الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حماية البنوك المصرية من تسونامى اضطراب الأسواق العالمية إتاحة السيولة الطارئة تعزز استقرار الجهاز المصرفى ولا تعكس مشكلة قائمة

لا شك فى أن الأوضاع المالية بالعالم تعانى تحديات كبيرة فى الوقت الراهن، تفرضها أزمة كورونا.. تلك الأزمة التى أربكت السياسات الاقتصادية والمالية على السواء.. وفى ظل وجود هذه التحديات وطرقها أبواب الدول بعنف، تبرز الإجراءات الاحترازية كأمر حتمى، ومسار لا بد من التزامه، لحماية المؤسسات المالية من أيّة تأثيرات محتملة ومن ثم وقاية الاقتصادات من الهزات العنيفة.



وكما أن إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادى فى مصر كانت بمثابة الدرع الذى حمى البلاد من الصدمة الأولى لأزمة كورونا والتى دفعت الناتج المحلى فى أغلب دول العالم إلى خانة الأرقام السلبية، حيث ظل النمو الاقتصادى فى مصر إيجابيًا واستمر توازن جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى، فإن ما قام به البنك المركزى فى الأيام الأخيرة من إجراءات احترازية لحماية البنوك وضمان توافر السيولة الطارئة لهو امتداد للقرارات التى تعزز من استقرار القطاع المصرفى وقدرته على المساهمة بشكل أكبر فى إحداث الاتزان للاقتصاد بعيدًا عن أيّة تأثيرات محتملة فى الفترة المقبلة.

حقيقة السيولة الطارئة

وأعلن البنك المركزى، مؤخرًا، عن موافقته على منح البنوك ذات الملاءة المالية سيولة طارئة حال عدم قدرة هذه البنوك على توفير السيولة من «الإنتربنك»، وحدد مجموعة من الضوابط والاشتراطات.

وقال المركزى فى بيان نشره على موقعه الإلكترونى إن عمليات منح السيولة الطارئة تختلف عن العمليات المتعلقة بالسياسة النقدية مثل عمليات السوق المفتوحة التى يستخدمها البنك المركزى الامتصاص أو ضخ السيولة على مستوى القطاع المصرفى والتأثير على المعروض النقدى.

وحدد البنك المركزى، أن يكون منح السيولة الطارئة مقتصراً على البنوك ذات الملاءة المالية، وأن يكون التمويل قصير الأجل ومقابل ضمانات كافية، إضافة إلى أن سعر العائد المطبق سيكون أعلى من متوسط سعر الإقراض السائدة بالسوق.

وبحسب الضوابط الجديدة، فإن التمويل الممنوح سيكون لفترات قصيرة الأجل، لمدة حدها الأقصى 180 يوما ويمكن مد التمويل أو جزء منه، وفقا للمركز المالى للبنك وقدرته على السداد، ويتم احتساب سعر التمويل بناء على سعر البنك المركزى للإقراض لليلة واحدة مضافا إليه هامش يحدده مجلس إدارة البنك المركزى (بحد أدنى 5 %).

وتعتبر عمليات منح السيولة الطارئة أداة من الأدوات المتاحة للبنوك المركزية التى يتم بموجبها دعم البنوك ومساندتها لمواجهة أزمات السيولة، نظراً لما قد يمثله من تهديد لاستمرارية أعمال البنوك وما قد ينتج عنها من تأثير على المؤسسات المالية الأخرى. ورغم أنه فور إعلان البنك المركزى لضوابط السيولة الطارئة أبدى البعض تخوفه من أن تكون هناك أزمة فعلية لدى البنوك، فإن أرقام ومؤشرات البنوك تؤكد قوة أوضاعها المالية، وتميط اللثام عن التزام كبير واستعداد من جانب البنك المركزى فى ضبط أوضاع القطاع المصرفى بشكل غير مسبوق.

وطبقًا للخبراء المصرفيين فإن إصدار هذه التعليمات يأتى تطبيقًا لأحكام قانون البنك المركزى الذى جرى تعديله منذ عامين، وتوافقًا مع التزامات اتفاقيات بازل، مؤكدين توافر السيولة بشكل كافٍ بالمصارف المصرية.

وتختلف عمليات منح السيولة الطارئة عن العمليات المتعلقة بالسياسة النقدية مثل عمليات السوق المفتوحة التى يستخدمها البنك المركزى لامتصاص أو ضخ السيولة على مستوى القطاع المصرفى والتأثير على المعروض النقدى، كما تختلف عن أدوات السيولة الأخرى التى يتيحها البنك المركزى مثل تسهيلات اليوم/ الليلة الواحدة، والتى تهدف أساسًا إلى الحفاظ على سلامة وسلاسة عمل نظام الدفع.

وقال الخبير المصرفى وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس محمد عبدالعال، إن إصدار البنك المركزى، إن تعليمات منح السيولة الطارئة قرار استباقى واحترازى فى آن واحد يدعم موقف البنوك ورسالة للمؤسسات الدولية بمساندة البنك المركزى للمصارف المحلية، ولا يعنى وجود حالات على الساحة المصرفية تحتم صدور مثل هذه التعليمات، مشيرًا إلى تصريحات نائب محافظ البنك المركزى بمؤشرات السيولة فى الجهاز المصرفى المصرى من أعلى نسب السيولة فى المنطقة.

وأضاف أن قواعد منح السيولة الطارئة جاءت التزامًا بمتطلبات «بازل 2 و3» التى تتطلب من البنوك المركزية فى جميع أنحاء العالم بوضع السياسات والإجراءات الملزمة لإدارة مخاطر الائتمان ومخاطر السوق.

وذكر أن البنك المركزى حدد منح تمويل السيولة الطارئة كملاذ أخير فى حالة عدم قدرة أى من البنوك على تلبية احتياجاته من السيولة من سوق الانتربنك أو من الأسواق المالية الأخرى، وحظر استخدام السيولة الطارئة لتمويل توزيعات الأرباح أو لإعادة شراء الأسهم أو لصرف مكافآت أعضاء مجلس الإدارة أو العاملين.

يذكر أن مجموعة الدول الصناعية العشر كانت قد أسست لجنة بازل للرقابة المصرفية، والتى تولت وضع اتفاقيات تهدف إلى التأكد من التزام المؤسسات المالية بوضع رأس المال الكافى للوفاء بالتزاماتها المالية وامتصاص الخسائر غير المتوقعة.

وحول توقيت صدور تعليمات منح السيولة الطارئة، ذكر عبدالعال، أنه لا يمكن الربط بين إصدار هذه التعليمات بأى قرارات أخرى مرتبطة بالسياسة النقدية للبنك المركزى مثل سياسة السوق المفتوحة أو إصدار أذون وسندات الخزانة أو تحديد أسعار الفائدة أو حتى أسعار الصرف.

كذلك أكد أن الأمر كله مرتبط بالتزام البنك المركزى بالمتطلبات الدولية، وهو أمر تطبقه جميع البنوك المركزية عالميًا.

وشدد الخبير المصرفى على أن السيولة بالبنوك المصرية متوفرة، حيث يتم توظيف نحو 50 % من الودائع بقيمة 3 تريليونات جنيه، مما يؤكد وجود فائض مرتفع للغاية، كما لم تتجاوز أى بنوك مؤشرات نسبة السيولة الإلزامية فى مصر.

ارتفاع كبير فى الودائع

وأعلن البنك المركزى عن ارتفاع ودائع العملاء بالجهاز المصرفى بنهاية شهر أكتوبر الماضى بنحو 114 مليار جنيه، لتسجل 6.1191 تريليون جنيه مقابل 6.077 تريليون جنيه فى سبتمبر السابق له.

ويأتى ارتفاع الودائع ليعكس تنامى السيولة لدى الجهاز المصرفى، فى ظل بيانات تشير إلى أن حجم الإقراض إلى الودائع لا زال لم يتخط الـ 50 % بالعملة المحلية والأجنبية.

واستعراضًا لتفاصيل بند الودائع فى البنوك، أوضح البنك المركزى، فى التقرير الشهرى،أن الودائع الحكومية ارتفعت لتبلغ 1.2 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر الماضى مقابل 1.166 مليار جنيه بنهاية سبتمبر السابق له.

وأضاف أن الودائع الحكومية بالعملة المحلية بلغت نحو 1.059 تريليون جنيه، فى حين بلغت الودائع بالعملة الأجنبية 141.182 مليار جنيه، مشيرا إلى أن الودائع غيرالحكومية سجلت ارتفاعا بنهاية أكتوبر الماضى لتبلغ 4.990 تريليون جنيه مقابل 4.910 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر السابق له.

ولفت إلى أن الودائع غير الحكومية بلغت بالعملة المحلية نحو 4.324 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر الماضى مقابل 4.253 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر السابق له.. واستحوذ قطاع الأعمال العام على نحو 84.8 مليار جنيه، وقطاع الأعمال الخاص على نحو 563.7 مليار جنيه، والقطاع العائلى على نحو 3.660 تريليون جنيه.. أما باقى القطاعات الأخرى وتشمل غير المقيمين وشيكات وحوالات مُشتراه على 185 مليار جنيه.

وأشار إلى أن الودائع بالعملات الأجنبية سجلت نحو 665.3 مليار جنيه مقابل 657.6 مليار جنيه فى الشهر السابق له، واستحوذ قطاع الأعمال العام على نحو 28.2 مليار جنيه، وقطاع الأعمال الخاص على نحو 181.7 مليار جنيه، والقطاع العائلى على نحو 439.4 مليار جنيه، أما باقى القطاعات الأخرى فتشمل غير المقيمين وشيكات وحوالات مٌشتراه على 16 مليار جنيه.

نتائج اختبارت الضغوط

ومما يدعو إلى مزيد من الثقة فى وحدات الجهاز المصرفى بالسوق المحلية، أظهرت نتائج اختبارات الضغوط صلابة النظام المالى بمكونيه المصرفى وغير المصرفى وقدرته على مواجهة الخسائر التى قد تترتب على استمرار التبعات السلبية لجائحة كورونا، وظهور سلالات متحورة منه، بالإضافة إلى الصدمات التى قد تنتج من التطورات المرتبطة بتغيرات المناخ.

وكشف البنك المركزى فى تقرير الاستقرار المالى أنه تم تطبيق اختبارات الضغوط على أكبر 15 بنك بالقطاع المصرفى والتى تمثل نسبة 84.7 % من إجمالى المركز المالى للقطاع، لتقدير مدى تأثير سيناريو للمخاطر الاقتصادية والمالية المرتبطة باستمرار تبعات جائحة كورونا والتغيرات المناخية خالل عام 2022 على الملاءة المالية – وذلك بتطبيق اختبارات الضغوط لمخاطر الائتمان، والتركز، والسوق،والتشغيل – وكذلك على السيولة الخاصة بالقطاع.

كما تم تطبيق اختبارات الضغوط على نسبة من شركات ومؤسسات القطاع المالى غير المصرفى وسوق رأس المال، والتى تتراوح بين 60 % و100 % من حجم كل نشاط.

وأظهرت نتائج جميع الاختبارات مستوى منخفض أو متوسط من مخاطر الملاءة المالية، وقدرة القواعد الرأسمالية للقطاع المصرفى على استيعاب جميع الخسائر الناتجة عن الصدمات المفترضة – بكل من السيناريو الأساسى، والسيناريو الأكثر حدة – لتستمر كل من نسبة كفاية رأس المال، وكفاية رأس المال الأساسى أعلى من الحد الأدنى الرقابى المقرر من البنك المركزى المصرى وأعلى من متطلبات لجنة بازل.

وعلى نحو مماثل، يتعرض القطاع لمستوى منخفض أو متوسط من مخاطر السيولة، بناء على نتائج اختبارات الضغوط التى تم إجراؤها على كل من نسبة تغطية السيولة ونسبة صافى التمويل المستقر، والتدفقات النقدية للسيولة.

كذلك أظهرت نتائج اختبارات الضغوط قوة ومتانة المركز المالى لشركات ومؤسسات القطاع المالى غير المصرفى، كما ساهمت فى إلقاء الضوء على بعض الجوانب التى يتعين أخذها فى الاعتبار خلال الفترة الحالية، مثل ضرورة العمل على تطوير خطط استمرارية الأعمال، ودعم توجه الشركات نحو مزيد من التحول الرقمى فى تنفيذ الأعمال، وضرورة متابعة بعض الشركات باستمرار، وتحديد مدى احتياجها لزيادة رؤوس أموالها.

عودة الأجانب بقوة لأدوات الدين

ومما يدعو للتفاؤل بشأن الفترة المقبلة، فيما يتعلق بالسيولة بالنقد الأجنبى، ما كشفه مسئول فى البنك المركزى المصرى، حيث أكد أن المستثمرين الأجانب عادوا بقوة للسوق المصرية بداية من يناير 2022.

وقال المسئول إن المستثمرين الأجانب قاموا بضخ نحو 970 مليون دولار منذ بداية العام وحتى 16 يناير الجارى فى الاستثمارات المالية من سندات طويلة الأجل وأذون خزانة.

 وأضاف المصدر: أن الاقتصاد المصرى يتجاوز تداعيات السياسة النقدية الدولية، وهذا تعزيز جديد لا يستهان به، مشيرا إلى أن رصيد الاستثمارات فى السندات طويلة الأجل يتجاوز رصيد أذون الخزانة القصيرة الأجل، وهو ما يدعو إلى الاطمئنان بشأن الاستثمارات غير المباشرة المتدفقة للسوق المحلية.