الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كانوا صحفيين!

تستطيع الصحافة وحدها أن تفخر - دون سائر المهن - بأن أغلبية العظماء والقادة كانوا يوماً من أبنائها.. وكلهم «مسح» بلاطها قبل أن «يمسح» بلاط الدولة.



وهذه صفحة من ذكريات جندى مجهول من جنود صاحبة الجلالة الصحافة عاصر أكثر من عهد من عهودها المختلفة وعمل مع أكثر من عظيم من عظماء الدولة كان بالأمس القريب صحفيا.

 دولة أحمد ماهر باشا

لم يكن دولته يمسك القلم بنفسه ليكتب إلا فى الأحوال الطارئة.. أما فيما عدا ذلك فكان دولته يفضل الإملاء.. فيجلس وأمامه أحد مساعديه فى كوكب الشرق التى كان دولته رئيسا لتحريرها.. ويأخذ هو فى الإملاء بينما يكتب السكرتير.

وبعد أن يجمع المقال يعرض عليه فيعدل فيه - بخطه هذه المرة - حتى يصبح كما يريده تماماً وكان الذين يراجعون مقالات دولته فى ذلك العهد يلاحظون أنه كان دائماً يحذف منها أى لفظ فيه شىء من الجموح لذلك كانت كتاباته كلها تنم عن شخصيته الهادئة المتزنة.

 الدكتور محمد حسين هيكل باشا

 

عملت معه عهداً طويلاً فى السياسة اليومية وكثيرون لايزالون يذكرون عهده فيها.

كان يبدأ فى الكتابة بعد الواحدة صباحاً..

ففى هذا الوقت يحضر من سهرته فى الأنجلو فى أغلب الأحيان فيكتب مقاله مضمنا إياه آخر ما جمع فيأتى متسقاً مع آخر الأخبار.

وقد كان لمعاليه عمال خصوصيون مهمتهم جمع مقالاته لأن خطه يكاد لايقرأ حتى لتستعصى قراءته على هيكل باشا نفسه!! وكثيراً ما كانت بعض العبارات تستعصى على هؤلاء الخبراء من العمال فكانوا يتركون مكانها خالياً ليشترك فى حلها وتخمينها مؤتمر من المصححين.

وكان معاليه يطلب دائماً أن يرى البروفة الأخيرة لمقاله بعد التصحيح فإذا رآها وأعاد قراءتها وافق على نشرها.

 معالى مكرم عبيد باشا

لم يكن معاليه يوماً صحفيا بالمعنى المفهوم.. ولكنه كان كثيراً ما يكتب المقالات.. وكان دائماً يشرف على الصحافة الوفدية فى عهدها القديم.

كان معاليه عندما يكتب يسترسل فى الكتابة ليملأ صفحة أو صفحتين من صفحات الجرائد اليومية الكبيرة.. وكان يكتب مقالاته كلها بنفسه فكانت تأتى جميعاً بخطه الأنيق الذى يقرأ بسهولة.

وكان يهتم كثيراً بأن يضع النقط وعلامات التعجب فى مواضعها ويهتم أيضًا بالفواصل لأن السجع يتوقف عليها إلى حد كبير.

وكان يطلب أن يرى مقالاته قبل طبعها حتى تأتى خالية من الأخطاء المطبعية التى كانت تضايقه جداً.

ولعل أبرز ما فيه هو قوة ذاكرته فقد كان يحدث كثيراً أن يتصل بالجريدة فى منتصف الليل بالتليفون ليطلب تغيير كلمة بالذات يعين مكانها من السطر والعمود بالضبط تقريباً..!

 أحمد عبود باشا

كان ذات يوم صحفياً.. بل كان صاحب جريدة يومية كبرى هى «الكشاف».

ولم يكن سعادته يكتب وإنما كان أميل كثيراً للأخبار فكان مخبرا ممتازاً.. وكان يولى الأخبار الداخلية والأخبار الخارجية عناية فائقة وكان يرسم خطط السياسة وأفكار الموضوعات والمقالات للمحررين ثم يتولى مراجعتها.. وكان يحب الاطلاع على البروفات السياسية كلها فى منزله.

وكان ذوقه فى الأخبار يجرى طبقاً لتاكتيك يشبه إلى حد كبير تاكتيكات فى عالم الاقتصاد!

مع فارق واحد هو أنها - أى التكتيكات- فشلت فى عالم الصحافة.. بعكس نتيجتها فى عالم المال.

 الأستاذ عباس محمود العقاد

كان وما يزال من أكبر الصحفيين الكتاب.. لا أذكر أنه كتب مرة مقالته فى دار الجريدة التى يكتب، وإنما كان يحضره فى جيبه دائماً فيسلمه للمطبعة باليد اليمنى ويطلب بروفته باليد اليسرى!

وكان يثور إذا وجد غلطات مطبعية أكثر مما يجب.. لذلك نرى أن معظم الجرائد التى يكتب لها تراعى دائمًا الاعتناء بما يكتب.

وكان إذا كتب مقالاً امتنعت الجريدة عن نشره لسبب أو لآخر رفض أن يكتب غيره حتى ينشر الأول.. وكثيرون يذكرون أنه حدثت أزمات كثيرة فى كوكب الشرق لهذا السبب!