الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

24 دقيقة من الحديث الجرىء عن الأوضاع الداخلية والخارجية لمصر مدبــولى: لسنا منفصلين عن الشعب لأننا أتينا من صفوفه

24 دقيقة ونصف، كانت مدة حوار يمكن أن يوصف بالجرىء والشفاف، استطاع فيها رئيس الوزراء المصرى، الدكتور «مصطفى مدبولى» بمنتهى الحيادية والثقة المبنية على معلومات شاملة أن يجيب عن أسئلة تشغل الرأى العام الداخلى والدولى، فى حوار جرىء أجرته معه قناة (BBC عربى) على هامش انعقاد الدورة الرابعة من منتدى شباب العالم الذى عقد قبل أيام ضمن برنامج «بلا قيود».



فقد تحدث رئيس الوزراء بصورة جامعة مانعة عن نهج الحكومة المصرية فى التعامل مع قضايا «مصر» الداخلية خاصة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى تطرقه للحديث عن علاقات «مصر» الخارجية، وما تواجهه من تحديات.. وإلى نص الحوار:

 هل هناك تمثيل  للشباب فى الحكومة الحالية؟

من أول لحظة كان هناك اهتمام شديد من القيادة السياسية بتمكين الشباب على مستوى الدولة المصرية؛ وانعكس هذا فى دخول جيل من صغار السن فى الكادر الحكومى، وعلى الأخص فى المناصب القيادية، مثل الوزراء.

أنا شخصياً عندما دخلت الحكومة كنت فى حقبة الأربعينيات، فى النصف الثانى من الأربعينيات، وكان معى زملائى كثيرون من نفس الفئة العمرية، وهو بالنسبة لمصر كان شيئًا غير معتاد على الإطلاق، أى يكون هناك عدد من الوزراء فى فئة الأربعينيات وأقل. ولا يزال هذا النهج مستمرًا.

لماذا يعزف الشباب عن المشاركة السياسية؟

كان هذا فى فترات سابقة.. وكانت هناك فترات معينة، وُجد فيها نوع من عدم الوعى بالأبعاد السياسية، وموضوع التعدد الحزبى، أما اليوم، فقد بدأ الشباب حالياً مدخلهم، وتحديداً مدخل العمل العام، وأصبح هناك وعى ورغبة من الشباب فى دخول معترك العمل العام. وأعتبر ذلك خطوة جيدة كبداية فى المشاركة السياسية الحقيقية.

وماذا عن حالات التصويت، أليست نسبة المشاركة فى الانتخابات البرلمانية لعام 2020 قليلة؟

لقد كنا فى خضم جائحة كورونا، ومع ذلك، نحن نرى جيداً من خلال الإحصائيات، أن نسبة تواجد الشباب لم تكن قليلة، بل على العكس، مثلها مثل المتوسطات فى كل الفئات العمرية، وخلال الفترة الأخيرة بدأت هذه النسب تزيد على حقب سابقة، كانت موجودة فى عمر الدولة المصرية.

الوعى السياسى يبنى فى دولة خرجت من معترك وخضم سياسى وأحداث استثنائية مرت بها الدولة المصرية فى العقد السابق، تجعل كل المواطنين- وليس فئة الشباب فقط- يراقبون ما يحدث فى الدولة بشكل لا نسميه العزوف. والآن أصبح الشباب- من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، ووسائل أخرى- يعون أشياء أخرى لم يكونوا يعرفونها، هذا بالإضافة إلى أن حتى نقد الأوضاع الذين يعربون عنها، صار يصلنا.

الاقتصاد المصرى يحقق أرقاماً جيدة. ومع ذلك، لماذا لا يشعر المواطن العادى بهذا؟

أختلف معك فى هذا الموضوع، لأن المواطن العادى يشعر بمدى الاختلاف الكبير، من خلال الحجم الهائل من الخدمات التى يلمسها على الأرض، فالمواطن المصرى كان يشكو من النقص وفقر الخدمات، لكن اليوم لم يعد الأمر كذلك، وهو ما انعكس على توصيل المياه، والصرف الصحى، والكهرباء، والغاز، والحجم الضخم لمشروعات الإسكان، الذى تم تنفيذه لفئة الشباب ومحدودى الدخل، بالإضافة إلى تطوير المناطق غير الآمنة، حيث أتيح أكثر من 300 ألف وحدة لتسكين قاطنيها، لفئات كانت مهمشة تماماً.

نتحدث عن تكلفة الوحدة السكنية للإسكان الاجتماعى نصف مليون جنيه تقريباً، بينما الحد الأدنى للأجور يراد رفعه إلى 2400 جنيه فى الشهر، كيف يمكن لشاب أن يحصل بهذا المبلغ على سكن فى تلك الوحدات؟

الدولة المصرية تطرح وحدات الإسكان الاجتماعى بأسعار مدعمة بصورة كبيرة جداً، فالشقة تكلف الدولة نصف مليون جنيه، ولكن لا تتيحها للشباب بهذا السعر، إذ بلغ آخر عرض للوحدة السكنية بسعر 300 ألف جنيه، بأقساط على أكثر من 25 سنة، وبمقدم بسيط جداً، فى الوقت الذى يبدأ فيه سعر القسط من 800 جنيه، ما يمثل أقل من إيجار شقة فى المناطق منخفضة التكلفة.

ولكن، دعينى أتحدث عن البرنامج الأهم فيما يخص الإسكان، بصفتى خبيراً فى التخطيط العمرانى، فقد تم تنفيذ مشروع لم ينفذ فى أى دولة فى العالم، هو تطوير المناطق غير الآمنة، والتى كان يطلق عليها «العشش»، حيث نفذتها الدولة بالكامل، ويتكلف سعر الشقة على الدولة أكثر من 600 ألف جنيه، وتمنح مجهزة ومفروشة بدون مقابل للأسر، وكل ما يدفعونه إيجار يصل إلى 300 جنيه، يمثل فقط الصيانة الخاصة بتلك الوحدة.

هناك من يشكو من التضخم، وغلاء الأسعار، والبطالة، أليس هذا موجودًا؟

نتحدث عن هذا الموضوع بالأرقام التى تعكس حجم ما تحقق فى الدولة المصرية. ففى عامى 2011، و2012، كانت نسب البطالة تتجاوز %13، وكان التضخم مع الوضع الاقتصادى- حينها- بلغ %30 أو %33. وعندما بدأنا الإصلاح الاقتصادى الذى كنا مجبرين عليه، بسبب الظروف السياسية الاستثنائية التى مرت بها الدولة، وحالة عدم الاستقرار، وحتى العام الماضى كان حجم التضخم %4.2، و%4.3، وهى درجة لم تحدث. واليوم، فى النصف الأول من العام المالى نستهدف متوسط معدل نمو من %6 إلى %6.5، وهذا الرقم مدفوع فى الأساس بموجة التضخم العالمية، بل على العكس، فإن ما حدث فى «مصر» كان تأثيره أقل بكثير مما حدث فى دول أخرى متقدمة.

هل تعتمد الحكومة فقط على الأرقام؟

أعضاء الحكومة متواجدون فى الشارع المصرى، كما أحرص على الاستمرار فى القيام بالزيارات والجولات الميدانية على مستوى الجمهورية، كما أن رئيس الجمهورية يحرص على القيام بجولات فى الشارع كل أسبوع، ويحرص- خلالها- على مقابلة المواطنين للتعرف على المشكلات التى تواجههم، والعمل على حلها. نحن لسنا منفصلين عن الشعب، بل أتينا من الشعب نفسه. عليه، نحن نعى حجم المشاكل والتحديات المتراكمة الموجودة فى مصر، ولكن الأهم أن نكون معترفين بها ونتحرك لنحلها، وهو ما يعطى الأمل للمواطن الشاب بأن هناك تغييرًا حقيقيًا يحدث، وهذا ليس معناه أن الوضع الحالى مثالى.

وهو ليس مثالياً بالنسبة لارتفاع الديون على مصر؟

نسبة الدين الخارجى تصل حالياً إلى %91، وكانت %108 منذ أربع سنوات، ثم صار يهبط فى مسار تنازلى حتى قبل ظهور وباء كورونا حينما وصل إلى %87، ولكن مع حدوث الجائحة وصلت النسبة إلى %91، وجار الاستمرار فى تنفيذ خطة –خلال السنوات الثلاث المقبلة- إلى المسار النزولى مرة أخرى، بالتنسيق مع العديد من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولى، للتعافى من تداعيات أزمة فيروس كورونا. وكمجموعة اقتصادية فى الحكومة المصرية نعرف حجم هذا التحدى، وكيفية التعامل معه، للاحتفاظ بما تحقق من معدلات وثقة فى الاقتصاد المصرى.

ما آلية الحكومة للتعامل مع 137 مليار دولار ديناً خارجياً، و6 تريليونات جنيه دينًا داخليًا؟

أى دولة اقتصادها ينمو فى البدايات من الممكن أن تعتمد فى تمويلها على عدد من المصادر منها الداخلية والخارجية، حتى يقوى الاقتصاد وقدرته على رد هذه المبالغ المالية، ويذكر أن أغلب النمور الآسيوية بدأت بهذا الشكل، حتى أكبر اقتصادات فى العالم اليوم، هى أكبر اقتصاديات مستدينة، فعلى سبيل المثال: «الولايات المتحدة»، وبعض الدول الأخرى، نجد أن حجم الدين بها كبير، ومع ذلك، ما يهمنى، ليس النظر إلى رقم الدين كرقم، ولكن الأهم كم تمثل النسبة من الاقتصاد والناتج المحلى الإجمالى.

وما النسبة؟

بالنسبة الدين الخارجى، ما زلنا فى إطار الحدود الآمنة، التى تبلغ %32 من الناتج المحلى الإجمالى، بل أقل، ورغم التحديات التى مررنا بها خلال الفترة الماضية، نستهدف خلال السنوات الثلاث المقبلة ضبط الدين الداخلى والخارجى، إلى جانب العمل على تحقيق المسار الخاص بالنمو الاقتصادى بنسب لا تقل عن 5.5 % إلى %7.

هل مشاركة الجيش فى النشاط الاقتصادى فى مصر تثير مخاوف المنافسة لدى القطاع الخاص؟

كل دول العالم –دائماً- تدخل الدولة فى تنفيذ استثمارات فى قطاعات استراتيجية من وجهة نظر تلك الدول، حيث تمس هذه الاستثمارات الأمن القومى، والاستقرار الاقتصادى بها. وقد قمنا بدراسة العديد من التجارب العالمية فى هذا الشأن، وإذا تحدثنا عن حجم المؤسسات التابعة للقوات المسلحة، لا تمثل شيئًا بالنسبة للاقتصاد المصرى، حيث تمثل تلك المؤسسات أقل من %1.

الأهم، والذى يجب معرفته، هو أن الدولة المصرية تعتمد بشكل كبير فى اقتصادها على القطاع الخاص.

وبالحديث عن الأوضاع بشفافية شديدة، خلال الفترة الاستثنائية السابقة التى مرت بها البلاد، كانت هناك قطاعات لم يكن موجوداً بها القطاع الخاص، أو كان متواجدًا بنسبة قليلة جداً، بصورة لا تلبى احتياجات الاقتصاد المصرى، حيث كان يتم الاستيراد بكميات هائلة، ويتم السداد بالعملة الصعبة فى بعض الصناعات، نتيجة لعدم قدرة القطاع الخاص على تغطية أكثر من %10 إلى %20 من الاحتياجات المطلوبة بهذه القطاعات.

الدولة تحتاج- خلال الفترة الحالية- إلى زيادة حجم الاستثمارات العامة من كل مؤسسات الدولة لبنائها، وتنفيذ العديد من المشروعات فى مجال البنية الأساسية وغيرها. وحجم الاستثمارات العامة التى تم إنفاقها خلال الفترة الماضية كان %50 منها فى مجال البنية الأساسية.

هل ستستمر هذه النزعة، أم سيتم التوجه إلى خصخصة شركات الجيش؟

تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية، جار العمل على هيكلة الشركات التابعة للقوات المسلحة التى تعمل فى قطاعات اقتصادية مدنية، بحيث تكون جاهزة للطرح فى البورصة المصرية، وللشراكة مع القطاع الخاص، مثلها مثل شركات قطاع الاعمال، والشركات التابعة للحكومة المصرية، التى بدأ طرحها كشركة «إى فاينانس»، والتى كانت مملوكة بالكامل للدولة المصرية، وتم طرح %25 منها؛ الشىء نفسه نستهدفه خلال العام المقبل، عبر طرح عدد كبير من الشركات الحكومية، منها شركات تابعة للقوات المسلحة التى تعمل فى القطاع المدنى.

ما طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية فى ظل إدارة بايدن؟ هل تتصف بالفتور؟

العلاقات بين البلدين علاقة استراتيجية ممتدة منذ تاريخ طويل، وتحديداً منذ النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى، منذ توقيع معاهدة السلام؛ وعلى اختلاف الإدارات فى الدولتين، استمرت هذه الشراكة الاستراتيجية من منطلق إيمان الدولتين بالحرص على استمرار وتقوية هذه العلاقات.

كما أننى أختلف معك فى وجود فتور فى العلاقات بين «مصر»، و«الولايات المتحدة»، لأنه تم عقد الحوار الاستراتيجى- لأول مرة- فى شهر نوفمبر الماضى، وهذا لم يحدث حتى فى فترة حكم الإدارة الأمريكية السابقة، كما أن التقرير الذى خرج عن الحوار الاستراتيجى تضمن فى مجمله الحديث عن إيجابيات وتفهم حول جميع القضايا المشتركة بين البلدين.

وفيما يخص قضية حقوق الإنسان، لابد من الحديث عن: كيف يرى الغرب مسألة حقوق الإنسان فى الدول النامية، والشرق كله بصفة عامة، وليس فى «مصر» فقط على الأخص. لابد من أن نعى أن ظروف الدول مختلفة، وبالتالى عندما ننظر إلى قضية حقوق الإنسان، لابد أن نضع فى اعتبارنا -أيضاً- الحقوق الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية، والسياسية.

هل تتآمر المنظمات المعنية بحرية التعبير، وحقوق الإنسان على «مصر»؟

لا يوجد تآمر، ولكن أؤكد مرة أخرى أن ظروف كل دولة تختلف عن الأخرى، ولا يمكن تطبيق نفس المعايير التى يتم تطبيقها فى دول العالم المتقدم بطرق معينة على جميع الدول الأخرى. ونحن تحدثنا مع مسئولين كبار فى دول كثيرة لتوضيح الصورة، لأن المشكلة الحقيقية هى أن الصورة تكون غير مكتملة، وتعد المشكلة الأساسية فى أغلب المؤسسات التى تنتقد أوضاع حقوق الإنسان فى مصر تستقى تقاريرها من حالات فردية، لا يمكن القياس عليها، وتعميمها على الوضع العام فى الدولة المصرية.

هل الإعلام المصرى متنوع، أم يتحدث بصوت واحد؟

هناك نوع من التنوع، كما أن التليفزيون لم يعد هو المنصة الوحيدة لإظهار اختلاف وتباين الرأى، بل هناك الآن العديد من المنصات التى تقوم بهذا الدور. لكن، حتى فى التليفزيون هناك تنوع فى الآراء، كما يوجد نقد لأوضاع كثيرة للغاية وبشكل يومى.

كما أن الدولة المصرية تحاول قدر الإمكان صنع التوازن على الساحة الإعلامية، لأنه توجد اليوم منصات إعلامية موجهة ضد الدولة المصرية، بالتالى فنحن نحاول أن نشرح الوضع الحقيقى من خلال بعض المنصات التى تشرف عليها الدولة. وفى الوقت ذاته، فإن المساحة الإعلامية للمنصات الأخرى مفتوحة، والمواطن يتعرض لجميع وسائل الإعلام، وهو فى النهاية لديه القدرة على التمييز.

فى النهاية، أتطرق للحديث عن آخر التطورات فى قضية سد النهضة؟

نحن- دائما- نؤكد أننا لسنا ضد أى تنمية تحدث فى أى دولة فى حوض النيل، وأبلغنا الجانب الإثيوبى رغبتنا فى أن نتشارك فى إنشاء هذا السد، لكن الشىء المهم للغاية بالنسبة لنا، ألا تتسبب هذه النوعية من المشروعات فى ضرر لمصر فى حقوقها المائية.

هل أنت مطمئن أنها لن تضر؟

طبعاً، نحن نتابع هذا الموضوع بحرص شديد جداً من خلال كل الوسائل الممكنة الدبلوماسية والسياسية لكيفية التعامل مع هذا الملف. وننادى حتى هذه اللحظة، أن نصل معاً، «مصر» و«إثيوبيا» و«السودان»، إلى توافق حول اتفاق قانونى ملزم، ينظم حقوق الدول الثلاث فى الاستفادة من أعمال التنمية. 

ونحاول من هذه المنصة أن نتحدث مع أشقائنا فى «إثيوبيا»، بأنه لابد ان نصل إلى حوار وتوافق، لأنه- فى النهاية- سيكون لصالح شعوبنا، فليس من مصلحة شعوبنا أن يكون هناك خلاف أو نزاع أو صراع على مورد طبيعى. بالعكس، لدينا جميعا المساحة أن نستفيد من هذا المورد المهم الطبيعى بما يخدم حقوق شعوبنا، بما لا يجور على حق شعب آخر.