الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

معركة استمرت من وفاة سعد زغلول إلى قيام ثورة 1952 روزاليوسف.. ومصطفي النحاس

النحاس فى «روزاليوسف» ليس تاريخا.. إنه حياة كاملة.. بكل ما فيها من جهاد وتضحية وانتصارات.. وأخطاء. وعندما أصبحت «روزاليوسف» مجلة سياسية حين صدورها لم تجد إلا الوفد تتحدث بلسانه وتدافع عن مبادئه.. ففى ذلك الحين كان الوفد حزبا فاضلا ولد فى حضن ثورة 1919.. وتألف لمواصلتها..



ولم يمض عام واحد على ارتباط «روزاليوسف» بالوفد حتى لقى سعد زغلول ربه وأصبح النحاس خليفة له.

 

من يومها حتى يوليو 1952 والنحاس فى «روزاليوسف» حياة متكاملة.. بدأت بالاتفاق الكامل حتى خرجت «روزاليوسف» من الوفد، ومازالت تتأرجح بين الصلح والخصام حتى طوت مصر مرحلة من تاريخها وبدأت مرحلة جديدة.. توارى فيها الزعماء التقليديون عن الأنظار.

ولكن النحاس من بين هؤلاء الزعماء جميعًا، هو الذى أشعرنا بموته أن هذه المرحلة القديمة من تاريخ البلاد قد انتهت، لأنه كان رمزا لها وعلما عليها.. كان جهادنا الذى لم يوفق، وإن كان قد ترك أعظم الذكريات.

ولقد عشنا هذه الذكريات من جديد ونحن نقلب صفحات «روزاليوسف» بحثا عن مصطفى النحاس.. فإذا بنا نجده يملأ صفحات المجلة.. غاضبًا.. مبتسمًا.. زعيمًا للمعارضة.. ورئيسًا للحكومة.

وحول اسم مصطفى النحاس ازدهرت كثير من أسماء الصحفيين، ومن ملامحه الطيبة بنى كثير من الرسامين أمجادهم.. من أول صاروخان.. إلى رخا.. إلى عبدالسميع.. إلى رفقى.. إلى جورج.

صاروخان الذى رسم النحاس فائزا منتصرًا عام 1927.. ورفقى الذى رسمه عام 1935 يتعاون مع توفيق نسيم على طعن الدستور!

نعم.. فقد تحطم الحلف الذى عقدته «روزاليوسف» مع الوفد عام 1935 على صخرة الخلاف حول وزارة توفيق نسيم.. هل تجب مهادنتها أم معارضتها؟

وكان رأى «روزاليوسف» أن الواجب معارضتها، لأنها وزارة غير دستورية.. بينما كان رأى النحاس أنه يجب مهادنتها لأنها وزارة مؤقتة سرعان ما تسلم زمام الحكم إلى الوفد.

ولكن لنبدأ من البداية.. من الفترة التى كانت «روزاليوسف» فيه مجلة وفدية.

كانت «روزاليوسف» فى ذلك الحين بين عام 1926 و1935 ترى فى الوفد تجمعًا وطنيًا يستند إلى الشعب ويناضل من أجل الاستقلال.. وهذا ما يفسر الصورة التى رسمها صاروخان للنحاس وقد ذهبت إليه وفود الأمة مهنئة بعودته إلى الحكم عام 1929.

إن الصورة ترى أن الأمة هى الجيش، والفلاحون.. والعمال.

 ولكن الكلام أو الزجل المنشور مع الصورة، لا يرى فى الفلاحين والعمال طبقات مهضومة الحق تطالب بحقها، بل يرى فيها غالبية الشعب الذى يسعى إلى الاستقلال.

إن الفلاحين لا يطالبون بالأرض، ولكن يطالبون بتحرير النيل من احتلال الإنجليز.

النيل يا باشا مفيش فى الكون لنا غيره

اللحم والدم فينا كتل من خيره

فك القيود عنه وارفع فى السودان نيره

إلا استجار واشتكى من الأسر وأيامه

أمانة يا باشا إلا تغيتنا وتجيره

وهكذا يقول العمال والجيش الذى يطالب بإعادة مجد الجدود.

و«روزاليوسف» فى تلك الفترة ترافق النحاس فى نضاله من أجل الاستقلال والدستور الذى أوقفته حكومات الأقلية و«روزاليوسف» تنشر هذه القصة:

سافر صاحب الدولة رئيس الوفد إلى بورسعيد، ومر فى طريقه بمدينة الزقازيق.. وأثناء وقوف القطار فى محطة المدينة المذكورة، تعالى هتاف بحياة زعيم الوفد وهو هتاف خرق طبلة الآذان.

وقيل لسعادة المدير إن أصحاب هذا الهتاف، أو ممن اشتركوا فيه موظفو مديريته.. وصدرت الأوامر، وعقد اجتماع من الموظفين قام فيه الباشا خطيبا.

ولكن سعادته خالف سنة الخطباء!

وبدلا من أن يبدأ خطبته.. سيداتى سادتى! بدأها بتحية اختارها من الطبعة الأخيرة لقاموس السباب!

وكان من بينها: يا غجر! ومضى سعادة المدير يهدد ويتوعد، ويقول إنه كان يعاملهم حتى اليوم بالحسنى، ولكنه منذ الآن سيعاملهم بأدوات من الخشب! وأدوات من الجلد السميك!

تستمر هذه الصورة الوردية فى علاقة «روزاليوسف» بالنحاس حتى عام 1935 عندما تختلف معه على الموقف من وزارة توفيق نسيم.. وينتهى هذا الاختلاف بالفرقة بين المجلة وبين الوفد.. فيرسم رفقى النحاس فى صورة من يعتدى على الدستور بمهادنته توفيق نسيم، ويكتب تحت الصورة كلمة شكسبير المشهورة «حتى أنت يا بروتس»! ولكن توفيق نسيم يضطر إلى إعادة دستور 1923 بعد المظاهرات العنيفة التى قام بها طلاب الجامعة والتى ذهب ضحيتها عدد منهم برصاص البوليس.

فتغير «روزاليوسف» موقفها من الوزارة وتجنح إلى تأييدها.. وتلتقى فى ذلك بالوفد مرة أخرى.. وتصبح لهجتها فى الحديث عنه هى لهجة الصديق القديم الذى التقى بصديقه مصادفة.. فهو لقاء غير مقصود، وإن كانت فرصة لاسترجاع الود المفقود.. خاصة وقد تكونت جبهة قومية ضمت زعماء الأحزاب من أجل الوقوف كتلة واحدة فى مطالبة الإنجليز بالاستقلال.. جو أعاد إلى الأذهان بما تخلله من مظاهرات شعبية وقفة الشعب خلال ثورة 1919 فتكتب «روزاليوسف» فى افتتاحية أحد أعدادها التى صدرت فى فبراير عام 1936 تدعو الوفديين الذين انفصلوا عن الوفد وكونوا الحزب السعدى إلى العودة لأحضان حزبهم القديم.. ولكن العناصر التى خرجت على الوفد كانت فى الواقع تمثل مصالح مختلفة اختفت حينا وقت العمل من أجل الاستقلال، ولكنها عادت إلى الظهور عندما هدأت الثورة وتحولت إلى نظام تسعى فيه كل فئة إلى المحافظة على مصالحها.. هكذا خرج السعديون الذين كانوا يمثلون فئة من البرجوازية الباحثة عن الزعامة والحكم تحت شعار الديمقراطية.

وامتد التمزق إلى داخل صفوف الوفد نفسه.. خاصة بعد أن وصل إلى الحكم مرة أخرى عام 1936 ووقع المعاهدة مع بريطانيا.. فى ذلك الحين ساد معظم السياسيين شعور يشبه اليأس فى حلم الاستقلال التام.. خاصة أن الذى أتى بهذا الاستقلال الناقص هو حزب الوفد.. حزب الأغلبية.. فما هو الحزب الذى يمكن أن يأتى بما لم يأت به الوفد؟

رضى الوفد إذا بالاستقلال الناقص وأصبح حزبا حاكما.. ومن هنا بدأ التمزق يصل إلى داخله.. فنشأ الخلاف بين النحاس وبين مكرم عبيد.

ثم بدأ يظهر اتجاه جديد فى الوفد يطالب بأن يتحول الوفد إلى حزب عصرى، يكون فيه منصب الرئيس والوكيل وأعضاء المكتب بالانتخاب.. ويضع برنامجا للعمل الاجتماعى.

وتنشر «روزاليوسف» أخبارًا عن الاجتماعات التى يعقدها الوفد ليناقش فيها هذه الاتجاهات التى يراها النحاس طلبات لا يلتفت إليها شكلا ولا موضوعا لأن هناك استقلالاً تامًا لابد من السعى فى سبيله، وأن القضية المصرية مازالت على حالها، وبرنامج الوفد لا يجب أن يمس.

وتقول «روزاليوسف».. وحدثت مناقشات ليست من الصنف الهادئ، الرزين، وكانت النظرات و«الزغرات» التى تبودلت من قوة مائة فولت!

إذن فقد كان النحاس يرى أن القضية المصرية مازالت على حالها حتى بعد توقيع المعاهدة.. فهل كان هذا اعترافا منه بحقيقة المعاهدة.. أم كان تهربا من إصلاح برنامج الحزب؟

نحن نعتقد أن النحاس بالذات كان يعرف حقيقة المعاهدة، وكان يعمل من أجل الاستقلال التام.

وتمضى السنوات بعد ذلك سنة بعد سنة.. والوفد يتعرض للأزمات.. سواء فى علاقته بالقصر.. أو فى علاقته ببقية الأحزاب.. وحتى فى علاقات عناصره بعضها مع البعض الآخر.

يخرج النقراشى، ويخرج أحمد ماهر، ويخرج مكرم عبيد.. وتتعرض سمعة الوفد وشعبيته لهزة عنيفة بعد حادث 4 فبراير الذى وصل به إلى الحكم.. ثم خرج منه ليعود إليه فى انتخابات 1950 وقد لمع فيه نجم فؤاد سراج الدين كما لمعت فيه عدة أسماء لشبان يمثلون اتجاها آخر ينادى بعودة الوفد إلى الشعب.. وبالكفاح المسلح وبالعمل من أجل العدالة الاجتماعية.. وكان من أبرزهم الدكتور محمد مندور وعزيز فهمى.

و«روزاليوسف» فى تلك الفترة التى سبقت ثورة يوليو الشاملة تظل علاقتها بالوفد هى علاقة مجلة فى المعارضة بحزب فى الحكم.. بينما الحزب وصل فيه إلى الزعامة رجل من كبار الإقطاعيين.. والصورة التى رسمها عبدالسميع للنحاس وهو يطبخ الماء للشعب الجائع تعبر عن ذلك.

و«روزاليوسف» تسأل فى أواخر سنة 1950 أحد الوزراء الوفديين عن حقيقة ما كان يتردد من أن هناك اتجاها إلى تعيين نائب رئيس وزراء للنحاس بسبب ضعف صحته.. ويقول الوزير:

إن النحاس باشا فعلا ينوء بأعباء رئاسة الوزارة «كان النحاس وقتها فى الرابعة والسبعين من عمره»، ولكنه مع ذلك متمسك بها.. وإن رفعته أضنى نفسه كثيرا فى مراجعة الأوراق والمذكرات حتى تعبت عيناه واستدعى الدكتور محمد صبحى بك لعلاجه..

ولكن رفعته مع ذلك لم يفكر فى تعيين نائب له.. بل يفضل فى حالة شعوره بالعجز عن مواصلة العمل أن يستقيل نهائيا.. وكان النحاس يرى أن الفرصة مناسبة للخروج من الحكم واختتام حياته السياسية بإلغاء المعاهدة!

هكذا كان النحاس حتى أواخر حياته السياسية الحافلة يأبى أن يسلم بضعف صحته، ويعمل ويضنى نفسه فى العمل من أجل استرداد كرامة مصر.. فإذا لم يكن بالاستقلال الحقيقى، فلا أقل من عدم الاعتراف بالاستقلال المزيف!

 

قلنا.. وقالت الحوادث

 

ليس من عادة هذه المجلة أن تفخر بأنها سبقت إلى قول كذا وكذا، ليس من عادتها ذلك لأنها دائما مجلة متواضعة لا تحب الضجيج والعجيج فإذا اضطرتها الظروف يومًا لتقول إنها قالت كذا فلابد أن يكون لها وراء ذلك مصلحة وطنية.

والآن عودة إلى الماضى.

1 - فى العدد رقم 858 من هذه المجلة بتاريخ 23 نوفمبر الماضى كتبنا مقالا بعنوان «إن كانت هذه هى الحرية فلتسقط الحرية» نبهنا فيه إلى ما يدبره الوفديون.

2 - وفى العدد التالى نشرنا لدولة صدقى باشا حديثًا عنوانه «إن الموقف الحالى يبرر الشدة الحاسمة» ألمع فيه دولته بطريقته الفذة إلى أنه يجب الاحتياط.

3 - وفى العدد رقم 861 بتاريخ 14 ديسمبر سنة 1944 قلنا فى مقال بعنوان «النحاس باشا يدعو إلى محاربة الأجانب».

 ولم يكد يمضى على ذلك عشرة أيام حتى قامت الضجة ونفذت المؤامرة الأولى وانتهز فيها النحاسيون مسألة السودان ليحاربوا الأجانب ولينظموا مظاهراتهم الدنيئة.

وفشلت المؤامرة الأولى وعلمنا عن مصادر خاصة أن هناك مؤامرة أخرى تنظم.

1 - وفى العدد رقم 863 بتاريخ 28 ديسمبر سنة 1945 كتبنا مقالا عنوانه «مرة أخرى.. لتسقط الحرية» طلبنا فيه استعمال الشدة ونبهنا إلى ما ينتظر حدوثه.

2 - فى نفس العدد قلنا على صفحة أخرى بالحرف الواحد إننا علمنا أن الوفد يدبر حركة كبيرة، وأن النحاس باشا قال لبعض أنصاره إنه سيقوم بأكبر عمل قام به.

3 - وفى العدد رقم 869 الصادر فى الأسبوع الماضى قلنا تحت عنوان «نحن ننبه» أن هناك مؤامرة كبرى تدبر وذكرنا كارت الأستاذ حسن يس الموضوع على مكتب النحاس باشا وقد كتب عليه «يقبل الأيادى ومنتظر إشارة النادى السعدى»، وطلبنا فيه الاستعداد لدفع ما يدبر فى الخفاء.

 والمدهش أنه لم يكد العدد يظهر فى السوق حتى كانت المظاهرات المأجورة قد سبقته تزرع الشوارع وتشتبك وتحطم.. فتحقق ما قلناه بأسرع مما كان ينتظر!

وهانحن نقول..

ونحن نكتب هذه السطور الآن بعد أن عرف الجميع أن المؤامرة كانت من تدبير النحاس باشا، وعصابته كما ذكر رسل باشا.

نكتب هذا الآن فى صباح السبت العاشر من فبراير ونحن نعلم أن اجتماعًا آخر قد عقد فى بيت النحاس باشا يوم الخميس الأسبق، ودار البحث فيه حول ما يجب عمله لمواصلة الشغب، ونحن نعلم أيضا أن من بين الاقتراحات اقتراحا بأحداث شغب آخر فى الجامعة بحجة الاحتجاج على ما حدث لبعض طلبة المدارس الثانوية الذين قاموا بالشغب الأول.

فهل تنفذ هذه المؤامرة.. أو مؤامرة غيرها؟!

لقد كان الساسة يقولون لنا انتظروا الحوادث ولا تسبقوها لأنها ستسبقكم.. ولقد برهنت الظروف على أن هذا خطأ، وأن الواجب والمصلحة القومية العليا يقضيان علينا بأن نسبق الحوادث وإلا فلو سبقتنا الحوادث مرة أخرى فسيكون الوطن فى خطر.