إنسانيتنا.. ورحيل أحد أسطوات الصحافة يُمثِّل خسارة كبيرة لمهنتنا.. هكذا هو رحيل الكاتب الصحفى الكبير ياسر رزق.. خصم من ثراء الإنسانية وخسارة للمهنة التى أفنى عمره فى خدمتها.



 

تخرج رزق فى كلية الإعلام جامعة القاهرة فى العام 1986، وبدأ حياته المهنية محررًا بمؤسسة «أخبار اليوم»، ثم عمل محررًا عسكريًا ومحررًا لشئون الرئاسة بالمؤسسة نفسها، وتولى فى العام 2005 رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون.

وأسهم الراحل خلال توليه رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون فى تطوير العمل الصحفى بها، وقدم من خلال مقالاته المتميزة الكثير من المعالجات للعديد من مشكلات وهموم المواطن، وبعد ست سنوات قضاها فى إدارة شئون المجلة، شغل رزق رئاسة تحرير صحيفة «الأخبار» العريقة فى يناير من العام 2011.

وفى شهر أغسطس من العام 2012 شغل منصب رئيس تحرير صحيفة «المصرى اليوم»، والتى استمر فيها لمدة تزيد على العام، قبل رئاسته لمجلس إدارة «أخبار اليوم».

وقد أجرى أثناء رئاسته لتحرير صحيفة المصرى اليوم، حوارًا مطولًا شهيرًا مع الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، فى العام 2013، وذلك عندما كان السيسى قائدًا عامًا للقوات المسلحة، وزيرًا للدفاع  والإنتاج الحربي.. ويزخر تاريخه الصحفى بالكثير من مواقفه الوطنية وانحيازه الدائم لقضايا الوطن والمواطن، ومناهضته لجماعة الإخوان الإرهابية.

وكان رزق قد تعرض فى وقت سابق إلى أزمة قلبية فى العام 2013، وخضع وقتها لعملية جراحية لزرع دعامتين فى القلب.

أهدى  رزق كتابه الأخير «سنوات الخماسين» إلى «شعب عظيم لا يرضخ لظلم»، وكان من المفترض أن يكون الكتاب جزءًا أول من شهادته عما شهده وعاصره وتفاعل معه صحفيًا من أحداث مهمة فى عمر الوطن، لكن القدر لم يمهله ورحل رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم السابق، صباح الأربعاء الماضى، متأثرًا بإصابته بأزمة قلبية، عن عمر ناهز الـ57 عامًا. 

وتضمن كتابه الأخير رصدًا دقيقًا وموضوعيا لأحداث حقبة هى الأصعب فى تاريخ مصر الحديث، منذ 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013، إذ كشف فيه عن معلومات يرويها لأول مرة بحكم عمله الصحفى وقربه من دوائر صنع القرار خلال تلك الفترة الحرجة من تاريخ البلاد.

وكانت ندوة مناقشة الكتاب بمثابة حفل وداع للكاتب الكبير الراحل، وجاء ذكر الموت فى أكثر من موضع خلال هذه الندوة التى شهدت حشودًا كبيرة حضرت لمعرفة كواليس ما حدث خلال الأعوام الماضية وَفق رؤية رزق، فى كتابه المثير والكاشف لفترة وضعت أساسات الجمهورية الجديدة.

وتحدث الكاتب الراحل بصراحته المعهودة فى هذه الندوة، مؤكدًا أنه أصدر هذا الكتاب الذى يعد الجزء الأول من ثلاثية ترصد ما حدث؛ ولكن القدر لم يمهله لإصدار الجزأين التاليين.

وقال ياسر رزق، فى كلمته: لقد قدمت الجزء الأول من هذا الكتاب وأنا لا أكتب تاريخًا وإنما أرصد ما حدث من زاوية رؤيتى للأشياء، وفكرت فى إصدار هذا الكتاب مبكرًا لأن عمر الإنسان ليس بيدَيه، ولأننى شاهد على ما رأيت، فكان يجب عليَّ أن أكتب ما رأيت، وأدعو جميع الحضور أن يكتبوا ما لديهم، لأنهم إذا لم يكتبوا سيكتب الإخوان كتبًا عديدة ستشهد تزويرًا للتاريخ.

ووجه رزق حديثه إلى المثقفين الذين يجلسون على المنصة بجواره، قائلًا: إننى أدعو الدكتور عمرو الشوبكى إلى أن يكتب ما لديه فى مذكراته، وكذلك الدكتور منير فخرى عبدالنور، والدكتور سامى عبدالعزيز، وأن يقوم الكاتب الصحفى حلمى النمنم بتحليل كل هذا، مضيفًا: «لم أكتب كل شيء، لأننى لا أكتب وقائع إلا التى يقبل أطرافها نشر ما حدث بها، ولا أريد أن أقدم أحداثًا يفهم منها أشياء أخرى، وهناك أشياء تحتاج إلى إعادة تفكير وتمحيص، وأشياء يمكن أن تقطع سياق الفكرة العامة للكتاب».

كما أكد أنه كان يسعى لكتابة هذا الكتاب منذ فترة طويلة لولا انشغاله برئاسة مجلس إدارة «الأخبار»، التى جعلت من الكتاب فكرة مؤجلة، وأنه حرص على إصدار الكتاب بشكل عاجل خشية أن توافيه المنية قبل أن يكتب ما شاهده، موضحًا: «ما فعلته جبهة الإنقاذ بالاتحادية عام 2012، كان يحتاج إلى إعادة تفكير، وأعتبر الجبهة مسئولة عن حالة الخواء السياسى الذى نعيشه حتى الآن، لأن حل نفسها ترك فراغًا كبيرًا وما تلاه من تشكيل أحزاب صلصالية يمكن أن يهدمها الريح فى غمضة عين ولا أعفى الجبهة من ذلك».  

يعتبر رزق، وهو من مواليد محافظة الإسماعيلية فى العام 1965، أحد أهم الوجوه الإعلامية والصحفية.. إذ وصفته القوات المسلحة المصرية فى نعيها بأنه «أحد رواد الصحافة المصرية، وقد اتسمت حياته المهنية بمسيرة عطاء فى خدمة قضايا الوطن».

كما نعته وزارة الخارجية فى بيان ظهر الأربعاء، أكدت فيه أن الراحل كان أحد رموز الصحافة والإعلام الكبار فى مصر، فيما وصف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رحيله بأن: «مصر فقدت رمزًا وطنيًا متميزًا، وواحدًا من أهم الكتاب الصحفيين والذى أفنى عمره فى بلاط  صاحبة الجلالة، وطالما خاض منازلات صحفية من أجل خدمة الصحافة ونشر الوعى والتنوير، وأنه استطاع بموهبته وتميزه أن يصبح واحدًا من أهم الصحفيين بمصر والوطن العربى».

وقالت عنه الهيئة الوطنية للصحافة: «كان ياسر رزق من ألمع وأبرز صحفيى جيله، وصاحب تاريخ صحفى حافل، وتقلد العديد من المناصب الصحفية وصولًا لمنصب رئيس مجلس ادارة مؤسسة أخبار اليوم».

كذلك نعى العديد من السياسيين والمسئولين المصريين وأعضاء مجلس النواب ورجال الأعمال، رزق وأشادوا بمسيرة الراحل وأدواره التنويرية والتوعوية المختلفة فى خدمة البلد.

الدرس الأهم الذى يمكن أن نتعلمه من سيرة رزق هو أن الصحافة جزء من الهوية بل هى الهوية الكاملة لا ترتبط بمنصب أو وظيفة، اختلفت أو اتفقت معه فإن أحدًا لا يختلف على كونه «الصحفى» بألف لام التعريف.. هكذا كانت حياته وسيرته.. لم يتنازل عن القلم حتى النفس الأخير.

وداعًا يا أستاذ