الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كوميديا الكذب والكآبة: لكل منا عالم «برا المنهج»

لكل منا شخصيتان، شخصية خارجية نختار تفاصيلها بدقة ونرسم صفات معينة نحدد أن تظهر هى دون غيرها للناس، ومنا من يتمادى ويرتدى أقنعة لا تشبهه، ويتجمل أو يكذب ويرتدى قناع المثالية أو التدين أو المثل العليا، ويشبه كل ذلك بالمنهج المحفوظ والمكرر الذى تقنع نفسك بتفاصيله لدرجة تصديقك لها فتصبح كأنها حقيقتك أو بمعنى أصح الحقيقة التى اخترت أن يعرفها الناس عنك.



 

أما نفسك الأخرى الداخلية فهى أنت بكل ما فيك من إيجابيات وسلبيات وتشوهات وأخطاء تحاول ونحاول جميعًا إخفاءها عمن حولنا، فتشبه ما يسمى بما وراء النفس أو برا المنهج، منهجك.

حقيقة نتفادى البوح بها لكنها طبيعة بشرية باختلاف درجاتها عند كل منا، عبّر عنها فيلم (برا المنهج) للمخرج والكاتب «عمرو سلامة» بشكل ممتع، من خلال شخصيتين وهما الطفل «نور» الذى يكذب دائمًا بكونه يتيمًا فقيرًا شجاعًا وهو أبعد ما يكون عن ذلك، ويعبر عنه الكاتب والمخرج بالمفارقة بين اسمه الحقيقى «نور» الذى يعبر عن ذكائه الخفى، واسم «عماشة» الذى يطلقه عليه زملاؤه بالمدرسة بسبب ضعف نظره، أما الشخصية الأخرى فهى «أحمد» المذيع المعروف الذى قرر الهروب من أخطائه فارتدى زى شبح وعاش فى عزلة تامة بمنزل بعيد عن بيته الأصلى ليتوارى عن العالم تحت قناع الشبح حتى لا يقترب منه أحد.

ظاهريًا تلمس فى قصة (برا المنهج) عملًا ذاتيًا يحكى قصص شخوص بعينها ورحلة تطورها، لكنه أعمق من ذلك فهو يحكى فلسفة الكشف عن النفس الحقيقية بكل أخطائها والتعايش معها مع محاولة إصلاحها ومواجهة العالم بها، فتلك أقصر الطرق لتحقيق السلام النفسى وبالتالى مصالحة العالم المحيط، فأنت كمُشاهد سوف تلمس كل شخصية منهم جزءًا من كيانك، فمن منا لا يتخفى أحيانًا فى قناع لا يشبهه، خاصة وأنت تتعايش مع هاتين الشخصيتين، الطفل «عمر الشريف» فى دور «نور» كيف صدقته وهو «يرمش» بعينيه طوال الأحداث كونه ضعيف النظر أو يحاول التهويل فى أى حكاية ببراءة الأطفال ودهائهم، وأيضًا «ماجد الكدوانى» فى دور «أحمد» الذى يعيش فى عزلة اختارها بنفسه ليهرب من كل العالم، يشعر بالكآبة والوحشة والضعف، كل تلك المشاعر تلمسها فى شخصه وتسقطها على نفسك أو أى قريب لك.

إلا أن العمل الفنى أصابه الرتابة والملل فى كثير من الأحداث، لكن التنقل بين الأزمنة والأماكن بالرجوع لحكايات أبطال من التاريخ مثل «أخناتون» و«صلاح الدين الأيوبى» و«محمد على باشا»، كسر بطء الإيقاع إلى جانب كوميديا الحوار فى كثير من المشاهد.

كما أن الموسيقى التصويرية لـ«راجح داوود» كانت بطلاً أساسيًا فى (برا المنهج) باستخدامه آلات الكامنجا والتشيللو والقانون والفلوت فى المشاهد الدرامية لتعكس حالة الحزن أو الحب، والنقر على الآلات الوترية بشكل سريع فى مشاهد أخرى لتعكس حالة الكوميديا كأنك تشاهد فقرة كوميدية أو «سيرك»، أما عن الإضاءة فاستخدم مدير الإضاءة ألوان الرمادى والأزرق فى إضاءة البيت المسكون أضفى الإحساس بالوحشة والكآبة على المشاهد ليعكس ما يشعر به الشبح أو «أحمد».

(برا المنهج)، حكاية كل منا، حكاية من بداية الخلق إلى الآن، عما تُظهره لمن حولك فيصبح منهجك المحفوظ وعما تُخفيه بداخلك فيصبح عالمك الآخر الذى لا أحد يعرفه، والذى يسمى (برا المنهج).