الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

“روزاليوسف” السيدة والمؤسسة خاضا أهم معارك الوطن وكتبا تاريخه فى الأربعينيات والخمسينيات: مجلة هزت عرش “مصر” و “إنجلترا” وتصدت للـ “صهاينة”

 



 إذا حكم عليك بالنفى فى جزيرة جرداء، وسمح لك أن تحمل كتابا واحدا ليؤنسك فى وحدتك،فأوصيك أن تختار مجلدا يضم مجموعة من مجموعات الصحف القديمة، وأوصيك أن تختار من بين هذه المجموعات مجلدا لروزاليوسف..  إنها صفحات لا تمل ولو استعدتها مرارا.. وصور من الماضى تحمل عبرا وتحمل ابتسامات وتحمل دموعا .. ولكنها كلها تدفعك للابتسام 

وقد تدفعك إلى الاستسلام للأقدار التى تقف دائما ضد إرادة الأقلام.. 

وهى أخيرا عرض مسلسل لتاريخ السياسة المصرية ولتاريخ تطور عقليات الكتاب وأهدافهم وأسلوبهم .. لذا فإليكم هذه الصفحات من مجلدات «روزاليوسف» منذ عامها الأول.

 نصدر هذا العدد التذكارى ليكون بداية الاحتفال بمئوية روزاليوسف التى كادت أن تكتمل ويشاء القدر أن يصادف تاريخ صدور العدد يوم السبت موعد الإصدار الأسبوعى أول أيام شهر يناير ذكرى ميلاد إحسان عبد القدوس الـ(103).

ثلاثة أعوام انقضت على مرور مئة عام على ميلاد إحسان..

وثلاثة أعوام تتبقى على اكتمال مئوية إصدار المجلة..التى تحمل اسم والدته التى أنجبت مهنيا من خلال هذه المطبوعة مئات الكتاب والصحفيين وأرخت لتاريخ مصر وحركت أهم أحداثها فروزاليوسف بحق هى تاريخ الصحافة المصرية ومهد كل نجومها.

اخترت من هذا التاريخ فترة الأربعينيات والخمسينيات لأغوص فى مجلداتها باحثا عن أهم معارك العقدين متتبعا لأهم الأحداث لأكتشف أن صفحات المجلدات الراقدة تحت تراب الأرشيف مازالت موضوعاتها وشخوصها حية تضج بالأحداث.

ونستطيع أن نقسم معارك روزاليوسف فى تلك المرحلة إلى ثلاث معارك أساسية.. الأولى كانت معركتها مع الوفد والنحاس باشا، التى بدأت منذ وفاة سعد زغلول وحتى قيام ثورة يوليو 1952 ولكن المعركة تركزت بشكل خاص ما بين مصطفى النحاس باشا وروزاليوسف السيدة والمجلة وكانت معركة عنيفة تعرضت فيها روزاليوسف للمصادرة والمنع. 

للمفارقة فقد كان سعد زغلول أول شخصية سياسية تظهر على غلاف مجلة روزاليوسف بعد وفاته فى أغسطس 1927 ثم انغمست المجلة فى الهجوم على أعداء الوفد الذى كان يحظى وقتها بالالتفاف الشعبى، ودخلت معارك محتدمة لتأييد تولى مصطفى النحاس رئاسة الحزب خلفا لسعد زغلول وبذلك دخلت روزاليوسف المجال السياسى سريعا وانحازت منذ البداية للشعب ولما تراه فى صالح الوطن فكان عداؤها للإنجليز راسخا، وهجومها على من يهادنهم دائما. 

ولأنها كانت دائما فى قلب الأحداث، فبعد إقالة الملك لحكومة الوفد وتعطيله الدستور هاجمت المجلة   القصر والإنجليز والحكومة، فتعرضت كثيرا للغلق والمصادرة حيث قدرت السيدة فاطمة اليوسف من خلال إحصائية نشرتها فى مقال لها عام 1954 أن عدد النسخ التى تم مصادرتها من 30 يونيو 1928 إلى أكتوبر 1954 وصلت إلى 638 ألف نسخة وأنه تم تعطيل روزاليوسف عن الصدور بإجمالى 134 شهرا ونصف الشهر خلال تلك المدة وأن الخسائر عن إجمالى فترات التوقف والأعداد المصادرة عن نفس الفترة قدرت بـ146 ألف جنيه تقريبا.

ورغم ذلك لم تتوقف يوما عن سلوك المنهج الوطنى فى مهاجمة الإنجليز والمطالبة بعودة الدستور وكان تمسك روزاليوسف بتلك المبادئ سبب اتفاقها مع الوفد ولكنه أيضا كان سبب الخلاف بينهما بعد تولى توفيق نسيم الوزارة.

فقد رأى الوفد بزعامة النحاس مهادنة الوزارة الجديدة حتى تفى بوعدها وتعيد الدستور، وعلى العكس من موقف الوفد انخرطت روزاليوسف اليومية فى الهجوم على وزارة «نسيم» فأعلن الوفد فى بيان أن جريدة روزاليوسف لا تمثل الوفد ولا صلة لها به.

فردت مجلة روزاليوسف على بيان الوفد بنشر كلمة سعد زغلول التى قال فيها:

«الصحافة حرة.. تقول فى حدود القانون ما تشاء وتنتقد ما تريد. وليس من الرأى أن نسألها لماذا تنتقدنا، بل من الواجب أن نسأل أنفسنا لما نفعل ما تنتقدنا عليه».

فكانت كلمات سعد زغلول مؤسس حزب الوفد خير رد على بيان الوفد.

 واستمرت روزاليوسف  فى موقفها المعارض للإنجليز والحكومة والقصر وانضم إليهم الوفد، فأصبحت فى عداء مع الجميع من أجل الدستور والحرية. 

وظلت دائما روزاليوسف على ذات النهج بعيدة عن التقيد بالانتماء لأى حزب. تنحاز فقط للجماهير ولما تؤمن به فى صالح الوطن.

ومن فاطمة اليوسف إلى إحسان عبدالقدوس حيث ورث الابن من أمه الوطنية والمهنية والذكاء الصحفى فتجد سلسلة من التحقيقات الصحفية النادرة من قلب فلسطين والتى لم يرد ذكرها أو أعيد نشرها من قبل وكأنها سقطت سهوا من الجميع أطلق من خلالها إحسان صافرة إنذار عن خطر العصابات اليهودية وأن هناك شيئا ما يدبر لهذا الجزء العزيز من الوطن العربى نشرت على ثلاث حلقات فى الأعداد رقم (883 و884 و886) عام 1945 قبل 3 سنوات من النكبة. 

ليس هذا فحسب عندما لم يستمع أحد لتحذيرات إحسان على صفحات روزا ووقعت الكارثة واغتصب الصهاينة فلسطين أخذت روزاليوسف على عاتقها القيام بأدوار مؤسسات الدولة الغائبة فقامت بحملة ضخمة لحث الملك والزعماء العرب على إعلان الحرب ودعت للتعبئة العامة وقامت برفع الروح المعنوية للجيوش والشعوب العربية وكشفت مؤامرة بريطانيا فى حجب وصول الذخيرة وأجرت استفتاء لإنشاء أول مصنع ذخيرة مصرى ودعت لجمع التبرعات وإرسالها إلى فلسطين وقامت بتغطية المعركة منذ لحظة إعلان البيان رقم واحد فى عدد تاريخى نعيد نشر أهم هذه الموضوعات التى تثبت أن المجلة كان لها دور أهم من الترفيه ومناقشة القضايا المحلية.

ثم انتهت حرب 1948 بالهزيمة ونكبة ضياع الأرض وأعلن إحسان على صفحات روزا تفاصيل فضيحة الأسلحة الفاسدة ورفع السقف وناقش كل قضايا الوطن فنشر على صفحات المجلة اقتراحا بتحديد الملكية الزراعية وتأميم المشروعات المهمة ورصد احتجاجات طوائف الشعب على الفساد وبشر بالثورة فى مقالاته.

وبعد ثورة يوليو 1952 كانت المعركة الوطنية التى خاضتها روزاليوسف بكل كتابها هى رحيل الإنجليز ولم يخل عدد من فضح الوجه الاستعمارى البغيض للإنجليز فى كل مستعمراتهم فى العالم فتجد تغطية خاصة لروزاليوسف من الهند ومن دول أفريقية مستعمرة من بريطانيا تكشف الوجه الحقيقى للإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس !

وبعد أن انتهت الغمة وتم جلاء المحتل عن مصر وقبل أن تلتقط المجلة أنفاسها من المعارك المتتالية منذ صدورها شاء القدر أن يخيم الحزن على المؤسسة وتغيب شمسها برحيل السيدة فاطمة اليوسف فى مشهد مهيب لم يغادر ذاكرة أبناء هذا الجيل ففى عام 1958 انتهى عهد وانكسر شىء فى روزاليوسف المؤسسة برحيل صاحبة الاسم والمكان هكذا قال ابنها رئيس التحرير إحسان عبد القدوس وأيضا أحمد بهاء الدين رئيس تحرير صباح الخير. على مدار أكثر من 3 عقود نجحت روزاليوسف فى حفر اسمها فى تاريخ الصحافة المصرية سواء بشخصها كسيدة خاضت المجال على الرغم من كل التحفظات المجتمعية على عمل المرأة بالقرن الماضى أو كمؤسسة صحفية استمر اسمها مضيئا رغم كل العقبات والشدائد التى مرت بها لتكون مهد كل نجوم الصحافة وأرشيف تاريخها كاملا.