الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«روزا» والحب الأول

لا شىء يترك فينا أثراً بقدر الشىء الأول.. النفس الأول.. الخطوة الأولى.. النظرة الأولى..الحب الأول. كل «أول» فى هذه الحياة جميل ويترك  داخلنا شيئًا لا يُنسى.. شيء لا نلمسه بل نشعر به وتخالج الفرحة صدورنا كلما تذكرناه..ولهذا السبب ربما عشقت «روزا» فقد كانت أول ما لمسته يداى الصغيرتان من مطبوعات صحفية، حينها كنت فى سن السابعة تقريبًا وكان والدى رحمة الله عليه يحرص على قراءة الجرائد اليومية وبينها روزا وكانت مجلة أسبوعية.



لفتت انتباهى المجلة أكثر من الجرائد ربما لأن غلافها ملون أو بسبب الصور والكاريكاتير داخلها.. حينها لم أكن أعرف السبب على وجه التحديد  ،لكنها كانت مجرد عين طفلة لا تدرك ماهية الأمور ، الأغرب أنه حتى المقالات السياسية كنت أراها وأسير بين سطورها لكنى لا أدركها تمام الإدراك.. كان هنالك شئ ما يجذبنى بشدة ويأسر قلبى رويدًا رويدًا.

كان هذا قدرى منذ البداية وأنا مؤمنة بأن «كل ميسر لما خلق له» ،ومن روزا بدأت حكاية دراماتيكية حالمة وفى سن مبكرة جدًَا  أصابتني لعنة عشق صاحبة الجلالة وقصص رجالات السياسة والصحافة والفن هذا العشق الذى يخترق مسامك حتى يصير أنت وكلما أبحرت بين صفحات الصحف والمجلات كانت روزا هى ميناء مراكبى.. أرسو عليها مطمئنة، سعيدة وأنا ألتهم بعقلى وعينى كل ما كُتب أو رُسم بين طياتها.

فى روزا عرفت التابعى وإحسان وموسى صبرى وهيكل وأنيس منصور ومصطفى أمين.. وفيها قرأت أسرار عبدالناصر والسادات والملك فاروق ومعظم من حكموا مصر.

على صفحاتها أحببت أناسًا لم أقابلهم أبدًا وكرهت آخرين عاشوا فى أزمنة بعيدة.. انحزت لأشخاص على حساب غيرهم عشرات المرات ببراءة طفولية شديدة

كان ذلك ربما فى التسعينيات وكان رئيس التحرير وقتها محمود التهامى ثم الأستاذ عادل حمودة والذى بفضله  أصبح شغفى الأول هو القراءة فهو كتيب مصر الأول من وجهة نظرى وظللت أتتبعه فى كل مطبوعة صحفية يصدرها حتى بعد روزا،  ألتهم كل ما يكتب ومن خلاله عرفت إبراهيم عيسى والإبراشى وعبدالله كمال وكرم جبر وغيرهم كثيرين.

ظللت لسنوات طويلة  لا يفوتنى عدد من روزا وخصصت لهذا الكنز الصغير مكانًا سريًا فى بيتى الهادئ الدافئ آنذاك بإحدى بلدان محافظة الفيوم،مكان أجمع فيه أعداد المجلة عددًا تلو الآخر سنة تلو الأخرى.. لكن يحزننى الآن وبشدة أن كنزى الصغير تلاشى مع الزمن ومع الانتقال من بيت لآخر، لكن الذكرى محفورة داخلى.

وربما لقوة تأثير المجلة فى قلبى سبب آخر وهو أن مؤسستها سيدة ولطالما وقعت أسيرة عشق سيّر السيدات القويات المكافحات والعنيدات أحيانا حيث أنتمى..وفاطمة اليوسف أولهن فهى امرأة لم تكن «كتيبة» بلغة الصحافة، لكنها كانت ذواقة للكلمات وهى موهبة لو تعلمون عظيمة حتى أصبحت مجلتها الأكثر مبيعًا فى زمن كانت سطوة الصحافة فيه حكراً على الرجال،أى نموذج هذا وأى امرأة هذه يسرح عقلى طويلًا، بينما أنتظر أن يمر الأسبوع سريعًا حتى يأتى موعد صدور المجلة، أذهب جرياً لعم فاروق أشهر بائع صحف فى بلدتنا وصديقى أيضًا لأجد العدد «محجوزًا» لى فأعود إلى البيت بخطى واثبة لأعيش على أوراق «روزا» عشرات المعارك الصحفية وأتابع الصراعات السياسية فتأخدنى بحور و أمواج السياسة والصحافة والفن المتلاطمة والمتلاحمة معًا وأغرق بينها فى نشوة لا توصف..هكذا أمضيت طفولتى.

وكم يود البشر لو أن الزمان يعود بهم فيصيروا أطفالاً وهنا قد تكون الفكرة مستحيلة واقعيًا لكنها قائمة روحيًا.. كلما أمسكت بـ «روزا» أقلب بين غلافيها تخطفنى الصفحات وتعيدنى إلى «داليا» ابنة السبع سنوات فأسرق من الزمن متعته حتى الصفحة الأخيرة من محبوبتى روزا.. هذا فقط وأنا اقرأها فما بالك عزيزى القارئ وأنا بين كوكبة كُتابها أكتب مقالى الأول.. ولأننى أسيرة فكرة أوائل الأمور والأحداث فاخترت أن يكون مقالى الأول عن حكايتى مع روزا وحبى الأول.

شكرًا للدعوة الكريمة.