الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية 8 ليست جنسًا آخر: المرأة فى الإسلام.. قيمة إنسانية!

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



موضوع مكانة المرأة فى الإسلام من الموضوعات التى كتب عنها الكثير، ومع ذلك تبقى قليلة هى كتابات النساء المسلمات اللاتى يبحثن فى موضوع المساواة ومكانة المرأة فى الإسلام. 

والمرأة فى الإسلام يتم النظر إليها نظرة تكريم لأنها شريكة الرجل فى تحمل مسئوليات الحياة، فالمرأة مكلفة مع الرجل من الله تعالى فى مهمة الخلافة فى الأرض: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة 30، وهى على درجة واحدة مع الرجل فى التكريم: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء 70.

وتعانى المرأة من قيود عديدة، مثل النظام الاجتماعى والقوانين والأعراف والتقاليد التى تقيدها، وتضيق عليها حرية الاختيارات بالنسبة للزواج والطلاق والإرث والعمل. 

ومن هنا بدأ التوجه نحو مفهوم النسوية لتحديد حقوق وواجبات المرأة، فالنسوية ضرورية لتحرر النساء وتغيير وجهة نظر العالم فى التعامل مع القضايا المختلفة، فالنساء لهن وجهة نظر خاصة بين استغلالهن وبين استغلال الشعوب المستضعفة، ولذلك يمكنهن مقاومة تيارات العنف بالتفكير والتأمل فى رؤية مختلفة للتغيير، ومن أجل خلق عالم جديد. 

 المرأة إنسان 

ومن الجانب الفلسفى يأتى السؤال الذى طرحته الفيلسوفة الفرنسية سيمون دى بوفوار 1908-1986: «هل المرأة جنس آخر أو جنس ثان؟»، والإجابة هى لا، فالمرأة إنسان كامل كالرجل نفسًا وروحًا وجسدًا، ليس من جانب المساواة فقط بل من جانب التكافؤ.

وفى نفس السياق كانت أكاديمية عربية للاستشارات والتدريب قد أعلنت منذ سنوات عن دورة بعنوان «هل المرأة إنسان؟»، وقد تعرضت الأكاديمية والمدرب للهجوم، مما جعل الأكاديمية تتراجع عن تقديم الدورة.

وعنوان الدورة كان من الممكن تقديمه على هيئة سؤال آخر مثل: «هل تعامل المرأة كإنسان؟»، والإجابة أن معاملة المرأة فى بعض المجتمعات، مثل القرى، وحتى فى بعض المدن، تعلن عن معاملة غير صريحة تطعن فى إنسانيتها، ولذلك فإن تهميش دور المرأة فى المجتمع هو من أهم المعوقات فى تطور المجتمعات.

 ارتباط المرأة بالرجل 

وتحرر المرأة مرتبط بالرجل أيضًا، فالمرأة وحدها لن تستطيع تحقيق المساواة بدون مساعدة الرجل باعتباره الشريك فى المجتمع والحياة، ولذلك نشأت فكرة النسوية التعددية التى تشمل المرأة والرجل، وتعتبر أن التحرر يعنى أن نجد طرقنا الخاصة للحرية وأن تكون نابعة من قناعاتنا وظروفنا.  

يقول الفيلسوف العربى ابن رشد 1126-1198: «إن المجتمع الذى يستعبد نساءه هو مجتمع محكوم عليه بالانحطاط»، وهكذا يجب السعى من أجل تحقيق المساواة قانونيًا واجتماعيًا، ولذلك فإن احترام المرأة هو جزء من مساواتها وحريتها فى القرار بما يتعلق بمصيرها أسوة بالرجل. 

إن المرأة رغم المناداة بالمساواة مع الرجل، لازالت تحرم من الإرث، ومن ممارسة حريتها فى اختيار نمط حياتها، لازالت تحت وصاية الرجل زوجها، أخوها، أبوها، أو ابنها، وتعامل أقل شأنا من الرجل، لازالت مهمتها الأولى بالنسبة للرجال هى أنها خلقت لكى تعطى، والرجل ينعم بعطائها كأحد حقوقه واعتبارها امتدادًا له، وأحد ممتلكاته التى تقوى وجوده، وتسعى لخدمته من أجل أن يحقق أهدافه، وتنجب له الأطفال كامتداد آخر لوجوده.

والمشكلة هنا ليست فى تصور الرجل حول المرأة وإنسانيتها، بل فى تصور بعض النساء أنهن خلقن من أجل الرجل، فهن يضحين من وقتهن وصحتهن، ويضحين بطموحهن وحقوقهن فى سبيل راحة الرجل، وإن كن أمهات فالأطفال كذلك يستحقون التضحية من أجلهم، وهكذا تعيش المرأة فى مجتمعاتنا دور الضحية.

فأى إنسانية تبقت للمرأة وهى تستعبد باسم التقاليد والعادات، أى إنسانية تبقت للمرأة وهى تعتقد أنها خلقت لكى تضحى، وأن دور العبودية بالنسبة لها أمر فطرى بالطبيعة، أى إنسانية تبقت لأم تلقن ابنتها أن تطيع أبوها وأخوها وزوجها، و ألا ترد كلامهم أبدًا، أن تخدمهم ولا ترد أى قرار يخص حياتها الخاصة، ألا تطالب بميراثها، أن تحافظ على زوجها وتغفر له خياناته المتكررة، ألا تطلب أبدًا الطلاق، أن المهم أن تتزوج، لا من تتزوج، حتى لا ينعتها النساء بالعنوسة، أن تحافظ على التقاليد والعادات، أ لا تطالب بأن تكون إنسانًا. يوجد رجال ونساء يعتقدون أن المرأة ليست إنسانًا، وهم بحاجة لأن يعلموا أنهم هم من فقدوا إنسانيتهم، وأن الإنسان بمجرد أن يحرم إنسانًا آخر من أن يعيش حرًا، من أن يفكر، من أن يختار حياته كما يراها هو، يفقد هو الآخر إنسانيته ووعيه الإنسانى أيضًا، ولذلك يجب أن تدرك مجتمعاتنا معنى الإنسانية. 

 المرأة فى الإسلام 

حقق الإسلام للمرأة إنسانيتها، حين حفظ حقوقها ووضح واجباتها، فحدد ما لها وما عليها، فالمساواة مبدأ إسلامى، وفى هذا المعنى الإنسانى للمساواة تكريم لبنى آدم، الذكور والإناث، أى تكريم النوع الإنسانى عمومًا. 

والمرأة فى خلقها كالرجل: (يَا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الحجرات 13، وعن النبى عليه الصلاة والسلام: «إنما النساء شقائق الرجال»، وبذلك رد الإسلام على دعاوى السابقين من أن للمرأة نفسًا أقل من نفس الرجل، وأنها ذات أصل شيطانى، إلى آخر الدعاوى التى تقلل من شأن المرأة. 

والمرأة فى الإسلام مثل الرجل، تشترك معه فى الخطاب القرآنى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الحج 49، وقد رفع القرآن عن المرأة أنها سبب الغواية والخروج من الجنة، فأشرك الاثنين آدم وزوجه فى المسئولية: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) البقرة 36، وفى بعض الآيات خص آدم وحده بالعصيان: (وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) طه 121. ثم قرر القرآن أنه لا يتحمل إنسانًا نتيجة ما ارتكبه آخر: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) البقرة 134.

كما جاء الخطاب للجنسين معًا: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) النساء 124، وأثبت للمرأة حق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والقيام بالأعمال الصالحة، وفيه برهان واضح على إعطاء المرأة حقها فى مزاولة النشاط الاجتماعى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 71. 

وتحقيقًا لاستقلال المرأة فى مسئوليتها الدينية، بايع الرسول النساء بيعة خاصة بهن منفصلة عن بيعة الرجال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم) الممتحنة 12، كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة فى تطبيق الحدود، كحد القتل والسرقة والزنا. 

حق إبداء الرأى:

أعطى الإسلام للمرأة حقوقًا من أهمها حق إبداء الرأى، ومنه المشاركة السياسية فى أمور الدولة والحكم: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى 38، والأمر لم يخص الرجال دون النساء، ومن نماذج هذه المواقف السياسية فى إبداء الرأى، معارضة أم المؤمنين السيدة عائشة لمعاوية عندما أراد البيعة لابنه يزيد، ومعارضة أسماء بنت أبى بكر لابنها عبدالله بن الزبير فى البيعة للأمويين.

وقبل ذلك بلغ إبداء المرأة رأيها قمته فى «بيعة الغدير»، حيث عقد النبى عليه الصلاة والسلام بيعة منفصلة للنساء، ولم يعتبر بيعة أزواجهن أو آبائهن أو إخوانهن على أنها بيعة بالنيابة عن النساء، وكان أن قادت هند بنت عتبة فريق النساء المبايعات: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الممتحنة 12. 

ويرجع سوء وضع المرأة بعد ذلك نتيجة لانسحاب المرأة نفسها عن المطالبة بحقوقها مكتفية بما لديها، مع تأكيد المجتمع على الصورة النمطية للمرأة، مما يلغى القاعدة الأساسية بأهمية إنصاف المرأة اجتماعيًا وقانونيًا، ويلغى وجودها كفاعل أساسى بعملية تركيب المجتمع وإعادة إنتاج قوته الفاعلة صورة وأداءً.

حيث إن قدرة المرأة على إتقان دورها اجتماعيًا تعتمد على نظرة المجتمع إليها، وتقييم الرجل لدورها، فلا يزال هناك تمييز ضد المرأة يمنع تحقيق مبدأ المساواة فى الحقوق واحترام كرامة الإنسان، والتمييز عقبة أمام مشاركة المرأة مع الرجل سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة فى خدمة بلدها والمجتمع. 

لقد أعطى الإسلام المرأة حقوقها ورفع منزلتها بالمساواة فى أصل الخلق، فقد أقر الإسلام خلق البشرية كلها من نفس واحدة: (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف 189.