الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مخاوف وتحذيرات فى نهاية السبعينيات حول الطرب وصناعه: «روزاليوسف» تتساءل عن مصير الغناء بعد رحيل الكبار؟

يمكن أن تلحظ منذ مطلع السبعينيات القلق على مستقبل الأغنية المصرية الذى تجلى واضحًا فى نهاية تلك الحقبة وتحديدًا بعد رحيل العندليب الأسمر عام 1977، ولطالما حذّر كتّاب «روزاليوسف» فى تلك الفترة من ضرورة السماح لظهور جيل جديد خلفًا للرواد ليحمل لواء الدفاع عن القبح الذى كان بدأ يستشرى فى تلك الفترة وفقًا لمقتضيات ذلك العصر بالتأكيد؛ حيث إنه لا يقارَن بما يُعرَض على آذاننا هذه الأيام.



 

الجميل فى كتابات هذه الفترة ما بها من استشراف للمستقبل، وتحذير من نتائج تحقق معظمها مع الأسف على أرض الواقع.

فى عام 1973 وتحديدًا فى العدد 2357 نشرت «روزاليوسف» تحقيقًا يحمل عنوان (ماذا أصاب الغناء؟) وتساءل كاتبه عن مصير أصوات ظهرت وكانت تنبئ عند ظهورها بمستقبل مشرق، لكنها توارت واختفت لأسباب مجهولة حاول كاتب التحقيق معرفتها عن طريق نقاشه معهم، الغريب أن من بين تلك الأصوات كان صوت الفنان الكبير «محمد رشدى» الذى برر غيابه بأنه صاحب اتجاه جديد فى الغناء، وأنه يعبر بصوته عن طبقة جديدة من المجتمع لم تكن فى محيط اهتمام من سبقوه وهى طبقة العمال والفلاحين التى أثرت النكسة عليها مثلما أثرت على باقى طبقات الشعب، وبالتالى تأثر فنه، لكنه أكد فى نهاية تصريحاته أنه لا يمكن أن يُقتل فنيًا لأنه يستقوى بالطبقة التى يغنى لها، أمّا الفنان «ماهر العطار» فقد وضع يده على مجموعة من الأسباب التى ساهمت فى تعطل جيله فنيًا، ولعلها أسباب وجيهة يمكن تطبيقها هذه الأيام على أصحاب الأصوات الجيدة الذين لا يجدون فرصة وسط الزحام لإظهار موهبتهم، ومن ضمن تلك الأسباب أن أبناء جيله لا يستطيعون دفع ما يدفعه «عبدالحليم أو شادية أو نجاة» للمؤلف والملحن، وبالتالى لا يحصل هو وأقرانه إلا على الأغنيات التى يرفض غناءَها الكبار.

قائمة المطربين الذين اهتم بهم كاتب هذا التحقيق طالت، ولكل واحد منهم أسبابه، لكن الجميل أن كاتب هذا التحقيق قد أنهى سطوره بسؤال مهم، وبجملة عبقرية؛ حيث تساءل فى إشارة إلى صوت «هانى شاكر» قائلاً: «هل يستطيع الصوت الشاب الوحيد الذى ظهر بعد نكسة 67 أن يقضى على احتكار القمة فى دنيا الأغنية؟»، ثم ختم قائلاً: «الجديد قادم لا يقدر أحد أن يمنعه، فالمستقبل له وله وحده».

حذرت «روزاليوسف» أيضًا فى تلك الفترة من احتكار شركات الإنتاج للأصوات الغنائية، واتهمتهم بالسيطرة على ذوق الأغنية تحت عنوان (الأغنية بين التجارة والفن) ووسط التحذير من الاحتكار الذى شارك فيه عدد من الفنانين الكبار على صفحات المجلة منهم «فايزة أحمد، وفريد الأطرش» وغيرهما يلقى كاتب تلك السطور الضوء على الصراع الذى نشب بين بعض الفنانين بسبب شركات الإنتاج منها النزاع القضائى الذى كان قد نشب بين «نجاة الصغيرة» و«محمد فوزى»؛ حيث طالب الأخير قبل رحيله «نجاة» بدفع مبلغ 2000 جنيه تعويضًا عن الأضرار التى لحقت به بعد أن تعاقد معها كمنتج ومالك لشركة (صوت القاهرة) بمبلغ قيمته 400 جنيه، ثم ذهبت وتعاقدت مع شركة (صوت الفن) التى أسّسها «محمد عبدالوهاب» بمشاركة «عبدالحليم حافظ» حيث وعدها «عبدالوهاب» بدفع الشرط الجزائى لـ«فوزى»، وهو ما لم يحدث، فكان تحويل الأمر إلى ساحة القضاء هو الحل الوحيد حتى وإن استغرق الأمر زمنًا طويلاً.

وفى منتصف السبعينيات وتحديدًا فى العدد رقم 2481 الصادر فى 29 ديسمبر 1975 تحدّث الصحفى الكبير «جمال عنايت» إلى الفنان «محمد نوح» فى حوار رائع حمل عنوان (هل تنقذ سفينة نوح الغناء المصرى؟)، وهو نموذج للحوارات التى يكون طرفاها على قدر كبير من الثقافة، وتحدّث «نوح» فيه عن ضرورة تطوير الأغنية المصرية حتى تستطيع أن تستمر فى المنافسة، وأشار إلى أنه من الطبيعى أن يحارب المحافظون أى تجديد، لكن تلك الحرب لم تمنعه عن مشواره فى التطوير لأنه - على حد تعبيره - يغنى للإنسان لكى ينهض بحياته.

وبعد رحيل العندليب الأسمر «عبدالحليم حافظ» فى 30 مارس سنة 1977، زادت المخاوف على مستقبل الأغنية المصرية، وبدا سؤال (مَن يخلف عبدالحليم؟) مطروحًا وبقوة، وفى مناقشة اشترك فيها «أحمد رامى، ويوسف إدريس، وكمال الطويل، ومحمد الموجى، ومحرم فؤاد»، طرحت الصحفية «سامية عطا الله» هذا السؤال فى تحقيق يحمل عنوان (بدأ الصراع على عرش عبدالحليم)، وقد خلصت كل الآراء المطروحة فى التحقيق إلى أن التربة التى أنبتت «عبدالحليم» لم يصلها العقم بعد، لكن ما لفت نظرى بحق هو إجابة الفنان «محرم فؤاد» الصادقة؛ حيث قال بكل وضوح: «إذا كنت لم أستطع أن أحقق مكانة كتلك التى حققها عبدالحليم فى عالم الغناء أثناء حياته؛ فقد أصبح مستحيلاً أن أحققها الآن بعد وفاته».

وفى العدد الخاص الذى تلى رحيل «عبدالحليم» - وتحديدًا فى 4أبريل 77 - كتب محرر باب (أسرار فنية) فى نفس القضية مقالاً بعنوان (معجزة عبدالحليم أنه نجح فى عصر عبدالوهاب)، مستعينًا برأى الكاتب الراحل «كامل الشناوى» حينما سُئل عن سر نجاح «عبدالحليم» فقال «مفتاح نجاحه أنه عرف سر عبدالوهاب، وهو الإتقان المطلق، وقد وعى «حليم» هذا الدرس، فلم يسمح لنفسه أن يغنى كلمة لا يفهمها، أو لحنًا لم تتشرب به أعصابه ودمه، وكلما زادت شهرته زاد عدد البروفات التى يقوم بها». وبعد أن سرد كاتب المقال سر نجاح «حليم» الذى سبقه إليه «عبدالوهاب» ختم مقاله بالإجابة عن سؤال مَن سيرث «حليم»؟ قائلاً بأن مَن سيرثه هو مَن يلتقط منه مفتاح السر ويفعل مثلما فعل ويدخل محراب الفن من باب الإتقان.