الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دعوات لاستخدامه فى تنشيط السياحة وتحذيرات من أمراضه الاجتماعية وبث الأفكار المسمومة: الميتافيرس.. مزيج بين الواقع والخيال لجذب مستهلكين جدد

شطحـات الخيال العلمى أصبحت واقعًا



 

لم تعد أفلام الخيال العلمى مجرد أفكار لا تتجاوز آثارها دقائق عرضها على شاشات السينما؛ بل تحولت إلى قاطرة تقود العالم نحو طفرات وقفزات تكنولوجية كان مجرد التفكير فيها محض «شطحات» ينسجها خيال مؤلفى هذه الأفلام.

ولعل أحدث هذه الخيالات  العلمية التى باتت حقيقة ما يُعرف الآن بـ«الميتافيرس» تلك التقنية العلمية الجديدة التى تتيح عالمًا افتراضيًا متكاملاً.

«روزاليوسف» تستعرض فى هذا الملف الأسس التى قامت عليها تكنولوجيا الميتافيرس وتوقعات العلماء والمختصين  لمستقبل هذه التكنولوجيا، بالإضافة إلى التغييرات التى أحدثتها فى مختلف المجالات، حتى باتت عقارات «الميتا فيرس» الافتراضية تباع بملايين الدولارات.

مع كل جديد تبدأ حالة جدل وصراع بين ما هو قائم وما هو مستحدث، لكن التاريخ يؤكد لنا أنه لا مكان لمن لا يواكب مستجدات العصر، وفى الآونة الأخيرة طفت على السطح حالة جدلية حول تقنية الـ«ميتافيرس»، وهى التواجد الافتراضى؛ حيث يرتدى الشخص نظارة مصنوعة بتكنولوجيا معينة تمنح رؤية ثلاثية الأبعاد، فمثلاً إذا كان يشاهد التليفزيون سيشعر أنه داخل الأحداث وليس مجرد مُشاهد لها.

وفيما يرى البعض أن مثل هذه التكنولوجيا يمكن الاستفادة منها فى مصر بشكل كبير فى مجالات متعددة، ومنها الترويج للسياحة المصرية من خلال الواقع المعزز، نجد أن هناك من يتخوف من هذا الواقع الافتراضى وأنه سيؤدى إلى أمراض اجتماعية عدة أبرزها زيادة معدلات الانعزالية والانطوائية، ناهينا عن كونها وسيلة يمكن استخدامها من قِبَل التيارات الإرهابية فى تجنيد الشباب وبث السموم الفكرية فى عقولهم.

لكن تبقى هناك حقيقة مؤكدة، أن الـ «ميتافيرس» مثلها مثل أى وسيلة تكنولوجية حديثة، ما هى إلا منتج جديد يستهدف جذب مستهلكين جُدُد، كما أن مثل هذه المنتجات المتطورة لن تتوقف؛ بل سوف تزداد تطورًا وستكسر أى حواجز بشرية، ومن ثم فإن الحل يكمن فى الاستعداد الجيد لها من أجل حُسن استخدامها والحد من أى آثار جانبية لها.

 إدمان رقمى

يقول المهندس مصطفى متولى، المدرب المعتمد من مايكروسوفت، المحاضر بكلية الإعلام: إن التواصل المجتمعى يحدث به نمو، والإنسان متطلباته مختلفة وأصبح فى حاجة لأن يعيش التجربة وكأنه فى عالم خيالى، وبعد فترة بدأت تظهر تقنيات الـ VR  و AR  فالـ VR  هى البيئة التخيلية الكاملة فترتدى نظارة وتدخل عالمًا آخر، أما الـ AR فهو الواقع المعزز ومن الممكن تصور شىء يظهر معك فى الواقع، وهى تكنولوجيا ظهرت منذ نحو عشر سنوات وليست جديدة، لكنها مكلفة جدًا، وبدأ الآن المزج بين الـ VR والـAR   فهو مزيج بين الواقع والخيال.

ويوضح «متولى»، أن الهدف هو جذب مستهلكين أكثر، فنجد أن لعبة مثل بابجى بدلاً من أن يمسك الشخص الموبايل ليلعب، نجده يدخل اللعبة ليعيش بها. ومصطلح الميتافيرس يعنى ما وراء العالم الحقيقى، وهناك محاولات لنقل العالم إلى كل ما هو جديد، فيستطيع أن يلعب أكثر ويعقد اجتماعات بشكل أفضل ويرى أحباءه ويعيش فى عالم افتراضى أفضل من واقعة.

ويضيف: إن ذلك يبدو جميلاً جدًا ظاهريًا لأنه يسعد الكثيرين ولكن يؤدى إلى مشكلات مجتمعية ضخمة لأنك تنفصل عن الواقع، ونعانى الآن من الإدمان الرقمى لمنصات السوشيال ميديا والإنستجرام والتيك توك وذلك لشريحة كبيرة من المجتمع؛ خصوصًا الفتيات والمراهقين، وبَعد تطبيق الميتافيرس إذا كنت متضايقًا من مكانك تستطيع خَلق بيئة وهمية تعيش فيها؛ بل تستطيع أن تصمم منزلًا لتعيش داخله، وهذه تعتبر جرعات من المخدرات الرقمية حتى تحسن الواقع الذى تعيش به.

 ويؤكد «متولى»، أن شركة مايكروسوفت بدأت تصنيع منتجات تدعم الميتافيرس، وتمتلك منتجًا اسمه مايكروسوفت تيم، والمدير التنفيذى للشركة أعلن أنه فى العام الحالى 2022 سيعقد العاملون على البرنامج اجتماعًا افتراضيًا مع تغيير صورهم إلى صور أفاتار والأفاتار مقصود به المجسم، ومنذ عشرين عامًا كانت مثل هذه الأمور ضربًا من الخيال لا نراها إلا فى أفلام مثل فيلم ماتريكس، لكنها أصبحت حقيقة.

ويشدد على ضرورة وضع آليات لاستخدام تلك التطبيقات لأنها سوف تعمل على خَلق المزيد من المشاكل المجتمعية خاصة للأشخاص الانطوائيين، كما أنها ستزيد من معدل الجريمة والعنف، ولدينا من المنصات التى تؤدى إلى انحراف بالمجتمع من خلال تعزيز السلوك، فنجد بعض الشباب يأتون بأعمال غريبة وشاذة تحقيقًا لعمل مُشاهدات ولايكات فقط دون النظر إلى المحتوى.

 انهيار الدول

من جانبها تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: لا نستطيع وقف السوشيال ميديا مثلها مثل الراديو والتليفزيون، ولكن هناك بعض الأمور السلبية التى لا تساير المجتمع المصرى، وهناك بعض المُشاهدات السيئة جدًا عند الأطفال والكبار. وبعض الدول مثل الصين تستطيع أن تحمى مجتمعها وتمنع هذه المشاهدات، فهى تحمى المجتمع من انتشار العادات السيئة والأفكار السلبية والإحباطات التى من الممكن أن تدمر مواطنيها، فهل نستطيع أن نعمل مثل هذه الدول؟! فإذا كان الأمر صعبًا لأن ذلك يحتاج إلى تقنيات حديثة وإمكانيات مادية كبيرة غير متوافرة، فعلى الأقل لا بُد أن نكون مستعدين للمواجهة، كما أنه على إعلامنا أن يكون فى منتهَى الانضباط والقوة حتى نستطيع أن نواجه أى تيارات، وفى الماضى كانت هناك رقابة على الأفلام والأغانى والسهرات وغيرها.

وتؤكد «خضر» على دور الأم من ملاحظة لأبنائها وتربيتهم تربية فاضلة وعدم الانشغال عنهم بهموم أخرى من عمل خارج المنزل وأشغال منزلية فلا بُد أن توفق بين عملها وأسرتها، وكذلك الأب لا بُد أن يساهم فى تربية الأبناء، والدولة أيضًا لها دور كبير فما نشاهده اليوم فى التليفزيون من أعمال تشجع العنف وتعلم «الردح» وغيره يُعتبر تكسيرًا فى المجتمع المصرى، كما يوجد للمَدرسة أيضًا دور كبير، ولكن بما أن الأمية لدينا 25% أمية فإن دور الإعلام المرئى مهم جدًا فى التعليم والتوعية.

وتستنكر «خضر» تحويل حدائق الطفل إلى محلات أطعمة مع غياب برامج الأطفال التى لم يعد لها وجود، رغم أن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر فلا بُد من عودة حدائق الطفل والاهتمام بعمل برامج تجذب الأطفال وتعلمهم وتنشيط الزيارات المدرسية للمتاحف والأماكن الأثرية والمكتبات، كما طالبت بعمل أفلام ضد التدخين والشيشة وغيرها من العادات السيئة كما كان يحدث فى الماضى. وأكدت على تقديم النماذج الناجحة وتكريمها وتقديم الأعمال التى تعزز الهوية الثقافية وتعليم الأجيال الاهتمام بالجانب الأخلاقى والفكرى والعودة إلى القراءة وتكريم الأدباء.

وتقول: نحن نتقبل وجود عالم افتراضى، لكن لا بُد من أن يساير ذلك الثقافة والعادات والتقاليد بطريقة تحترم القيم ولا ننتظر حتى يتم اختراقنا، وعلينا مواكبة ومواجهة القادم حتى تكون لدينا البنية القوية، فهناك دول كبرى تسقط بسبب عدم الانتباه إلى الفكر والخطر القادم.

من جهته يقول الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية: إن الإقبال على الإنترنت والفيسبوك من الشباب فى الآونة الأخيرة لأنه وسيلة للتنفيس الانفعالى، فالشاب يُخرج شحنة غضب أو شحنة عاطفية أو يقضى على وقت الفراغ، كما أنه يتسم بالراحة أى لا يتطلب خروجًا من المنزل أو سفر أو ركوب مواصلات فهو موفر للجهد والوقت والطاقة ويختصر مسافات، كما يوفر له نوعًا من السرية فيشعر أنه مع التليفون لا يشعر به أحد ويعمل علاقات.

ويضيف، أنه فى العالم الافتراضى والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى يجد الشاب لغة العصر التى يريدها ولا يجدها بالمنزل ولا مع الآباء والأمهات، حتى الحب فى السوشيال ميديا له مصطلحاته فنجد كلمات مثل الكراش والستوكر، وهناك 100 ألف تطبيق للتعارف والحصول على شريك عاطفى.

 أفكار متطرفة

من جهته يقول اللواء هشام صبرى، ممثل الأمم المتحدة لقوات حفظ السلامـ سابقًا: إن ما أعلنته شركة فيسبوك عن تخليها عن الاسم التقليدى وظهور ما يسمى بالميتافيرس فى عالم التواصل الاجتماعى وعالم الاتصالات وثورة المعلومات فهذا تطور طبيعى لما شاهدناه من التطور غير المسبوق من التكنولوجيا، فنحن أصبحنا فى عالم يقترب من كونه قرية كونية صغيرة فيتم نقل الأحداث والمعلومات لحظيًا، وبالتالى من نتاج هذه الثورة ظهور مواقع التواصل وتبادل المعلومات وانفتاح الثقافات وهذا هو الجانب المضىء من الموضوع.

ويضيف «صبرى»: أمّا التطور الأخير الذى يتعلق بالميتافيرس وما قيل عنه من مزاياه فقط أنه يزيد أو ينقل الشخص من مجرد مُشاهد إلى مشارك فى العالم الافتراضى ويكاد يعيش بداخلة منفصلًا تمامًا عن الواقع، فمن هنا نجد عدة ملاحظات لا بُد أن ننتبه إليها، فإذا كانت سابقًا مواقع التواصل الاجتماعى تزيد الفجوة بين أفراد الأسرة وكان ذلك مزعجًا لأنه يؤثر على أواصر الأسرة التى تمثل اللبنة الأولى فى المجتمع، وكذلك نقل ثقافات غريبة وعادات غريبة عن المجتمع المصرى، بل ومحاولة بث أفكار شاذة وأفكار متطرفة تؤدى إلى زعزعة الاستقرار داخل الأسرة وداخل المجتمع؛ فإن الأمر يزداد خطورة، فالميتافيرس تعايُش كامل فى أماكن مختلفة وواقع افتراضى مصطنع، وبالتالى يصبح انفصالًا عن الواقع أكثر،  كما أنه بيئة خصبة للجماعات المتطرفة التى تبث سمومها فى عقول الشباب ووجدانهم، وبعض الشباب يتم خداعهم ولا يستطيعون تحرى الدقة فى المعلومات، فنجد أن هناك أفكارًا مغلوطة وخاطئة تهدف إلى زعزعة فكر الشباب والتأثير عليهم، وهنا على مؤسّسات الدولة كافة وضع قواعد صارمة لكيفية استخدام هذة المواقع وتوعية شاملة بجميع مخاطرها، كما تلعب الأسرة دورًا فى تربية أبنائهم حتى لا يتأثروا بهذه التكنولوجيا وما تحمله من أفكار مغلوطة.

نوبات تشنج

فى السياق، يؤكد الدكتور شادى سامى، مدرس واستشارى طب المخ والأعصاب بجامعة عين شمس، أن استخدام الهواتف الذكية يؤثر على مرضى المخ والأعصاب والأمراض النفسية، كما أن الانحناء نفسه للنظر للموبايل يزيد من مشاكل الفقرات والخشونة والتشنج العضلى.

ويشير إلى أن الجمعية الأمريكية لطب الأطفال تنصح بمنع الأطفال حتى سنتين من استخدام المحمول إلا لأغراض تعليمية أو مكالمة فيديو، ولكن الاستخدام المفرط الذى نراه من الأمهات لتهدئة الطفل بترك الموبايل له فيؤثر بالسلب على النمو الطبيعى للخلايا العصبية، كما أن الأطفال من سنتين إلى خمس سنوات لا يسمح لهم باستخدام الموبايل سوى ساعة واحدة فقط يوميًا، وفى الويك إند 3 ساعات حتى يواكب التطور ولا يؤثر على نموة الطبيعى، كما ينصح بعدم استخدام مرضى الصداع النصفى ومرضى الصرع الموبايل لأنه يعمل على زيادة نوبات التشنج والصداع، والتطور فى مجال التكنولوجيا لا يتوقف، فهناك شرائح تتحكم فى الإنسان عن بُعد، ولكنها لم تخرج عن كونها تجارب على الحيوانات لم تطبق على الإنسان.