الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الفن فى الثلاثينيات ما أشبه الليلة بالبارحة!!

لا يمكن أن تعود بالزمن إلى الوراء لتطالع الصحافة الفنية بـ«روزاليوسف» فى حقبة الثلاثينيات إلا وتضبط نفسك متلبسًا بترديد المقولة الشهيرة (ما أشبه الليلة بالبارحة!)، تلك المقولة التى تتردد على الألسنة كثيرًا عندما تتشابه الأحداث وتتكرر المواقف، والفن كما تناولت «روزاليوسف» فى تلك الحقبة تتشابه قضاياه كثيرًا مع القضايا الفنية التى لا نزال نناقشها فى صحافتنا هذه الأيام، حتى وإن اختلفت المسميات، أو لعبت التكنولوچيا دورًا فى تغيير شكل العلاقة الثلاثية بين الفنان والصحافة والجمهور.



 

لذا قررنا أن نخصص هذه المساحة لعمل نوع من المحاكاة بين القضايا الفنية التى تناولتها مجلة «روزاليوسف» وقدّمتها على صفحاتها منذ أكثر من تسعين عامًا، وبين القضايا الفنية المطروحة على الساحة هذه الأيام،  وإذا كانت غالبية الموضوعات الفنية التى كتبت فى تلك الفترة بقيت مجهلة، ولم تذيل باسم كاتبها؛ فإن ذلك لا يمنع الاعتراف الكامل بتفوق الرعيل الأول من كتّاب «روزاليوسف» فى صياغة أخبار أهل الفن بشكل يتسم بالفكاهة الممزوجة بالجراءة فى النقد والحرية فى تناوُل الأفكار.

 أجور عادلة

قضية الأجور العادلة للفنانين واحدة من القضايا الأزلية العابرة للأجيال، ولطالما تحدثت الصحافة فى عصور مختلفة عن أزمة حصول بعض النجوم على الملايين بينما يعانى فنانون آخرون من ضيق ذات اليد، كما كانت ولا تزال قضية الاستعانة بالنجوم أصحاب الخبرات وإسناد أدوار تناسبهم قضية مطروحة، يكثر الحديث عنها كلما ظهر جيل جديد من الفنانين، وبدأ المنتجون فى التخلى عن الجيل الأقدم، وفى «روزاليوسف» وتحديدًا فى العدد رقم 227 والذى صدر فى 20 يونيو 1932 نشر تحقيقً صحفى يحمل عنوان (فى عالم الطرب.. هل تتناسب أجور المطربين والمطربات مع مقدرتهم الفنية؟)، تناول فيه المحرر بالأرقام ما يحصل عليه فنانو هذا العصر من أجور نظير تسجيل أسطوانات تحتوى على جديدهم من الأغانى، أو الحفلات التى يلتقون فيها بجمهورهم، وقد خلص التحقيق إلى تقسيم مطربى هذا العصر إلى أربع درجات- على حد وصفه-  تبدأ من الترسو وتصل إلى درجة الامتياز، وهو ما ينعكس على أجور هؤلاء الفنانين بطبيعة الحال، وقد وضع المحرر الآنسة «أم كلثوم» والأستاذ «محمد عبدالوهاب» على رأس القائمة؛ حيث يقول ساخرًا: (كلاهما لا يعبى أسطوانة واحدة بأقل من 300 جنيه والعياذ بالله!) بخلاف ما يتقاضياه من أجر عن الحفلات طوال العام؛ حيث تبدأ من 30 جنيهًا وترتفع تبعًا لبُعد مكان الحفلة (كعداد سيارة التاكسى).. لا يغفل محرر هذا الموضوع إلقاء الضوء على غيرة بعض الفنانين أصحاب المواهب الكبرى التى لا ترقى لشهرة «أم كلثوم وعبدالوهاب» رُغم ما يتمتعون به من أصوات عذبة؛ حيث أطلق عليهم (من يتعلقون بأذيال الامتياز)، منهم «صالح عبدالحى، وفتحية أحمد» اللذان يحاولان الوصول إلى أجر «أم كلثوم، وعبدالوهاب» بلا جدوَى، كما ألقى صاحب التحقيق المهم الضوء على ما أصاب مطربة مهمة بحجم «منيرة المهدية»؛ حيث كانت حينها تحمل حتى عهد قريب لواء الأجر الأعلى بين المطربات، وعلى حد وصفه كانت (سيدة مطربات شركة بيضافون) التى أصبحت وقت كتابة سطوره مطلع الثلاثينيات لا تدفع لها سوى 100 جنيه نظير تعبئة الأسطوانة الواحدة.

ويبدو أن أزمة عدم تقدير «منيرة المهدية» على وجه الخصوص كانت الشغل الشاغل طوال فترة الثلاثينيات؛ حيث نشر لها فى نهاية الثلاثينيات حوار كتب محرره فى مقدمته (فى الوقت الذى تَفسَح فيه محطة الإذاعة صدرها لنقيق الضفادع، ونهيق الحمير؛ لتذيعه على الناس باسم الطرب ترى السيدة منيرة المهدية بعيدة عن ميكرفون الإذاعة!).

 تنبؤ بالمستقبل

وإذا كانت قضية أجور الفنانين العادلة مسألة شغلت بال محررى الفن فى «روزاليوسف» فى تلك الفترة؛ فإن فكرة التخوف من تحريم الفن من قبَل مجموعة من البشر كانت حاضرة مبكرًا جدًا، وبشكل لافت، لا سيما أنها قضية عاصرناها بعد ذلك بسنوات طويلة وتحدّثنا فيها كثيرًا فترة حُكم جماعة الإخوان لمصر، فعلى سبيل المثال نشر فى العدد الصادر فى 3 يوليو 1933 تحقيق بعنوان (ماذا يفعل أبناء الفن وبناته إذا ألغى التمثيل والرقص والغناء؟)، وكان هذا السؤال نابعًا من فرضية حدوث انتخابات ينال فيها الأغلبية المطلقة حزب التقاليد برئاسة «حلمى عيسى باشا» الذى سيقوم وفقًا لفرضية المحرر بتعيين شيخ الأزهر مديرًا للأمن العام، الذى سيصدر بدوره قانونًا يحرم التمثيل.. ولعل أطرف إجابة قد جاءت على لسان الفنانة «زينب صدقى» التى قالت: (لو حصل هشتغل معددة، بس معددة أولاد ذوات، يعنى ما أعددش إلا فى الزمالك وجاردن سيتى..الناس مقامات يا عمر!).

 تقليعات وخلافات

إذا كنت من هواة متابعة الفنانين على وسائل التواصل الاجتماعى لمشاهدة أحدث تقليعاتهم، أو متابعة أخبار خلافاتهم ومشاكلهم؛ حيث اختاروا لها مؤخرًا ساحة الفضاء الإلكترونى بدلاً من الغرف المغلقة فما عليك إلا أن تعود معى لفترة الثلاثينيات؛ حيث لم تغفل «روزاليوسف» حاجة قارئها لمعرفة الوجه الآخر للفنان بعيدًا عن أخبار أعماله الفنية.. وفى تقرير نشر فى 16 مايو من عام 1938، حمل عنوان (أهل الفن فى ساعة تَجلى.. تقاليع على الطريقة المناويشية.. زكى طليمات عربجى كارو وعزيز عيد يشوى ذرة وفاطمة رشدى بملاية لف)، وكما يظهر من عنوان التقرير يحاول كاتبه أن يُظهر وجهًا آخر لهؤلاء الفنانين شاهده بنفسه، وحاول أن يصفه بكلماته، أمّا أخبار الخلافات الأسرية بين الفنانين وذويهم؛ فقد كانت حاضرة وبقوة؛ حيث نُشر فى عدد 27 من يونيو 1938 تحقيق صحفى بعنوان (أمهات الفن بين العز والبهدلة) ذكر فيه المحرر بالأسماء طبيعة علاقة بعض الفنانات بأمهاتهن، وأشار إلى أن بعض الأمهات تلاقى الجحود من بناتهن اللاتى كن نجمات فى تلك الفترة، منهن على سبيل المثال الفنانة «فردوس حسن»؛ حيث يقول عنها الكاتب (تتمتع السيدة فردوس حسن ممثلة الفرقة القومية وننوسة عينها، بوالدة من الصنف ذى الشبشب الزحافى وهو ما يعكر مزاج الممثلة الرشيقة التى لا تتحدث إلا بـ(إغ) بدلاً من حرف الراء، الذى يحملها على التنصل من تلك الأم، وتقوم الأم الوقورة بمهمة الطواف حول الأرض وقد أغناها الله بعطف ذوى النخوة والمروءة)

 معاناة مستمرة

وفى سنة 1936 قرّر أحد محررى الفن كتابة موضوع جرىء جدًا عن العلاقة بين الصحفى والفنان، ورُغم المعاناة التى واجهت هذا الصحفى منذ أكثر من تسعين عامًا فيما يتعلق بعدم استجابة بعض الفنانين للصحافة ورفضهم التعاون معها؛ فإنه صاغ موضوعه بذكاء شديد لا يخلو من طرافة، وكأنه يُشهد القراء على أنه حاول أن يؤدى عمله على أكمل وجه حتى يحضر لهم أخبار نجمهم المفضل لكن الأخير أبَى، وبخل على جمهوره بتلك الأخبار؛ حيث كتب هذا المحرر- لم تكن أسماء المحررين تُكتب على موضوعاتهم فى تلك الفترة- تحت عنوان (أحاديث هاتفية.. بدون عنوان)، ذكر فيها العديد من الحكايات التى حاول من خلالها إيضاح صعوبة تفاعُل الفنان مع الصحافة؛ حيث كتب (ظللت أسبوعًا كاملاً أحاول الاتصال ببُلبُلة الشرق الآنسة أم كلثوم بلا جدوى، إذ يلوح لى أن سكرتيرتها لا تستلطف العبد لله، فقد دأبت على إجابتى بجملة واحدة لا تتغير هى أن سومة مش موجودة، والغريب فى الأمر أنها- سومة يعنى- لا تكون غير موجودة إلا عندما أطلبها أنا وفى يوم الأحد الماضى دارت بينى وبين السكرتيرة المحادثة الآتية:

-ألو..

-سومة موجودة؟

-مين حضرتك؟

-مندوب «روزاليوسف»..

-لأ مش موجودة..

-لأ موجودة..

-الله.. مش موجودة..

-الله موجودة..

وقفلت السكة فى وجهى بكل ذوق، والشهادة لله أن جميع محررى المجلة يقسمون أنهم سمعوا صوت رزع السماعة!).