الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لتكن حرب الستة أعوام

بعض الذين تأخذهم المفاجأة من تسلل الطائرات الإسرائيلية إلى الدلتا أو ضواحى القاهرة.. يعيشون فى وهم كبير، ويتصورون المعركة على غير طبيعتها.. والذين يجمعون الخطر من هذا التصعيد المتوقع، يرون الصورة القاتمة فقط.. علينا أولا أن نتساءل عن دلالة هذه الغارات وعن مغزى قيامها فى هذا الوقت بالذات.. واضح تمامًا أن هذه الغارات تهدف إلى جانب تأثيرها النفسى على الجماهير، محاولة ضرب بعض استعداداتنا العسكرية.. وهو أمر لم يحدث خلال الشهور التى مضت بعد عدوان يونيو 1967.



دلالة ذلك أن استعداداتنا العسكرية، وقوة تسليحنا أصبحت تؤرق العدو، وتشكل مصدر خطورة عليه.. ولم يكن ممكنًا - كما سبق أن كتبت عدة مرات - أن يضع العدو يده على خده ويتأمل تطور قواتنا المسلحة فى صمت وهدوء.

كان لابد للعدو أن يتحرك ويضرب هذه الاستعدادات قبل أن تصبح قاعدة انطلاق قوية لتحرير الأرض المحتلة، والذى توقع غير ذلك، كان يحبس نفسه فى غدر لا يرى الحقيقة.

فقد أصبحت قواتنا المسلحة قادرة على الصمود، طائراتها تشتبك مع العدو، ومدافعها المضادة وصواريخها تسقط بعض طائراته ودورياتها تتسلل إلى مواقعه تحولت المعركة إلى مرحلة جديدة.. وفرضت علينا حتمية مواجهة هجمات متصاعدة للعدو.. وعلينا ألا نتوقع حولها فقط فى حدود ما يحدث الآن.. كلما زدنا قوة، كلما زادت غارات العدو وتمددت أهدافها.. ولن تأخذنا المفاجأة إذا ركز العدو ضرباته على مراكزنا الاقتصادية أو مواقعنا الحيوية وخاصة أن قواته الجوية مازالت تواليها الإمبريالية بإمدادات جديدة.

وأثر هذه الغارات ربما يكون شديدا من الناحيتين النفسية والمادية معًا.. ولكن شعب مصر يدرك أنه يخوض معركة طويلة مريرة للحفاظ على استقلاله الوطنى وحريته وتقدمه الاجتماعى أمام عدو  يريد أن يقهر أمله فى المستقبل، ويعيده من جديد إلى حظيرة التبعية والاستغلال.. ولذا فإن هذه الغارات لو تجاوزت حدودها العسكرية، فسوف يكون رد فعلها عند الجماهير صلابة وتمسكًا بالدفاع عن الأرض والحياة والمستقبل.

لن يتجاوز تأثير الغارات هذه الحدود، ولن يحدث الانهيار الذى يأمل فيه الاستعمار والصهيونية.. فإن شعبنا وقد رفض الهزيمة التى لم يشارك فى صنعها وهو لا يملك قطعة سلاح واحدة.. لن تهز هذه الغارات صفوفه وهو يملك هذه القدرات المسلحة المتطورة.. ماذا تفرض علينا هذه المرحلة الجديدة التى يحاول فيها العدو أن يشعر الجماهير بقوته، والتى قد تتصاعد إلى تعريض الناس لأخطار جديدة؟

ربما وضحت الآن صورة الحرب بطريقة عملية، وظهر ما سبق أن كتبته من أن «الحرب ليست نزهة» وأن تحرير الأرض المحتلة لا يمكن أن يتحقق بأزرار سحرية فى وقت محدود.. وتبين للجميع أننا لا نواجه دولة الصهيونية وحدها، وإنما نواجه من خلفها حشود الإمبريالية.. وانتصار العرب انتصارًا نهائيًا على الإمبريالية فى المنطقة، يعنى حدوث تحول تاريخى عظيم.. وهو أمر لا يمكن أن نجنح به إلى البساطة، ولا يجوز أن نتوقع حدوثه فى سنوات قليلة.

ومعركتنا مع الإمبريالية والصهيونية مازالت فى بدايتها.. وليس معقولًا أن نتخيل حدوث انتصار نهائى وحاسم فى شهور معدودة.. لنقلها فى صراحة إننا يجب أن نتوقع حربًا تمتد سنوات عديدة.

ونحن الآن لسنا فى مرحلة «المتأهب للمعركة» ولكننا فى معركة وحرب حقيقية.. والحرب أصبحت معارك برية فقط، وإلا كان علينا فى الاعتبار أن الجزيرة البريطانية لم تعرف الحرب رغم قسوة «معاناة» الشعب البريطانى من غارات النازية.. علينا أن نتوقع سنوات من المجابهة التى نتعرض فيها لأخطار غير معروفة، وأحزان غير متوقعة.

إن الناس فى إسرائيل يعيشون فى ظروف المعركة منذ عشرين عامًا.. والحياة هناك صعبة، وكل إنسان يتبع أوامر الجيش حتى سن الخامسة والخمسين.. و«المخابئ» تنتشر فى كل مكان.. والحكومة الإسرائيلية ذات الطابع العسكرى التوسعى، تنمى قلق الناس هناك، وتحاصرهم بالتوتر، وتنسف لهم أمل السلام، وتدفع بهم إلى حالة الحرب الدائمة.

وتصعيد حكومة إسرائيل للهجمات الجوية إلى جانب أنه رد مباشر على تطور قوتنا العسكرية، إلا أنه يفضح رغبة الحكومة الإسرائيلية فى مقاومة كل اتجاه يؤدى إلى حل سلمى.

الحكومة الإسرائيلية ترفض فكرة السلام، لأن السلام يهدد المبرر القانونى والإنسانى لوجودها فى الحكم.. وهى تدخل فى سباق مع الزمن، لتطيح بكل محاولات السلام، وتحاول أيضًا أن تطيح بكل النظم التقدمية التحريرية التى تدعو وتحرص على السلام.

والمرحلة الجديدة تفرض علينا عدة واجبات ومسئوليات.. يقف فى مقدمتها ضرورة تغيير طبيعة الحياة فى المجتمع، وبعث الشعور بالجدية والمسئولية والمشاركة فى المعركة.

إن شعبنا على استعداد دائم وكامل لبذل كل ما تتطلبه المعركة من تضحيات، مادام يتولد عنده الشعور بأن خيوط العمل الجاد تنسج كل الناس فى نسيج واحد.. وأن طائراته وإرادته لا تجد حولها حواجز من الصمت أو الإهمال. والحرب التى نعيشها اليوم لن تهز ثقتنا فى أنفسنا وحتمية انتصارنا.. بل ستضاعف إيماننا بقدرات شعبنا.. وهى تدفعنا إلى القول: لترتفع الغشاوة عن عيون الذين تصوروا ونادوا بأن الشعب المصرى مستكين متهاون لا يحارب.

ولتخرس أصوات المنادين بالدفاع للمغامرة ولنحرص دائمًا على ألا تسلبنا الغارات إرادة القتال.. بل علينا أن نعمق بها قوة النضال.. وليكن هدفنا الأخير سلامًا نحرص عليه.. ونعرف أن طريقه قد يكون مروريًا بالدماء.. ولنتأهب لحرب طويلة قد تمتد إلى ستة أعوام من أجل تحرير الأرض وحقوق شعب فلسطين.. وحتى تنهار خطط الإمبريالية والصهيونية التوسعية.. نعم لتكن إجابتنا على غارات العدو.. إننا على يقظة واستعداد لخوض حرب تمتد ستة أعوام، تحطيمًا لأسطورة حرب الستة أيام.. وإننا سننتصر.