السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كنوز آمال العمدة.. إحسان عبدالقدوس: الحــب صلاتـى

لا يمكن أن يتخيل القارئ المحب لهذا الفنان والكاتب الرائع كم قاسى وعانى لكى يوصل كلمته إليه، فالجميع يظنون أنه ولد وفى فمه ملعقة من ذهب، ولكن الحقيقة أنه ذاق الأمرّين لكى يمتلك هذا القلم الذى أمتع به كل من عشق القراءة وعشق فنه وكتابته..



وهذا حوارى معه الذى أهديه لمجلة روزاليوسف..

 

آمال: عندما ينظر إحسان عبدالقدوس فى مرآة ذاته.. فأى الصفات الثلاث تتجلى بوضوح أكثر.. الصحفى أم الروائى أم كاتب المقال؟

إحسان عبدالقدوس: الواقع أننى لا أفرق بينى وبين نفسى لأن أى شىء أفعله هو استجابة لما أريده أنا وليس ما يريده القارئ، ففى بعض الأحيان أريد أن أكتب قصة، وفى أحيان أخرى أكتب مقالاً أو أقوم بعمل صحفى، وهكذا فأنا أسعد دائماً بأى شىء أفعله.

آمال: إحسان عبدالقدوس الروائى هل يرى نفسه تماماً فى مرايا أبطاله.. وهل يطل إحسان من بين السطور؟ 

إحسان عبدالقدوس: كل رواية كتبتها مختلفة عن الأخرى فى موضوعها وشخصياتها لكنى فى كل رواية أعيش دور أشخاصها، فأكون فتوة حينما يكون بطل القصة فتوة، وأكون ضعيفاً حينما يكون البطل أو البطلة ضعيفاً، فأنا استجبت للشخصية التى أختارها لكى أقدمها فى قصصى.

آمال: ولكن القراء يتساءلون أين أنت من بين السطور؟ 

إحسان عبدالقدوس: عيب الناس أنهم يبحثون عنى بين السطور فقط، والواقع أننى لست بين السطور، فأنا حينما أكتب وأمسك القلم وأضعه على الورق أكون إنساناً مختلفاً تماماً غير إحسان عبدالقدوس والوحيدة التى تعرف شخصيتى هى زوجتى لأنها لا تكتفى بقراءة قصصى بل تعرفنى شخصياً وتعرف كيف أتألم، رغم أن الناس يظنون أنى دائماً قوى جداً وسعيد جداً، والحقيقة أنى ضعيف جداً أو تعيس جداً.

آمال: ما هى أنقى مرآة فى عمرك.. مرآة نفسك أم مرآة الزوجة أم مرآة الابن أم مرآة الحفيد؟ 

إحسان عبدالقدوس: أنا أشعر بأن كل الناس بهم شىء منى، فأنت مثلاً تهتمين بالإذاعة وتبذلين الجهود الحثيثة لتقديم الشىء الجيد لمحبيك تذكريننى بنفسى حينما كنت أتعب وأكد من أجل روزاليوسف، فأنا لا يوجد من يماثلنى تماماً حتى ابنى محمد الأقرب لى يختلف عنى اختلافاً كبيراً.

آمال: قلت إن زوجتك هى أكثر من يعرف شخصيتك.. فهل هى وزير المالية أيضاً؟ 

إحسان عبدالقدوس: من أبرز مزايا زوجتى التى أراحتنى طوال العمر أنها أعفتنى من كل مسئولية مالية، فأنا لا أعلم أى شىء عن أمورى المالية ولا دخلى من الروايات والأفلام لأنها تكفلت بكل هذه الأمور حتى تمنع عنى الانشغال بها، ولهذا فأى مال كنت أحصل عليه كنت أعطيه لها دون حتى أن أعرف كم أعطيها، أما هى فكانت تستجيب لكل شىء أطلبه منها دون حتى أن تعترض أدنى اعتراض.

آمال: هل عكست شخصيات قصصك صورة السيدة لولا زوجتك وشريكة عمرك؟ 

إحسان عبدالقدوس: لا.. فالشىء الذى لا يمكن أن يفعله أى شخص آخر غير لولا هى أنها تحملتنى منذ أن عرفتنى فى أول يوم لنا معاً، فقد عرفتها وأنا طالب فى الليسانس وتزوجنا بعد التخرج، ومنذ هذا اليوم وهى تفهمنى جداً وتستجيب لى، ومهما قال الناس عنى، فإن ما تقوله زوجتى مختلف لأنها هى أكثر من يعرفنى.

آمال: متى يلين عناد إحسان عبدالقدوس؟ 

إحسان عبدالقدوس: هو ليس عناداً بل إيمان برأى معين، وطالما آمنت به فلا يمكن أن أحيد عنه، وفى ظروف كثيرة جداً تعذبت واستبعدت لأنى مؤمن برأيى ولا أريد أن أغير إيمانى.

عشت بين الانفتاح والانغلاق

آمال: ما  الخطوط الأساسية التى اعتمدت عليها حياتك؟ 

إحسان عبدالقدوس: الواقع أنى أعتبر أن حياتى كلها امتداد لخط واحد من أيام طفولتى حتى اليوم، فأنا لم أتعمد مثلاً أن أكون كاتباً، أو أن أكون صحفياً أو أن أكون قارئاً، إنمـا يخـيل لى أننى وجدت نفسى منذ أن ولـــدت وأنــا كــاتــب وصحـفى وقارئ، فأنـا والــدى محـمــد عبـدالقدوس – رحمه الله – كان كاتباً وكان يكتب قصصاً وأشعاراً وأزجالاً وكان من هواياته أن يجعلنى أجلس أمامه لأشاهده وهو يعمل، فكنت فى هذه الفترة التى لم يكن عمرى يزيد فيها على عامين أقلده، وأمسك قلماً كما يمسك وأضع ورقة وأخط عليها بقلمى، حتى قالوا إنى فى يوم ما ظللت أخطط فى الورقة، فأخذ والدى الورقة وسألنى عما كتبت فنظرت أنا فى الورقة وقلت له إنه قش، فسعد والدى لأن الخطوط التى رسمتها كانت تشبه القش بالفعل. وأعتمد على الإمساك بالقلم منذ الطفولة لدرجة أن طوال حياتى لابد أن يكون فى جيبى دائماً ورقة وقلم، وأعتقد أن هذا هو الأساس الذى دفعنى للكتابة. والأساس الثانى أن والدتى روزاليوسف أصدرت جريدة «روزاليوسف» وكنت وقتها فى الرابعة عشرة وكنت أزورها كل أسبوع لأنى لم أكن أقيم معها، وكنت أجد كبار الصحفيين والمشاهير فى روزاليوسف وكنت ألهو معهم ويمزحون معى، وهذا الجو جعلنى أعيش فى حياة الصحافة والأدب بشكل كامل. أما الأساس الثالث الذى أثر فى حياتى فهو القراءة، فأنا تربيت فى بيت جدى الذى كان يملك مكتبة كبيرة جداً، وكنت أشاهدها وأتفرج عليها فى صغرى، وكان والدى أيضاً يحب القراءة، ولهذا فكنت أفتح الكتب من صغرى، ثم بدأت أتفرج عليها ثم قراءتها وكنت من صغرى أتأثر جداً بما أقرأه، لدرجة أنى كنت أخاف من أحداث القصص التى كنت أقرأها وأستدعى المشرفة على تربيتى لتجلس بجوارى حتى لا أخاف مما أقرأ.

ومن الأسس المهمة أيضاً، اختلاف المجتمعات التى نشأت وعشت فيها، فقد تربيت فى بيت جدى، وكان والدى أيضاً يقيم فى بيت جدى، وكان جدى من رجال القضاء الشرعى وكان ملتزماً جداً وحريصاً على أن يؤدى كل أفراد العائلة الفرائض الإسلامية كاملة وأنا نشأت فى هذا الجو، وكنت أذهب أيضاً إلى والدتى كل يوم جمعة وكانت والدتى تعيش فى مجتمع آخر مختلف تماماً عن المجتمع الذى أعيش فيه فكانت فى منتهى الانطلاق والحرية، والفرق بين المجتمعين اللذين كنت أحبهما جداً جعلنى أبحث من صغرى عن أسباب انفتاح هذا المجتمع وانغلاق الآخر، وبهذا أكون عندى نوعاً من التطلع إلى اكتشاف المجتمعات.

ويكمل: وفى نفس الوقت كنت أعيش فى بيئة ثالثة مختلفة تماماً حين كان جدى يمتلك خمسة فدادين وبيتا من الطوب اللبن بقريتنا فى مركز زفتى بالغربية، وكنت أعيش هناك لمدة ثلاثة أشهر متتالية فى الأجازة الصيفية، وفى هذه الفترة كنت أختلط بمجتمع الفلاحين فأجد أنه مختلف تماماً عن مجتمع والدى ومجتمع والدتى، وكل هذا جعل عندى رغبة فى التطلع لجميع المجتمعات، وكان يدفعنى لاستكشاف هذه المجتمعات، وأصبحت على صلة بالمجتمع الراقى والمجتمع الشعبى وأيضاً مجتمع الريف، وهذا خدمنى جداً فى الدراسة التى احتجت لها ككاتب قصة وصحفى، وفى الوقت نفسه وصلت فى هذه المرحلة إلى التطلع إلى المجتمعات الأجنبية فلم أكن أسافر للخارج بعد أن نضجت كصحفى أؤدى مهمة رسمية فقط، بل كنت أعيش وسط المجتمع وأعرف كيف يعيش، ومن هنا فقد درست المجتمعات الأوروبية والأفريقية والأسيوية وفى إنتاجى قصص كثيرة عن المجتمعات الأجنبية.

ويضيف: وما أثر عليَّ أيضاً أنى وجدت نفسى معروفاً منذ صغرى فكنت مميزاً دائماً فى المدرسة وفى الشارع وفى أى مكان بأنى ابن محمد عبدالقدوس وروزاليوسف، وكنت أعامل معاملة خاصة، فلم تعد المعرفة أو الشهرة تبهرنى، بل على العكس فقد كنت أحاول التخلص من معرفتى باسم أبى وأمى منذ صغرى، وكنت أريد أن أعرف باسمى الشخصى، وكان من ضمن العوامل التى سببت لى الكثير من المتاعب فى حياتى أنهم أسمونى إحسان وهذا الاسم فى الماضى كان مقصوراً على البنات مما سبب لى بالفعل الكثير من المتاعب، وطبعاً استمريت فى الكفاح حتى اشتهرت باسم إحسان وأصبحت أفخر به على أنه اسم ولد بعد أن كنت بالفعل أغضب من أبى وأمى كلما ذكرت ان اسم إحسان هو اسم فتاة رغم أن والدى قال لى إنه أطلق عليّ اسم إحسان لأن جدى لوالدتى كان تركياً، وفى تركيا يعد اسم إحسان للرجال، فأسمانى هو على اسم جدى، بينما قالت والدتى إنها يوم والدتها لى كانت وحيدة وأن الوحيدة التى رافقتها وساندتها هى إحدى زميلاتها الممثلات واسمها إحسان كامل التى تعبت معها جداً، وإكراماً لها فقد أسمتنى إحسان على اسمها.

ومن العوامل التى أثرت جداً فى نفسى هو نشأتى بين المشاهير سواء مشاهير السياسة أو الصحافة أو الفن الذين كانوا يجتمعون عند والدتى فى روزاليوسف، فكنت مثلاً أنادى يوسف وهبى بلقب عمى يوسف ودولت أبيض وزينب صدقى «تانت» وهذا ولد عندى طبيعة فى شخصيتى تعتبر مميزة جداً وهى أنى أعتبر الشهرة أو معرفة الناس هى دليل النجاح، وأن كل واحد قادر على النجاح وبما أننى تربيت بين الناجحين فقد أصبح النجاح شيئاً عادياً احترمه ولكنى لا أنبهر به، خاصة أن هناك كثيراً من الناس العاديين نجحوا فى أن يصلوا إلى منصب رئيس الدولة مثل جمال عبدالناصر وأنور السادات اللذين كنت أعرفهما قبل أن يكونا رئيسين، وكنت أنا بعد أن أصبحا رئيسين أعاملهما على أنهما أصدقاء الماضى. ولا أنكر أن هذا قد سبب لى الكثير من المتاعب لأن أى إنسان يتغير تبعاً لمسئوليات مركزه الجديد، أما أنا فلم تكن المراكز تهمنى بل كانت تهمنى الشخصية، فأنا مثلاً عرض عليّ أن أكون وزيراً، ولم أكن أريد أن أكون وزيراً، وهذا لا يقلل أو يزيد من قيمتى إنما المهم أن أكون ناجحاً فى عملى الذى أقوم به مهما كان وهذا هو المقياس الأساسى عندى لكل الشخصيات.

ابن روزا الذى أنجح 

جريدة روزاليوسف

 

آمال: هل أنت إذن ابن الظروف؟ 

إحسان عبدالقدوس: أنا لست ابن الظروف بل ابن المجتمعات، وابن الوجود نفسه لأنى ولدت لأب كان فناناً وترك الهندسة وتفرغ للفن والأدب، ومن أم تتميز عن كل الأمهات اللاتى كن يحطن بى لأنها كانت سيدة تعمل ومشهورة ولها شخصية عامة، وهذا كله أثر فىّ جداً. وكان أحد الأسباب الرئيسية فى نجاحى هو أنى ظللت دائماً أتمنى أن أجعل أمى تتفرغ للبيت وتترك عملها، ولا أعرف كيف خطر على بالى أن أجعلها تترك عملها وهى ناجحة فيه بهذا الشكل، لكن تربيتى فى بيت جدى فى بيئة محافظة، جعلنى أتمنى أن تكون أمى كبقية الأمهات المحيطات بى، فأنا مثلاً لم أكن أعرف اسم أمهات أصحابى، بينما كانوا يقولون على ابن روزا أو ابن فاطمة، وهذا كان يؤثر فيّ جداً. ويكمل: وحينما كان يغلبنى الإحساس بمجتمع جدى كنت أحلم أن تبقى أمى بالبيت وأن أعمل بدلاً منها وأريحها، وكان هذا سبباً رئيسياً فى المجهود الذى بذلته، فقد كنت أتعمد أن أبذل أقصى مجهود ولا يمكن أن أرسب فى أى امتحان، ومن أكثر ما أفخر به فى حياتى هو أنى وصلت إلى أنى تحملت المسئولية الأكبر فى إصدار جريدة روزاليوسف ووالدتى على قيد الحياة ولم تكن تحتاج لأحد ولا تحتاج للعمل لأنى كنت أغنيها عن كل احتياج واستراحت عما كانت عليه فى صغرى وهذا أكثر ما أفخر به فى حياتى كلها.

 

آمال: من المعروف أنك كنت تختلف كثيراً مع والدتك السيدة «روزاليوسف» وكنتما تتشاجران.. فما سبب هذه المشاجرات؟ 

إحسان عبدالقدوس: الخلافات الرئيسية بيننا كانت أساساً من اختلاف الأجيال، فكانت كأنها بين جيل وجيل، مثلاً مشكلة بسبب عدم رغبتها فى المجازفة، لأن روزاليوسف كانت تعانى من مشاكل مادية، ووصل بنا الأمر إلى أن كل الجرائد الأخرى قد تحولت إلى الطباعة بالمكينات فى حين كنا نطبع على الطريقة القديمة وهى جمع الحروف باليد، واختلفنا حيث صممت هى على الطباعة بالطريقة القديمة فى حين كنت أطالب أنا بشراء ماكينات جديدة ووصل بى الأمر إلى تقديم استقالتى من روزاليوسف، وأعتبرتها هى وسيلة للضغط عليها، وفى النهاية اضطرت لشراء ماكينة طباعة للجريدة. وحدث خلاف مماثل على نقل مقر روزاليوسف، فضغطت عليها بشدة لكى أنقل المجلة إلى المبنى الجديد الذى تقوم فيه حالياً، وكانت ترفض نقلها من المبنى القديم وكنت أنا – لكونى من الجيل الجديد – أبغى التقدم والتطوير.

كتابة الزجل حرمتنى 

من المصروف

آمال: هل كانت السيدة روزاليوسف ضد كتابة القصة؟ 

إحسان عبدالقدوس: لم تكن ضد كتابة القصة، لكن وصل الأمر بروزاليوسف إلى أن قوتها كانت قائمة على السياسة، وكانت هى تخشى أن أكون صورة طبق الأصل من والدى، ولم يكن والدى على أى علاقة بالسياسة، بل كان كاتب قصة وكاتب فن وأزجال، فكانت تحرمنى دائماً من كتابة القصة وتنهرنى بل وكانت تمنع قصصى من النشر فى روزاليوسف، لأنها كانت تريد أن أتفرغ للصحافة فقط بعيداً عن الأدب والقصص. وذات مرة كتبت شعراً منثوراً وكنت أتمنى أن أنشره فى روزاليوسف فأرسلته بدون توقيع إلى الجريدة وكانت وقتها تصدر يومياً، وكان فيها باب للأدب يشرف عليه الأستاذ يوسف حلمى، ووصله الخطاب دون أن يعرف صاحبه، لكن الزجل الذى كتبته نال إعجابه فنشره، فسعدت جداً لأنها كانت أول مرة ينشر لى شيء فى حياتى، وكان عمرى وقتها 14 عاماً، ومن فرط فرحتى أخذت العدد وذهبت إلى أمى وقلت لها إننى أنا الذى كتبت هذا الزجل، وكان يوماً صعباً جداً حيث غضبت بشدة وقطعت عنى المصروف الأسبوعى وكانت قيمته عشرين قرشاً عقاباً لى على كتابة الغزل.

كانت تشجعنى كصحفى 

وتنهرنى كروائى

آمال: أعلم أن والدتك قامت بتوظيفك كصحفى وأنت لازالت تلميذاً فى المدرسة، فكانت تكلفك بجلب الأخبار من المدرسة... 

إحسان عبدالقدوس: هذا صحيح، فكانت تريد منى أن أتدرب من صغرى وأنا فى المدرسة الابتدائية، وكان أول مرة تطلب فيها منى أخباراً خلال المرحلة الابتدائية، وكانت روزاليوسف وقتها تخصص بابا على الطلبة، ويومها طلبت منى أن أمد هذا الباب بكل الأخبار الهامة التى تحدث فى مدرستى، وكنت أكتب الأخبار وأعطيها للأستاذ مصطفى أمين المشرف على الباب، ولكن لم يكن لى تأثير كبير لأن الأخبار لم تكن بالأهمية المطلوبة، لكن فيما بعد وأنا فى المرحلة الثانوية كنت الصحفى الأول فى هذا الباب بعد أن وضعت يدى على أول خيوط الصحافة، وكانت وقتها تكلفنى بموضوعات صحفية مهمة رغم أن سنى وقتها لم يكن يتعدى 14 عاماً، ولكنها كانت تثق فى قدراتى جداً. وكان أهم شىء فى حياة أمى فى هذه المرحلة هو إكسابى الثقة والقدرة على العمل بالصحافة، فلم تكن تسعد بى إلا حينما أنجز عملاً صحفياً، لكنها فى الوقت نفسه كانت حريصة على مستقبلى الدراسى، فكانت تصدر فرماناً قبل شهرين من الامتحانات بمنعى من أى شىء إلا المذاكرة.

آمال: إذن فقد كان حرصها الأكبر ينصب على حصولك على الشهادة العلمية... 

إحسان عبدالقدوس: هذا صحيح، ودراستى كانت بالفعل عجيبة جداً، فأنا فى صغرى كنت أعيش مع والدى، وكان يحبنى جداً ويريد أن أكون أفضل طفل ورغم أننا كنا متوسطى المستوى المادى إلا أنه ألحقنى بمدرسة كانت تعتبر أرقى مدرسة فى القطر، لأنها كانت أول روضة أطفال تفتح فى مصر وفى العباسية بالتحديد، ثم سافر والدى إلى إيطاليا للحصول على شهادة فى التمثيل وقضى هناك عدة أشهر، وعاد مقتنعاً جداً بإيطاليا وبالتقدم الذى وصلت إليه، فأخرجنى من هذا المدرسة، وألحقنى بروضة أطفال إيطالية كان يديرها متخصصون إيطاليون، واستغرقت دراستى فيها عاماً كاملاً، لكنه واجه لوماً شديداً من أصدقائه فنقلنى إلى أكثر مدرسة شعبية فى مصر وكان اسمها مدرسة البارامونى، وهى التى بدأت فيها الدراسة الحقيقية حتى كبرت، ولهذا فلم تكن حياتى الدراسة بالاستقرار الذى كانت عليه حياة زملائى.

كنت أستغيث بالحب

 لشعورى بالوحدة

آمال: كيف تعرف قلبك الصغير على الحب لأول مرة؟ 

إحسان عبدالقدوس: الحب يعيش معى طوال عمرى، لأنى فى مجتمع غريب بعيداً عن والدتى، ووالدى كان يعمل بالتمثيل، وكان المجتمع لا ينظر إلى التمثيل نظرة جيدة بل يعتبره خروجاً عن المجتمع، ولهذا فكانت أعانى من صغرى مما كان يدفعنى للتعلق بأى حب، ففى صغرى كنت أحب الأمهات لأنى كنت بعيداً عن أمى، فكانت كل أمهات أصحابى يحببننى جداً ويسعدن بذهابى إلى بيوتهن، وبدا الأمر وكأننى أستغيث بالحب لأنى أشعر بالوحدة بعيداً عن والدتى. وكان أول حب تقليدى لى فى العباسية، وكانت طبعاً بنت الجيران وكان عمرى 14 سنة وهى عمرها 12 سنة، وتبادلنا حباً طفولياً حتى كبرت وحصلت على التوجيهية وحصلت هى أيضاً على التوجيهية وتزوجت بعدها فوراً، وسبب هذا لى حزناً بالغاً، لكنى تعلقت بحب آخر بعده بسرعة، وكنت فى هذه المرحلة أعيش دائماً فى حالة حب سواء الحب الشخصى أو الحب العام من الناحية الوطنية أو السياسية وتعرفت على زوجتى وأنا طالب فى سنة الليسانس بمدرسة الحقوق، وارتبطنا ارتباطاً قوياً جداً، لدرجة أننا تزوجنا فور حصولى على الليسانس رغم أن عائلتينا كانتا ترفضان هذا الزواج، لكننا تزوجنا بإصرارنا وكان عمرى وقتها 22 عاماً، ومنذ هذا اليوم وأنا أعيش مع زوجتى فى حب دائم.

آمال: هل أثر طلاق والديك المبكر على استقرار حياتك؟ 

إحسان عبدالقدوس: متاعبى كلها كانت بسبب الحياة الغريبة التى نشأت بها والتى نتجت عن طلاق والدى ووالدتى قبل أن أولد بشهور، ولهذا فأنا أصر إصراراً شديداً على رفض الطلاق طالما يوجد أولاد، فأى مشكلة تعرض عليّ بين زوجين أرفض طلاقهما بشدة لو كانا قد أنجبا، ففى هذه الحالة لا يكون الزوجان زوجين لبعضيهما بل يكونا معاً متزوجين الأولاد، والطلاق هنا يؤثر على الأبناء ويعذبهما فى المستقبل، ولهذا فيجب أن يرتضيا بالحياة معاً مهما تعذبا لكى يربيا أولادهما معاً ويجعلاهم يعيشون حياة طبيعية فى استقرار نفسى كامل وتربية على يد الزوجين معاً.