الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صفحات المجلة طوال تاريخها «ترمومتر» للمناخ السياسى: معـارك الستينيات ومبـــادئ روزاليوسف

تمثل الصحافة المصرية وفى القلب منها مجلة «روزاليوسف»، أحد أهم العناصر التى تحافظ على «كيان الدولة»، وهو المبدأ الذى ارتكزت عليه «روزاليوسف» فى كل معاركها، فمعركتنا ضد الإخوان منذ البداية كان سببها الرئيسى أن هدفهم هدم الدولة تحت شعارات دينية.



 

حتى شخصية المجلة التى عرفها جمهورها، مدافعة عن حقوق المرأة ومناصرة لأقسى درجة لحرية الرأى والمعتقد فضلاً عن دعمها لمدنية الدولة، جميعها كانت مبادئ تستمد قوتها من إدراك ووعى بالحفاظ على الدولة ومؤسساتها.. وبتحقيق هذه المبادئ أيضًا حققت «روزاليوسف» فتراتها الذهبية، إذ يمكننا استخدام صفحات هذه المجلة كـ«ترمومتر» للأحداث والمناخ السياسى منذ تأسيسها وحتى الآن.

فى الأوقات الصعبة والمعارك الكبرى تكون كل المبادئ فى حالة اختبار، حيث تميز الأيام بين الحقيقى والمزيف من الأفكار والمبادئ التى حملتها الصفحات فى الأوقات الطبيعية.. لذلك فعقد الستينيات يمثل مرحلة مهمة لتاريخ الوطن بقدر ما كان كاشفًا لأهمية «روزاليوسف» وأصالة مبادئها.

فى الستينيات كنا أمام معركة كبرى للبناء: «ملحمة السد العالى»، ومحنة كبرى فى يونيو 67، وبالعودة لصفحات روزا نلمس نبض المعركتين ووضوح رؤية الصحافة، بل لا نبالغ إذا قلنا بشكل واضح «أهمية مجلة روزاليوسف».

فى منتصف ذلك العقد انتقلت رئاسة التحرير من إحسان عبدالقدوس إلى أحمد حمروش، فتغيرت الأسماء على الترويسة، لكن لم تتغير مبادئ روزا وأفكارها.. على هذه الصفحات كتب وشاغب وفكر كبار المثقفين والفنانين.

 امتحان السد العالى

فى 9  يناير 1960، بدأنا فى تشييد واحد من أهم المشروعات العملاقة فى العصر الحديث، بل ربما أهم مشروع فى حياة المصريين، إذ بدأت الفكرة مع ثورة يوليو عام 1952، ومع توجه الدولة المصرية نحو التنمية عقب التحرر من الاستعمار البريطانى.

وفى تقرير صدر عن الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبرى، تم تصنيف السد العالى فى صدارة جميع المشروعات، واختارته الهيئة الدولية كأعظم مشروع هندسى شيد فى القرن العشرين.

قبل بناء السد كان الفيضان يغمر مصر، وفى بعض السنوات حين يزيد منسوب الفيضان يؤدى إلى تلف المحاصيل الزراعية وغرقها، وفى سنوات أخرى حين ينخفض منسوبه تقل المياه وتبور الأراضى الزراعية.

أحدث السد نقلة نوعية كبيرة فى التنمية فى مصر، حيث نقلها من الزراعة الموسمية إلى الزراعة الدائمة، وحماها من أضرار الفيضانات وأسهم فى استصلاح وزيادة مساحة الأراضى الزراعية، ويعد من أهم إنجازات الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر.

تقدم المهندس المصرى اليونانى الأصل، أدريان دانينوس، إلى مجلس قيادة الثورة بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان، لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه.

بينما بدأت الدراسات فى العام ذاته من جانب وزارة الأشغال العمومية المصرية «وزارة الرى والموارد المائية حاليًا»، وأقر التصميم النهائى للسد ومواصفات وشروط تنفيذه عام 1954.. كانت هذه ملحمة السد العالى الذى استهدف حجز فيضان النيل، وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربية.

انطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالى فى أكتوبر عام 1967، وبدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد منذ عام 1968.

وفى منتصف مايو عام 1964 تم تحويل مياه النهر إلى قناة التحويل والأنفاق، وإقفال مجرى النيل والبدء فى تخزين المياه بالبحيرة.. فى المرحلة الثانية تم الاستمرار فى بناء جسم السد حتى نهايته، وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها، مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء.

كانت «روزاليوسف» وسط تلك الملحمة ترصد وتحلل وتنتقد، فكانت تخوض ملحمة بناء وعى عام بالتزامن مع بناء السد والمشروع القومى الكبير.

وفى تحقيق تحت عنوان«بدأ عصر السد العالى» رصدت مجلة روزا على صفحاتها كل تفاصيل بناء السد العالى بعيون وقلم كامل زهيرى، بالتزامن مع انطلاق شرارة البناء الأولى: «ستنطلق هذه الشرارة من أسوان إلى البحر الأبيض.. وستجرى فى عروقنا وعقولنا وتقلب حياتنا.. لنسير نحو المستقبل السعيد الذى نريده».

فيما كتب الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور على صفحات روزا مقالا بعنوان: «السد العالى.. امتحان للفن!» يوضح خلاله أن بناء السد العالى يمثل امتحانًا لأغانينا ورواياتنا وموسيقانا وقدرتها فى التعبير عن ذلك الحدث الكبير، ويقول: «كل هذه الوسائل تسقط فى الامتحان بجدارة إذا لم تدرك كيف يستطيع الفن التعبير عن الأحداث دون أن يفقد إنسانيته وفنه».

وبينما قالت الحكومة فى دعمها للسد كمشروع قومى أنه سينتج كهرباء تكفى مصر سنوات طويلة وتفيض، لم يمنع الدعم روزا من الوقوف على الحقيقة بالأرقام، وهى تدرك بذلك أن كشف الحقيقة وحده يمثل الدعم الأكبر للمشروع الوطنى الكبير.

وفى تحقيق بعنوان «السد العالى وحده لا يكفى» كشف صالح مرسى بالأرقام أن قوة الكهرباء التى ستصدر من السد تمثل 7 أضعاف ما كان يصدر من خزان أسوان أى ستصل قدرته إلى 2 مليون و100 ألف كيلو وات، ما يعنى أن استخدامها فى الصناعة يعنى توفير 3.5 مليون طن من الوقود أى ما يقدر وقتها بـ24.5 مليون جنيه.

ويدق فى تحقيقه جرس إنذار قائلًا: «معدل نمو الصناعة فى بلادنا لو سار كما هو دون زيادة رغم أن الزيادة ضرورية وحتمية، فلن تكفينا كهرباء السد العالى لمواجهة النمو الصناعى فى البلاد، ما يعنى أننا لا بد أن نفكر».

ويتنبأ فتحى غانم تحت عنوان «ديمقراطية السد العالى» بالمستقبل بعد تشييده: قائلاً: «وراء بناء السد أفواه ستأكل وأيادٍ ستعمل.. وأهم من ذلك ستتحقق الحرية الحقيقية لملايين الناس».

هكذا كانت صفحات وأغلفة «روزاليوسف» تبشر بالمشروع الوطنى وتحقق من على أرضه، ولم يمنعها ذلك أبدًا من كشف الحقائق بمنتهى الشفافية والوضوح اتساقًا مع مبادئها.

 ماذا عن أصداء المعركة العسكرية على صفحاتنا؟

 معركة 67

قبل خوض المعركة العسكرية فى يونيو 1967، كتب أحمد حمروش افتتاحية «روزاليوسف» تحت عنوان «سياسة الصمت أمام الأخطاء» يتساءل خلالها عن الإجراءات التى سوف تتخذ ضد الذين تسببوا فى خسائر مادية كبيرة للدولة سواء عن طريق الانحراف أو الإهمال.. مؤكدًا: «كلما نضج المفهوم العلمى للعمل السياسى، كلما عبرنا مرحلة السكوت على العناصر الخاطئة  ونبتت عندنا عناصر صالحة».

لكن مع اشتعال المعركة.. كانت «روزاليوسف» ترصد وتفكك كل التفاصيل تحت عناوين «نبض المعركة» و«صوت الرصاص».. وقبل كل ذلك علينا التوقف كثيرًا عند وصف «معركة» الذى التزمت به «روزاليوسف» فى كل ما رصدته سواء قبل تأكد الهزيمة أو بعده، واللفظ الذى تكشف الصفحات اختياره بعناية، وكان الدعم للدولة حاضرًا من خلاله دون التورط فى تضليل معلوماتى عن الحرب.

وبعد تأكد الهزيمة فعلاً، كانت «معركة» خسرنا فى جولة منها ولم نخسرها كلها، وظلت الصفحات طوال 7 سنوات تبشر بنصر أكتوبر، تكشف الأخطاء التى وقعنا فيها وتدرسها وتفندها حتى نتجاوزها فى المستقبل.

 كيف يفكر العدو؟

وسط القتال كتب أحمد حمروش تحت عنوان «كيف يفكر العدو؟» ينقل خلال سطوره تصريحات موشى ديان الذى قال: «مصر هى العامل الحاسم فى كل مبادرة عسكرية ضد إسرائيل.. فهى تملك أقوى الجيوش العربية، كما يعتبر عبدالناصر هو الزعيم الذى تقبله غالبية العرب، وقد تستطيع بعض الدول العربية الدخول فى اشتباكات مع إسرائيل، لكنها لن تجرؤ على خوض حرب حقيقية معها دون التأكد من مساندة مصر الفعلية لها».

فيما رصدت الصفحات تحول الأردن إلى جبهة قتال فى مواجهة العدو بقواتها المسلحة، وتنقل عن رئيس أركان الجيش الجزائرى، العقيد طاهر الزبيرى، تصريحه بأن «التضامن العسكرى مع مصر مفتوح إلى أبعد الحدود».

وعلى المستوى المحلى رصدت صفحات «روزاليوسف» فى نقاط سريعة، حصر مكاتب الاتحاد الاشتراكى بجميع المحافظات لمن تلقوا تدريبات عسكرية للمشاركة فى المعركة، أيضًا رصدت اختفاء مخالفات التسعيرة بالنسبة للتجار، فضلاً عن تنظيم المقاومة الشعبية على مستوى الأحياء وموقع الإنتاج، حيث تلقى مكتب تنفيذى قصر النيل أكثر من 500 طلب تطوع فى الساعة على مدار أسبوع المعركة.

وبعد تحقق الهزيمة كتب يوسف الصديق تحت عنوان «هدف العدوان لم يتحقق»: «الحقيقة التى يجب ألا تغيب عن أذهاننا ونحن نراجع حسابات المعركة هى أن العدوان رغم كل ما ألحقه بنا لم يحقق فى النهاية هدفه الأساسى».

وعلى ضوء هذه الحقيقة يجب أن نفهم:

أولاً: أن المؤامرة ستستمر بصورة أخرى، لأن الاستعمار لم يحقق هدفه منها، فلابد من الاحتفاظ بيقظتنا.

ثانيًا: أننا لم نخسر أبدًا حربنا مع الصهيونية، فهذه الحرب التى بدأت فى 15 مايو 1948 لاتزال مستمرة، وما خسرناه أخيرًا هو مجرد جولة من جولاتها.. بل إننا حتى فى هذه الجولة قد كسبنا فى مقابل ما خسرناه، كسبنا وعيًا عميقًا بحقيقة العدو الأمريكى، ووحدة أكبر بين أجزاء الأمة العربية».

فيما يكتب حمروش مرة أخرى تحت عنوان: «الهزيمة ليست مشجب أخطاء» مؤكدًا على ذلك المعنى: «هزيمة سيناء ليست هى الكلمة النهائية.. ولا يجب أن تكون مشجبًا نعلق عليه كل الأخطاء ونستريح.

فإنها رغم مرارتها قد منحتنا فرصة تجديد حياتنا ومجابهة واقعنا وتأكيد شخصيتنا والاعتبار بالمثل الذى يقول: إذا خدعنى إنسان مرة عاقبه الله وإذا مرة ثانية عاقبنى الله».

ذلك بالإضافة إلى أن حركة الإعلانات فى تلك الفترة كانت لافتات دعم كامل من العمال ومجالس إدارات الشركات المختلفة، معلنة التبرع لإعادة بناء الجيش، أو مضاعفة العمل بنفس الأجر لاستعادة حركة الإنتاج.

لم تنقطع «روزاليوسف» فى تلك الفترة - رغم صعوبتها - عن الشارع وأسئلته، إذ يكتب الأستاذ صلاح حافظ بعد المعركة مقاله الشهير «قف» تحت عنوان «ثلاثة أسئلة على ألسنة الناس.. ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ وما يجب أن نفعل الآن؟».. حيث يقول بوضوح: «علينا اليوم أن نعيد النظر فى كثير من جوانب عملنا لكى نحقق هدفين أساسين: إدراك درس النكسة وإزالة آثار العدوان» مشيرًا إلى ما قاله الرئيس عبدالناصر فى مجلس الأمة ومؤكدًا على ضرورة استيعاب الدرس وسرعة إعادة البناء.

طوال 96 عامًا كانت «روزاليوسف»، المجلة الأكثر اشتباكًا مع الواقع وأسئلته، حاملة على عاتقها هموم الوطن وأسئلة الشارع.. لذلك علينا «كتاب وقراء» «دولة ومواطنين» أن نقدر أهمية ذلك الدور، بل ندعمه بشكل مطلق، وواجبنا كلنا ألا تتخلى هذه الصفحات عن فضيلة «الاشتباك».. وذلك لصالحنا جميعًا.