السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ناصر 56 يتحدث عن ناصر 67 لأول مرة: أحمد زكى: نحن قتلناه!

قبل أن يتحدث أحمد زكى قال لنا: «أنا فنان ولا يجب أن أتكلم فى السياسة».



وأثناء الحوار قطع كلامه أكثر من مرة ليؤكد: «أنا مش محلل سياسى».. و«مش من حقى أحكم على مواقف وعلاقات سياسية معقدة لم أدرس تفاصيلها».

والحقيقة أننا فى «روزاليوسف» اخترنا أحمد زكى ليتحدث عن عبدالناصر.. ليس لأننا نريده أن يلعب دور المحلل السياسى، ولكن لأننا نريد أن نعرف رؤية هذا الجيل الذى عاش أحلام الثورة ونكساتها فى شخصية عبدالناصر وقراراته، بعيدًا عن النظريات والأفكار المسبقة والمصالح - أحيانا - التى قرأناها فى مؤلفات الكتاب والسياسيين.

اخترنا أحمد زكى لأنه مواطن مصرى عادى، أصبح الممثل الوحيد الذى أتيحت له فرصة الاقتراب من شخصية عبدالناصر ودراستها وتجسيدها فى أول فيلم مصرى عنه.

وإذا كان أحمد زكى قد جسد هذه الشخصية فى إحدى أهم فترات مجدها السياسى عام 1956.. فقد تعمدنا أن تدور أسئلتنا حول أصعب فترات حياة عبدالناصر.. فترة الهزيمة «ناصر 67».

فى 67 أنا «اتشرخت».. وفى نفس الوقت أنا أحبه.. وجدانى تربى على هذا.. «ده أبويا»، لكن «أبويا» مسئول عن اللى حصل.. كل هذا تحول إلى سؤال كبير وصعب بداخلى: ليه؟!

مساءلة وجدت نفسى أوجهها داخليا للرجل الذى قتل نفسه كفاحًا من أجل هذا البلد.. لماذا ما حدث؟

 الآن.. وبعد 29 سنة على هزيمة يونيو 67.. ما تقديرك الشخصى لموقف عبدالناصر فى هذه المعركة وحجم مسئوليته عن الهزيمة.. هل هو مجرد «بطل درامى» خدع من معاونيه خديعة كبرى.. أم أنه أساء التقدير كرجل سياسى.. أم أنه استدرج إلى حرب لم تكن مصر مستعدة لها؟!

- خدع من كله.. روسيا عندما قالت له لا تضرب ضربة الطيران الأولى، وكذلك أمريكا.. وفرنسا عندما تعلن أنها ستكون ضد من يوجه الضربة الأولى لم يكن أمامه إلا أن يصدق.. ورجاله الذين أعطاهم ثقته وأعطوه بيانات مطمئنة عن وضع الجيش، فى النهاية هو مسئول، ولكن ليس وحده فقد كان قدره أنه زعيم للوطن العربى يحمل مسئولياته وهمومه ويفكر فى جميع الاتجاهات، والمفروض أن حوله رجالا كل منهم مسئول عن موقعه.

 ما حجم مسئوليته.. هل تتصور أنه كان يعلم شيئا عما يحدث من معاونيه؟!

- هو مسئول باعتباره رب البيت بصرف النظر عن الظروف التى بنى عليها قراره فى الحرب سواء بناء على الموقف المعلن للدول الصديقة - التى خدعته قبل الدول الأخرى - أو سواء بناء على التقدير الذى وصله عن استعداد الجيش، هو نفسه كان شجاعًا، وقال فى خطاب التنحى: «إننى على استعداد لتحمل المسئولية كلها».. ولم يقل - كما كتب الأستاذ هيكل - «إننى على استعداد لتحمل نصيبى من المسئولية».

 قرار التنحى نفسه قال البعض عنه إنه كان «تمثيلية» أو «مناورة»!

- مناورة إيه.. إذا كنت أنا نزلت مقهور فى الشارع.. ولا حد قال لى انزل ولا حاجة.. إذا كنت أنامشيت أعيط وسط ملايين الناس ومش عارف أنا رايح فين لغاية ما لقيت نفسى عند بيته فى منشية البكرى! أنا يومها شفت مشهد لا يمكن أنساه: راجل حافى بتاع بطيخ ماسك فى إيده السكين اللى بيقطع بيها ومنهار وهو بيقول: «يا حبيبى».. وبيجرح نفسه بالسكينة وهو مش حاسس.. مناورة إيه اللى جابت الراجل ده.. ده راجل أرزقى لا بيشتغل تبع الاتحاد الاشتراكى ولا حد قال له اخرج.. وماشى بيقطع فى نفسه!

 أنت تتكلم عن رد الفعل الشعبى.. ولكن هل كان عبدالناصر فى تقديرك مستعدا فعلا للتنحى وترك الحكم عندما أعلن هذا فى خطابه.. أم أنه كان يناور كما قالت بعض الكتابات؟!

- لا أقول إلا رحمة بنا يا شيوخ السياسة.. أنا ماليش دعوة بالكتابات.. لأنه غير معقول ما حدث وما يحدث فى هذه الكتابات.. غير معقول أن أجد كاتبا أجله وأحترمه يخرج علينا ليدين زعيمًا ويوصم عهده بالسواد وينكر جميع إنجازاته، وفى الوقت نفسه يتحدث عن زعيم آخر كأنه «نبى».. وفى المقابل يخرج علينا كاتب آخر يفعل العكس.. طيب ماذا أفعل أنا كقارئ ومن أصدق.. أنا شخص متعلم، ولكنى لست مثقفًا سياسيًا لأستطيع أن أفتى وأحلل، لأن المثقف السياسى لابد أن يقرأ ويدرس كل ما كتب عن زعيم ما أو حادث سياسى معين، وهذا لا نطلبه من معظم الناس.. أنا بالنسبة لى درست فترة 56 بدقة لأننى كنت أحتاج ذلك فى فيلم «ناصر 56».. ولكن «67» لا أدعى أننى درست كل الظروف المحيطة بها، ومن هنا ليس أمامى - ولا أمام أى شخص آخر - إلا أن أعتمد على الوجدان الشعبى فى حكمى عليها، والوجدان الشعبى يقول إنه لا يمكن الحكم على أى زعيم «بالجملة.. فهو إما «نبى» أو «مجرم»، ولا شىء بينهما! هذا غير طبيعى.

 وحسب الوجدان الشعبى.. هل تعتقد أن عبدالناصر كان مستعدًا للتنحى؟

- نعم.. واختار زكريا محيى الدين لأنه اسم وجد أن الأمريكان يمكن أن يقبلوا التعامل معه فى تلك الفترة الحرجة.. ولولا رد الفعل والضغط الشعبى الرهيب ما كان عبدالناصر سيعود ويقتل نفسه فى عز مرضه فى عملية إعادة بناء القوات المسلحة.. لقد كان لا يستطيع السير على قدميه، ومع ذلك يصر على زيارة المواقع المتقدمة فى الجبهة ضاربًا بنصائح الأطباء عرض الحائط.. ماذا يدفعه لذلك؟!.. وفى تقديرى أنه لو أعطاه الله العمر لكان سيخوض بنا معركة النصر، ولكنه مات كمدا.. كان يفعل كل شىء ويعيد بناء الجيش ويصحح الأخطاء ويذهب إلى كل مكان، ولكن الحسرة لم تمت بداخله.. هكذا يجب أن ننظر إلى عبدالناصر وإلى أى زعيم مصرى.

إنهم رجال منا كافحوا وأخطأوا.. من حقنا أن نسائلهم ولكن لا نذبحهم.. عبدالناصر لا يجب أن يشك أحد فى أن نيته منذ تولى الحكم وحتى مات كانت أن يفعل أشياء عظيمة جدا - وفعل الكثير منها - أما الأشياء الأخرى التى توجه إليه كاتهامات كمراكز القوى مثلا فأنا ما أعرفش إزاى شخص واحد هايخللى باله من القومية العربية، ولا اللى بيحصل فى العالم، ولا اللى بيحصل فى الداخل!

طيب.. أنت فى تقديرك كيف نَمَتْ حوله المجموعة التى سميت بمراكز القوى؟!

- لأنه فرد.. يقوم بمساندة دول تطمح للتحرر، ويساعد ثورات ويقوم بتنمية شاملة فى الداخل والمفروض أن من حوله يكونون على مستوى المسئولية والثقة، وليس معنى أنهم تجاوزوا أنه طلب منهم هذا.. أنا يحضرنى مشهد فى «ناصر 56»، عندما طلب جمال عبدالناصر من معاونيه أن يقابل د. الحفناوى ليستشيره فى موضوع التأميم.. لقد أحضروه بطريقة بوليسية.. قبضوا عليه واقتادوه إلى الرئيس وهو لا يعلم الطريقة التى أحضروه بها.. صحيح اعتذر له أحد الضباط بعد ذلك، ولكن هذا يعطينا مؤشرا أن المسئول الأول قد يطلب شيئًا طبيعيًا، والمشكلة هى كيف ينفذ معاونوه هذا الطلب!

هل نطلب من الرئيس أن يعلم كل شىء.. مش معقول! هل سيعلم مثلا أن ضابطًا صغيرًا فى قسم شرطة أهان مواطنا؟!

- ولهذا أنا أريد أن أديننا كشعب وكمسئولين فى مواقع متدرجة.. فى تقديرى أن رئيس جمهورية الزراعة هو وزير الزراعة.. ورئيس جمهورية الإسكان هو وزير الإسكان.. وهكذا.

 هل تعتقد أن علاقة الصداقة بين عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر كانت هى خطأه الأكبر الذى قاد البلد كله إلى هزيمة «67»، وأنه كان يجب أن يترك قيادة الجيش بعد عدوان 1956؟!

- لا نستطيع أن نحدد بسهولة لماذا كان تقدير عبدالناصر أن يظل المشير عامر مسئولا عن الجيش، ولا أن نقول بسذاجة.. «لأنه كان صاحبه»، نحن لا نعرف التفاصيل الدقيقة، ولكننا نعرف أن عبدالحكيم عامر لم يكن دخيلا على الجيش، كان شابا ثوريا ثم أحد قادة ثورة يوليو.. وكان محبوبا من الجيش، أنا شخصيًا كمواطن كنت أحب عبدالحكيم عامر، وربما يتفق هذا مع الوجدان الشعبى.. أما تفاصيل ما كان يحدث فى الكواليس السياسية فهذه مسألة أخرى معقدة بالقطع.. عامر مثلا كان من رأيه ألا تدخل مصر فى حرب سنة 56، وعبدالناصر رأى غير ذلك بناء على تقدير سياسى معين.

بعدها أخطأ عامر وأخطأ عبدالناصر فى اختيار معاونيه.

كيف أخطأ كلاهما وما حجم مسئوليته عن الخطأ، لا أستطيع أن أحدد، ولكن الخطأ قادنا إلى نكسة أودت بأرواح عالم، وأودت بروح عبدالناصر شخصيًا، لكنه قام منها وعمل حرب الاستنزاف، فى ظروف لا طاقة لإنسان بها.. ولهذا أنا أغفر له كمواطن، ولكن لا أغفر له كتاريخ.. وكحقيقة.

 هل تعتقد أن وصولنا إلى نكسة 67 كان حتميًا؟

- لم يكن يجب أن يحدث هذا، ولكن ربما كنا نشعر بقوتنا أزيد من اللازم.. ثم أنا لا أعرف لماذا نلغى أنفسنا كشعب.. لماذا لا نتحدث عن مسئوليتنا نحن فى الرقابة والمساءلة ونحمل كل الأخطاء لفرد؟!

 بحكم أدائك لشخصية عبدالناصر فى فيلم «ناصر 56» قرأت كثيرًا عنه، ودرست تركيبة شخصيته.. هل هى شخصية تحمل فى جذورها ديكتاتورًا؟

- لا.. وأنا قرأت محاضر اجتماعات مجلس قيادة الثورة فى الفترة التى سبقت إعلانه لقرار تأميم القناة الذى هز الدنيا.. وعرفت كيف كان هذا الرجل ينصت لمعاونيه ويناقش جميع الآراء بدقة، ويسأل كل واحد، وإذا كان هناك رأى يقول إنه تحول لديكتاتور فنحن كشعب الذين نجعل أى أحد منا حتى فى مواقع مسئولية أقل ديكتاتورا.. ولا يجب أن نستهين بكلمة «كله تمام»، التى تقال للمسئولين، إنهم فى النهاية بشر يمكن أن يتأثروا، ونحن نذكر أن عبدالناصر كان الوحيد فى مجلس قيادة الثورة الذى أعطى صوته للديمقراطية كأسلوب حكم فى البداية، ولكن الجميع اعترضوا عليه، ثم اكتشف بعدها كيف كانت الأحزاب القائمة فاسدة ومهلهلة، وعندما بدأ يمارس الحكم نجح فى سنوات قليلة أن يقدم إنجازات كانت مستحيلة، فى البناء الاجتماعى وفى الدور السياسى لمصر والمنطقة العربية كلها وفى تكوين جيش قوى.. ومن عام 62 إلى 67 حدث فساد داخلى أثر على الجيش، وأدى إلى النكسة، ولكن لابد أن نسأل هنا: ألم يكن هناك تنظيم سياسى مسئول هو الاتحاد الاشتراكى يرأسه على صبرى.. هل كان مسئولوه لا يعرفون ما يحدث للناس أم يعرفون ولا يقدرون على أن يقولوا الحقيقة للرئيس.. أم أنهم «أحبوا الحكاية» وفرحوا بمكاسبهم الشخصية؟!

 هوجم عبدالناصر من جميع الجهات، ولكن أحدا لم يستطع اتهامه بالفساد الشخصى.. أنت كممثل درست شخصيته.. ما الذى جعله محصنا ضد الفساد ويميل بطبيعته إلى الزهد فى الحياة الناعمة؟!

- عبدالناصر نشأ يتيم الأم، ولم يعيش مع أبيه، عاش فترة مع خاله، ودفعته الظروف لأن يصبح طفلاً ثم صبيًا شديد الحساسية، لا يريد أن يرفع صوته حتى لا يضايق أحدًا.. ثم فى بداية شبابه احتك بالأحزاب والتنظيمات السياسية فاستفاد فى تكوينه من جهتين: أولاً أدرك مشاكل بلده وهمومها، وثانيًا حقق ذاته وتخلص من أى عقدة يمكن أن تنشأ بداخله لأنه وجد له دورًا فى النضال الوطنى.. ووجد معاملة الند للند من خلال مشاركته فى العمل السياسى رغم صغر سنه، ثم التحق بكلية الحقوق وتركها والتحق بالحربية وسط زملاء له كانت تجربته أكبر منهم، وفى نفس الوقت فقد جاء من بيئة غير مرفهة.. كان إذن شخصا غير معتاد على الرفاهية بحكم نشأته أيضًا.. ولا يريدها كهدف بحكم الدور الذى وجد نفسه فيه كشخص مهموم بمشاكل الوطن وراغب فى تحويل مستقبل هذا الوطن إلى الأفضل.. عبدالناصر لم يكن له أطماع فى أى شىء.

 هناك رأى يقول إن عبدالناصر انتهى فى 67.. ورأى آخر يقول إنه بدأ بداية جديدة.. ما رأيك أنت؟!

- إنه بدأ بعد 67 بداية جديدة.. استوعب الدرس وتخلص من أخطائه.. تخلص من عواطفه تجاه معاونيه، وأدار اللعبة السياسية مع دول العالم بطريقة جديدة.. وأعاد التنظيم داخليا.. ونحن رأينا كيف بدأ يتعامل مع أسواق أخرى للسلاح وغيرها.. وكلنا رأينا نتيجة ذلك فى الأداء الرفيع للجيش المصرى فى حرب الاستنزاف.

 بعد رحيل عبدالناصر كتب نزار قبانى قصيدة قال فيها تعبيره الشهير «قتلناك يا آخر الأنبياء».. هل قتلنا عبدالناصر فعلا؟

- نعم.. حمل عبدالناصر هموما وخاض تجارب لا طاقة لإنسان بها، ونحن ننسى أحيانا أنه مرض ومات وعمره لا يتجاوز 52 سنة.. وبعد أن مات حاول الكثيرون قتله كرمز وكمعنى بالحملات الموجهة ضده والشديدة الشراسة. 