الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عواصم الكريسماس بأوروبا وأمريكا مهددة بالانهيار والخسائر بالمليارات «كوفيد» أقــوى مــــن «الكساد العظيم»

ضرب موسم أعياد الميلاد فى أوروبا هذا العام، وبات «بابا نويل» افتراضيًا للأطفال مرتديًا كمامة فى ظل ما جاء به وباء «كورونا» المستمر للعام الثانى، والذى دخل فى منحى آخر مع المتحور الجديد «أوميكرون»، فقد كانت الآمال معلقة أن يعوض أصحاب المتاجر ومحلات الزينة والمطاعم والفنادق خسائر عيد الميلاد فى السنة الماضية هذا العام، بعد أن أصبح هناك «لقاح» وكانت عجلة التطعيم ذات وتيرة سريعة، ولكن يبدو أن الوضع سيكون أسوأ فى أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا هذا العام، مع غياب زوار من جميع أنحاء العالم يقدرون بعشرات الملايين من البشر.



 

ولتقريب الصورة، «أعياد الميلاد» فى أوروبا وأمريكا وبريطانيا، هو الموسم الأساسى الاقتصادى والاجتماعى والسياحى هناك، وتكون هذه الأيام بمثابة تعويض لأى خسائر بسبب أى ظروف أو كساد، كما حدث فى «الكساد الكبير» الذى بدأ عام 1929، حيث كانت أعياد الميلاد تحرك الوضع بشكل متفاوت، وكانت الاحتفالات وعمليات البيع والشراء قائمة فى فرنسا عندما احتلتها ألمانيا النازية فى الحرب العالمية الثانية، وأيضًا عندما قصفت بريطانيا فى هذه الحقبة لم يتوقف الإنجليز عن الاحتفال، ووضعت الزينة فى أماكن ببرلين حتى عندما كان الألمان أسرى داخل بلدهم فى يد السوفييت فى عام 1945.

عواصم «الكريسماس» الشهيرة تعانى اقتصاديًا واجتماعيًا بعد أن تبخرت آمال الاحتفال هذا العام، الزينة «معلقة» ولكن على استحياء، فهناك مدن كبرى أعلنت الإغلاق ما بين عام وجزئى، ومدن أخرى أصبحت على نفس الطريق.

وفى الوقت الذى أوصت فيه السلطات الأمريكية رعاياها بتجنب السفر إلى 10 دول بينها فرنسا والبرتغال، قبرص، أندورا، ليختنشتاين، رغم أنها من بين الدول التى تسجل أفضل معدلات تلقيح فى أوروبا، فى خضم موجة وبائية جديدة فى القارة العجوز، لا يختلف الوضع فى المتاجر والمطاعم بالولايات المتحدة كثيرًا عن أوروبا.

ويشير «ديفيد فاينز – صاحب متجر بيع أدوات الزينة فى نيويورك»، إلى أن الرهان  كان على هذا الموسم منذ وسط العام، بعد أن أصبح هناك لقاحات على عكس العام الماضى، وباتت هناك جرعات تعزيزية، فكانصص التجهيز لتعويض خسائر العام الماضى فى موسم الكريسماس وأعياد الميلاد، ولكن مع قرب الاحتفالات تبدو حركة البيع غير متناسبة مع الاحتفالات مثلما كانت فى أعوام مضت، وهناك انتظار بجانب ذلك إلى عمليات إغلاق جزئى أو كلى.

ويلفت «فاينس» إلى أن المخاوف من المتحور الجديد بالاضافة إلى الإجراءات الاحترازية جعلت حركة التسوق من جانب المستهلك بطيئة وغير فعالة.

وكانت قد قالت وزارة الخارجية للرعايا الأمريكيين فى نشرتها الأخيرة: «تجنبوا السفر إلى فرنسا» ورفعت مستوى التحذير لهذا البلد إلى المستوى الرابع، وهو الأعلى، مع اقتراب عيدَى الميلاد ورأس السنة، وسط تفشى المتحوّر «أوميكرون».

وبالانتقال إلى فرنسا التى تعتبر عاصمة الاحتفالات فى العالم، يقول «مختار العشري» صاحب أحد المطاعم فى ميدان «الباستيل» الذى يأتى فى صدارة التصنيف الأول لأشهر ميادين العاصمة باريس بجانب «الكونكورد» و«الجمهورية»، أنه يلوح فى الأفق تكرار نفس سيناريو العام الماضى مع أعياد الميلاد والكريسماس بمنع عمل المطاعم والملاهى والسينمات وصالات الأوبرا من يوم 23 ديسمبر أى قبل بدء أعياد الميلاد بيوم واحد فى 24 من ذات الشهر، ليضيع أهم موسم اجتماعى واقتصادى. 

ويقدم «العشرى» بانوراما للوضع، مشيرًا إلى أن ذروة العمل تكون فى هذه الفترة من كل عام، والصورة الحالية أنه لا يتم السماح لأى شخص بالمطاعم والمتاجر إلا بالكشف عن حرارته وإظهار الـ«كيو آر كود» فى حين أن الكثيرين من الزبائن يرفضون الحصول على اللقاح، ومن حصل عليه لا يمتثل للإجراءات الاحترازية الخاصة بدخول المطاعم والمتاجر.

ويوضح «العشرى» أن الأمر كان بدأ فى الحلحلة ولكن مع المتحور الجديد بات ذلك صعبًا، فى العام الماضى لم يكن هناك لقاحات، هذا العام يوجد متحور جديد، فى ظل الحديث عن أن اللقاح التعزيزى يرفع المناعة ويحمى بنسبة حتى %75، متسائلًا: «هل سيتحمل الاقتصاد غلقًا جديدًا؟!.

وفى بريطانيا، فى وقت تستعد فيه شخصيات «سانتا كلوز» لملاقاة الأطفال فى المتاجر، وأيضًا حيوانات الرنة التى تم تلقيحها ضد وباء «كورونا»، تخيم مخاوف الإغلاق، لتكون هناك توقعات بسفر«سانتا كلوز» افتراضيًا لجمع طلبات الأطفال، كما حدث العام الماضى عندما فرضت القيود الصحية قبل العطلة مباشرة لمواجهة الانتشار الحاد للمتحورة دلتا، تاركين أماكنهم المعتادة فى المتاجر ومراكز التسوق.

ورغم المخاوف التى يثيرها المتحور أوميكرون، يأمل أشخاص متنكرون بشخصية «سانتا كلوز»، بأن يتمكنوا من العمل كما هو مقرر، لذلك سيرتدى من يمثلون شخصيات «سانتا كلوز» كمامات حمراء هذا العام، وسيحافظون على تباعد جسدى مع الأطفال خلال التقاط الصور.

الخبير الاقتصادى من لندن، د. أحمد ياسين، يؤكد أن هناك شكوكًا كثيرة مترتبة عن المتحور الجديد لـ«كورونا»، تتعلق بمخاوف عدة من تجدد الإغلاق ليس فقط فى عواصم الكريسماس الشهيرة بـ أسواق عيد الميلاد فى أوروبا مثل فيينا، روما، ميونيخ، لندن، وهى مدن شهدت فى فترات سابقة قريبة عمليات إغلاق جزئى أو كلى، فى ظل وجود اتجاهات لدخول تلك الأماكن ومدن أخرى فى حالة إقفال بالفترة المقبلة، مما ينعكس بتبعات سلبية كبيرة بالنسبة لنشاط المستهلك وتوقعات النمو فى هذه الدول أو بلدان أخرى لم تفرض الغلق فى وقت سابق.

ويوضح «ياسين»، أن هناك مخاوف تتعلق بأن بريطانيا قد تضطر لفرض إجراءات الإغلاق التى قد شاهدناها العام الماضى بالرغم من أن المملكة المتحدة حققت نجاحات كبيرة فى برنامج التطعيم عبر جرعتين وأيضًا الجرعة المعززة، لافتًا إلى أن الاقتصاديات المتطورة عمومًا تعتمد فى دوران عجلاتها المالية على نشاط المستهلك، وطالما الأخير أصبح مهددًا من جديد فى مواجهة إغلاق يفرض على حركته مجددًا، سنجد تبعات اقتصادية خطيرة، وما يزيد الوضع سوءًا أنه إلى الآن لم يتم الحصول على تقارير مؤكدة من قبل منظمة الصحة العالمية بخصوص المتحور الجديد، فهناك تقارير تشير إلى أنه ينتقل بنسب أعلى بكثير من متحور «دلتا» لكن لا يوجد تقارير محددة المعالم حول فاعلية هذا المتحور، لذلك ستبقى الشكوك مسيطرة بظلال ثقيلة على نشاط المستهلك فى موسم أعياد الميلاد وما بعده.

وأردف «فى الوقت الذى تراجعت فيه تحديات كورونا فى الأشهر الأخيرة جاء المتحور الجديد ليفرض ضغوطات فى فترة اجتماعية واقتصادية مهمة للأوروبيين وهى أعياد الميلاد والكريسماس، ويضفى ظلالًا قاتمة الفترة المقبلة، ويأتى ارتفاع للتضخم هو الأعلى خلال 40 عامًا فى بعض الدول، وترتفع أسعار البضائع الأساسية المرتبطة بنشاط المستهلك بقيمة تزيد على 6 %، لذلك مثل هذا الواقع سيترك تبعات سلبية وخطيرة».

«سعد يوسف»، وهو عضو اللجنة الاقتصادية بأحد أشهر المتاجر الفرنسية، يتحدث عن أن الأوروبيين بشكل عام، والفرنسيين خاصة، لهم طقوس معينة تتعلق باحتفالات الكريسماس وعشاء عيد الميلاد، يجب القيام بها حتى فى أصعب الظروف، وهناك مشكلة فى توفير المنتجات فى ظل أن الاتحاد الأوروبى لا ينتج كل شيء، يصاحبها أن المعروض أقل من المطلوب وبالتالى تكون هناك زيادة للأثمان.

ومن خلال ملاحظات رصدها فى عمله، يوضح «يوسف» أن المكرونة واللحوم والحلويات على سبيل المثال زادت بنسبة %65 فى أقل من شهر، وهى سلع من أساسيات احتفالات سهرة عيد الميلاد، وبالنسبة لهدايا الكريسماس التى تطلب مبكرًا مع تقديم عروض مجدية من المتاجر كل عام، باتت غير أساسية مع تجهيز الاحتفالات، حيث يأتى معظمها من أسواق شرق آسيا، بالتزامن مع وجود مشاكل فيما يتعلق بسلسلة الشحن والإمداد على مستوى العالم، بعد غلق العديد من الدول للحدود، تأثرًا بمعاناة الكوفيد، فيكون وصول المنتجات متأخرة عن موعد احتياجها أو بسعر مرتفع بسبب أزمة الشحن.

وتابع: «شراء المنتجات من الأسواق والمتاجر أصبح بحسب الاحتياج وليس بالشكل المعتاد».

وننتقل إلى العاصمة الهولندية "أمستردام" حيث أنها مركز أساسي بشكل عام في أوروبا قبل "الكوفيد" لقضاء العطلات والاعياد ، ومن مساء الجمعة حتى صباح الأحد في كل أسبوع،ولكن أعلن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته عن عزم بلاده فرض إغلاقا صارما قبيل عيد الميلاد، دخل حيز التنفيذ الأحد الماضي ويتوقع أن يستمر حتى 14 يناير المقبل، كاشفا عن أنه سيتم إغلاق جميع المتاجر باستثناء محلات البقالة والمخابز والبنوك والصيدليات وسيتعين إغلاق مصففي الشعر والمدارس والمطاعم، ويمكن السماح ببيع الطعام المطبوخ فقط، وذلك في إطار التعامل مع موجة المتحور الجديد «أوميكرون».

ومن «أمستردام»، يقول «ناجي محمود-صاحب مطعم في وسط المدينة»، إن موسم عيد الميلاد ضاع هذا العام، حيث لا يوجد زينة بالشوارع أو أي معالم للاحتفال، ولم يتم اقامة كرنفالات أيضا، لدرجة أن سوق "الكريس ماركت" تم إلغاؤه لأول مرة، مما دفع الهولنديين يذهبون لشراء احتياجات الاحتفال والهدايا من أسواق في دول مجاورة .

وأشار «ناجي» إلى أنه كان هناك إغلاق جزئي للأسبوع الثالث ليأتي قرار الإغلاق الصارم من جانب الحكومة، في الوقت الذي أغلقت فيه مطاعم واماكن سهر بعد إفلاس ملاكها، نظرا لعدم القدرة على دفع الإيجارات والضرائب ورواتب العمال ، بعد أن كانت "أمستردام" مركز السياحة والترفيه في أوروبا نهاية كل أسبوع

وإلى العاصمة الإيطالية روما، حيث يقول الدكتور فؤاد عودة، رئيس الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية، إن الإحصائيات العالمية الأخيرة تقول إن هناك 270 مليون مصاب فى العالم بكورونا، 240 مليونًا منهم تعافوا، وأكثر من 5.3 مليون توفوا، وفى أوروبا تشير نفس الإحصائيات إلى أنه فى آخر اسبوعين، ثلث المصابين بالعالم متواجدون فى أوروبا، نصف من توفوا فى القارة العجوز التى هى عبارة عن 3 أقسام بالنسبة للتطعيم، فنسب التلقيح العالية فى إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، والمنخفض فى الدول الشرقية بالقارة.

وأوضح «عودة»، أن الكثير من الدول التى قامت بإجراءات التلقيح لها أهداف سياسية واقتصادية أكثر من أنها صحية، لذلك فإن أعياد الميلاد تحمل إجراءات جديدة من نوعها بالإغلاق واستخدام الكمامة فى الأماكن المفتوحة، جواز المرور الأخضر الإجبارى، فى ظل وجود ضربات كبيرة بالنسبة للسياحة والتعاون الاقتصادى بين الدول الأوروبية التى فشلت فى مقاومة الوباء بشكل جماعى.