الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«أوميكرون» يتحكم فى سوق النفط تحديات هائلة تواجه أسواق البترول فى

تواجه سوق النفط أزمة قوية أدت إلى ارتباك معظم الدول مع ارتفاع غير مسبوق فى أسعار البترول، خاصة والعالم على أعتاب أزمة اقتصادية لم تشهدها الدول منذ عام 2008، الأمر الذى قد يؤدى إلى تفاقم مزيد من الأزمات خاصة بعد إعلان تحالف «أوبك +» 



عن تمسكهم بعدم زيادة الإنتاج واتباع الخطة المتفق عليها حتى بداية العام المقبل.

ومن جهة أخرى أدى ظهور المتحور الجديد «أوميكرون» إلى مزيد من التخبط فى سوق النفط، خاصة بعد إعلان بعض الدول لتدابير إغلاق وحظر سفر مما أثار علامات استفهام حول أفق الطلب على النفط مع دخول عام 2022.

 

ومن المحتمل أن تؤدى القيود الدولية الجديدة إلى عرقلة تعافى الطلب على استهلاك وقود الطائرات، كما يرجح أن تراقب البلدان المنتجة للنفط (والتى تشكل تحالف «أوبك+» الأسعار بتوتر شديد مع مواجهة الكتلة الآن لمجموعة جديدة من المتغيرات بشأن عام 2022، وهى السنة الأخيرة التى يفترض أن تستمر فيها قيود الإنتاج التى فرضت استجابة لجائحة «كورونا».

أوبك + والاختبار الصعب

تمر أسواق النفط بمأزق لم يكن من الممكن تصوره قبل أسابيع فقط، فقد كانت الأسعار فى انتعاش بدا غير قابل للتوقف وكان مستمرًا منذ شهور، حيث وصل خام برنت لأعلى مستوى له منذ سنوات عند أكثر من 86 دولارًا للبرميل أواخر أكتوبرالماضى،  قبل أن يبدأ الحديث عن الإفراج عن الاحتياطيات الاستراتيجية للولايات المتحدة فى وضع ضغط هبوطى على الأسعار.

ولكن بعد يوم واحد فقط من عطلة عيد الشكر فى الولايات المتحدة، انخفضت الأسعار بنحو 10 دولارات للبرميل عن اليوم السابق، حيث استقر خام برنت عند 72.72 دولار للبرميل مع أخبار بدء انتشار متحور «أوميكرون».

ومع ذلك، فحتى فى يوم إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن بشأن الإفراج عن الاحتياطات الاستراتيجية، صعدت الأسعار ثانية، وهناك شبه إجماع بين المحللين بأن تحرك إدارة «بايدن» كان سياسيًا؛ إذ أنه لطالما كانت أسعار البنزين والديزل فى الولايات المتحدة موضوعًا حساسًا من الناحية السياسية، ويشعر حزب «بايدن» الديمقراطى بقلق إزاء تأثير التضخم على الانتخابات النصفية الأمريكية التى بقى أقل من 12 شهرًا عليها.

مصير النفط

وبعد أيام من اجتماع أوبك + (2 ديسمبر) ارتفعت أسعار العقود الآجلة للنفط بصورة ملحوظة، وذلك بعد إعلان السعودية زيادة أسعار بيع نفطها الخام، فى إشارة إلى الثقة فى تحسن الطلب على النفط، رغم انتشار السلالة أوميكرون المتحور الجديد من فيروس كورونا المستجد.

وارتفع سعر العقود الآجلة فى تعاملات نيويورك الأسبوع الماضى،  إلى 2.9% بواقع 68 دولارًا للبرميل.

ورفعت السعودية أسعار بيع النفط لعملائها فى آسيا والولايات المتحدة تسليم ينايرالمقبل بعد أيام من قرار تجمع أوبك + للدول المنتجة للنفط زيادة إنتاجها بـ400 ألف برميل يوميًا فى الشهر المقبل.

وأشارت وكالة بلومبرج الأمريكية للأنباء إلى أن أسعار النفط الخام ذات نسبة الكبريت المرتفع فى أسواق آسيا وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2000 على الأقل.

وارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط، الخام القياسى للنفط الأمريكى 2.9% إلى 69.15 دولاراً للبرميل تسليم يناير المقبل.

وارتفع سعر خام برنت القياسى للنفط العالمى 2.8% بواقع 71.80 دولار للبرميل تسليم فبراير المقبل.

كما أعلنت شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط زيادة سعر الخام العربى الخفيف، الخام الأساسى للنفط السعودى، 60 سنتاً عن سعر ديسمبرالماضى إلى 3.30 دولارات فوق سعر الخام القياسى لعملاء الشركة فى آسيا.

الاتجاه نحو الحلفاء

وفى خطوة سابقة لاجتماع أوبك+ أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن عن الإفراج عن الوقود الاستراتيجى للولايات المتحدة بإجمالى 50 مليون برميل من الخام، كذلك الاتجاه نحو حلفاء واشنطن فى الهند واليابان وإنجلترا وكوريا، على الدول المُصدرة لزيادة إنتاجها فى مسعى منسق للتخفيف من ارتفاع أسعار الوقود، كما حاولت الإدارة الأمريكية التنسيق مع الصين فى الإطلاق العالمى لاحتياطيات النفط.

وجاء ذلك بعد قرار أوبك + فى المضى قدمًا فى الزيادة المقررة فى إنتاج النفط حتى يناير المقبل بقيمة 400 ألف برميل يوميًا.

وقالت أوبك + فى اجتماعها، إنها ستبقى اجتماعها مفتوحًا لمتابعة تطورات متحور «أوميكرون» الجديد، ومواصلة مراقبة السوق عن كثب وإجراء تعديلات فورية إذا لزم الأمر.

ويرى مراقبون وخبراء فى مجال النفط، ألا يؤثر قرار الولايات المتحدة وحلفائها بشأن الاستخدام من المخزون النفطى الاستراتيجى على المدى البعيد فى خفض أسعار النفط، وأن يُحدث القرار الذى اتفقت عليه «أوبك +» استقرارًا فى الأسواق.

وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت الهند أنها ستفرج عن 5 ملايين برميل من المخزونات الخاصة بها، وأضافت المملكة المتحدة 1.5 مليون برميل آخر، كما أن الصين واليابان وكوريا الجنوبية، التى شكلت معًا 60 % من استهلاك النفط فى آسيا والمحيط الهادئ فى عام 2020، اتجهت لتحرير كميات من المخزونات الاستراتيجية بالرغم من عدم إلزام نفسها بكميات معينة.

وبينما كان من المرجح أن تؤدى هذه الإفراجات إلى نقاشات بين الوفود فى «أوبك+» بغض النظر عن قرار المجموعة فى نهاية المطاف، فإن مشكلة الإفراج عن الاحتياطات أنه إجراء وقتى فى إطار زمنى محدد؛ وبالتالى كان يمكن الاكتفاء بتعليق خطط «أوبك+» لمدة شهرين من أجل تعويض التأثير الذى سيتسبب به إطلاق الاحتياطيات.

الخطر يهدد بدائل النفط

ووفق بلومبرج فقد صرح مسئولو شركات النفط العالمية أن ارتفاع أسعار الوقود الأحفورى سواء من النفط أو الغاز الطبيعى،  يمكن أن يدمر جهود التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة النظيفة.

وقال باتريك بويان الرئيس التنفيذى لشركة توتال إنرجيز خلال فى المؤتمر العالمى للبترول (7 ديمسبر)، إن استمرار أسعار النفط المرتفعة للوقود الأحفورى مثل الغاز الطبيعى فترة طويلة «يمكن أن تهدد تطوير» البدائل.

وقال أمين الناصر الرئيس التنفيذى لشركة أرامكو السعودية إن بعض الدول الآسيوية التى كانت على وشك التحول من الفحم إلى الغاز الطبيعى، قد تتراجع بسبب ارتفاع أسعاره حالياً.

وأضاف أن إمدادات الطاقة المتجددة لم تتطور بالدرجة الكافية لتقلل استخدام الوقود الأحفورى.

فى الوقت نفسه أكد أندريس أوبيدال الرئيس التنفيذى لشركة الطاقة النرويجية إيكوينور، مخاوف رئيس توتال، وقال إن الارتفاعات الأخيرة لأسعار الطاقة فى العالم من أوروبا إلى الصين، توضح أننا نواجه خطر «انتقال غير متوازن» نحو الطاقة النظيفة.

مأزق «بايدن»

وأثار ارتفاع أسعار الوقود فى جميع أنحاء الولايات المتحدة دعوات من الجمهور والمسئولين لإيجاد حل، مع حرص المعارضين السياسيين لـ«بايدن» على إلقاء اللوم فى الزيادات على البيت الأبيض، بالرغم أن الرئيس ليس لديه الكثير من الخيارات التى يمكن أن يكون لها تأثير مباشر ودائم على أسعار النفط.

ومن المرجح أن ما حفز الديمقراطيين على التصرف هى كثرة التقارير التى توقعت صعود أسعار النفط وصولًا إلى 100 دولار للبرميل الخام مع نهاية 2021، بالرغم أن احتمالات التحقق الفعلى لهذه التوقعات كانت محل خلاف قوى، كما كان هناك خلاف حول قدرة الإفراج عن الاحتياطيات الاستراتيجية على إحداث التأثير المطلوب على الأسعار.

مستقبل ضبابى 

يرجح أن تتبع «أوبك +» نهجًا أكثر حذرًا، فى الوقت الحالى، عن طريق إيقاف مؤقت لإضافة أية إمدادات فى يناير مع إمكانية تكرار هذا القرار فى فبراير.

ويتوقع أن يؤدى استمرار الإفراج عن الاحتياطيات الاستراتيجية إلى زيادة الإمدادات المتاحة، فى الوقت الذى تستمر فيه تداعيات «أوميكرون».

وإذا تبين أن المتحور الجديد أقل قابلية لتعطيل السفر والتعافى الاقتصادى مما ظنته الأسواق المذعورة فى البداية، فقد تواصل «أوبك+» زياداتها فى الإنتاج بنحو 400 ألف برميل يوميًا فى فبراير، إلا أن هذا تفاؤل لا يمكن تصوره الآن.

ويعد تأثير ظهور متحورات «كوفيد- 19» الجديدة على الأسواق أمرًا غير قابل للتوقع، وبالتالى لا يمكن استبعاد مثل هذه النتيجة حتى تتوفر المزيد من البيانات حول «أوميكرون» وهو الأمر الذى يستغرق بعض الوقت غير المعلوم.

وإذا تحقق السيناريو الأسوأ، وتسبب «أوميكرون» فى آثار رهيبة فى جميع أنحاء العالم مع انخفاض درجات الحرارة لفصل الشتاء، فقد ينظر التحالف فى خفض إنتاج جديد بالإضافة إلى تعليق الزيادات فى الإنتاج.

وبالرغم أن ذلك سيساعد فى منع عودة الأسعار إلى المستويات المتدنية التى ستوسع العجز فى الموازنة لدى البلدان المنتجة، فإنه سيعكس أيضًا آفاقًا غامضة جدًا فيما يتعلق باستمرار تعافى الطلب على النفط فى عام 2022، والتى كان يُتوقع على نطاق واسع أن تعود إلى مستويات ما قبل الوباء.

وفيما كان معظم المنتجين ضمن «أوبك+» يحرصون على تعويض خسائرهم بعد الألم الاقتصادى الناجم عن تدمير الطلب على النفط بفعل الوباء فى عام 2020، فإن الآخرين (مثل نيجيريا وأنجولا والعراق والكويت) يتعرضون لمشاكل تدهور الإنتاج والبنية التحتية التى بدأت فى تعقيد عملية رفع الإنتاج فوق المستويات الحالية، ويمكن أن يؤدى ذلك إلى احتكاكات بين أعضاء المجموعة.

مخاطر أخرى 

وفق تقدير الباحث الأمريكى، كولبى كونيلى،  هو باحث سابق فى معهد دول الخليج العربية فى واشنطن، يرى أن أوبك+ ستعمل على متابعة تطورين جيوسياسيين رئيسيين سيؤثران على أعضائها فى العام المقبل؛ أولهما هو استئناف محادثات إحياء الاتفاق النووى الإيرانى والتى يمكن أن تؤدى إلى تراجع الولايات المتحدة تدريجيًا عن العقوبات على إيران وإضافة ما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميًا من الخام إلى السوق، ولكن تأثيرات حدوث ذلك ليست واضحة حاليًا كما هو الحال بشأن آفاق «أوميكرون».

أما العامل الثانى الغامض أيضًا فهو احتمال تعطل صادرات النفط الليبى إذا أدت الانتخابات المقررة فى أواخر ديسمبر الى حدوث توتر فى ليبيا؛ حيث حافظت البلاد على إنتاج أكثر من مليون برميل يوميًا من الصادرات منذ أن تم رفع الحصار المحلى الذى أدى لجعل مستوى إنتاجها صفرًا تقريبًا فى أواخر عام 2020، ويمكن أن يتسبب فقدان هذه الصادرات فى قفزة فى الأسعار مجددًا.

من المهم الإشارة إلى أن كلا البلدين معفى من حصص الإنتاج فى الوقت الحالى،  أما إذا حدثت إعادة تخصيص للحصص لتشمل أحدهما أو كليهما، فسوف يسبب هذا الانزعاج فى صفوف أوبك+.

ومع استمرار تباين التحديات التى تواجه أعضاء «أوبك +» فى خضم تحول الطاقة الذى يتطلعون إليه، فإن جهود المجموعة فى إدارة الأسواق وموازنة أولويات وسياسات أعضائها، سوف تصبح مهمة أكثر تعقيدًا.