الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

العـراق فى مئوية الاستقلال.. الدمار لم يجهض أحـــلام المستقبل

«نحن الذين جاهدوا ليرتقى الإنسان.. قد عانق بسمائنا الإنجيل والقرآن.. بعربنا، بكردنا سريان تركمان.. أشور من كلدان وسائر الأديان» بهذه الكلمات وصف الشاعر الكبير كريم العراقى بلاده.. التى تمر هذه الأيام بذكرى مئوية تأسيسها.



العراق صاحبة الحضارة العريقة.. بلد الرافدين.. البلد الجريح الذى عانى سنوات عجاف.. من الحروب والإرهاب والدمار والانقلابات.. مائة عام والشعب العراقى صامد.. حالم بغدٍ أفضل.. فسنوات الاحتلال والدمار لم تستطع محو أحلام المستقبل.. وعلى أمل الغد صمد العراق.. وأجياله القادمة هى صاحبة القرار إما الاستسلام لصراعات السلطة أو المضى قدمًا لبناء عهد جديد دون دماء.

طريق العودة

«هنا على الأرض التى تقف أقدام العراقيين عليها بثبات كانت أول دولة عرفتها البشرية، وأول قانون نظم حياة البشر، وأول شرطى كانت وظيفته حماية الناس وأول جندى نظامى دافع عن الحدود وضحى من أجلها». بهذه الكلمات احتفل رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى بمئوية بلاده التى تأسست فى عام 1921 عقب إنهاء الاحتلال البريطانى للأراضى العراقية بعد ثورة شعبية عام 1920 لتتوحد الدولة بولاياتها تحت إدارة مركزية واحدة فقط، فكانت الثورة بمثابة إعادة تأسيس هوية كاملة لبلاد الرافدين.

وأعلنت الحكومة العراقية يوم 11 ديسمبر عيدًا للاحتفال بذكرى ميلاد عهد جديد للبلاد، وتحولها من سيطرت الاحتلال البريطانى إلى الملكية العراقية بعد اتحاد ولاياتها الموصل وبغداد والبصرة إلى الدولة المركزية، وكان الكاظمى قد أكد خلال كلماته للشعب العراقى فى ذكرى الاحتفال، على أهمية المضى فى خطى استقرار البلاد وتحمل المسئولية أمام الأجيال القادمة، موضحًا: «هى مسئوليتنا التى تناقلتها الأجيال ووصلتنا، وسننقلها إلى أجيالنا القادمة لنقول لهم بكل وضوح وصراحة تليق بعصر التكنولوجيا الحديث: هنا العراق، هنا الدولة، وليس أمامنا من خيار إلا الدفاع عنها وحفظ تاريخها ومنع المتلاعبين بمقدراتها».

وقال الرئيس العراقى برهم صالح، إن العراق قد مر بالعديد من الأزمات عبر تاريخه، وأن المراحل اللاحقة لم تكن خالية من التصدعات والانتكاسات، فعصفت بشعبهِ المآسى، حروب واضطهاد وحصار وصولاً لاستباحة الإرهاب لمُدننا، موضحًا أن أكبر الدروس المُستقاة من مئوية الدولة العراقية هو الحاجة المُلحّة للحكم الرشيد، فرغم موارد البلد الطبيعية الغنية وطاقاته البشرية الفذة وموقعه الجغرافى فى قلب المنطقة، لم يجلب كل ذلك السلام الدائم والعيش الرغيد لمواطنيه.

واختتم الرئيس صالح كلماته التى وجهها للشعب العراقى: «اليوم، ونحنُ على أعتاب استحقاق وطنى مهم بتشكيل حكومة جديدة يجب أن تكون مُقتدرة، نجد من الضرورى الانطلاق نحو عقد سياسى واجتماعى جديد ضامن للسلم الأهلى ترسيخًا للحكم الرشيد، يقوم على مُراجعة موضوعية لأخطاء وتجارب الماضى».

كما هنأ رؤساء الدول العربية جميع الشعب العراقى بذكرى تأسيس البلاد، معربين عن أن الخطوات القادمة ستعلن ميلاد عهد جديد للشعب الشقيق.

ذكرى التأسيس

وجد القائمون على الدولة العراقية ذكرى تنصيب فيصل الأول بن الحسين ملكًا على بلاد الرافدين عام 1921 مناسبة لتكون العيد الوطنى للدولة.

وفى المنطقة الخضراء، احتفل زعماء سياسيون وعدد محدود من الضيوف بمئوية الدولة العراقية على أنغام الموسيقى التراثية، وفى أجواء لم يظهر عليها التجاذب السياسى.

وأقامت الحكومة العراقية احتفالاً كبيرًا داخل مبنى قصر الحكومة بمناسبة الذكرى المئوية على تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

وشارك فى «الكرنفال» الاحتفالى الكاظمى ووزراء ونواب وشخصيات دينية وثقافية وأدبية وفنانون ورياضيون وشيوخ عشائر وآخرون يمثلون الطيف العراقى وسفراء الدول العربية والأجنبية المعتمدون فى العراق.

وتتزامن ذكرى المئوية مع حدثين مهمين: الأول خروج القوات الأجنبية القتالية من العراق فى موعدٍ أقصاه 31 ديسمبر الحالى. والثانى بعض التوتر السياسى الذى أعقب نتائج الانتخابات التى جرت فى 10 أكتوبر الماضى، بعد رفض بعض القوى الخاسرة نتائج العملية الانتخابية.

أزمات وحروب

وقد مرّ العراق خلال تاريخه الحديث بأزمات تاريخية مهمة لم تؤثر عليه وحده فقط، بل على عموم دول المنطقة، إذ لم يكن عام 1921، عقب ثورة 1920 ضد الاحتلال البريطانى، إيذاناً بإعلان دولة العراق وتوحيد ولاياته فقط، بل كان بمثابة إعادة تأسيس هوية كاملة لبلاد الرافدين.

ومرّت البلاد بسلسلة من التقلبات الكبيرة من الملكية إلى الجمهورية، مروراً بحقبات التيارات القومية والشيوعية والبعثية، ثم الأحزاب الإسلامية.

وغرق العراق بثلاث حروب طاحنة. الأولى مع إيران (1980-1988)، ثم مع الولايات المتحدة وحلفائها عقب غزوه الكويت عام 1991، وآخرها حرب عام 2003 التى نتج عنها احتلال العراق من قبل الأمريكيين وتغيير شكل النظام السياسى. وأعقب ذلك انهيارات أمنية وهزات سياسية وآثار اجتماعية ضخمة ما تزال آثارها حاضرة حتى اليوم.

وعلى عكس الدول الأخرى، يفتقر العراق لتوثيق كامل ودقيق لكل الحقب والأحداث التى مرّ بها، إذ إن أعمال النهب والسلب والحرق التى رافقت كل الأحداث جعلت الكثير من الحلقات مفقودة أو بحاجة إلى أجوبة عن أسئلة ونقاط محل شك وتحليل. 

تاريخ العراق الجمهورى

شهدت فترة الحكم الملكى فى العراق من العام 1921 وحتى العام 1958 العديد من التحديات أبرزها تجميد الحياة الحزبية فى العام 1925 وانقلاب بكر صدقى فى العام 1936، ثم جاءت ثورة رشيد عالى الكيلانى 1941، هى ثورة وطنية وأحد أبرز الأحداث التى غيرت تاريخ العراق، ونتج عنها إسقاط عبدالإله الوصى على العرش وتشكيل حكومة جديدة برئاسة رشيد عالى الكيلانى، وسُمّيت هذه الثورة بالعامية «دكَ‍ة رشيد عالى الكيلانى»، لكن بسبب ما أنتجته الثورة من أزمات اجتماعية واقتصادية دفع الجيش إلى القيام بثورة 1958 بقيادة عبدالكريم قاسم وإعلان الجمهورية العراقية، وشهدت هذه المرحلة العديد من المشاكل بعد تجميد الدستور وإعلان الدستور المؤقت، كما شهدت هذه المرحلة محاولة انقلاب فاشلة فى العام 1959 بقياد عبدالوهاب الشواف وكذلك محاولة اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم عام 1959، وانتهى عهد الجمهورية الأولى بسبب الحركة المعروفة بـ«8 شباط» 1963 بقيادة عبدالسلام عارف وحزب البعث، غير أن هذا هذه المرحلة كانت بداية لمرحلة دموية فى تاريخ العراق الحديث، ففى العام 1966 توفى عبدالسلام عارف بحادث سقوط طائرته فى محافظة البصرة ليتولى شقيقه عبدالرحمن عارف رئاسة العراق، وفى العام 1968 قام حزب البعث بالانقلاب على السلطة وتولى إدارة البلاد، الأمر الذى جعل العراق يسير باتجاه آخر نحو صراعات إقليمية وحروب راح ضحيتها ملايين المواطنين وهدر تام للموارد الاقتصادية والبشرية.

العراق الجديد

فى العام 2003 سقط نظام البعث بعد دخول قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة إلى العراق لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ العراق من خلال تأسيس مجلس الحكم وإعلان الحكومة المؤقتة فى العام 2004 ووضع دستور دائم للبلاد والذى تم إقراره من خلال دستور شعبى فى العام 2005 لتجرى أول انتخابات فى العام 2006 وتشكلت أول حكومة عراقية منتخبة، وشهدت هذه المرحلة العديد من الأحداث السياسية والأمنية التى أثرت على جميع مناحى البلاد بصورة قوية، وأدت إلى إضعاف القوى السياسية وخوض المزيد من المعارك الطاحنة فى الداخل خاصة بعد تفشى الميليشيات المسلحة، لكن فى النهاية استطاع العراق أن يستعيد دوره على المستويين الإقليمى والدولى خاصة بعد عقد القمة العربية فى بغداد فى العام 2012، وكذلك دوره كقوة عسكرية بعد تحقيق الانتصار على تنظيم داعش عام 2017.

ومع توالى الانتصارات مازالت العراق تقف فى مفترق طرق بين تاريخها الحزين، ومستقبلها الصحيح.

بداية جديدة

ويرى السياسى والنائب السابق فى البرلمان العراقى، عباس الزاملى، أن العراق مر بظروف صعبة خلال الـ 100 عام التى تلت تأسيس الدولة، حيث شهدت البلاد تحولات جذرية فى طبيعة النظام السياسى الذى تحول من الملكى إلى الجمهورى ثم إلى البرلمانى.

ولفت فى حديث صحفى، أن البلاد مرت بتقلبات كثيرة أبرزها الاحتلال الأمريكى، مبيناً أن العراق ورغم كل ما مر به من ظروف، فإنه ما يزال يستقطب أنظار العالم بسبب ما يتميز به من موقع جغرافى مهم جداً، وما يمتلكه من حضارة وتاريخ عريق، وما لديه من تأثير إقليمى ودولى. 

وتابع السياسى العراقى: «أنظارنا تتجه نحو ذكرى المئوية التى نأمل أن تمثل انطلاقة جديدة باتجاه بناء العراق والحفاظ على تاريخه وإنهاء النزاعات والصراعات الإثنية»، مشدّداً على ضرورة تجاوز المشاكل من خلال قبول الآخر والتعايش السلمى، فى ظل وجود نظام ديمقراطى يضمن حق التعبير عن الرأى والمشاركة السياسية.

وحذّر الزاملى من استمرار الصراعات السياسية التى تفجّرت بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، قائلاً «إذا شهدنا تطورات سياسية خطيرة فإن ذلك يؤثر على طبيعة وشكل النظام السياسى». 

من جهة أخرى، اعتبر أستاذ التاريخ السياسى فى الجامعة «المستنصرية» الدكتور صالح العلوى أن بناء الدولة العراقية الحديثة بتتويج الملك فيصل الأول ملكًا على العراق فى 23 أغسطس 1921 هو الحدث الأبرز خلال القرن الماضى، ويتبعه الحدث الثانى الذى عزز استقلال البلد وعُدّ عيدًا وطنيًا وهو دخول العراق إلى عصبة الأمم المتحدة سنة 1932، وباتت على إثره بلاد الرافدين على سكة الهوية الوطنية. 

وما بين الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) واجتياح العراق الكويت عام 1991، والغزو الأمريكى للبلاد عام 2003 الذى اعتبره الأكثر ضررًا على البلد، يقر العلوى بأن حرب الثمانى سنوات (الحرب العراقية - الإيرانية) فتحت أبواب الحروب الأخرى على العراق وجلبت له المزيد من الصعوبات، ويؤكد أن الحربين الثانية والثالثة جاءتا بسبب الإرهاصات التى نتجت عنهما، ومنها العقوبات التى نالت من جميع العراقيين خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضى.